«المسرح ثقافة» تناقش قضايا المسرح والوسائط «أون لاين»

«المسرح ثقافة»  تناقش قضايا المسرح والوسائط «أون لاين»

العدد 675 صدر بتاريخ 3أغسطس2020

مع استمرار جائحة “كورونا” (كوفيد ــ 19) لم ينقطع المسرحيون عن البحث لإيجاد سبل للتواصل واستكمال أنشطتهم. وفي هذا السياق عقدت مجموعة “المسرح ثقافة” ندوتها بعنوان “المسرح والوسائطية”  الأسبوع  الماضي، عبر  منصة Facebook room  بمشاركة نخبة من المسرحيين،  منهم  المخرج والسينوغراف الفنان المسرحي خالد الرويعي من البحرين، والمخرج د. أحمد الشرجي من العراق، والناقد والباحث د. محمود سعيد من مصر، والكاتب والناقد السينمائي والمسرحي محمد الروبي من مصر، والناقد والمخرج  عبيدو باشا من لبنان، والكاتبة د. زينب لوت من الجزائر، وأدار الحوار المخرج  المسرحي سامي الزهراني من المملكة العربية السعودية، بتنسيق الإعلامية غادة كمال، ومداخلات ونقاشات من قبل  العديد من المسرحيين من مختلف الدول العربية.
رحب سامي الزهراني بالمشاركين، والتعريف بهم، وتقديم سيرهم الذاتية والتعريف بمجموعة “المسرح ثقافة” وأنشطتها الثرية في الحركة المسرحية العربية، مشيرا الى أن  المحور الأول يناقش قضية “المسرح والوسائطية” أو “علم الميديا” الذي يهتم بدراسة  الوسائط. السؤال الأول وجهه الزهراني للناقد محمد الروبي وهو: هل هناك سيادة للوسائطية بالمسرح كان أحد أسبابها سيادة الثقافة البصرية بالمجتمعات، وما مدى حجم تأثير الثقافة البصرية في انتشار مظاهر الوسائطية بالمسرح؟
الوعاء الأكبر
قال محمد الروبي: إن المسرح ليس “أبو الفنون” فقط إنما هو “أبو الصورة” أيضا، ومع كل تطور في الأساليب وتعدد الوسائط سيظل المسرح هو الوعاء الأكبر لاستيعاب كل ما هو متطور ومتقدم من التقنيات، وقديما عندما ظهر فن السينما صاحب ذلك بعض الآراء التي ارتجفت وارتعدت خوفا أن يُقضى على “المسرح” ولم يقضى على المسرح، واستمر حاضرا، ومن بعد السينما اخترع  التليفزيون وتكرر الخوف مجددا، وتتابع  تطور الوسائط، وتقدمت التقنيات حتى وصلنا إلى عصرنا هذا بتقنياته الحديثة، وخاف البعض من أن  ينزوي المسرح ويتضاءل حضوره، وحاول كثيرون منا إثبات قوة المسرح في المواجهة، ومن ثم خرجت دعوات المسرح  “أون لاين”.
وأكد الروبي أن  المسرح هو “أبو الفنون” وسيظل دائما هكذا، لأن هذا ليس تعبيرا مجازيا، إنما هو تعبير حقيقي وفعلي، وأن أيّ فنون أو سائط حديثة ستظهر، فالمسرح  قادر على استيعابها والاستفادة منها.
