في مبادرة اضحك فكر اعرف.. «المقام العالي» ضعف المشاعر أقوى من المقامات العالية

في مبادرة اضحك فكر اعرف.. «المقام العالي» ضعف المشاعر أقوى من المقامات العالية

العدد 672 صدر بتاريخ 13يوليو2020

ضمن مبادرة اضحك- فكر- اعرف قدم البيت الفني للمسرح، مسرحية “المقام العالي” عن قصة “البيت الريفي” لأنطوان تشيكوف، من إعداد وإخراج إسلام إمام، على قناة وزارة الثقافة المصرية بموقع يوتيوب. العرض بطولة عمرو عبد العزيز، حمدي عباس، سمر علام، ديكور يحيى صبيح، إضاءة عز حلمي، موسيقى محمد خالد. من إعداد وإخراج إسلام إمام. وقد قام بتقديم وتحليل العرض أون لاين المخرج الكبير عصام السيد.
تدور الأحداث حول زوج يعمل مستشارا وله مكانة كبيرة. يجد بين خطابات عمله خطابا غراميا من فتاة صغيرة. في البداية يستنكر المسألة حفاظا على مكانته وتاريخه, بعد ذلك بالتدريج يبدأ في التفكير في تفاصيل الخطاب, ثم يجذبه الفضول نحو معرفة من هي تلك الفتاة. ثم يندمج في الموضوع حتى يقرر الذهاب لمقابلتها. ويقنع نفسه بأنه سيذهب لنصحها كفتاة في سن ابنته. وبما أنه شخصية وقورة جدا فيعمل على ارتداء ملابس أنيقة والاهتمام بمظهره الوقور. يذهب  إلى مكان الموعد وبعد فترة انتظار يفاجأ بزوج أخته المحامي في نفس المكان, ويستفسر منه عن سبب وجوده. فتحدث مشادة بينهما ويحاول كل منهما أن يصرف الآخر, لكنهما لا ينصرفان. وبعد ساعتين يقرر المستشار أن ينصرف, على اعتبار أن الفتاة لو حضرت وشاهدت معه الآخر سيصيبها الضيق. ويذهبان معا إلى المنزل. أثناء العشاء مع زوجته, تسألهما الزوجة عن سبب تجهمهما وسبب حضورهما معا. فيحاولان التهرب من الإجابة بأسباب واهية ويمارسان الكذب مثل الأطفال. لكنها تفاجئهم بأنها تعلم موضوع خطاب الفتاة. فيصدمان وتوضح لهما أنها طلبت منهما من قبل أن يتركا البيت لمدة يوم واحد حتى تستطيع القيام بتنظيفه, فرأت أن ترسل لزوجها هذا الخطاب ليخرج من المنزل. فيشعر الاثنان أنهما رغم مكانتهما الاجتماعية كمستشار ومحامي ويتعاملان مع المجرمين إلا أن الزوجة ربة المنزل أذكى منهما وقد تلاعبت بهما.
عن المبادرة تحدث مخرج العرض إسلام إمام قائلا: أول ما جذبني في هذا المشروع أنه له طبيعة خاصة حيث أن العرض تكون مدته 20 دقيقة فقط من خلال قصص تشيكوف. وهم عشرة مسرحيات في المرحلة الأولى, لكني أتمنى أن يكتمل المشروع إلى خمسين مسرحية, فتشيكوف قد كتب أكثر من مائة قصة قصيرة.  ومن هنا ستتاح فرص لخمسين مخرجا ويتم اكتشاف مخرجين شباب جدد من خلال ذلك المشروع, فالمرحلة الأولى بها عدة أجيال من المخرجين وأتمنى أن يعمل بها أيضا الشباب الجدد. خصوصا أنه لا توجد إمكانيات مادية, فهي عروض قليلة التكلفة جدا. والممتع في الموضوع هو كيفية اختيار قصة لتشيكوف وكيفية مسرحتها, فيصبح في النهاية لدينا مكتبة مسرحية في مصر لقصص تشيكوف. وهذا له أهمية كبيرة لأن الوسائل السمعية والبصرية هي سمة للعصر حيث الكتاب الورقي نفسه أصبح توفره ومتابعته من قبل الناس صعبا هذه الأيام, لكن المشاهدة المباشر على الإنترنت تسهل هذا الأمر كثيرا.
