التفاصيل المجهولة لأول معهد مسرحي في مصر (27) مأساة طلاب معهد المسرح بالفرقة القومية

التفاصيل المجهولة لأول معهد مسرحي في مصر (27) مأساة طلاب معهد المسرح بالفرقة القومية

العدد 677 صدر بتاريخ 17أغسطس2020

عرضنا في المقالة السابقة نماذج من كتابات طلبة المعهد، سواء من سافروا في البعثة الثانية، أو من مكثوا في القاهرة ولم يسافروا!! وعلمنا أيضاً أن البعثة الثانية إلى إنجلترا، كان مقرر لها سنتين أو ثلاث سنوات، وبسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، عاد أفراد البعثة دون أن يستكملوا عامهم الأول!! وبالطبع كان من المستحيل استكمال البعثة، أو إعادة الطلاب إلى إنجلترا مرة أخرى؛ لأن الحرب ما زالت قائمة! ومع بداية العام الدراسي الثالث – الذي بدأ رسمياً – قبل سفر الطلاب إلى إنجلترا في البعثة الثانية، ثار الجدل حول طلاب المعهد، وهل اختيارهم كان من أجل دعم الفرقة القومية بالوجوه الشابة أم من أجل الاستفادة بهم كونهم مخرجين أو نواة لهيئة التدريس .. إلخ!
كتبت جريدة «البلاغ» كلمة مهمة حول هذا الأمر، وقبل أن أنشرها، يجب توضيح الآتي: إن الجريدة في كلمتها أشارت إلى بعثتين: الأولى بعثة الإخراج، وهي البعثة التي أرسلتها الفرقة القومية من أجل تجهيز مجموعة من مخرجي الفرقة القومية، ومنهم: عمر جميعي، وسراج منير، وفتوح نشاطي، ومحمد متولي. والبعثة الثانية، هي بعثة طلاب معهد التمثيل إلى إنجلترا. وبناءً على هذا التوضيح، نعود إلى كلمة جريدة «البلاغ»، التي قالت فيها تحت عنوان «معهد التمثيل يجب أن يكمل النقص الذي تحس به الفرقة القومية الآن»:
يتبع معهد التمثيل الفرقة القومية في إدارته، فهي التي تشرف عليه وتختار طلبته وتتولى إيفادهم في بعثات إلى الخارج. وقد عرف القراء مما نشرناه من قبل أن الفرقة القومية قررت إيفاد أربعة من طلبة هذا المعهد إلى إنجلترا، لتعلم الفنون المسرحية المختلفة في إنجلترا. ونحن لا نعترض على المسلك الذي سلكته إدارة الفرقة في اختيار أولئك الأربعة لإيفادهم، ما دامت تراهم أفضل من بقية زملائهم، وما دامت حالتها المالية لا تسمح لها بإيفاد الباقين منهم. ولكنا نرى من واجبنا في هذه الأيام التي يتزاحم فيها الطلبة على الكليات والمدارس للالتحاق بها، أن ننبه إدارة الفرقة إلى وجوب اختيار الطلبة التي تنوي قبولهم في المعهد بعناية، حتى تستطيع أن تكمل بهم النقص الذي يلاحظ عليها الآن من ناحية تكوينها. فقد شعرت الفرقة منذ عامين بحاجتها إلى مخرجين، ولهذا أوفدت أربعة أفراد إلى عواصم أوروبا المختلفة، لكي يدرسوا طرق الإخراج والإدارة المسرحية. وقد اقترب الوقت الذي سيعود فيه أولئك المبعوثين إلى الفرقة، لكي يؤدوا الواجب عليهم نحوها. ونحن نرى الأستاذ الكبير مدير الفرقة، يعلق في أحاديثه آمالاً كبيرة على عودة مبعوثيه، فيرى بهم حاجة الفرقة مسدودة من ناحية الإخراج والمخرجين. كما نلاحظ أن اثنين أو ثلاثة من أفراد بعثة معهد التمثيل، سيوفدون لتعلم الفنون الخاصة بالعمل وراء الستار، وليس أمامه! ومن ذلك نرى أن الفرقة تعمل على زيادة عناصر الإدارة الفنية فيها، ولا تعمل على زيادة عنصر الممثلين أو تقويته. نحن لا نرغب في الحط من قدر الممثلين والممثلات في الفرقة؛ لأننا نكن لهم كل تقدير؛ ولكن ذلك لا يمنعنا من القول إن الفرقة