موسيقار الشعب فى يافا

موسيقار الشعب فى يافا

العدد 662 صدر بتاريخ 4مايو2020

 «سيد درويش بين ثورتين» على مسرح السرايا

جبارين: لايزال مصدرا للالهام بعد 100 سنة

 عرضنا من قبل لتجارب مسرحية فلسطينية فى أراضى  48 تهدف إلى استخدام المسرح بما يتمتع به من مزايا فى التعبير عن واقع الشعب الفلسطينى فى مواجهة أبشع استعمار استيطانى يعرفه التاريخ. من هذه التجارب مسرح الميدان فى حيفا، ومسرح المهباش فى رهط كبرى المدن العربية فى النقب بعد أن أجلتهم إسرائيل بالقوة من بئر السبع كبرى مدن النقب وعاصمته.
والتجربة فى هذه المرة تدور فى يافا إحدى زهرات فلسطين التى كانت العاصمة الثقافية والفنية لها قبل النكبة وقبل ان تجتاحها العصابات الصهيونية وتشرد معظم سكانها. ويافا كلمة فينيقية بمعنى الجمال بسبب المنظر الرائع للبحر الذى كان يطالعه كل من يقف على الصخرة التى بنيت يافا فوقها.
التجربة اسمها “مسرح السرايا” وهى فرقة مسرحية فلسطينية تم تاسيسها عام 1998. واستمدت اسمها من مبنى اثرى وتاريخى ضخم  فى المدينة  بالقرب من ميدان الساعة وهو الميدان الرئيسى فى يافا. ويحمل المبنى اسم “السرايا القديمة” ولم يدمره الصهاينة لحسن الحظ ضمن ما دمروه من معالمها منذ احتلوا المدينة. ويحتل المسرح جزءا صغيرا منه. ولا تسع مقاعد المتفرجين فيه أكثر من 150 أو مائتى متفرج على الأكثر.
 شيد المبنى  في مطلع  القرن الثامن عشر  ليكون مقرا للحاكم التركي للمدينة. وفي عام 1733 اشترته عائلة دمياني، وهي عائلة فلسطينية وأقامت به مصنعا للصابون. وحقق نجاحا كبيرا. وقد تم هجر المبنى في حرب 1948. وبعد ذلك  أقيم به  متحف يافا للآثار، وتم تخصيص جزء أخر من المبنى   لمسرح  السرايا.
بعد 3 سنوات
لفت هذا المسرح نظرى بسبب عرض مسرحى موسيقى عرض على خشبة المسرح منذ أيام باسم” سيد درويش بين ثورتين “. كانت المسرحية بمناسبة مرور مائة عام على زيارة قام بها سيد درويش إلى يافا. وكان اختيار هذا الاسم لسببين. الأول أنه استعرض الوضع فى مصر بين الثورة العرابية عام 1882 وثورة 1919 . والثانى لأن الزيارة تزامنت بالفعل مع ثورتين. كانت الأولى ثورة 1919 فى مصر. أما الثانية فكانت ثورة 1920 التى انطلقت من يافا إلى باقى مدن فلسطين احتجاجا على الهجرة اليهودية إلى فلسطين التى زادت مع الاحتلال البريطانى لفلسطين عام 1917 الذى تم للأسف بمساعدة عربية بناء على وعد وهمى بالاستقلال. ولم تعط كتب التاريخ هذه الثورة ما تستحقه من اهتمام للأسف رغم أنها لا تقل فى أهميتها عن ثورات أخرى مثل ثورة البراق عام 1929 أو الثورة الكبرى عام 1936. وتتعامل المسرحية أو تمس بشكل رقيق ثورة 1920 وتعتمد على الاإسقاط غير المباشر.    
والعمل من كتابة وإخراج الفنان سميح جبارين، وتمثيل جورج إسكندر. ومنى حوا وتامر نفار وغسان أشقر وأمجد بدر.  وجسد شخصية سيد درويش  الموسيقي حبيب شحادة حنّا، الذي قدم موسيقى حية على امتداد العمل المسرحي مأخوذة عن موسيقى سيد درويش بتوزيعات عصرية.  
 وتدور المسرحية بين نهجين؛ الأوّل يدعو إلى التفاوض مع الحكومة البريطانيّة حول  “الجلاء”، والثاني الذي تبنّى النهج الثوري.  
