العدد 551 صدر بتاريخ 19مارس2018
أقام قصر ثقافة الأقصر، الأسبوع الأول من مارس الحالي، ندوة نقدية لمناقشة عرض “الولايا” الذي قدمته الفرقة القومية بالأقصر من تأليف الشاعر والكاتب المسرحي أسامة البنا وإخراج أشرف النوبي، ناقش العرض النقاد والكتاب يسري حسان، ويوسف فاخوري، وليليت فهمي، ومحمود الحلواني، وأدار الندوة الكاتب محمد صالح البحر.
استهل البحر تقديمه للندوة بقوله إن من حق الفرقة القومية للأقصر أن تسعد لأنها قدمت عرضا على مستوى عال من الجودة نصا وإخراجا وتمثيلا وفي جميع عناصره، ويختلف بشكل كبير عن عروض الثقافة الجماهيرية،، أشار أيضا إلى أن المخرج نجح في تحريك ممثليه وتوجيه العناصر الأخرى مثل الديكور والإضاءة والموسيقى بشكل جيد، أضاف: لي بعض الملاحظات على العرض، لأنه لا يوجد شيء كامل، ولكن ما أراه من ملاحظات لا يعني شيئا أمام مستوى الأداء الذي قدمه العرض.
أسئلة حقيقية
الشاعر والناقد يسري حسان أشاد في بداية مداخلته بوعي المؤلف أسامة البنا، مشيرا إلى أنه لم يتعامل مع قضايا المجتمع كسائح، إنما حركه إلى الكتابة هاجس قوي وأسئلة حقيقية تؤرق هذا المجتمع، الأمر الذي جعله ينجح في صياغة رسالة حقيقية وضرورية، تتوافق تماما مع المجتمع الذي يخاطبه، مؤكدا أن العرض نجح في تقديم رسالته على المستوى المضمر، وعلى المستوى المباشر أيضا، وأن هذا هو الدور التنويري الذي نطالب به المسرح. حسان أشار إلى أن أحد أهم معايير تقييم أي عرض خاصة في الثقافة الجماهيرية هو مدى ملاءمته للبيئة التي يقدم فيها، وهو ما نجح فيه العرض بامتياز. موضحا أن ما يقصده بإشارته إلى البيئة لا يقتصر على الأقصر أو غيرها من مدن الصعيد إنما يشمل أيضا كل مكان آخر يحمل نفس السمات والعادات والتقاليد التي رصدها العرض، وأشار حسان أيضا إلى أن النص تناول نظرة المجتمع الضيقة إلى المرأة واحتياجاتها الإنسانية، بما في ذلك احتياجاتها الجنسية وكان هاجسه ورسالته أن تحيا المرأة حياة كريمة وحرة، كما تحيا في ثقافات أخرى تحترمها وتقدرها.
أشار يسري حسان أيضا إلى أن مؤلف العرض يمتلك خبرة كبيرة بالكتابة للمسرح ويدرك جيدا أنه لا يكتب نصا أدبيا، إنما يكتب لخشبة المسرح، وهو ما أوجد الانسجام بينه وبين المخرج. حسان أشار أيضا إلى أن أشرف النوبي مخرج العرض تعامل مع النص باحترافية، منوها بأنه يمتلك خبرات إخراجية واسعة وقدم عروضا مهمة في الثقافة الجماهيرية. تابع: لم أرَ ثرثرة أو مبالغات في الأداء، على الرغم من أن الموضوع يغري بعمل ميلودرامي، موضحا أن المخرج نجح في عمل بنية يتداخل فيها الزمان والمكان، وقدم سردا غير تقيليدي بانسيابية كاملة، ودون أن يحدث التباس لدى المشاهد. أشاد حسان أيضا بمجموعة الممثلين، مؤكدا أنهم قدموا أدوارهم بانضباط كبير، كما أشاد بأغاني العرض، مشيرا إلى أنها جاءت من نسيج الدراما ولم تستخدم كزينة أو حلية.
صراع وتريات
القاص الأسواني يوسف فاخوري تناول الفرق بين العرض المسرحي الذي قدمه أسامة البنا وأخرجه أشرف النوبي، وبين النص الإدريسي الذي تضمنه العرض “بيت من لحم”؛ حيث أشار إلى أن نص إدريس تناول فقط شخصيات الأرملة وبناتها الثلاث، والقارئ الضرير، بينما وضع النص المسرحي بذكاء شخصيات القصة في مواجهة القرية، ومن ثم فقد اتسعت مساحة السرد الدرامي، أضاف: يمكننا القول إن إدريس قدم ما يشبه الكونشرتو لآلة واحدة، فيما قدم أسامة البنا عملا دراميا يقوم على ما يشبه صراع الوتريات. كما أشار فاخوري إلى أن هناك اختلافا في الرؤية ما بين قصة إدريس والنص المسرحي، وهو أن إدريس لم يغلف نصه بإدانة الأرملة وبناتها والشيخ الضرير، إنما ختمها بتساؤل: ماذا لو نطق الصمت، فيما أنطق النص المسرحي الصمت من خلال أهل القرية. فاخوري قام بتحليل عدد من العلامات النصية في كلا النصين منها على سبيل المثال إشارته إلى أن الخاتم في “بيت من لحم” يحمل إشارة إلى الرغبات المحاطة بالصمت، وهو ما استبدل به العرض “الخلخال” كرمز للإغواء. وتمنى القاص الجنوبي لو أن مخرج العرض أشرف النوبي اهتم أكثر بخدمة شخصية الغريب، حيث كانت تحتاج – من وجهة نظره – إلى اهتمام خاص على مستوى الإضاءة والحركة.