أصبحت في حاجة إلى إيجاد بعض الوجوه الجديدة وخصوصاً وجوه الشباب. ومما يستحق الذكر إن الفرقة تحتوي على كثير من الممثلين، الذين يجيدون تمثيل الأدوار التنكرية، التي تمثل أشخاصاً كبراء في السن، مما يصح معه الجزم بأنها غنية من هذه الناحية؛ ولكنها مع الأسف فقيرة من ناحية الممثلين، الذين يصلحون لتمثيل الشبان ذوي الوجوه النضرة. ونلاحظ كذلك أن الفرقة تعتبر فقيرة إلى حد بعيد من الناحية النسائية، فممثلاتها قليلات العدد، وليس يوجد بينهن إلا قليلات ممن يصلحن لتمثيل أدوار الشابات. وهذا يصل بنا إلى نتيجة لا بد من تقريرها، وهي أن الفرقة تحتاج إلى دم فني جديد، يجب إدخاله عليها حتى تكمل هذا النقص، الذي تشعر به. وليس أمامها لسد هذا النقص سوى سبيل واحد، وهو ضم بعض الطالبات والطلبة ممن تتوفر فيهم الشروط السالفة الذكر. على أن تجعل منهم ممثلين صالحين لتمثيل الأدوار التي أشرنا إليها. ولا يمكن سد هذا النقص إلا باختيار الطلبة المناسبين لمعهد التمثيل. ونظن أن حُسن الاختيار والتوفيق فيه لا بد أن يوصلا إلى هذا الغرض ولا نظن أن الفرقة ستعجز عن تحقيقه.
ما ذكرته جريدة «البلاغ»، سيكون له أثره فيما بعد، لأن خليل مطران مدير الفرقة القومية، ومدير المعهد أيضاً، سار في خطته المرسومة، وبدأ يقبل الطلاب الجدد للسنة الثالثة أو للدفعة الثالثة، وأخبرتنا بذلك جريدة «البلاغ» أيضاً، قائلة تحت عنوان «معهد التمثيل قبول طلبة جدد»: يهتم الأستاذ الكبير خليل مطران مدير الفرقة القومية الآن بأمر معهد التمثيل واستئناف الدراسة فيه، وقد علمنا أن شئون هذا المعهد ستعرض على اللجنة العليا لترقية التمثيل في اجتماعها القادم، الذي سيقرر في خلال الأسبوعين القادمين. والمفهوم أنه سيقبل من الطلبة في هذا المعهد خمسة أشخاص بين طلبة وطالبات، ويشترط فيهم أن يكونوا حاصلين على شهادة البكالوريا. وستكون مدة الدراسة للطلبة الجدد عامين أو ثلاثة بحسب ما يثبت لهم من مؤهلات. وبعد انتهاء دراستهم يرسلون في بعثة إلى الخارج كأعضاء البعثة الذين أرسلوا منذ ثلاثة أشهر، وإذا عادوا أمكن إلحاقهم بالأعمال التي سيتخصصون لها.
عام دراسي غريب
وبالفعل بدأ العام الدراسي الثالث رسمياً في فبراير 1939، ولا أعرف كيف بدأ في هذا التاريخ؛ لأن المعروف أن الامتحانات ستكون في مايو!! فهل سيدرس الطلاب ثلاثة أشهر فقط؟! هذا التعجب زال، عندما علمت من مجلة «الصباح» أن الطلاب الجدد ثلاثة، هم: سعد الدين زاهر، وعبد الوهاب يوسف، ومحمد كمال حسين فايد! أكيد أنت الآن عزيزي القارئ في دهشة كبيرة، لأنك لم تسمع بهذه الأسماء في تاريخ المسرح المصري، أو ضمن أعضاء الفرقة القومية، أو ضمن بعثات المعهد .. إلخ! وهذا لسببين: الأول أن هؤلاء الطلبة هم في الأصل من طلاب كلية الآداب! فالأول والثاني طالبان في السنة الثالثة بقسم اللغة الإنجليزية! والثالث طالب أيضاً في السنة الثالثة بقسم اللغة الفرنسية – ولعله المترجم الكبير محمد كمال فايد! – أما السبب الآخر، فيتمثل في أن هذا العام الدراسي الثالث، لم يتم بالصورة الطبيعية!! فلم أجد له – فيما بين يدي من معلومات – أية أخبار عن محاضراته، أو أساتذته، أو امتحاناته، أو نتائجه .. إلخ؛ لأن هذا العام – ربما – كان آخر أعوام معهد فن التمثيل التابع للفرقة القومية تحت إشراف وزارة المعارف!!