ويمكن أن يتبع ذلك تناول قصص قصيرة ليوسف إدريس وغيره,  ومن هنا سنصنع مشروعا كبيرا عظيما, وهكذا نجد أن الأزمة تولد أفكارا جديدة. خصوصا أنه غير متاح لأي جهة إنتاجية أخرى في الظروف العادية أن تعرض عليها مثل هذا الإنتاج لعدم جدواه جماهيريا, فلن يذهب المشاهد إلى المسرح حتى يشاهد ربع ساعة فقط.
وأتمنى أن يستمر هذا المشروع حتى بعد الكورونا من خلال المسرحيات القصيرة لأن المسرحيات الطويلة لن يشاهدها أحد على الموبايل, ويمكن لأي متلقي أن يشاهد تلك الربع ساعة في أي مكان حتى لو على مقهى.
وتابع المخرج عن مضمون العرض ورؤيته الإخراجية بقوله: تشيكوف كل قصصه إنسانية ويهتم بالمهمشين ويتناول موضوعاته ببساطة. وأنا اخترت قصة “البيت الريفي” وهي بسيطة جدا ويمكن أن تحدث في أي بيت في مصر. رغم أن هذه القصة بسيطة إلا أن معناها كبير يكمن في أننا نقابل شخصيات كثيرة في حياتنا تبدو عليها الوقار والجمود, لكن بمجرد حدوث شيء بسيط له علاقة بالمشاعر يتحول تماما إلى شخص آخر وتتغير تصرفاته تماما. فيبدو ظاهره غير باطنه, هذا هو تشيكوف يطرح المسائل ببساطة, في قصتنا هذه من خلال قاضي كبير المقام وفجأة يجد فتاة صغيرة تخبره بحبها له وتدغدغ مشاعره فيترك أوراق القضايا التي بين يديه وينتبه فقط لها حيث تتوالى الأحداث.
كما تحدث الكاتب والناقد محمد عطية محمود عن طبيعة الحوار قائلا: في قصة “في البيت الريفي” للكاتب الروسي العالمي أنطون بافلوفيتش تشيكوف، تبدو مهارة توظيف الحوار الفني في متن القصة لتأخذ بعدا ممتزجا بين الجو المسرحي، وكوسيلة للسرد يستعين بها السارد عن حكيه للمزيد من التفاصيل التي يعبر عنها الحوار بطريقة دافعة للنص القصصي، الذي يتحول في هذه الحالة إلى صورة من صور المسرح الذي يسمح للأشخاص بأن يمارسوا أدوارهم في النص بمزيد من اليسر، في الوقت ذاته الذي تتحرك أجواء القصة كلوحات مسرحية تأتي على خلفيتها لتشيع هذا الجو من المعايشة..
فحالة الاستنفار التي يأتي بها النص القصصي من أوله بهذه الحيلة “الرسالة المرسلة من الزوجة إلى كل من الزوج والأخ” تخرج بالقصة من جو المنزل إلى براح الأكذوبة/ الحيلة التي تمارس من خلالها رؤيتها لموقعها في المنزل، ثم تأتي في صورة مفارقة يطرحها النص في نهايتها إمعانا في الحس الساخر، وبينهما تأتي مسرحة الحالة وتجسيدها لمنظر آخر، فضاء آخر هو فضاء الغابة التي يستبعد فيها كل من الأخ والزوج بهذه الحيلة الكاذبة التي تلعب على المشاعر المزيفة التي أرجحت كيانين متقابلين في كل شيء، وهنا يبرز التناقض الذي تثيره الحالة، من خلال الدهشة المصطنعة التي جاءت كلا الوجهين في نهاية النص، ليهربا من فخ، انحازت المرأة الذكية إلى شق مصلحتها فيه وهي خلاء البيت للتنظيف، وتعامت عن الشق الأهم وهو انخراط الأخ والزوج في أعمال مراهقة عاطفية شبابية تساوا فيها برغم الفارق الكبير في السن بينهما..
وما نخرج به من هذا الحيز هو أهمية الحوار في إذكاء الحركة النصية، وما يؤدي إلى من سهولة نقل هذا الصراع إلى خشبة المسرح التي ربما تواجدت بالفعل في متن النص نفسه بنوع من التوفيق الذي ربما يرم إليه النص القصصي، ولكنه ربما جاء لحرفية الكاتب العظيم في كتابة النصوص المسرحية العظيمة إلى جانب قصصه الملهمة الأكثر عظمة.
