بيان لجنة تحكيم مسابقة المقال النقدى الأولى

بيان لجنة تحكيم مسابقة المقال النقدى الأولى

العدد 519 صدر بتاريخ 7أغسطس2017

ابتداءً، تود اللجنة أن تقدم تحية واجبة لمنظمى المهرجان والقائمين عليه ، ليس فقط فى هذه الدورة و إنما فى الدورات السابقة التى امتدت الآن إلى عشرة دورات متعاقبة قدمت فى مجملها ما يشبه الصورة الكلية المجمعة لواقع المسرح المصرى ، هنا و الآن، بحيث أصبح المهرجان و كأنه مرآة ممتدة تنعكس عليها حركة المسرح و ظواهره و تجلياته المتعددة. و تود اللجنة أن تخص منظمى الدورة االراهنة تحديدا بتحية متجددة لتلك الإضافات النوعية للمهرجان ، و منها الإضافة المتميزة بإنشاء جائزة سنوية للنقد المسرحى ، و هو ما يعكس رؤية صائبة لظاهرة النقد و تاريخه النوعى و تجربته المتصلة تحاورا مع قضايا المسرح و تشابكا مع تحولاته و تكوينا لمواسمه و فعالياته ، فليس مبالغة أو تجاوزا حينما نذهب إلى أن النقد المسرحى يمتلك مقومات المشروع الثقافى من حيث التأسيس المعرفى لظاهرة المسرح العربى و التحاور الجدلى مع أشكاله التراثية وعلاقته الشائكة مع تحولات الواقع الاجتماعى ، و فى كل ذلك لم يكن النقد المسرحى مصاحبا فقط للعروض أو متابعا لها ، تحليلا ومراجعة و مُساءلة ، و إنما كان فى الجوهر نشاطا تأسيسيا مكونا لتجربة المسرح و منتجا لها ، و لهذا كان طبيعيا بل و ضروريا إضافة جائزة للنقد المسرحى خاصة و أن الدورة الحالية اتخذت عنوانا لها اسم الراحلة الكبيرة الدكتورة نهاد صليحة التى كانت ، حياةً و كتابة ، الأعلى حضورا و تفردا و الأعمق تجليا للعقل النقدى المعاصر.
تلقت اللجنة ثلاثة عشر مقالا نقديا من اتجاهات مختلفة تنضوى جميعا فى الحلقة الأخيرة من أجيال النقد ، و قد عقدت اللجنة عدة اجتمعات متصلة ، و استعرضت بشكل مجمل الأعمال المقدمة ، واتفقت تنظيما لعملها على اتباع الإجراءات الآتية:
1 – تُوزع الأعمال على كل عضو من أعضاء اللجنة ليفحصها و يعطى درجة من مئة لكل عمل مقدم.
2 – يرشح كل عضو ثلاثة مقالات وفق أعلى التقديرات التى يعطيها للأعمال المتسابقة.
3 – بعد استكمال الخطوتين السابقتين ، اجتمعت اللجنة واستعرضت التقديرات المختلفة وفق منهج كل عضو و رؤيته الخاصة ، و هو ما كان موضعا لحوار مستفيض تناول المستويات النقدية لكل عمل من الأعمال المرشحة ، ثم اختارت اللجنة – بتوافق آراء أعضائها – المقال الفائز بجائزة النقد لهذه الدورة.
 و تود اللجنة فى هذا السياق أن ترصد عدة نقاط مجملة ، تتصل الأولى منها بما لاحظته اللجنة و توصلت إليه من أن الأعمال المقدمة فى مجملها تمثل عتبات انتقال نقدى ومعرفى فى تجربة النقد المسرحى الآن ، حيث نلاحظ الانحسار التدريجى لأفكار ومفاهيم و آليات كانت متداولة و مشاعة فى مراحل سابقة ، و بدء ظهور صياغات نقدية مختلفة ، فقد توارت الثنائيات التى طالما هيمنت على الفكر النقدى بين الشكل و المضمون ، النص و العرض ، الثبات و التحول ، و غير ذلك من ثنائيات ، و تراجعت المفاهيم المرتبطة بالوظيفة مثل الرسالة و الدور و الخطاب ، و حلت تقنيات كتابية تسعى إلى استكشاف العلامات والبنية و العلاقات المضمرة و الخطابات المختبأة ، و هذا انتقال جذرى فى التصور النقدى نشهد مع المقالات المقدمة عتباته الأولى ، و ليست كلمة العتبات هنا صيغة مجازية و استعارية و إنما هى توصيف فعلى لوعود الكتابة الجديدة التى تستهل الآن مشهدها الافتتاحى.