والدليل على ذلك اعتراض «يوسف وهبي» على ما ذكره خليل مطران في تقريره المُقدم إلى البرلمان، بخصوص ميزانية الفرقة القومية! فقد تحدث مطران في تقريره عن معهد التمثيل وفائدته، فقام يوسف وهبي بالرد عليه في مجلة «الصباح»، قائلاً عن المعهد: “ .. لكننا حتى اليوم سمعنا أن شباناً تخرجوا فيه .. لكنهم لم يعملوا شيئاً .. ولست أدري أيقع الذنب على من لم تهيئ لهم الفرصة للظهور بعد تخرجهم، أم على الفرقة القومية لاكتفائها بممثليها؟ ومعنى هذا أنهم أخرجوا شباناً، وعرضّوهم للعطلة! وفي هذا ضرر كبير لمستقبلهم وحياتهم الفنية”. كما اعترض يوسف وهبي أيضاً على ما ذكره مطران بخصوص البعثات الفنية، قائلاً: “حتى اليوم لم نر فائدة من هذه البعثات! بل أستطيع أن أقول إن أخواني الذين سافروا في بعثات قد يعودون فلا يجدون لهم مكاناً في الفرقة القومية، بل يضعونهم على الرف .. والخلاصة أننا لم نر الفائدة من هذه البعثات حتى الآن”.
بعد شهور قليلة من جلسة البرلمان هذه، تغيرت جميع الأحوال المسرحية تقريباً!! وقد أشارت إلى بعض هذه التغييرات جريدة «الاتحاد» في نوفمبر 1939، قائلة تحت عنوان «ترقية المسرح المصري .. هيئة تنفيذية للجنة العليا»: “عرف القراء أن الإشراف على شئون المسرح المصري، انتقل من وزارة المعارف إلى وزارة الشئون الاجتماعية. وكانت وزارة المعارف قد ألفت لجنة عليا لترقية المسرح برياسة سعادة الدكتور أحمد ماهر باشا. وقد اجتمعت هذه اللجنة يوم الأربعاء الماضي وحضر اجتماعها معالي عبد السلام الشاذلي باشا. وكان ما قررته تأليف هيئة تنفيذية دائمة، من حضرات محمد العشماوي بك والأستاذ خليل مطران والأستاذ توفيق الحكيم، لإدارة أعمال الفرقة القومية، والإشراف على شئون التمثيل عامة”.
هذا التغيير الذي جعل وزارة الشئون الاجتماعية، هي المسئولة عن المسرح والفرقة القومية بدلاً من وزارة المعارف، أحدث ضجة كبيرة، حيث رحب به البعض، ورفضه البعض الآخر، ونتج عن ذلك صراعات في كل مكان مسرحي في مصر: بين المسارح، وبين الممثلين، وبين المخرجين، وبين اللجان، وبين الوزارات .. إلخ، وكانت المحصلة إيقاف الفرقة القومية نهائياً، وفصل الكثير من ممثليها ومخرجيها، واستقالات في كل مكان ومجال، ومن ثم إعادة تكوين الفرقة تحت اسم «الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى»!
مأساة ثلاثة طلاب
وسط كل هذه المشاحنات والاختلافات، ظهرت قضية لم يلتفت إليها أحد، وهي موقف طلاب المعهد ممن لم يسافروا إلى إنجلترا في البعثة الثانية، أمثال: حسن سالم، وحسن حلمي، وعباس يونس!! بدأت هذه القضية في سبتمبر 1938، عندما نشرت جريدة «أبو الهول» خبراً تحت عنوان «مفاجأة لطلبة معهد التمثيل»، قالت فيه: “ قبل أن يسافر الأستاذ خليل مطران إلى لبنان لقضاء أجازته الصيفية قال لطلبة المعهد – الذين لم يسافروا إلى إنجلترا – يجب أن يعتبروا أنفسهم في أجازة إلى أن يعود للقاهرة .. وفهم طلبة المعهد من هذا أن المرتبات ستصرف لهم كالمعتاد. وفي أول الشهر ذهبوا إلى إدارة الفرقة لتسلم مرتباتهم كالمعتاد فأمهلوهم أياماً .. ثم قالوا لهم: «مفيش مرتبات الشهر ده»! وكانت هذه مفاجأة لم تكن في الحسبان. ويفهم من هذا الرد، وعدم صرف المرتبات، أن الطلبة الموجودين بالقاهرة الآن، والذين لم يسافروا إلى إنجلترا، لم تفكر الفرقة القومية في مصيرهم بعد! وهذا مما يؤسف له كل الأسف، إذ كان الواجب على إدارة الفرقة أن تضع لهم خطة معينة، لا سيما أن من بين هؤلاء الطلبة من ضحى بدراسته، ومنهم من اتجه إلى دراسة التمثيل بعد أن كان متجهاً إلى نواح عملية أخرى”.