وعلق الزهراني قائلا: أتذكر قول الفنان غنام غنام “إن المسرح يحتوي كل شىء، ولا يمكن أن يحتوي المسرح في أي شىء آخر”، فالمسرح وحده قادر أن يحتوي كل العلوم والفنون والآداب، وكل ما نشهده وتشهده الحياة. وتساءل الزهراني: ما هو سبب التوجه في المسرح العربي إلى الإفراط في استخدام “الصورة البصرية” عن التركيز على دراما النص؟
فأوضح الروبي أنه “مع ظهور كل تقنية جديدة نجد الإفراط في استخدامها، نتيجة  الإسراع في التجريب، أو إظهار الإلمام بالتقنيات والقدرة على استخدامها لتأكيد التقدم عن الآخرين، ومن ثم يقدم بعض المسرحيين على هذا السلوك للبرهنة على قدرتهم على تقديم صورة متقدمة دون أن يهتموا بما تحتويه من مضامين، وعلاقتها  بالرسالة التي يقدمها مسرحهم. وأذكر أن أحد العروض تجاهل تماما العنصر الأهم بالمسرح وهو “الممثل” انتصارا لما ينادون به من أن “المسرح صورة”.
وأكد الروبي أن المسرح صورة ولكن من أجل أن تصل عبرها رسالة درامية محددة ومفهومة، فإذا انتصرت الصورة على أداء ومهارات “الممثل” فهذا يحلينا إلى نوع فني آخر، كأن ينتمي إلى الفن التشكيلي مثلا، لأنه صنع صورة بصرية جميلة ينتهي الإعجاب بها بعد مشاهدتها، ولم تترك تأثيرا في المتلقي، قدمت إبهارا لحظيا لا غير، لكن المسرح يمس الإنسان من داخله، ويمس دواخل المجتمع والعالم.
واختتم الروبي بقوله: ليستخدم المسرحي ما يشاء من التقنيات، ولكن مع الحرص على أن يتناسب ما يقدمه مع مضامين العرض ورسالته دون إسهاب، لأنه في الفنون وخصوصا المسرح، القانون هو أن “ما يمكن الاستغناء عنه يجب الاستغناء عنه”.

الرؤية والتجديد
وعن إفراط المسرحيين في الناحية البصرية، سأل: هل نتج عن ذلك أن فقد المسرح ما كان بالنصوص من العاطفة، والتراكيب اللغوية والحبكة الدرامية، وأصبح السينوغرافيون هم من يقودون العرض؟  
أجابت د. زينب لوت: إن المسرح عبر الفضائيات الرقمية والمواقع الإلكترونية يمثل واقعا لا بد من التعايش معه وفق الآليات المتاحة أو المطورة لمستويات التلقي وكيفية تأثيث السينوغرافيا وتعزيز استخدام البرامج الإلكترونية الحديثة في تحسين الصورة وحركيتها. أضافت: وتتباين التكنولوجيا في العرض حسب أهميتها فتم استخدام الصوت الرقمي، والمؤثرات الصورية والصوتية الرقمية، والتشكيل السينوغرافي من حيث الإضاءة والصوت وتقنيات الفيديو والسلالم وإنتاج أشكال وتصاميم حاسوبية تعزز الرؤية وتثير الصورة بأبعادها الثلاثة واستخدام مجال الإضاءة المتوافقة مع القاعدة الرقمية الوسيطة. ومع جائحة كورونا تغيرت التصورات نحو الفن وظهرت حاجة العلمانية التكنولوجية في تفعيل دورها، فإذا كان المسرح له مكونات هي بحسب قول “حسن عطية”: المادة الفنية، الموضوع المحاكي وطريقة المحاكاة، مفهوم البطل التراجيدي مفهوم المحاكاة، الإضاءة.. فإن هذا يستدعي الآن دراسة لكيفية توظيف تقنيات حداثية رقمية افتراضية تؤثر في المتلقي بحسب الذهنية التي تتلقى العرض، وهذا موضوع يحتاج لدراسة في علم الألوان والانعكاس الضوئي والحركة ومؤثرات الأبعاد عبر حركة الدماغ وما يستقبله ضمن الواقع الافتراضي.

