في البحث عن «المسرحية الشعرية العامية المصرية»

في البحث عن «المسرحية الشعرية العامية المصرية»

العدد 685 صدر بتاريخ 12أكتوبر2020

في دراسة أكاديمية قدمها الباحث (عبد الكريم الحجراوي) بعنوان “المسرحيات الشعرية العامية في مصر” 1921-1986 دراسة تحليلية – إصدار خاص بمناسبة مهرجان المسرح العربي (الدورة الحادية عشر–مصر–2019) والذي نظمته (الهيئة العربية للمسرح)-الشارقة.. وقدمها الأستاذ الجليل (أحمد شمس الدين) الحجاجي) وتتناول الدراسة كما يقرر الباحث في ضوء المنهج التاريخي نشأة المسرح الشعري العامي المصري، وبداية ظهوره ومراحل تطوره، والمؤثرات عليه، وكذا المنهج الوصفي التحليلي، والارتكاز على المنهج الإجتماعيزز لمعرفة قدرة النصوص على مناقشة القضايا التي اهتم بها المجتمع المصري، في فتراته المتعاقبة: وهي:- أوبريتات (بيرم التونسي) الأربعة (1893-1961) “نظم أغاني”-”شهرزاد” 1919، و»ليلة من ألف ليلة» 1931، “عقيلة” 1931، “عزيزة ويونس” 1944، واكتفي بهذه الأوبريتات الأربع ولم يتطرق لأوبريتات (بيرم) الأخرى مثل “يوم القيامة” 1943، و “مايسة” 1944، و”مدام بتر فلاي” 1942، وغيرها من الأوبريتات المفقودة مثل “سفينة الغجر” 1943، “العقد الفضي” 1943، “طباخة بريمو” 1943، “قسمة-أو قوت” حيث أشرنا في كتابنا “بيرم التونسي-قيثارة الفن” كتاب الهلال -2003- إلى ضرورة إعادة إكتشاف هذه الأوبريتات المفقودة، وقد قيل أن (بيرم) قد ألف واقتبس وأعد ما يقرب من عشرين أوبريت في فترة مابين الحربين العالميتين – ولكن للأسف لم يتم العثور على هذه الأعمال المفقودة حتى الآن!!؟
ركز الباحث (عبد الكريم الحجراوي) دراسته هذه على تلك الأوبريتات الأربع وهي: “شهرزاد”، و”ليلة من ألف ليلة”، و”عقيلة”، و”عزيزة ويونس” فقط – ثم انتقل إلى الشاعر (نجيب سرور) (1932-1978) ومسرحياته الشعرية الأربع: “ياسين وبهية” 1965، “يا ليل يا قمر” 1986، “قولوا لعين الشمس” 1970، “منين أجيب ناس 1975، ومتجاهلا مسرحيته الخامسة “يا بهية وخبريني” 1969، ويضيف نصين لشاعرين كبيرين هما (فؤاد حداد) (1928-1985) ورفيقه (متولي عبد اللطيف) ومسرحيتهما “الشاطر حسن”، ومسرحية شاعر العامية الكبير (صلاح جاهين” (1930-1986) “ليلى يا ليلى”.