تبنت جريدة «البلاغ» هذه القضية، ونشرت في يناير 1939، خبراً قالت فيه: “اهتمت إدارة الفرقة القومية بتنظيم معهد التمثيل التابع لها، وقد أتمت اختيار الطلبة الذين سينضمون إليه. وقد جاءنا بيان من خريجيه عباس يونس أفندي، وحسن سالم أفندي. جاء فيه أنهما يرجوان أن تنظر في أمرهما اللجنة العليا لترقية التمثيل في اجتماعها، وأن تطمئنهما إلى مستقبلهما”. وبعد اجتماع اللجنة، قالت جريدة «البلاغ»، تحت عنوان «لجنة ترقية التمثيل .. ماذا تم في اجتماعها الأخير؟»: عقدت لجنة ترقية التمثيل برئاسة الدكتور أحمد ماهر، والدكتور محمد حسين هيكل باشا وزير المعارف، وحضرات حافظ عفيفي باشا، والشيخ مصطفى عبد الرازق بك، ومحمد العشماوي بك، والدكتور طه حسين بك، وخليل ثابت، والأستاذ خليل مطران. وقد نظرت اللجنة في أمر عباس يونس أفندي، وحسن سالم أفندي خريجي معهد التمثيل فقررت إلحاقهما كممرنين بالفرقة، على أن يُمنح كل منهما مرتبه الذي كان يُمنح له كمكافأة، عندما كان طالباً في المعهد.
ما حدث بعد ذلك لهذين الطالبين – بالإضافة إلى الطالب الثالث حسن حلمي - يُفضل متابعة ما تم نشره بخصوصهم في الصحف المصرية، وسأبدأ بالطالب «حسن سالم» الذي قالت عنه جريدة «أبو الهول» في إبريل 1939، تحت عنوان «بين الفرقة القومية وحنان الأم»: “ كانت والدة الشاب الأديب حسن سالم أحد طلبة كلية الحقوق، قد عارضته قبل التحاقه بمعهد فن التمثيل، بقولها: إن التمثيل لا يضمن له مستقبلاً، يساوي مستقبله بعد تخرجه من الحقوق؛ لكنه لم يستمع إلى رأيها، ثم حدث أن حُرم من السفر أخيراً مع زملائه طلبة معهد التمثيل، الذين سافروا إلى إنجلترا. كما حرمته الفرقة القومية من الراتب الضئيل الذي كان يتقاضاه. وبعد أحد عشر شهراً قبلت الفرقة أخيراً إلحاقه بالفرقة براتب قدره خمسة جنيهات، وبينما كان هو يحس بألم هذه الحياة فوجئ بتلغراف من أسرته بالإسكندرية بأن والدته في حالة مرض خطير فسافر في الحال. وهناك ذكّرته والدته، وهي على فراش المرض برأيها الأول، ونتيجة عدم استماعه لنصائحها! فندم على عدم تنفيذ نصحها!!