الخطاب المسرحي
وسأل الزهراني: هل أتاح استخدام الوسائط التكنولوجية فرصة لفرض لغة خاصة بها على الخشبة، تفوقت على النص الدرامي، أو خطاب الممثلين؟  
أجاب خالد الرويعي: يجب علينا أن نكون حذرين مع استخدام المصطلحات في مجال توظيف التقنيات بالمسرح، فما يتم بالآونة الأخيرة حول هذه المصطلحات في احتياج إلى أن نعيد قراءته فهي مختلفة تماما عن بعضها البعض؛ فإذا كان الحديث عن التكنولوجيا فهي تعني الحديث عن بداية الثورة الصناعية، بينما الرقمية تعني (رقمنة الأشياء) البيانات الرقمية، مشيرا إلى أن في نظرية “ديبرييه” يطرح تأثير الميديولوجيا على الإنسان، وفي المسرح ليس المقصود النظر أو الوقوف عند نتاج استخدامات التقنية الحديثة، ولكن نقف عند الخطاب المسرحي بالعرض، وأنا باعتباري مشاهدا أتلقى هذا الخطاب، لا أنظر إليه كرقمي أو غير ذلك، وأقرأ العرض بجميع مكوناته، وباعتباري مخرجا للعرض المسرحي أو سينوغرافا لا أتعامل مع الأدوات الوسائطية بتأثير الواقع الافتراضي، إنما أقدمها لدعم الخطاب المسرحي.
أضاف الرويعي: نحن بوصفنا عاملين في المسرح لا نستخدم هذه الوسائط باعتبارها موضة أو ترفا ونسرع وراء الجديد فقط، إنما نستخدمها وفقا لرسالة العرض وأفكاره، كأن أحيط المتفرج داخل قاعة العرض بمئات الشاشات، وأن أعزله ليصبح كما لو كان في غرف الدردشة، فيكون ذلك وفقا لفلسفة وإيديولوجية العرض وخطابه، فأنا أقرأ ما يقدم كخطاب، وليس توظيف التكنولوجيا، أبحث عن تأثير هذه الخطابات علي بوصفي متلقيا للمسرح، والمهم أن أقرأ تأثير الخطابات الرقمية والوسائطية  كإنسان في هذه الحياة، لا أذهب لقراءة العروض المسرحية بكمية وحجم الاشتغال بالعناصر التكنولوجية المتوفرة، ويجوز ألا نستخدم مفردة وسائطية أو تقنية حديثة واحدة كعنصر معزز الأدوات. فالمسرح  يقدم الخطاب، ونحن مع توظيف استخدام الوسائطية والتقنيات وفق سياق الخطاب العام للعرض.

*المسرح العربي
وسأل الزهراني: هل استطاع الممثل العربي أن يتماهي مع التكنولوجيا المسرحية، أم أنه قصر في فهم العلاقة بالتكنولوجيا؟  
أجاب “عبيدو باشا”: يتحدث المسرحيون كثيرا  في الدول العربية مؤخرا في مجال التقنيات بالمسرح، وعن  الجانب الخاص بالوسائطية، وسبل استخدامها، ومع معايشتنا لأحداث “جائحة كورونا” اضطررنا إلى استخدام المسرح “أون لاين” وأسمع كثيرا عن المسرح الافتراضي والرقمي، وتلك قضايا تبتعد كثيرا عن عقل المسرح العربي، يخوضون بها وكأن مسرحنا العربي قد تخطى كل أزماته الأخرى التي ما زال يعاني منها وقلت الهواجس والمخاوف التي ما زالت تعرقل مسيرته، وتقف بينه وبين التغلب على  مشكلاته الحقيقية.. إننا ما زلنا نناضل من أجل قيام مسرح يمتلك هوية وسمات خاصة به، يعبر عنا وعن مجتمعه، وجميعنا معا بمشاركتنا ومتابعتنا المستمرة للمسرح العربي كنا ولا نزال نبحث عن عروض تعبر عن الأحاسيس والقضايا التي تخص المسرح العربي، ولا نجد إلا لماما، وبصعوبة.