وقد حصر الباحث تناوله للنصوص السابقة في إطار مصطلحات حاول أن يطبقها بشكل أو بآخر على تلك النصوص وهي: المصادر الشعبية، تأثيرات بريخت، الشخصيات ونموها، الصراع وتطوره، السرد، الغنائية، الحكاية الفنية، الوصف، الوظيفة (الحرية والعدل)، ويقرر الباحث أن هذه الدراسة قد تعاملت مع مجموعة من الأعمال المسرحية المكتوبة شعرا، للهجة العامية المصرية وأنها قد بدأت بمدخل تتبع فيه بداية الكتابة بالعامية في مصر، ودور المستشرقين في إذكاء الصراع بين العامية والفصحى وكيف بدأت العامية بــ (يعقوب صنوع ومحمد عثمان جلال) وقسم الباحث رسالته إلى أربعة فصول – عني الأول منها بالتأثيرات الشعبية وكذلك الغربية على المسرح الشعري العامي، وتأثير السير الشعبية، والأساطير، وكتاب (ألف ليلة وليلة) على مسرح بيرم التونسي ومسرح (حداد ورفيقه) ومسرح (نجيب سرور) والتي جاءت  بشكل كلي في بعض المسرحيات وجزئي في البعض الآخر، وخلص الباحث إلى تأثر (نجيب سرور) بالمسرح البريختي شكلا ومضمونا، كما كشف تأثر صلاح جاهين بهذا المنهج، وفي الفصل الثاني اهتم بفنية المسرحية، وتم خلاله دراسة الشخصية ونموها داخل الأعمال (التسعة) محل الدراسة حيث التزم بيرم (بالنموزج الأرسطي)في رسم الشخصيات – الأمر الذي اشترك معه (صلاح جاهين) فيه – بينما جاءت عند (نجيب سرور) على غرار (المنهج البريختي)، والتي حملت الطابع الرمزي.. بينما جعل (الشاطر حسن) ذات إطار حكائي شعبي قريب من المسرح البريختي، ونشير إلى أن (الباحث)  هنا إلتزم بالتقسيم (الشكلي) ما بين (المسرح الدرامي) و(المسرح الملحمي) الذي رصده رونالد جراي في كتابه “بريخت – رجل المسرح” ترجمة وتقديم: نسيم مجلي – ص 101 – المركز القومي للترجمة – 2014 – حيث رصد بعض (الإختلافات) (التسعة عشر) بين الشكلين الأرسطي والملحمي (ظاهريا)، وتوقف الباحث في المبحث الثاني من هذا الفصل (بالصراع) وتطوره داخل النصوص حيث اختلف هذا الصراع في النصوص نظرا لاختلاف الكتاب، واعتبره أرسطيا في نصوص بيرم التونسي وكذا صلاح جاهين – بينما يرى أن نجيب سرور إلتزم بتجسيد الصراع على المنهج البريختي، وهو الأمر الذي يجعلنا نعيد النظر في هذا الجدول الذي وضعه (رونالد جراي) في كتابه “بريخت – رجل المسرح” الذي أشرنا إليه، ويواصل (الباحث) في الفصل الثالث من هذا الكتاب حول المؤثرات الفنية على هذا المسرح العامي من ناحية (السرد) وأن الكتاب الشعراء إعتمدوا عليه  في شرح أحداث لم تعرض على خشبة المسرح وهو الأمر الذي يحدث عند كل كتاب المسرح سواء كانو أرسطيين أو بريختيين، وينتقل إلى عنصر أو ملمح (الغنائية) وهو الأمر الطبيعي عند الشعراء في صياغة نصوصهم المسرحية، وأن (بيرم وسرور) كانوا أكثر غنائية، وينتقل إلى عنصر (الحكاية) وأن بيرم وصلاح جاهين إعتمدا على حكايات لها بداية ووسط ونهاية، واختلف عنهما (سرور) الذي لم يهتم بتتابع الأحداث أو الحكاية في خط منتظم، ثم ينتقل إلى عنصر (الوصف) وهو الأمر البديهي أنه يكشف عن الأحداث وتلخيصها، وأن هذه العناصر (الأربعة) تثبت مدى تأثر المسرح الشعري العامي بفنون الفرجة العربية، وأخيرا يشير إلى أن النصوص الأربعة عشر التي عالجها تتناول قضايا الحرية والعدل.. وأن كتابها كانوا من ألصق الكتاب بالقضايا الوطنية التي تشغل الحياة المصرية، وهي قضايا سياسية ووطنية مثل قضية التحرر الوطني من حكم الإستعمار البريطاني، وحكم الأتراك، وتضييق الشرطة على المبدعين، وتلفيق التهم لهم مع استخدام الأمثال العامية الشعبية، ونقل صورة الشارع المصري وعاداته وتقاليده وما يشغله.
