ندوة عرض «الحادثة» بالمركز القومي للمسرح

ندوة عرض «الحادثة»  بالمركز القومي للمسرح

العدد 678 صدر بتاريخ 24أغسطس2020

أقام المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية بمقر المركز  بالزمالك برئاسة الفنان القدير ياسر صادق ندوة تطبيقية حول عرض الحادثة. العرض من إنتاج مسرح الغد بقيادة الفنان القدير سامح مجاهد ، تأليف لينين الرملي إخراج عمرو حسان. تحدث بالندوة الناقد المسرحى محمد الروبى رئيس تحرير جريدة مسرحنا ، والناقد باسم صادق نائب رئيس قسم المسرح بجريدة الأهرام ، والدكتور محمد أمين عبد الصمد المشرف على الإدارات الفنية بالمركز القومي ، وقد أشار في بداية الندوة إلى أن المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية استهدف  منذ فترة أن تشكل مثل هذه الندوات  دراسات تفاعلية بين فريق العمل وبين نقاد يمثلون مدراس مختلفة فى النقد المسرحى، موضحا أن مسرحية «الحادثة» كتبها لينين الرملي عن رواية «جامع الفراشات «لجون فاولز،  و أنها قدمت فى أوائل التسعينيات بطولة  الفنان حسين فهمي مع الفنانة عبلة كامل، ثم أعيد تقديمها  ببطولة الفنان أشرف عبد الباقي مع عبلة كامل.  
وتابع : « النص يحتمل تأويلات مختلفة، منها التأويل السياسي والإجتماعى والنفسي،  حتى أن البعض ربط بينه وبين متلازمة «ستوكهولم» ،وهى تعنى ارتباط المقهورين بقاهرهم ودفاعهم عنه، وهو ما يتمثل في ذلك النحيب الجماعي عند فقد حاكم مستبد، أقنع شعبه بأنه الأب. 
وأضاف «الحادثة» من النصوص  التي قدمت فى جهات متعددة على مستوى الهواية والاحتراف، وذلك يرجع إلى قلة عدد الشخصيات ، الذى يساهم بدوره في قلة التكلفة الإنتاجية، بالإضافة إلى أن النص يحمل فكرة جيل عن قضايا ملحة،  كما ان شمولية الفكرة تسمح بتقديمها في اى وقت
تابع:  « ارتباط المقهور بقاهره  نبه إليه أبن خلدون قبل متلازمة « ستوكهولم» عندما قال أن المغلوب يحاكى الغالب ويرتبط به، على المستوى الثقافي، فعندما تحتل دولة دولة أخرى وتستمر فإنها تخلق نمطا منها في المكان ثقافيا وسلوكيا. وأشار إلى انه عندما يتصدى أحد المخرجين لتقديم النص تتوفر أمامه  مساحة متسعة من التأويلات، و هذا لا يشكل ميزة إنما  خطورة ، لذا  أرى أن إعادة تقديم العرض يعد مأزقا أمام المخرج، حيث  سبق وحقق نجاحا جماهيريا من قبل. 
وقال الناقد محمد الروبى رئيس تحرير جريدة مسرحنا: « يتبادر إلى ذهني تساؤل هام عند مشاهدة اى عرض مسرحي يقدمه شاب، وهو: هل مخرج العمل مهموم بما يقدمه أم لا؟ ، وهذا  يمثل مقياسا مهما لي.  فمن الممكن أن نرى عملا متكامل المفردات وجيد الصنع نستمتع به ولكن متعة مؤقتة، أعني ان المسرح بالنسبة لهذا الشاب فرصة للإجابة على أسئلة تخصه بالنسبة للمجتمع والعالم، فهناك فنان موهوب وفنان مهموم،  والأبقى هو المهموم، بالإضافة إلى موهبته حيث بتراكم أعمال هذا الفنان المهموم سنجد أن هناك خطا يميزه،  وضرب الروبي  مثالا بأحد القامات المسرحية والفنية الهامة وهو الفنان كرم مطاوع الذى تميز وتفرد بشكل كبير عن بقية أبناء جيله. 
وتابع:  والسؤال الآخر الذي يحكم علاقتي بالفن هو:  لماذا؟   وهو تساؤل هام فالمجتمعات تبنت الفنون حتى تكون أفضل، فعبر مسيرتنا على مستوى الوطن العربي هناك أعمال فنية مثلت علامات فارقة. 
