العدد 695 صدر بتاريخ 21ديسمبر2020
“المسحراتي” هو شخص مهمته الأساسية إيقاظ الناس لتناول طعام السحور في شهر رمضان، وقد اختارت الفنانة عبير علي هذا الاسم ليكون اسم لفرقتها، قاصدة من ورائه أن تكون عروضها محاولة لإيقاظ الوعي من خلال استحداث طرق جديدة في الحبكة الدرامية والأداء المسرحي الذي يعتمد في كثير من الأحيان على تيمة “الكولاج” الذي يضفر الأحداث المتنافرة ويجمعها في سياق واحد ليخلق منها حالة جديدة.
وتتباين عروض الفرقة بين الدراما المفتوحة ذات الموضوع الواحد، وفكرة “السهراية” متعددة الروافد والمعتمدة ـ أساسا ـ على الحكي متعدد الموضوعات.
وقد بدأت فرقة “المسحراتي” كورشة لإعداد المبدع سواء في الإخراج أو التمثيل أو التأليف المسرحي، من خلال تقنيات تفارق تقنيات المسرح التقليدي، والجمع الميداني للحكايات الشعبية، وحكايات البيوت المصرية لاكتشاف المفاهيم والأشكال المهمشة، وقد بدأ هذا النشاط عام 1988 تحت إشراف عبير علي مؤسسة الفرقة ومخرجة عروضها.
ومن هنا انطلقت الفرقة في البحث عن خصوصية لمسرح مصري يعبر عن الإنسان البسيط بأدوات تعبير محلية وهذا المفهوم ـ على حد تعبير عبير علي ـ ليس من منطلق قبلي ولكن حرصا من الفرقة على أن تكون تجربتها إضافة للتجربة الإنسانية بخصوصيتها وليس حذفا منها بالتقليد، وقد اعتمدت الفرقة في تحقيق هذه الفكرة على عدة أمور منها: أن يكون موضوع العرض من الموضوعات الملحة في الشارع المصري كفكرة ثم تبدأ في عمل “ورشة” لكتابة هذه الفكرة من خلال البحث عن النصوص المسرحية والأعمال الأدبية والشعرية التي تناقش تلك المواضيع مع جمع مادة حية من حكاوي البيوت المصرية والشوارع ويصاغ ذلك عبر الورشة ليخرج في النهاية النص المسرحي، هذا من ناحية المضمون.
أما على مستوى الشكل والتقنية فقد اعتمدت الفرقة في تطوير تقنياتها على البحث والتنقيب في مراجع الفكلور وعلم الاجتماع والجمع الميداني من على جدران المعابد والمتاحف وألوان الموسيقى والغناء الشعبي والحكم والأمثال، ورسومات الأطفال والملابس والإشارات والإيماءات وغيرها من أشكال التعبير المختلفة والخاصة جدا حتى يخرج العرض المسرحي ـ بمصرية خالصة ـ عن الإنسان والمكان والزمان.
والفرقة بذلك تجرب وتطور في أشكال الفرجة من حكي من خلال عروض تحمل مفاهيم متعددة للفضفضة كالسهراية والاسكتشات واستخدام الأراجوز وخيال الظل وعرائس الماريونيت في محاولة جادة لإثراء اللوحة البصرية عن طريق الإبهار والانتقال من حالة مسرحية إلى حالة أخرى في مشهد واحد.
كذلك يأتي استخدام “الدمى” في بعض العروض كدلالة مجازية على القهر الاجتماعي والسياسي من خلال فكرة مبسطة تقوم على أنسنة الأشياء وتحويلها إلى مركز لإثارة الوعي الداخلي لدى المشاهد.
وقدمت فرقة المسحراتي حتى الآن أكثر من عشرين عروض مسرحية بدأت في عام 1988 بعرض “الشاطر حسن” تأليف الشاعرين فؤاد حداد ومتولي عبداللطيف وقد عرض في عدة أماكن منها نادي الوفاء ومعرض القاهرة الدولي للكتاب وقصر ثقافة الإسماعيلية، وقد اعتمد العرض على توظيف الحكاية الشعبية في إطار واقعي بلغة شعرية تحمل قدرا كبيرا من الدلالات.