تابع عبيدو باشا:عشنا بالأشهر الأخيرة مع الأحداث الناتجة عن “كورونا” وكنت أأمل أن نتعامل معها بإيديولوجية مغايرة، مثل مراجعة ودراسة تاريخ الحركة المسرحية، وأن نعيد قراءة ما قدمناه بالمسرح العربي في السابق، لكنّنا أهدرنا فرصة كبيرة، وقد  كان من الضروري أن نقيم ما أنجزناه من قبل؛ لنتعلم منه ما سوف نقدمه في  السنوات المقبلة، وأن نُجهز مرجعا للخارطة المسرحية فيما بعد، ولكن الذعر فوت علينا هذه الفرصة، فانشغلنا بالتواجد “أون لاين” ورحنا نعمم التجربة في مجالات عديدة، والمسرح العربي بأزماته ما زال متأخرا عن أن يصل لمرحلة استخدام التكنولوجيا، وهناك العديد بيننا ممن يذهبون غربا ليطلعوا على التقنيات الحديثة ويسارعوا باستخدامها للتباهي فقط.. الأهم هو التفكير جيدا في العلاقة بين المسرح والجمهور، وتلك القضية نفتقد الوعي بأهميتها ونبتعد عن التفكير فيها.
تابع عبيدو: حتى لحظتنا الحالية ما زلت أرى أن مفهوم “الوسائطية”، والمسرح الرقمي لا يزال ملتبسا ومجهولا، وغير مجرب وغير مختبر، ويكثر الحديث عن استعمال الأدوات وتنفيذ تقنيات جديدة، بينما لا نركز على العلاقة المهمة بين الممثل والجمهور.
وسأل الزهراني هل يلجأ المخرج لاستخدام التكنولوجيا في محاولة منه لرفع أداء الممثل وتحسينه؟
أجاب عبيدو باشا  بأنه لا يمكن مهما تقدمت التكنولوجيا وزاد توظيفها أن تساعد الممثل في تحسين أدائه. قال: لدينا أزمة في العالم العربي حول مفهوم التمثيل  ونعاني الاختلاف هنا بين المفهوم الشرقي والمفهوم الغربي الذي يصل بالتمثيل نحو إلغاء الشخصية الذاتية لصالح شخصية العرض، وما زال بيننا وبين تحقيق ذلك أشواط طويلة. أضاف: علينا أن نقترب من بناء المسرح الخاص لكل دولة عربية وأن يتسم المسرح في كل دولة بخصائصه المميزة، لنمتلك بعد ذلك مسرحا واضح الهوية، والتفاصيل، فلا يزال الممثل بالعالم العربي غير واضح الملامح والهوية، في علاقته بخشبة المسرح وكذلك المخرج، وعلينا أن نعالج هذه القضايا التي تخصنا، قبل أن نقفز لقضايا أبعد لأننا إذا تجاوزنا بعض المشكلات دون الوقوف بها ومعالجتها، لن يكون لدينا تجارب جيدة حقيقية بالمسرح العربي، نحن نحيا بمجتمعات زراعية، ونمتلك المفهوم الزراعي للحياة، الذي ينتهي بالحصاد، لذا علينا أن نقيم تجربة المسرح العربي بالمفاهيم الزراعية؛ فنحن مجتمعات لا تحظى بعلاقة وطيدة بالمفاهيم الصناعية؛ ونحن متخلفون لأننا لم نقترب من المفهوم الصناعي بعلاقتنا في التجربة المسرحية، وعلينا الوعي جيدا عند الانتقال بين المفاهيم والمراحل، ونحاول أن نستفيد من تجارب الآخرين. تابع: التجارب بالمسرح العربي قطعت أشواطا عديدة ومتقدمة، وحظي المسرح بمسرحيين متميزين، لكنا نعاني عدم تتابع أجيال جديدة متميزة، فيجب أن نمتلك الوعي بأهمية التراكم  لنبني مسرحنا الخاص.