وعن العرض قال  الناقد محمد الروبى « لم يسبق لي مشاهدة أعمال للمخرج عمرو حسان لذا تعاملت معه باعتباره عمله الأول،  وهذا النص كما سبق وأشرت مأخوذ عن رواية «جامع الفراشات « وعدد كبير من أعمال لينين الرملي مأخوذ عن أعمال عالمية، ولكن ما يميزه عن غيره هو قدرته الفائقة على تحويل تلك الأعمال إلى كائنات مصرية خالصة، فالذي لم يسبق له قراءة رواية «جامع الفراشات « سيقف أمام نص الحادثة باعتباره نصا من تأليف لينين الرملي، واما من سبق له قراءة الرواية فسيقف أمام نص الحادثة باعتباره نصا ممصرا بشكل جيد.                                        
وأشاد الروبى بالمخرج عمرو حسان واصفا إياه بالمخرج الواعد الذي «يفكر» خاصة أنه يستمع إلى الملحوظات ويتقبلها ويستفيد منها ، مشيرا إلى أنه أشار له على عدد من  الملاحظات على العرض في موسمه الأول، ثم اكتشف أنه قام بتعديلها بالفعل في هذا العرض، وقال إن عمرو حسان من المخرجين القادمين بقوة.
وتابع: عرض الحادثة تدور أحداثه حول شخص مريض نفسيا يقع في حب فتاة ويتصور أنه إذا قام باختطافها وأقامت معه عدة أشهر فإنها سوف تبادله المشاعر،  وهو التجريد البسيط للقصة 
ولكن مثلما أشار د . محمد أمين عبد الصمد فإن  الأمر يمكن تأويله برؤية أكثر شمولية ، فمن الممكن أن تأول العلاقة  إلى علاقة الحاكم بالمحكوم، وأيضا علاقة الدول بدول أخرى، فالمبدع سواء كان المخرج أو المؤلف أعطى المساحة الرحبة التي تتسع لأكثر من قراءة للعرض وهو ما أطلق عليه «التفكير « 
وتابع الروبي «أول ما لفت نظري فى عرض الحادثة هو علاقة المنظر المسرحى بالمضمون فالديكور الذي صممه محمد فتحى هو عبارة عن منزل و بالاتفاق مع مخرج العرض عمرو حسان قدموا البيت بطريقة تشير إلى ما يدور فيه ونفسية صاحب المكان،  فالشرائح البيضاء تعطى إحساسا بأنه بيت قديم من البيوت الخشبية، ولكنه يعطينا  إحساسا بأنه «ملصم « وربما يكون مثل شرائح الشاش، بالإضافة إلى أن حوائط البيت مائلة قليلا إلى الأمام وهذا الميل يمنحنا شعورا بأنها على وشك السقوط، وهو بدوره ما يضغط المتفرج ويجعله جزءا من الحالة مشاركا فى اللعبة المسرحية، لذلك جاء تقديمه في قاعة الغد مناسب للغاية، فإذا كان هذا العرض يقدم على خشبة المسرح القومي أو مسرح السلام مثلا، كان لابد أن تتغير أشياء، فالمفترج يجلس بشكل قريب إلى حد الالتصاق بمكان تقديم العرض، هو جزء من حوائط البيت التي تقترب منه ، وفى عمق المسرح هناك شروخ عديدة بالإضافة نافذتين في الفضاء الخارجي باللون الأسود الذي يشير إلى الظلمة والصحراء، وفى المشهد الأول يبدأ المخرج عمرو حسان بمشهد سينمائي وهو ما يوحى إلى أنه ذهب إلى التفسير النفسي مثل الفيلم الأمريكي كما أن طريقة خطف الشاب للفتاة قام بها بنفس الطريقة، فقد اعتمد على منهج المونتاج السينمائي بطريقة «البلاك» 
واختتم الروبي مداخلته قائلا « حتى تتحقق رؤية المخرج كان لابد من مجموعة من الفنانين الموهوبين الذين يحملون رؤية فنية وثقافة ومن المؤكد ان مخرج العمل عمرو حسان عقد معهم جلسات عمل مكثفة وهو ما اتضح فى شخصية «عاصم « التي قدمها الفنان مصطفى منصور و التى اعتمد فيها المخرج على التفسير النفسي لتخرج الشخصية تعانى من انفصام ثلاثي، وهو ما يحتاج إلى ممثل جيد ومتمكن ينتقل من حالة نفسيه إلى أخرى،  لذلك أحيي  مصطفى منصور لتجسيده هذه الشخصية،  أما ما يميز ريهام أبو بكر أنها لم تتأثر بأداء زميلتها التي قدمت الدور من قبل ياسمين سمير وتفردت فى تقديم الشخصية بشكل مغاير،  والحقيقة أن لكل منهما أداء ونكهة مختلفة،  وهناك نقطة هامة أود الإشارة إليها في النهاية تخص المشهد الخاص بمرض زهرة، فعندما ذهب عاصم لإحضار الطبيب  ترك الباب مفتوحا ولم تهرب زهرة ، بل نادت عليه لتستنجد به..  هذا المشهد يعد الذروة والنهاية،  و يفتح بابا للتساؤلات الكثيرة وتصل من خلاله رسالة العرض. وفي النهاية  فقد كشف العرض -دون قصد-  عن العديد من المواهب القادمة بقوة، وذلك  و ذلك حين تم تقديم العرض عدة مرات فاستعان  بمواهب متفردة وممثلين جيدين وهو ما نريده من المسرح، وقد سعدت كثيرا بالعرض وبالممثلين المتميزين. 