أما العرض الثاني “رؤية عن الشاطر حسن” تأليف سعيد شعيب 1989، فقد تم عرضه على المسرح العائم الصغير ونادي الوفاء ونادي منف وقد لعب على نفس تيمة العرض الأول مع التوسع في رقعة النص المسرحي وجعله أكثر واقعية أما عرض “أشباح مصرية” 1990 فهو عبارة عن كتابة جماعية لإعادة صياغة نص “الأشباح” لابسن حاولت من خلاله الفرقة تقديم رؤية مصرية معاصرة للنص الذي جاء مضفرا بآليات من الحكي الشعبي والنكتة اليومية معتمدا على صيغ رمزية للمقاومة سواء كانت مقاومة الذات للذات أو مقاومة للأخر فيما يمكن أن نسميه “المقاومة بالسخرية”.
وقد تم تقديمه على مسارح نادي الوفاء ونادي منف وفي قاعة عبد الرحيم الزرقاني بالمسرح القومي.
أما مسرحية “سلسبيل” فقد قدمت في افتتاح المهرجان الرابع للفرق المسرحية الحرة عام 1991 وشاركت به في المسرح التجريبي في نفس العام فتستلهم الموروث المصري ليس بالمعنى الاقتباسي أو التناصي إنما مناقشته وعرض سلبياته وإيجابياته في رؤية تمزج بين التقنية الفنية والتوثيق التراثي.
ثم جاء عرض “سبارتاكوس” الذي عرض على المسرح العائم وعلى قصر ثقافة 15 مايو 1992 معتمدا على توظيف الأسطورة اليونانية الشهيرة وإعادة الحياة لسطورها من خلال تضفيرها بأبعاد سياسية واجتماعية شديدة المصرية.
ثم كانت درة الفرقة وأحد أهم أعمالها مسرحية “حكاوي النص همة” والتي قدمت على مسرح الهناجر في بيت زينب خاتون وبالمهرجان التجريبي عام 1994، لتؤكد ذلك الزخم الفني الذي آلت الفرقة على نفسها أن تقدمه من قلب الموروث الشعبي ومن الذاكرة الجماعية المليئة بالمشاعر الإنسانية، بتوظيف تيمة الحكاية مستفيدة من ألف ليلة وليلة، هذه الحكاية الرئيسية يتولد من جوفها حكايا أخرى، تكشف العلاقات بين الشخصيات التي نجحت مخرجة العرض في إقامة توليفة منهم ما بين ريفية ومدنية، هذه العلاقات تعبر عن أشكال عديدة من الغرابة التي تثير كثيرا من الفكاهة المؤلمة أو على حد تعبير الناقدة “مايسة زكي” ـ “غربة الطبقة الأخرى فقي البيت الواحد والعائلة الواحدة” تطرح هذه الغربة عبر عدة ثنائيات فهناك غربة المرأة الريفية التي جسدت شخصيتها نهاد أبو العنين التي تتزوج من رجل فقير غريب عن القرية وكذلك غربة الشاب القاهري الذي قام بدوره شريف حمدي، وهي تنويعات على وتر التهميش تؤدي في إطار درامي غنائي يلمس عمق المأساة التي يعيشها البسطاء الذين يعيشون غربتهم غربة روحية وغربة في الوطن وهي أصعب، وقد جاء هذا العرض بتمويل من مسرح الهناجر.
***
وعلى نفس الخط والمنهج الذي صارت عليه فرقة “المسحراتي” جاء عرض “ميدان اسكتش” الذي موله البيت الفني للمسرح ـ مسرح الشباب وعرض على مسرح ومركز الإبداع عام 2001.
وهو نص مأخوذ عن قصة “الساعة” لبيتر هاندكة الذي ترجمه د. محمد شيحة، وهو عبارة عن لوحة فنية منفصلة يجمعها خط درامي واحد وإن بدا في أول الأمر انفصال المشاهد عن بعضها نظرا لقيام العرض على فكرة تفكيك الإطار المسرحي التقليدي.