وينحاز الباحث إلى مسرح العامية المصرية الذي يرى أنه شهد نقلة كبيرة على يد (نجيب سرور) – إذ جعل من (اللغة) أو لنقل اللهجة العامية لغة قادرة على سرد (المآسي) في المسرح – رغم أن (ميلاد التراجيديا اليونانية) قد جاء من روح الموسيقى – كما يشيير (فريدريك نيتشة) في كتابه الأشهر “ ميلاد التراجيديا اليونانية من روح الموسيقى” وهو الأقرب إلى (العدودة) المصرية المتوارثة منذ مئات السنين في وجدان المصريين، وليست كما يتصور الباحث أنها لغة ملاه كوميدية فقط والتي يكون قد لمسها في أوبريتات بيرم التونسي- أما عناصر (التغريب وكسر الإيهام والجوقة ..الخ) التي لمسها في مسرح نجيب سرور فهي ليست عناصر قاصرة على برتولد بريخت فقط..
يستوقفنا هذا البحث عند قضية (إنهيار المسرح الغنائي في مصر) والذي نهض على اكتاف فنانين كلار أثروا هذا المسرح من أمثال (سلامة حجازي ومنيرة المهدية وملك محمد وغيرهم من المبدعين الكبار) والذي تم اغتيالهم على أيدي مطربي الأغنية الفردية من أمثال (أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب) ومن جاءوا بعدهم.. ففن الأوبريت الذي ازدهر في مصر في فترة ما بين الحربين العالميتين كما جاء في تعريفه في قواميس المسرح هو (الملهاة الموسيقية Musical Comedy)، وكما في (معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية) للدكتور ابراهيم حمادة – دار المعارف – 1985 – هو (ملهاة خفيفة) ذات تركيبة درامية بسيطة، يمازجها غناءا، وموسيقي، ورقص، ومناظر بذخية، وحيل مسرحية، ولا تفترق بهذا كثيرا عن (الأوبرا كوميك أو الأوبريت، أو الأوبرا الخفيفة.. الخ) وقد ظهر وتطور هذا النوع من الأداء المسرحي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في انجلترا وأمريكا وغيرهما من البلدان. وإذا كانت الملهاة الموسيقية من أشهر الوسائل التمثيلية الإمتاعية في أمريكا الآن، فإنها لا تزال اللون المسرحي الذي تفضله جماهير عصرنا هذا في معظم البلدان، ومن أشهر الملاهي الموسيقية الحديثة، “جنوب الباسفيك 1949”، و”سيدتي الجميلة” 1956)، وقد جاء في الجزء الثاني من قاموس المسرح – الهيئة العامة للكتاب – اعداد: د. فاطمة مرسي، وسمير عوض – ص (4) أن (بيرم التونسي) ألف واقتبس وأعد ما يقرب من عشرين أوبريت، جاء أغلبها في فترة ما بين الحربين العالميتين، ومثلت جميعها كما جاء في كتابي (بيرم التونسي– قيثارة الفن) كتاب الهلال العدد (630) يونية 2003) وكثير من هذه الأعمال تكاد تندثر وتنمحي آثارها حيث ضاع أغلبها أو فقد، ولم ينشر أو يوثق بشكل علمي – لذا لجأنا في ذلك الكتاب المذكور آنفا إلى منهج البحث عن الأعمال المفقودة أو الضائعة وإعادة إكتشافها وهو منهج معروف في ميدان السينما أي Film Retrouver – وهو منهج يقوم على تتبع العمل الفني في المصادر المختلفة منذ نشأتها حتى يقترب من الحقيقة، وتسنى العثور على تلك الأعمال الدرامية وغيرها في (الأضابير) أو في المقتنيات المهملة للأفراد أو الجماعات أو الهيئات، وأرشيف الإذاعة – إذا كان للإذاعة أرشيف ؟، وغيرها من المصادر المختلفة – بالإضافة إلى الصحف والمجلات والدوريات والمكتبات، وأرشيفات الصحف والمجلات – إذا كان لها أرشيفات ؟ بحيث يمكن تحقيق تلك الأعمال الإبداعية وتوثيقها وتصنيفها ونشرها – وكما حدث مع: أوبريت شهرزاد – أو شهوازاد – تحقيق: محمد السيد عيد – المركز القومي للمسرح – 2006، وأوبريت «ليلة من ألف ليلة» تحقيق: يسري العزب – المركز القومي للمسرح – 1993، وأوبريت «عقيلة» تحقيق: محمد السيد عيد – الهيئة العامة للكتاب – 2006، و» عزيزة ويونس» الأعمال الكاملة – المجلد الرابع – الهيئة العامة للكتاب – 2011، وترجع أهمية هذه الأعمال إلى أن الذي كتبها أو شارك فيها بتأليف الأغاني فنان الشعب “بيرم التونسي” أكبر شعراء العامية المصرية في العصر الحديث – فأوبريتات بيرم التونسي تقوم على الحوار، وتتابع المشاهد لتتيح المجال للغناء الفردي والجماعي.. مع ما يحيط بهما من أشكال (الدراما)، وعناصر الأوبريت هي (الشعر والموسيقى والتمثيل والرقص)، وتتفاوت أهمية هذه العناصر أحدها على الآخر تبعا لإختلاف الأزمنة، وغالبا ما يتناول الأوبريت موضوعا ملهاريا،.. ويقال أن الأوبريت شكل عرفناه قديما منذ الفراعنة، وكذا على يدي (ابن دانيال الخيال الموصلي المولد (646 هجرية)، وفي (بابات) خيال الظل التي كانت تصحبها الموسيقى، وبعدها بقرون على يدي (الشيخ ابو خليل القباني الدمشقي (1842-1903) أبو المسرح الغنائي الحديث في مصر – فقد قدم عددا كبيرا من الأوبريتات مثل “هارون الرشيد، أنيس الجليس، ملتقى الحبيبين، عرابي باشا، عنتر العبسي، وغيرها، وكان يتناوب الغناء بين فصول الروايات (ألمظ) و(عبده الحامولي)، ويظهر بعد ذلك (الشيخ سلامة حجازي) (1852 - 1917) ليتربع على عرش الغناء والمسرح الغنائي، وقدم الكثير من الأوبريتات من أمثال: “مطامع النساء، القضية المشهورة، عواطف البنين، العذراء المفتونة، قوة الشرائع” وغيرها، ويأتي بعده خالد الذكر (سيد درويش)(1892-1923) الذي قدم ثمانية عشر أوبريتا من بينها: “فيروز شاه، الباروكة، العشرة الطيبة، وشهرزاد” وغيرها – كما قدم (داود حسني)(1871-1937) الذي قدم أوبريتات”صباح”، “شمشون” و “دليلة”، “ليلة كليوباترا” التي كتبها د. حسين فوزي، كما قدم (زكريا أحمد)(1891-1961) – الذي لحن أعمالا وصلت إلى (56) أوبرا وأوبريت منها “عزيزة ويونس” 1945، وقدم (كامل الخلعي)(1879-1939) الذي قدم أوبريتات “الشرط نور”، “السعد وعد”، “طيف الخيال”، “السلطان قلاوون”، “خاتم سليمان”، “لص بغداد”” “محمد علي الكبير”، “ طاقية الاخفاء”، وهناك أمثال كثيرة من الملحنين الآخرين الذين شاركوا في تلحين الأوبريتات من أمثال: (ابراهيم فوزي، د. صبري النجريدي، سيد مصطفى، محمد القصبجي، رياض السنباطي، صفر علي، كامل شامير، والشيخ محمود صبح، محمود رحمي، محمد عبد الوهاب، عباس يونس، والسيدة ملك محمد، وابراهيم شفيق، وأحمد صدقي) وغيرهم، وفي الستينيات من القرن العشرين لحن (بليغ حمدي) “مهر العروسة”، و(محمد الموجي) “هدية العمر”، وكما أشار المايسترو (سليم سحاب) في ملحق صحيفة الأهرام في 05/07/1996 ومن الغريب أن أوبريت “هدية العمر” التي قدمت عام 1965 – أي منذ فترة قصيرة جدا قد ضاعت نهائيا، وهي أفضل ما قدمه محمد الموجي – بشهادة الموسيقيين الذين شاركوا فيها، ولم يتوقف الضياع والفقد عند الموسيقيين والملحنين فقط – بل ضاعت أعمال كتاب هذه الأوبريتات من أمثال: (عمر عارف، توفيق الحكيم، د. حسين فوزي، محمد عبد القدوس، بشارة واكيم، ابراهيم رمزي، عباس علام، ومحمود مراد رائد المسرح الغنائي المدرسي، محمد تيمور، محمود بدوي، بديع خيري، أمين صدقي، محمد يونس القاضي، محمد زكي ابراهيم، حامد عبد العزيز)، ونذكر أن المسرح الغنائي المصري قد واصل عطاءه الثري حتى الستينيات من القرن العشرين بأوبريت: “البيرق النبوي” عام 1962 تأليف: الشاعر عبد الفتاح مصطفى، وتلحين أحمد صدقي – بلإضافة إلى تجربتي محمد الموجي وبليغ حمدي. وأخيرا نشير إلى تعريف الغربيين لمصطلح (الكوميديا الموسيقية) – أي البديل لفن الأوبريت – بأنه شكل أو نمط شعبي من التسلية الخفيفة – مأخوذة من شكل (البيرلسك) – أي المسرحية المسخية أو المحاكاة الساخرة، وهي تقليد هازل، لعمل أدبي – عن طريق التحريف والتشويه، وهي (الأوبرا الخفيفة) كما في (قاموس اكسفورد في المسرح – ص (273)، (وقاموس بتجوين للمسرح) لجون رسل تايلور – ص (188). من المرجع السابق – بيرم التونسي – “قيثارة الفن” ص (12)، ونختم بتعريف (د. مجدي وهبة) في “معجم المصطلحات الأدبية – ص (369) – بأن (الأوبريت) هي المسرحية الغنائية القصيرة – أي المسرحية الموسيقية الخفيفة التي تشتمل على حبكة عاطفية نهايتها سعيدة، كما تحتوي على مواقف من الحوار الملفوظ والرقص التعبيري، وكذا تعريف (د. علي الراعي) الذي يرى أن هدف (الكوميديا الموسيقية)- أو المسمى الآخر للأوبريت هو (الإمتاع) وهو العنصر الذي لابد أن يوجد في كل الأعمال الفنية سواء كان مأساة أو ملهاة أو حتى هزلية - كما يصرح في مجلة “الشموع” - السنة الأولى – العدد الثاني – أبريل 1986 – ص (117).
وهناك تعريفات أخرى لمصطلح (الأوبريت) جاءت في قاموس (الكامل الكبير) فرنسي/عربي – د. يوسف محمد رضا أنه (مسرحية غنائية تشتمل عادة على حبكة عاطفية نهايتها سعيدة، كما تحتوي على مواقف من الحوار الملفوظ والرقص التعبيري أو الاستعراض، وتعريف آخر في قاموس “ميكرو روبير” بأنها أوبرا صغيرة كوميدية.. موضوعها وأسلوبها خفيف وسهل ومستعارة من الكوميديا، كم جاء التعريف في قاموس (La Rousse) الفرنسي بأنها (جنس فني خفيف مستعار من الأوبرا الهزلية مع مقاطع غنائية تتعاقب مع الكلام) – وإن اختلف مذاق المتعة في كل حال.. وهي لون يوسع قاعدة المترددين على المسرح، ويضمن إمتلاء المسارح بالمتفرجين، وأخيرا فإن للنص الغنائي المسرحي (الأوبريت) مواصفات خاصة في مسرحنا العربي.. أهمها بجانب البناء التقليدي لأي مسرحية – أن يكتب له شعر عامي أو فصيح للتلحين والغناء.. وقد لا يكتب بالشعر، ولكن عليه أن يسمح بدخول الأغنية دخولا أساسيا ومباشرا في أحداثه، وأن تكون تلك الأغنيات درامية، بمعنى أن تكون معبرة عن الشخصية المسرحية بإنفعالاتها المختلفة، ولا تكون لمجرد التطريب، والنص الغنائي المسرحي (الأوبريت) – عادة – بسيط الأحداث، تغلفه قصة تفسح المجال أمام التركيبات الغنائية والجمل اللحنية، وعلى الملحن في الأوبريت أن يضع بجانب الأغنيات الشخصيات المتباينة الإنفعالات والأحاسيس حسب المواقف الدرامية التي قد يؤديها (ممثلون) لا مطربون، وأن يضع افتتاحية موسيقية خالصة للأوبريت مستمدة من الجو العام ومستخلصة من الأحداث والمضمون..