ثم وضح الفنان عمرو عبد العزيز طبيعة دور المستشار بقوله: هذا الدور يعتبر ذو سمات جديدة بالنسبة لي.  وهو لشخصية رجل عقلاني جدا. يقع بيده عن طريق الصدفة خطاب أرسلته له فتاة صغيرة. تطلب منه أن يقابلها في حديقة قريبة من منزله. فيظل طوال الوقت في صراع داخلي, هل ينتصر المراهق بداخله ويذهب للمقابلة أم يحتفظ بالعقلانية ولا يذهب للقاء. ويظل طوال الجزء الأول في المسرحية في صراع وتردد مثل الطفل الصغير إلى أن يتخذ قرارا بالذهاب فيجد أخا زوجته ويتعجب كل منهما من وجود الآخر في نفس المكان إلى أن نكتشف في النهاية أن زوجته هي صاحبة هذا المقلب فيهما حتى تستطيع  تنظيف المنزل في عدم وجودهما.
وأضاف: وقد اجتذبني لهذا العرض أنني أحب الأعمال التي بها كوميديا موقف, فالضحك هنا ينبع من الموقف وليس من اللفظ. وقد أحببت هذا الدور  جدا خصوصا مع الإعداد الرائع للمخرج إسلام إمام. كما أنني عاشق للمسرح وكان من أحلامي الوقوف على خشبة المسرح القومي.
 يضاف إلى ما سبق أن مبادرة وزارة الثقافة هي فكرة جديدة وهي أن المسرح يذهب للمتفرج في منزله. فهي مثل سهرة تقدم يوم الخميس وتعطي ثقافة مسرحية للمشاهدين. ولكني لم أكتف بالتمثيل لمدة عشرين دقيقة فقط فهي مدة قصيرة جدا. وتحدثت مع المسئولين بأن نحاول عرضها بشكل أكبر على المسرح فيما بعد كما اقترحت على الفنان إيهاب فهمي  أن يتم عرض أربع مسرحيات منها في سهرة واحدة فيشاهد المتفرج أربعة مسرحيات بسعر مسرحية واحدة وأعجبته الفكرة حيث أن كل عناصر العروض الفنية جاهزة ولن تستغرق وقتا أو تكلفة.
وتحدثت الفنانة سمر علام مبينة سمات شخصية الزوجة التي تؤديها قائلة: أقوم بدور سيدة تحمل الذكاء الأنثوي بأن تصنع حيلة كي تصل لما تريده بذكاء غير مباشر بخفة ظل. والفكرة بسيطة جدا وهي فعلت كل هذا لمجرد أنها تريد أن تقوم بتنظيف البيت كما أنها عندما علمت أن زوجها ذهب ليقابل فتاة لم تغضب لأنها تعلم ماذا يفعل الزوج؟ عندما قرأت القصة القصيرة الأصلية لتشيكوف كان الدور صغير لكن المخرج عنما أعد النص المسرحي أضاف إليه الكثير. وأجمل ما في القصة والمسرحية أنها قصيرة فتبدو خفيفة على الجمهور.
لكن عدم وجود  الجمهور يحدث فارقا كبيرا مع الممثل لأن وجود الجمهور يجعل هناك تفاعلا مباشرا بالفعل ورد الفعل بين الممثل والمتلقي. فكنت أشعر كأني أقوم بتمثيل حلقة ست كوم  حتى لا أشعر بفراغ الصالة من الجمهور.
وأخيرا يحدثنا مصمم الإضاءة عز حلمي حيث يوضح بعض النقاط الخاصة بإضاءة العرض بقوله: لقد صممت إضاءة العرض بما يتناسب مع تصوير العرض بالكاميرات لأن هذا له حسابات أخرى وبما يحقق افيكتات الإضاءة المطلوبة دراميا للعرض. وكنت سعيدا جدا بالتجربة. خصوصا أنه لابد أن أشاهد العرض بعين الكاميرا وليس بعين متفرج الصالة نظرا لأنه عرض للتصوير وليس  للعرض المباشر مع الصالة فهناك فارق كبير بينهما لابد أن يوضع في الاعتبار. ورغم صعوبة الإضاءات الخاصة واستخدام الألوان إلا أنني نفذت ذلك بحسابات قليلة دون التأثير على الصورة في الكاميرا. لاسيما أنه عرض كوميدي في المقام الأول.

 


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