إرادة المرأة
وفيما يتصل بالمشكلة التي يطرحها العرض رأت الناقدة ليليت فهمي أن المشكل الرئيس الذي تعالجه دراما العرض هو إرادة المرأة في مقابل المجتمع الذكوري الذي يعمل على كسر هذه الإرادة، مشيرة إلى أن الموضوع لا يتعلق بالرغبات الجنسية للشخصيات، إلا على المستوى الظاهري، بقدر ما يحاول التأكيد على فكرة ضرورة أن ينظر المجتمع إلى إرادة المرأة ويحترمها. أشارت ليليت إلى أن شخصية الغريب التي قدمها العرض، في صورة المسيح، كانت أقرب إلى صوت الضمير الذي يجلد أهل القرية، مؤكدة أن العرض بتلك الصورة التي قدمها يعد مغامرة، وأن المغامرة أحد أهم شروط الدراما الناجحة، كما أشادت ليليت بعدد من ممثلي العرض، وخصوصا الشخصيات النسائية.
محمود الحلواني أوضح أن العرض يشكل خطابه عبر عدد من العلامات التي تشكل قيما رمزية، في بنية شعرية، كالجدار المرتفع في خلفية خشبة المسرح، الذي يحيل المشاهد إلى فكرة المجتمع المغلق، وكذلك الغريب ورفض المجتمع له بوصف ذلك رفضا للحب، والأعمى الذي يكثف فكرة عماء المجتمع، الذي يعد تعبيرا على رفض قبول الآخر الذي حبسته القرية في صورة «الغريب»، وأشاد بتجسيد المخرج لروح الغريب وتحريكها في فضاء القرية، مشيرا إلى أنها نجحت في تقديم عدد من الإضاءات حول طبيعة الدراما في العرض. الحلواني أشار أيضا إلى أن عنصر الملابس شكل نوعا من التغريب داخل العرض، وأنه كان يمكن التقليل من الموتيفات الديكورية لإتاحة مساحة أوسع للتمثيل على الخشبة.
د. داليا صالح، رئيس قسم الديكور بكلية الفنون الجميلة بالأقصر، ومصمم ملابس وديكور العرض، أوضحت أنها تعاملت مع ألوان وخطوط الملابس بشكل تفصيلي، حيث حددت لكل شخصية ولكل مجموعة على المسرح الألوان والخطوط التي تكشف عن مواقفها الدرامية وتحيل إلى دواخلها النفسية، الأمر نفسه الذي اتبعته في توزيع الموتيفات الديكورية على الخشبة، ما كشف عن قيامها بدراسة تفصيلية للنص، وتقديم معادل علامي كامل له.
الروائي أدهم العبودي كان ممن حضروا الندوة، وقد تحدث عن العلاقة بين النص المسرحي وقصة بيت من لحم، مشيرا إلى أن يوسف إدريس أراد من قصته طرح عدد من الأسئلة منها: ماذا لو تقبل جميع من مارسوا الفعل الأمر؟ وهل على الأعمى حرج؟ فيما صنع أسامة البنا تاريخا وبيئة للشخصيات، واستطاع أن يقدم الحدوتة بوصفها مصير مجتمع أعمى. تحدث العبودي أيضا عن ميزانية العرض وتمنى أن لو كانت أكبر من ذلك، وهو ما كان سينعكس – من وجهة نظره – على العرض وعناصره، مؤكدا أن العرض قدم مستوى جيدا، على الرغم من ضعف الميزانيات.
مؤلف النص الشاعر أسامة البنا أشاد بما قدمه مخرج العرض من إضافات منوها بأن شخصية الغريب مجسدا ومتحركا في فضاء القرية هو من ابتكار المخرج ولا يوجد في النص، كما قدم التحية لكل المشاركين في العرض لما بذلوه من جهد متميز.
المخرج أشرف النوبي قال إن عرض «الولايا» هو تجربته الثانية مع المؤلف، وأشار إلى أن النص تعرض لمضايقات كثيرة، وكاد أن يمنع من العرض، كما تخوفت الفرقة من تقديمه بسبب القضية الشائكة التي يطرحها، إلا أنه راهن عليه بشدة، وكان يمتلك حلولا لما يقدمه النص من إشكاليات جريئة، مشيرا إلى أنه سعى لكسر الأداء الواقعي عبر عدد من العناصر.