وأشار باشا إلى تجربة “الحكواتي” قائلا: لاقت عروض الحكواتي إعجاب الجمهور بكل الدول التي قدمت فيها، ومن بينها دول العالم الغربي لأننا قدمنا من خلالها ثقافتنا وشخصيتنا، وهذا العالم لا ينتظر أن نقدم لهم أعمالهم وثقافتهم مثل أعمال  شكسبير وبريخت وغيرهم، لكنهم بحاجة إلى أن نُقدم لهم ما يخصنا، وقد قامت تجربة الحكواتي على إعادة اكتشاف الأدوات، وتوظيفها وعلى العلاقة الجوهرية بين الممثل والممثل الآخر.

الوسائط البصرية
فيما قال د. محمود سعيد: تمثل التكنولوجيا المعاصرة واقعا جديدا له القدرة على تحقيق رؤية أكثر إبداعا من خلال الوسائط البصرية، لاسيما في مجال الفنون التي شهدت تطورا ثوريا ملحوظا، بعد مواكبتها للتطورات التقنية، وبانفتاحها على كافة المجالات المعرفية لتقدم أسلوبا آخر لفهم العالم، ومن هنا يمكن إنتاج جمالية مغايرة بعيدة عن السياقات التقليدية للفن عموما والفن المسرحي على نحو خاص، حيث الكيفية التي يتم بها إعادة إنتاج العمل الفني (الفني والفكري)، من خلال الوسائط البصرية، لنتوصل إلى كيفية إعادة بناء الماضي بالجدل المستمر بين العديد من التشكيلات المعاصرة التي تحيل إليه وتسعى إلى تجسيده بأداءات متعددة ومتنوعة  لنكون في مواجهة ما يمكن تسميته بالتاريخ القابل للاستبدال على وفق الحاضر حتي لو كان تاريخا قريبا جدا أو آنيا، كبث عرض مسرحي، ومن هذا المنطلق  فالنموذج المسرحي– المعاد إنتاجه – يصبح خاضعا لنظام فكري، هو مشهد تكميلي يُبنى على أصل، لكن الفنان كمنتج، لا يتقيد بذلك الأصل، بل يتبنى بعض ما فيه مع إثرائه، ليزجّ بالعمل المعاد إنتاجه داخل زمن جديد يفصله عن مصدره الأصل ودوافعه الأصلية، ليعيد تشكيله من خلال الوسائط البصرية المعاصرة، ولتتحول تلك النماذج من صورة ثابتة إلى أخرى متحركة، ومن أفكار مقروءة إلى متجسدة، فلم تعد تلك الأفكار، ولا تلك الأعمال الفنية مرتبطة بحدود إطارها الثابت الذي يجبرها على التمركز في زمن محدد، بل أقحمت في مجالات معرفية جديدة مركبة ومتكاملة، ومن هنا يتمظهر دور الوسائط البصرية المعاصرة في الكشف عن الكيفية التي يرى بها الفنان عمله، وبالتالي فهي رؤية لا تنفصل عن المشهد الثقافي المعاصر.. حيث يتحرر النموذج من تاريخيته، ليدخل تاريخا جديدا، ولفن جديد يؤكد رفضه للنمطية ويكشف عن نقطة التقاء بين العديد من التخصصات الفنية والتقنية: بين الفن التشكيلي والمسرح وفن الفيديو والكوريوجراف, لتتشكل صورة بصرية متراكبة، لتحدي نموذج العمل الفني المكتمل والقائم بذاته، ولتكون تلك النماذج بعد إعادة إنتاجها من خلال وسائط بصرية متعددة، إنما هي مراوغات للحدود والمعاني المستقرة والتعريفات الثابتة لهوية كل فن من الفنون.
سامي الزهراني: لا يوجد في العالم العربي معهد مسرحي يدرس الوسائطية واستخدامتها.