لذا فإن ربط أوبريتات (بيرم التونسي) بتجارب (نجيب سرور، وفؤاد حداد ورفيقه، وصلاح جاهين) في (المسرحية الشعرية العامية مصر) ربط في غير محله – فقد جاءت أعمال (نجيب سرور وحداد وجاهين) بعيدة تماما عن فكرة المسرح الغنائي والأوبريت، ولم تولد على خشبات المسرح الغنائي – بينما ظهرت أعمال (نجيب سرور وحداد وجاهين) في ظروف  أخرى – فيها وظف المسرح (لتبرير وترويج شعارات النظام الحاكم) – لذا فالأمر مختلف في تجربة (نجيب سرور) على وجه الخصوص الذي اعتمد على الموال الشعبي مثل “ياسين وبهية”، و”حسن ونعيمة” وغيرهما من المأثورات الشعبية والأمثال، ونقد الواقع المصري نقدا صارخا، وذلك قبل قيام إنقلاب 23 يوليو 1952، وأتصور -  كما جاء في كتابي “الأداء السياسي في مسرح الستينيات” (الهيئة العامة لقصور الثقافة – فبراير – 1997) ص (153) أن نسيج نصوصه لا يتعدى أن يكون صياغة ميلودرامية للأحداث والمواقف والكلمات – تتخللها غنائيات طويلة مكرورة هي خليط من المواويل والأغاني والسير والأمثال والتعبيرات الشعبية وكل مفردات المأثور الشعبي – حيث استخدمه مع – التراث الإسلامي – في تصوير الشخصيات وتبرير أفعالها وتجسيد الصراع الدرامي واسباغ القداسة على موقع الأحداث، والإحالة إلى تاريخ مصر القريب، وقد تصور (الباحث) أن إعتماد (سرور) على المشاهد شبه المستقلة بحيث يمكن تغيير بدايات ونهايات الفصول – رغم افتقاد الحبكة والتسلسل المحكم – إذ يفتت النص إلى أجزاء فيفتقد التماسك داخل المقطع الواحد في بعض الأحيان – حين تتداعى الألفاظ والمعاني تلقائيا – لا لضرورة فنية .. وهو ما جعله يتصور أنه تأثر بالمسرح الملحمي أو المسرح البريختي – بما يفرغ الشخصيات من اللحم والدم – مكتفيا بالأبعاد السياسية والتاريخية – بل ويمعن في البعد عن الملحمية بإضافة جو النبؤة والحلم والرؤيا كي يكثف لدى المتلقي الشعور بالمأساة – وهو ما يستدعي فكرة أرسطو العتيقة عن إثارة عاطفتي الخوف والشفقة أو فكرة التطهير – أي (الكاثاريس) الأرسطية الأصلية .. وعلى نفس المنوال كتب (فؤاد حداد ورفيقه)، وصلاح جاهين – عمليهما “الشاطر حسن”، و”ليلى يا ليلى” دون أن يتجاوزاه.
ونشير إلى أن الباحث قد بذل جهدا مكررا في إصراره على إنهاء فصول بحثه بما أسماه (النتائج) التي تكرر ما أشار إليه من عناوين للفصول، وتلك (المصطلحات) التي وضعها (قسرا) في بدايات فصوله لتكون محورا لإعادة ما سبق أن فسره !!!
إذن – فتقديرنا كبير لإثارة هذا الموضوع للبحث، وهو الموضوع الذي يحتاج إلى كثير من الجهد والمثابرة، وإعادة النظر في إرثنا المسرحي الكبير الذي يحتاج إلى مزيد من الإهتمام والرعاية وخاصة من الأساتذة الأجلاء أمثال الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي..  
 


عبد الغنى داوود