كذلك انطلق  الناقد المسرحى باسم صادق في مداخلته من مجموعة من التساؤلات التي رأى أهميتها عند تقديم تجربة مسرحية، وهى:  لماذا نقدم هذا العرض؟ ومتى؟  وماذا نريد منه؟ وهى الأسئلة  التي يحرص على توجيهها لجميع المخرجين في كل لجان التحكيم التي يكون عضوا بها. 
أضاف « المخرج عمرو حسان كان واعيا بهذه النقطة في تناوله لنص «الحادثة « وهو مثل كثير من النصوص للمؤلف المسرحى لينين الرملي يحتمل الكثير من التأويلات، فهو طوال الوقت يقدم لنا شخصيات كوميدية تحمل بعد دراميا ساخرا من الواقع ومن الضغوط المجتمعية، والصراعات التي تحيط بالشخصيات. ولذلك أرى أن  المخرج وقع في مأزق كبير واختبار حقيقي لكونه اختار نصا بهذا الحجم و لكنه استطاع إن يحقق نجاحا كبيرا وهو ما يجعلني أشفق عليه لأنه مطالب في تجربته القادمة بأن لا يقل عن هذا المستوى،  وأعتقد أن المخرج عمرو حسان لن يخذلنا فى أعماله القادمة. 
أضاف « أكثر ما يجذبني للكتابة عن عرض هو المتعة التي تتحقق وكفاءة الممثلين وهى عناصر توافرت بعرض «الحادثة « فقد استمتعت بالعمل وشاهدته عدة مرات واحيى فريق العمل والممثلين لأدائهم المتميز. وأكثر ما يقلقني هو اختلاف التفاعل بين الجمهور والممثلين خاصة مع قلة عدد الجمهور بعد الإجراءات الوقائية والاحترازية الأخيرة،  ولا أدرى هل سيتأثر الممثل بحجم الجمهور وردود أفعاله وهل ستؤثر على أدائه. ورأيي أن الممثل الشاب مصطفى منصور بطل العرض لم يتأثر بهذا التغير لامتلاكه قدرا كبيرا من الوعي والعمق والحرفية الشديدة، فكان يتأرجح بين الثلاث شخصيات المتداخلة التي تتصارع بداخلة بحرفية ومهارة شديدة،   وأتمنى أن لا يترك المسرح حتى وإن حقق نجاحا على مستوى السينما والدراما التلفزيونية، فالمسرح مختبر تدريبى وعملي لأى ممثل موهوب ومهموم.               
تابع :  « تميزت  الرؤية الإخراجية لعرض «الحادثة « بالحيوية والتكثيف، تعامل المخرج عمرو حسان بجرأة شديدة مع النص فتدخل بالحذف والاختزال لبعض الشخصيات بشجاعة، كما أن التحدي الأكبر فكان اختيار المخرج لنص قدمه المخرج الكبير عصام السيد بكبار النجوم ، ففي المرة الأولى قدمه الفنان حسين فهمي والفنانة عبلة كامل وفى المرة الثانية قدمه الفنان أشرف عبد الباقي ، وهو ما يعد تحديا كبيرا لعرض حقق نجاحا كبيرا بنجوم كبار،  و أحب أن أشير أيضا إلى  الإيقاع المنضبط للعمل،  وتميز الممثلين فى تجسيدهم للشخصيات، فقد أجادت الفنانة ريهام أبو بكر تقديم دورها وكان لها بصمتها الخاصة واختلفت في أدائها عن الفنانة ياسمين سمير كما  تميزت الفنانة رضوى البروكى. 
وفيما يخص إضاءة العرض قال : تميز مصمم الإضاءة عز حلمي في بناء الإضاءة على اختيارات الألوان الموحية لطبيعة الشخصيات والحالة النفسية لها وأتفق مع الأستاذ محمد الروبى فى تفسيره لديكور العرض لمصممه محمد فتحي ولكنى أضيف أن فكرة الخطوط المتقاطعة والمتداخلة في الحوائط والجدران تعادل الأفكار والخطوط المتداخلة داخل شخصية عاصم وترجمة لحالة الصراع الذي يحياه طوال الوقت . 