 النقطة الثانية متصلة بالأولى و تأكيد بشكل ما عليها ، حيث لاحظت اللجنة فى جزء أساسى من الأعمال المقدمة حضور نوع من التمازج المنهجى و تعدد المصادر المعرفية ، فلم يعد الناقد منحصرا فى مذاهب النقد المسرحى و آلياته البحثية وإنما تعدى ذلك إلى مجالات معرفية متعددة ، إلى الفلسفة و علم اللغة و نقد الصورة و الحياة اليومية ، كذلك لاحظت اللجنة استحضار عدد من النقاد للرواية و االسينما و الشعر فى محاولة لقراءة الدلالات المشتركة و الأبنية المتداخلة بين الفنون المختلفة ، و من هنا شاعت الكتابة عن أكثر من عرض و تجربة فى استكشاف أوَّلى للمناخات المصاحبة من حيث بنية التلقى و جدل العلامات المتراوحة بين الصورة المسرحية و إطارها الاجتماعى. لقد غادر نقاد الحلقة الأخيرة ، وفق هذا المعنى ، وظائف الشرح و الوصف و التفسير إلى ما يشبه التأويل الذاتى لتجربة المسرح ، بحيث بدت أعمالهم النقدية فى تلك النقطة و كأنها أثر خافت من «رولان بارت» الذى كان سيد التأويلات الذاتية.
 هذه التحولات التى لاحظتها اللجنة فى عدد من الأعمال المقدمة سواء ما كان منها متصلا بالمزج المنهجى و تعدد المصادر المعرفية ، أو ما كان مرتبطا بتداخل الفنون والاستناد إلى أكثر من عرض و بناء الكتابة انطلاقا من تصور مركزى لدى الناقد ، هذه التحولات – و تلك هى النقطة الثالثة – هى ما يجعلنا نشير إلى العتبات الوليدة وانفتاح المجال النقدى أمام رؤى مغايرة و تقنيات مستحدثة و خطوات جيل مغاير هى بشائر أولى لزمن قادم ، هذا لا ينفى اندراج عدد أساسى آخر من المقالات المتسابقة فى الكتابة الانطباعية ، المعنية بالوصف و الرصد الخارجى و الاستشراف الظاهرى لبناءات العروض ، و هذا طبيعى ، لأن المقالات فى مجموعها قدمت لنا الخيوط الأساسية فى خريطة النقد المعاصر ، تلك المتراوحة بين ما هو انطباعى و مجانى وشكلى وما هو منهجى يمتلك خبرة الكشف وقدرة التحليل وبناء المعرفة .
اتصالا بالنقاط الثلاث السابقة ، فإن اللجنة و هى تُحيِّى طموح النقاد الجدد فى كتابة بديلة قائمة على ما أشرنا إليه من تداخل المناهج و التعدد المعرفى و تأويلات الذات ، فإنها ترصد كذلك صدور بعض الكتابات عن نموذج ذهنى لدى الناقد و ليس عن نسيج العلاقات و العلامات فى العروض ، و من هنا جاءت الكتابة مبنية على مقاطع لغوية و فكرية متواترة فى النص النقدى دون ضرورة و دون خيط ناظم ، مما جعل الاقتباسات الفلسفية والاستدلالات المستمدة من حقول معرفية متعددة ، تبدو مُقحَمة و خارجية و مسقطة ، معبرة عن رغبة نقدرها لإدراك جدل الظواهر و لكن دون تراكم معرفى يجعل خطوة الوصول ممكنة.
 تلك كانت نقاطا مجملة رأت اللجنة أن طرحها للحوار والتداول النقدى العام يمكن أن يكون ملائما الآن و ضروريا ، أولا ، لكى تحقق الجائزة المستهدف منها، ولا تصبح ومضة تقدير لامعة فى احتفال سنوى ، أو مجرد إجراءات تنظيمية و إطار تُلقى فيه مجموعة من المقالات، ولجنة تقرأ و ترتب و تقرر فائزا ثم ينتهى البريق تاركا شعاعا ذاويا فى مسرح يتلاشى ، و ثانيا ، لكى يستكشف الناقد الجديد ذاته و يُنمِّى مداه المعرفى و النقدى و يتابع عمله فى إطار حوارى قائم على حق الاختلاف و حرية التعدد.
و لهذا تقترح اللجنة أن تمتد المسابقة على مدار العام حيث تتابع اللجنة – مع التغيير الدورى لأعضائها – المقالات و الدراسات المنشورة فى الجرائد و الدوريات أو تلك المشارِكة فى الندوات و الملتقيات المختلفة ، بحيث يصبح اختيارها النهائى للفائز نتاج بحث دائم على مدار العام دون أن يخل ذلك قطعا بحق من يريد التقدم إلى الجائزة. كذلك تقترح اللجنة ألَّا يقتصر التسابق على جائزة واحدة وإنما يمتد إلى ثلاث جوائز ، و ذلك لأن الحركة النقدية بامتدادها الجغرافى و تعددها الفكرى و حركة أجيالها المتعاقبة ، تحتاج إلى جوائز مضافة فى إطار القيمة المالية ذاتها.
 و فى النهاية ، تجدد اللجنة تحيتها لإدارة المهرجان و لجانه المنظمة ، و تهنئ المشاركين جميعا فى المسابقة الذين شكَّلت كتاباتهم – قياسا إلى تجارب سابقة – اقترابا دقيقا من طبيعة المسرح و النقد معا ، و أخيرا و ربما أولا ، تهنئ اللجنة الفائزَ بالجائزة لهذه الدورة.
أعضاء اللجنة:
الأستاذ الدكتور محمود نسيم، عضوا
الأستاذ محمد الروبي، عضوا
دكتور محمد سمير الخطيب، عضوا
الأستاذة هبة بركات، عضوا
دكتور علاء عبد العزيز سليمان، مقررا و عضوا

 


كاتب عام