وبعد أربع سنوات، وتحديداً في أبريل 1943، وجدنا «حسن سالم» ينشر كلمه عن نفسه في جريدة «البلاغ»، قال فيها: “ ما كان أسعدني يوم تركت كلية الحقوق، لالتحق بمعهد التمثيل الذي كان مقره حينذاك كلية الآداب. وما كان أسعدني يوم أتممت دراستي الفنية النظرية، وسافرت إلى إنجلترا لاستكمل الناحية العملية في فن التمثيل الجميل. وما كان أسعدني يوم عدت إلى وطني الحبيب متشبعاً بروح العمل في سبيل نهضة المسرح، ممتلئاً ثقة وإيماناً بالنصر القريب العاجل. وفي الأسبوع الأول الذي رجعت فيه إلى مصر، قدمت إلى حضرة مدير الفرقة القومية برنامجاً مفصلاً شاملاً عن إنشاء معهد للتمثيل على غرار معهد لندن. وشرعت أكتب بعد ذلك في الصحف فأفسحت لي «الأهرام» خير مكان في صفحتها الأدبية الفنية، التي كانت تقدمها لقرائها مرة كل أسبوع، كما عاونتني «الصباح» ونشرت لي سلسلة من البحوث الفنية المختلفة تحت عنوان «في سبيل النهضة المسرحية» كما كنت أغذي بعض صحفنا الأسبوعية، التي اختصت بالكتابة عن المسرح. ثم شرعت أكتب في «الوفد المصري» وكان صديقي الناقد المسرحي المعروف الأستاذ «خليل عبد القادر» يقدم لي خير معونة حينذاك. ثم حدث بيني وبين المسرح «سوء تفاهم» سببه التقدير المادي الذي لا يتناسب مع مركزي، فاستقلت بكل هدوء والتحقت بعمل لا يمت إلى المسرح بأية صلة، لا من بعيد ولا من قريب، أتدري ما هو؟ مركز حسن في شركة «سوكوني فاكوم الأمريكية»، مكثت فيه عاماً كاملاً وبعده عدت إلى المسرح الذي لم أستطع الانفصال عنه، ثم تطورت الأمور، وكُونت الفرقة المصرية فنظرت إلى اللجنة نظرة فيها معاني الإنصاف، وأعادتني إلى استئناف دراستي الجامعية. هذا هو ملخص لحياتي الفنية في عبارات سريعة. أما المستقبل فسيكون مؤثراً قوياً في النهضة المسرحية.
أما بالنسبة للطالب حسن حلمي، ففي نوفمبر 1939، قالت مجلة «الصباح»، تحت عنوان «تقرير أحد خريجي معهد التمثيل إلى لجنة ترقية المسرح»: قدم حسن أفندي حلمي الممثل بالفرقة القومية - والذي كان ضمن بعثة معهد التمثيل الحكومي إلى لندن – تقريراً إلى لجنة ترقية المسرح المصري، يلتمس منها فيه إتاحة فرصة له يضطلع فيها بدور ذي أهمية في إحدى الروايات الجديدة، التي ستقدمها الفرقة القومية في الموسم الجديد، حتى يستطيع أن يظهر في هذا الدور مواهبه واستعداده. وقد جاء في هذا التقرير أن وزارة المعارف انفقت عليه منذ التحاقه بالمعهد حتى الآن أكثر من ثلاثمائة وعشرين جنيهاً، وهي لم تصرف عليه مثل هذا المبلغ الجسيم إلا ليمثل أدواراً لها قيمتها، لا أدواراً صغيرة من التي يقوم بها جماعة «الكمبارس»، الذين يتقاضون خمسة قروش عن كل يوم. ثم ختم التقرير بقوله: “وإنه إذا لم تهيئ له اللجنة هذه الفرصة، فسيفضل الاستقالة، لأنه في هذه الحالة يرى نفسه غير جدير بالراتب الذي يُمنح إليه”.
أما «عباس يونس»، فتحدث عن قضيته في مارس 1943 – أي بعد أربع سنوات من حدوثها - في مجلة «الثريا»، قائلاً: قبل أن أُبعث إلى إنجلترا لدراسة فن التمثيل، كنت على جانب من الثقافة الموسيقية والمسرحية يعرفه الجمهور، إذ وصلت كمغنٍ على التخت إلى درجة يكتفي ببلوغها غيري. أما أنا ففي الحق ظل استعدادي يدفعني إلى العمل على تحقيق ما كمن فيّ من حب وهواية الغناء المسرحي. وآمنت حينئذ إنني صاحب رسالة، يجب تأديتها وهي خلق الأوبرا في مصر. وما كدت أجني طلع ما زرعت، حتى أُعلن على البعثة فتقدمت إلى الامتحان وكنت أول من جازه، وأكملت دراستي التمهيدية بكلية الآداب، وأرسلت إلى إنجلترا في البعثة. وهناك أقبلت على الدرس والتحصيل أنهل من مناهله بقدر ظمئي، ولم أكن محصلاً فحسب، بل كنت منتجاً أيضاً في الناحيتين: التمثيل والموسيقى. وعدت إلى وطني وكل ثقة وأمل، مسلحاً أكثر مما كنت قبل البعثة، متأهباً لتسديد ما عليّ لمصر العزيزة من دين، ولكني واجهت حروباً متتابعة قاومني بها رجعيون يكرهون التجديد الصحيح الذي قد يبعدهم عن مراكز الصدارة التي يحتلونها ويطربون بذلك!


سيد علي إسماعيل