فنجد أن الممثل الواحد يقوم بأكثر من دور داخل المشهد الواحد وقد اعتمدت المخرجة على كوميديا الكلمة أكثر من اعتمادها على كوميديا الموقف وقد استعاضت بالستارة التقليدية بأن قدمت في فواصل المشاهد فقرات غنائية، أدتها مجموعة من الكورس الغنائي الذي قدمت بعض الأغاني القديمة والحديثة في اختيارات تتوافق مع ما يطرحه العرض.
أما ما طرحه النص المعروض فكان عبارة عن تجميع لمشكلات تؤرق الإنسان وعرضه بصورة سريعة ظهر ذلك من خلال ذلك الشجن الذي غلف الشخصيات وعلى حد تعبير الناقد المسرحي إبراهيم الحسيني فهذه الطريق في الكتابة المسرحية والتجسيد الإخراجي يصعب تحديد نقطة بدايتها أو نقطة نهايتها فالعرض مفتوح على الكون، فمن الممكن إحداث التباديل والتوافيق المشهدية دون أن يخل هذا بمقولة العرض، او بمعنى آخر هو عرض ثري فيه ملامحنا نظرا لما يطرحه من قضايا مهمة وجاء عرض “جحا وحرمه وشركاه” ليلعب على التيمة الشعبية التي تعتمد على السخرية والمفارقة، وهو نص لعبير علي، وقد عرض في دار الاوبرا وبيت الهراوي وفي 8 محافظات مختلفة عام 2001، وقد مولته رابطة المرأة العربية.
ثم كان عرض “أنا وهو وهي” صياغة عبير علي وعرض على مسرح الطليعة والهناجر ومكتبة الإسكندرية عام 2003، ولا تتجاوز مدة العرض ساعة واحدة وقد اعتمدت المخرجة في هذا العرض على قطعة بسيطة من الديكور المتحرك الذي يتم تحريكه بواسطة الممثلين في سرعة محسوبة، وقد استفادت من مسرح العرائس ـ كثيرا ـ وخيال الظل، لتجعل من تراكم هذه الأشياء صورة نقدية للواقع، الذي قدمته مجموعة من الممثلين منهم: منحة زيتون وبيومي فؤاد وهند محمد علي ورباب سامي ويحيى محمود وحسام داغر ومحمد فراج ونورا عصمت وخالد حسنين وأحمد سعد وأميمة حافظ، أما الإضاءة والديكور فقام بها خالد حسنين.
أما عرض “السهراية” صياغة رشاد عبد المنعم فقد عرض في معرض القاهرة الدولي للكتاب ومركز الجزويت بالقاهرة والهناجر، وهو نص يعتمد على فكرة الكولاج الشعبي الذي يقدم في إطار كوميدي ساخر يعطي الفرصة للممثلين على الارتجال الذي يفيد المشهد كثيرا، وقد ضفرت مشاهده بأغنيات لشادية ومحمد عبد الوهاب وسيد درويش وأشعار لبيرم التونسي وفؤاد حداد وصلاح جاهين، ورغم استقلالية اللقطة والمشهد إلا أن هناك زوايا أساسيا للعرض وكأن المخرجة أرادت أن تقول إن الفرقة قادرة على تقديم كل ألوان المسرح بخصوصية تامة وبقدرة فائقة، وقد أجاد في هذا العرض كل من رباب ورحاب وأحمد سعيد.
أنشطة أخرى
ولا يقتصر نشاط فرقة “المسحراتي” على العرض المسرحي فقط بل نكاد نقول إنها فرقة مكتملة فنيا من خلال الأنشطة العديدة التي تقوم بها فقد أقامت ورشة للعرائس والحرف التقليدية عام 2000 وحتى 2003 بالمركز الثقافي الروسي، وهي ورشة تدريب على جميع الحكايات وصياغتها مسرحيا، وكذلك تعليم تصنيع العرائس الخاصة بالعروض، بالإضافة إلى كون هذه الورشة مدرسة للتدريب على صناعة الحرف التقليدية كالحُلي الشعبية والسجاد والأخشاب والخزف وغيرها.
وقد أقامت الفرقة عدة معارض لمنتجات الورشة في المركز الروسي عام 2001 وكلية الفنون التطبيقية 2002، ونادي الصيد 2003.