هوية عربية وآليات غربية
فيما قال د. أحمد الشرجي: أرى أن استخدام الوسائطية في المسرح يعمل على إفساده، وآثارها عليه مغايرة تماما عن مرحلة ما بعد اكتشاف الضوء، فتطوير السينوغرافيا وتميزها نتاج الضوء الذي أخذ المسرح إلى تقدمه وتطوره، لكنا نتابع  الآن تطرفا في استخدام الصورة، وفي توظيف التكنولوجيا التي تجعل المسرح ينحصر في الصورة وتعتمد فقط على أجهزة الحاسوب المتطورة، ونلقى كما هائلا من الشفرات التي لا تتناسب ولا تتفق مع هوية العرض المسرحي المقدم، وقد تنتمي الصور البصرية للعرض.
وأكد الشرجي: إن كل مسرحية تحمل خطابها والتشكيل الذي يرجى منه التكثيف والبساطة وتطوير هذه البساطة، لكن المسرح العربي ما زال يعاني مشكلة اللحاق بالغرب، ونقل كل تمظهرات المسرح فيه دون وعي.. نحن نمارس المسرح لكنا نسير بذات الآليات الغربية التي تأسست وفق تطور المجتمعات الخاص بها، فنبتعد عن أساسياتنا الثقافية والأنساق الخاصة بالمسرح العربي وهويتنا، ولذا نشعر أن العروض غريبة. وأوضح: سعينا نحو البحث عن الهوية والخصوصية الثقافية بمسرحنا مع الحس القومي بالخمسينيات، بعد أن كان المسرح العربي مقلدا للغرب مع مارون النقاش، ولكنا الآن قد حُبسنا في المرجعية الغربية دون وعي.. لا يمكن أن نستفيد من التطور التكنولوجي والوسائطية دون أن نقدم عرضا مميزا يخص ثقافته ومجتمعه.
 وعلق الزهراني: من الأمور المهمة أن نتقن الحرفة في استخدام الوسائطية، لكن للأسف لا يوجد في العالم العربي معهد مسرحي يدرس الوسائطية واستخدامتها؛ وعلينا أن نستعد جيدا قبل استمرار التجارب في هذا المجال.

المبدع المسرحي
لماذا نقدم مسرحا؟
تحدث محمد الروبي مجددا فقال: هناك فارق كبير بين استخدام الوسائط التكنولوجية بهدف التباهي والتفاخر، وإظهار القدرة على امتلاكها واستخدامها بالعرض، وبين  المبدع  المسرحي الذي ينقب عن وسيلة ما لإيصال خطابه المسرحي. مؤكدا أن مقياس الحكم على العرض المسرحي هو قدرته على إمتاع المتلقي، وقدرة خطابه المسرحي على نقل رسائل العرض والوصول بها إلى المتفرج، لذلك فلا بد أن ننطلق نحو صناعة المسرح من الإجابة على السؤال الرئيسي لماذا نُقدم مسرحا؟ المسرحي  يقدم مسرحا ليستمتع، ويمتع جمهوره، وليقدم خطابا تنويريا، وهدفه أن يغير في العالم المحيط به، وإن تحقق ذلك من خلال “كرسي وممثل” فقد أدى المسرحي دوره، بينما إن استخدم كافة ألوان التكنولوجيا ولم تصل أي رسالة للجمهور فلم يُقدم مسرحا.

مشاركات مسرحية
فيما قال مختار العسري من المغرب: إن استخدام الوسائط بالمسرح لا يكون أبدا للتباهي أو التزيين، إنما يجب أن تكون لها دور أو أن تحل مجموعة من المشكلات. أضاف: في بعض التجارب المسرحية للسينوغراف والمخرج المسرحي “عبد المجيد الهواس” التي تناولتها ببحثي بالماجستير كان يقوم أثناء التدريبات وبناء العرض  بتصوير ما يقدم في التدريب ليتم دمجه بالعرض تبعا لأيديولوجية العرض، وقد تكون الوسائط من أجل إيجاد حلول للسينوغرافيا ولفضاء العرض لا غير ذلك، ولذا نأمل للمسرح العربي ألا يبقى متأخرا عن العالم في استخدام التكنولوجيا، وأن نأخذ من تراثنا لنقدمه بصورة أفضل وبمساعدة توظيف حقيقي للوسائط بوعي.
