«سأموت في المنفى».. ضمن فعاليات الدورة الرابعة لمعرض مالمو للكتاب العربي

«سأموت في المنفى».. ضمن فعاليات الدورة الرابعة لمعرض مالمو للكتاب العربي

العدد 688 صدر بتاريخ 2نوفمبر2020

قال الكاتب الفلسطيني غنام غنام، إن الإتفاقات والوثائق التاريخية وارتباطنا بالأمم المتحدة والمؤسسات الدولية والعربية جميعهم يسجلون أرقامًا لضحايا ولاجئين ونازحين، حولونا لأرقام ولكن الحقيقة التي يعيشها الفلسطيني يوميًا لم تقال وبات من السهل أن تشوه شخصية الفلسطيني بأنه قد فر من بلده، وتركها للغرباء، وسلم فيها ببساطة، وبأنه لا يفعل شيئًا في هذا الزمن من أجل عودته، وأهم هذه الإتهامات هي الإتهام الصهيوني الذي يقوم على فراضية أن هذه الدولة المحتلة البغيضة المسماة “إسرائيل” قامت على أرضًا بلا شعب، أو بلا حضارة، فأنا قد شاهدت هذا القول بعيني من أحد الإدلاء السياحين لوفد ألماني عام 1981، عندما كنت أنا في القدس في تلك اللحظة، قال: شفت كيف خيم البدو الموجودين هؤلاء هما الفلسطنين، وبالتالي كان لابد من صرخة إدوارد سعيد، ولابد من استجابتنا.
وأضاف غنام غنام، خلال لقائه بمعرض الكتاب العربي في السويد، أنه عندما كتب نص “سأموت في المنفى” لم أكتبه للمسرح بل كتبته تداعيات لأنه ولد معي بمطار رفيق الحريري ببيروت، وأكملته على مدار أشهر بعد ذلك، مشيرًا إلى أنه ابن تجربتين فارقتين غير الفن، الأولى هي هندسة المساحة، والثانية هي التجربة الحسبية أو الوطنية الفلسطينية، وبالتالي عندما أقيس المسافة بيني وبين تحقيق الحلم أجدها بعيدة والإحدثيات جميعًا تعطيني بعدًا شاسعًا بيني وبين تحقيق الحلم، لذلك أقول لأبي في هذا العرض: “سامحني يا آبا لا أستطيع أن أعيد ترابك إلى تراب فلسطين، لأني مثلك سأموت في المنفى، وولدي سيموت في المنفى، لأن المسألة معقدة جدًا”.
وأوضح أن الذاكرة مرعبة بالنسبة للعدو، خاصة خوف الغزاة من الأغنيات والذكريات، إذن هم يراهنون دائمًا على محو الذاكرة، لأنهم يستطيعون أن يمحوا شارعًا أو بيتًا أو يغيروا أسم بلدة، لكنهم لا يستطيعون أن يمحوا الذاكرة، ومن الذاكرة ليست ذاكرة استدراج العواطف، بقدر ما هي ذاكرة نكئ الجراح، وبالتالي الاستفزاز باتجاه الفعل الإيجابي حتى لا تستمر هذه الذاكرة، وبالمناسبة السير الذاتية عندما تبدأ من السرديات تختلف، فـ “صابر غنام” والدي نموذج من الشعب الفلسطيني لكنه لم يحكى عنه، و”فهمي غنام” أخي نموذج، و”خديجة” نموذج، فأنا أقدم نماذج تراجيدية بالنسبة للمسرح، فهي للناس البسطاء، وليست من آلهة أو الشهداء الذين قتلوا برصاص مباشر وأقيم لهم أفراحًا للاحتلال بقتلهم.
وأشار الكاتب والفنان الفلسطيني، إلى أن الذاكرة التي دونها غسان كنفاني وتوفيق زيات ومحمود درويش وناجي العلي وغيرهم من المبدعين ترعب العدو، لأن العدو انتصر على جميع الحكومات العربية ومجتمعاتها، إنما الانتصار الحقيقي هو الانتصار الثقافي، لافتًا إلى أن هذا الاحتلال لديه جيش ومنظومات واقتصاد وتقدمًا لكن ليس لديه محمود درويش ومحمد البكري وغسان كنفاني، فهو مهزومًا ثقافيًا لذلك المدخل الأساسي في الفعل الفني هو المدخل الثقافي في الدفاع عن الهوية التي تسلب وتمحى، فأرادوا للشخصية الفلسطينية أن ترتبط بفكرة الإرهاب.
ونوه بأن هناك فرقًا بين الإرهاب والمقاومة، وهذا ما أريد أن أوضحه في أعمالي، وأن أدافع عنه خاصة أن المثقف لا يحمل مسدسًا، ف نحن أمام معركة وجود حقيقية، وسلاحنا الأساسي فيها هو الإبداع الفني والثقافي بكل تجلياته، مشيرًا إلى أن لحظة ولادة عرض “سأموت في المنفى” بتاريخ التجربة المسرحية، بداية أنا ابن الفرقة المسرحية التي تعتمد على طرائق العرض الشعبي والحلقة والإكسسسوارات البسيطة، وفنون الإداء الشعبية المختلفة التي يجب أن يتحلى بها المشخصاتي، لذلك دائمًا أميل إلى تسمية الفريق باللاعبين، ومن هنا أنا ابن هذه التجربة التي قدمت من هناك النص الأمريكي في حلقة شبه مجردة، والتي قدمت في كثير من المدن العربية أيضًا، وتقدم في أي مكان على الإطلاق بدون أي شيء، وأنا ابن “زير سالم”، وأنا ابن “كأنك يا أبو زيد” ف جميعها أعمال متخلية عن التقنيات، ومستعد أن تتقبل التقنيات إلى حد كبير.
وتابع: عندما بدأت عرض “سأموت في المنفى” كان لدي تصور شريكة فنانة صينية أمنت بالفكرة جدًا، ف كان هناك صندوق متعدد الأغراض والأشكال، وكان هناك عرض للأفلام والصور، وكان هناك 17 تراك موسيقي، وبعد أن تم تصميم بعض الأشياء التي تخص العمل أثناء البروفات بدأت أشعر بأن هذه الأدوات تثقل العرض، وعليه أن يتخفف منها ويتحرر أكثر باتجاه الحضور “الجمهور”، ومن هنا أضفت للنص بأنني أقدم هذا العرض ببعدين، الأول هو الحكاية والآخر هو أنا وأنتم كمشاهدين لأننا حال واحد، وهذا فرض عليّ أن أتخلى عن كل شيء حتى الكرسي الذي كنت سأصممه بنفسي، وأخذت كرسي من كراسي الجمهور وبدأت أتعامل معه، وهذا أكسب العرض لعبة الخيال وقربني من الجمهور، لا سيما من الوسائل المهمة للمشخصين الشعبيين الذين رأيتهم في طفولتي، إذن هذا التجرد كان قمة المغامرة وليس هروبًا من أي شيء.
وأردف: زيارتي للوطن جعلتني أشعر بالمرارة، وبالنسبة ليّ الموضوع أكثر تعقيدًا، خاصة أني ذهبت غصبًا عنيّ وهذه تجربة ستكون عنوان لمسرحية قادمة اسمها “بأم عيني”، لأني عاينت ما لم أكن أعرف عن طبيعة هذا الاحتلال، وعن طبيعة أهل الغنى الصامدين الذين حفظوا النواة الصلبة لأرض فلسطين.
 


ياسمين عباس