المخرج عمرو حسان أعرب عن سعادته الكبيرة بالندوة وقال أنه يعتبر نفسه محظوظاً بفريق عمل مسرحية الحادثة ،  أبطال العرض ومن هم وراء الكواليس، مشيدًا بأداء أبطال العمل ومنهم الفنان مصطفى منصور، قائلًا: تربطنا صداقة قوية جعلت التعامل بيننا سهلًا، بالإضافة إلى اهتمامه بكافة تفاصيل العرض وليس دوره فقط.
ووصف المخرج الشاب، بطلة العرض الفنانة ريهام أبو بكر بـ «ممثلته المفضلة»، مشيرًا إلى أن عرض «الحادثة» رابع عمل يجمعهما سويًا، أما عن الفنانة رضوى البروكي فأكد أنها أحدثت فارقاً فى دور فتاة الليل بعد انضمامها للعرض ، بالإضافة إلى الفنان فتحي الجارحى الذي جسد دور الرجل الأجنبي ، مؤكدًا أنه يعتبره أخا كبيرا لهم، لافتًا إلى أنه يحب التعامل مع مصمم الإضاءة عز حلمي، ووصفه بأنه: «فنان بمعنى الكلمة».
تابع: عز حلمي يهتم بعمله جدًا، ولا تنتهي علاقته بالعرض بمجرد إنجاز عمله، وإنما يحرص على التواجد دائماً في الكواليس ويتابع كل التفاصيل بنفسه كلما أعدنا العرض مجدداً في كل موسم جديد، كما يحرص على تطوير إضاءة العرض والتفكير في أشياء جديدة.
ووجه المخرج الشاب، الشكر للفنان إسماعيل مختار رئيس البيت الفني للمسرح، والمخرج سامح مجاهد مدير مسرح الغد لتحمسهما لتقديم العرض ومساندته دائمًا، منوهًا بأن اختياره للنص كان بسبب اسم الكاتب الراحل لينين الرملي ونجاحاته الكبيرة سواء مع الفنان محمد صبحي أو الأستاذ عصام السيد، بالإضافة إلى حاجته إلى اسم كاتب كبير بجانبه، خاصة أنه مازال في بداياته، مشيرًا إلى أن النص مرن وملائم لكل الأزمان، مؤكدًا حرصه الدائم على تقديم عرض مختلف، يجعل المتفرج مشدودا للعرض وأن يحافظ على الإيقاع طوال العرض.
 كما عبرت الفنانة الشابة ريهام أبو بكر، عن سعادتها الكبيرة بدورها فى عرض «الحادثة» الذي يعاد تقديمه على خشبة مسرح الغد بالعجوزة ، ونوهت ريهام إلى أن العرض « هو رابع عمل يجمعها بالمخرج عمرو حسان، وهو ما خلق بينهما قدراً كبيراً من التفاهم والانسجام، إضافة إلى ثقتها الكبيرة به كمخرج، وهو ما يجعلها تنفذ ما يطلبه منها وهى واثقة تماماً من أن نتيجته ستكون جيدة.
وأشادت الفنانة الشابة، بزميلها الفنان مصطفى منصور، لافتة إلى أنه استطاع كسر الرهبة والقلق لديها منذ لقائهما الأول، موجهة التحية إلى زميلتها الفنانة ياسمين سمير التي كانت تجسد الدور قبلها، وكانت تداعبها دائماً بأنها تتمنى تقديم دورها.
و قالت الفنانة الشابة رضوى البروكى إنها قامت بإطلاق اسم «فوزية العايقة» على شخصية فتاة الليل التي تجسدها خلال أحداث العرض بالاتفاق مع المخرج عمرو حسان.
وأشارت إلى أنها شعرت بالقلق في البداية عندما علمت بأن فتاة الليل شخصية كوميدية، خاصة أنها لم تقدم هذا اللون من قبل، وأنها حاولت أن تقدم الشخصية بطريقة مناسبة لعمرها، وألا تكون الشخصية فجّة أو مبتذلة.
فيما قال عز حلمي، مصمم الإضاءة إن العرض هو خامس تعاون بينه وبين المخرج عمرو حسان، مؤكدًا أن هناك كيمياء بينهما، كما أنه يرتاح كثيرًا في العمل معه.
وأشار مصمم الإضاءة، إلى أن المخرج عمرو حسان يرسم الحركة جيداً ويرسم جميع عناصر العرض بما فيها الإضاءة، مما يجعل عمله سهلًا ويسيراً، لافتًا إلى أن عرض «الحادثة» مغرى جداً لأى مصمم إضاءة لأن به مناطق عديدة للإثارة والرعب وتحول الشخصيات، وتابع عز حلمي: وقعت في غرام النص المسرحي منذ شاركنا به لأول مرة بمهرجان نقابة المهن التمثيلية ونلنا عنه ستة جوائز منها جائزة أفضل إضاءة.
 


رنا رأفت- ياسمين عباس