وقال كنعان الخبيري من سوريا: لسنا ضد الحداثة أو التكنولوجيا وتوظيفها بالمسرح، لكن يجب أن يكون بمسرحنا رسائل لها المذاق العربي، وخصوصية ثقافتنا، ويجب أيضا أن نولي الاهتمام الأكبر نحو أساسيات وركائز العرض المسرحي كعنصر الحوار، والتمثيل والإلقاء، ونقدم قضايا ترتقي للذائقة الجمالية العربية التي نأمل للمسرح أن ينقلها للجمهور.
وقال السينوغراف علي السوداني من العراق إن الوسائط المتطورة لها أهميتها الآن وبالمستقبل لمسرحنا، ولم تأتِ أبدا لتزيح ما سبقها من أسس، لكنها جاءت لكي تقدم خدماتها للعرض المسرحي، فلماذا نتعامل مع التقنية في الحياة ولا نتعامل معها على خشبة المسرح، ونحن نحظى بسينوغرافيين يمتازون بخبرة كبيرة في استخدام وتوظيف الوسائط، لكن العديد من المخرجين يجهلون التعامل مع التقنية، وقد قدمنا عروضا بتكنولوجيا عالية تتوافق مع فلسفة العروض. وأوضح السوداني: علينا أن نوظف  التقنيات وأن نخرج من دائرة الاستهلاك وخصوصا استهلاك الأفكار إلى مرحلة الإنتاج والابتكار وإيجاد حلول بديلة، وندرك أن لكل عرض بيئته، وقيمته الفنية وتصوراته ومناخه الجغرافي الخاص، وفلسفته والمعالجة الخاصة به من قبل مخرجه، ونحن نحظى بعقول مسرحية عديدة واعية من مخرجين وفنانين يفكرون دوما بطريقة متقدمة لتقدم المسرح.

المسرح ثقافة
مجموعة “المسرح ثقافة” أسست عام 2016 من قبل المخرج والممثل المسرحي السعودي سامي الزهراني، رئيس فرقة مسرح الطائف، وتضم أعضاء من المسرحيين بالوطن العربي، وتقدم العديد من المشاركات المسرحية بهدف مناقشة قضايا المسرح في الوطن العربي، وكذلك تستمر في تقديم برامج متنوعة أسبوعيا، ومن أنشطتها أن استضافت 29 شخصية مسرحية عربية من خلال برنامج “ضيف الشهر”، وناقشت  19 كتابا من خلال برنامج “كتاب” وطرحت 45 موضوعا مسرحيا للنقاش ببرنامج “نقاش” الأسبوعي، كما قامت بتغطية فعاليات 24 مهرجانا عربيا من خلال برنامج “مراسل المجموعة” وتمت مشاهدة ونقاش 3 عروض مسرحية عربية من خلال برنامج “مسرحيتي” كما قدمت من خلال برنامج “من الذاكرة” سيرة فنية ومسرحية لشخصيات مسرحية عربية بارزة، وقدمت مساهمات ونشاطات في برنامج “التأليف الحر” لأعضاء المجموعة، ومن برامج المجموعة “إصدارات” الذي قدم العديد من الإصدارات لأعضاء المجموعة، وبرنامج “سياحة مسرحية” وقدمت المجموعة ثلاثة احتفالات بيوم المسرح العالمي، وبرنامج “سهرة الخميس” تحت إشراف المسرحي  عبد الكريم حلاق من سورية.


همت مصطفى