وتتعامل المسرحيّة مع تخبط سيد درويش بين النهجين السياسيين، كما تبيّن رؤية درويش الفكرية، والتي أثرت بشكل واضح على أعماله الفنّية والموسيقيّة، والتأثير الكبير الذي ألحقته شخصيات هامة في مسيرته الفنية، مثل عشيقته “جليلة”، التي تركت علامة خاصة في مسيرته.  كما تعكس المسرحية معاناة مصر على ايدى الاحتلال البريطانى. والمسرحيّة  
العيون والآذان والروح
  ويقول سميح جبارين أن المسرحية  تخاطب العيون والآذان والروح تلقي الضوء على الجانب الإنساني للسيد درويش بما يتعلق بالحياة الاجتماعية والسياسية وحكايته مع النساء. ويضيف أن المسرحية تكشف أنه رغم قصر عمره (32 سنة) تفجرت مواهبه بسرعة فائقة. وكانت زياراته لسوريا وفلسطين ولبنان قد ساهمت بذلك بعدما تعلم العزف على العود والنوتة ومن توزيعاته تلحين أغنية : زوروني كل سنة مرة.  ويبقى عمله الفني الخالد النشيد الوطني المصري بلادي بلادي الذي لحنه في مطلع العشرين.  
ويمضى قائلا ...مات سيد دروش قبل قرن وما زال ملهما. وما فعله مسرح السرايا إنه  أغلق دائرة من النسيان عمرها مائة عام على هذه الزيارة المهمة إلى يافا التى تجاهلها معظم من أرخوا لحياته أو للفن المصرى.  
ويستعد المسرح بعد ذلك لتقديم مسرحية “وطن  ع وتر “ لفرقة من الضفة الغربية عن معاناة الاسرى الفلسطينيين فى سجون الاحتلال. كما يستعد المسرح لعرض مسرحية “ما بعد المنع” وهى مسرحية تصور معاناة الفنان الفلسطينى على أيدى السلطات الإسرائيلية.
تقاليد وحملات
وهناك عدة تقاليد مهمة لمسرح السرايا. فهو مؤسسة غير ربحية لها رسالة ثقافية. وهى تعتمد فى تمويلها على التبرعات. وتتلقى تمويلا من بلدية تل ابيب ومن وزارة المالية. ولا تزيد قيمة التذكرة عن 50 شيكل (حوالى 12 دولارا). ويحصل الشباب على تخفيض. ويمكن لتلاميذ المدارس الدخول مجانا إذا توافرت مقاعد.
 ولا يمانع المسرح فى مشاركة فنانين من اليهود المتعاطفين مع الفلسطينيين فى أعماله. كما يمكن أن يعرض أعمالا مترجمة عن العبرية إلى العربية إذا كانت لا تسئ إلى الشعب الفلسطينى وتعبر عن مشاكله. ويقدم المسرح أعماله باللغتين العربية والعبرية.
ويتعرض مسرح السرايا لحملات متعددة من أحزاب وشخصيات يهودية تطالب بحجب التمويل عنه باعتبار أنه يهاجم إسرائيل ويحاول الإساءة اإليها. وتقود الحملة حاليا مارى ريجيف وزيرة الثقافة. وفى أخر طلب تقدمت به إلى وزارة المالية أشارت إلى أن الممثلة اليهودية “ساريت فينو إلعاد” أساءت للعلم الإسرائيلى فى مسرحية ذاكرة النسيان لمحمود درويش. وكان ذلك عندما أاخرجت العلم الإسرائيلي ولفت نفسها به بأشكال مختلفة، كتنورة وحجاب وغطاء للرأس.
وحاولت ميرى ريجيف القضاء على المسرح بطريقة أخرى وهى تأسيس مسرح وفرقة باسم مسرح يافا العربى اليهودى. وساعدته فى الحصول على مكان فى نفس المبنى الاثرى  ليكون منافسا لمسرح السرايا. وكانت المفاجأة أن بدأت الفرقة الجديدة تسعى التعاون والشراكة مع مسرح السرايا. وقال المدير الفنى لمسرح يافا العربى اليهودى وهو يهودى إنه يفضل التعاون وليس التنافس وان تكون هناك “لغة فلسطينية حرة” فى إسرائيل.
ويستضيف مسرح السرايا العربي فى مرحلة قادمة أمسية “دفاتر السجن” والتي أثارت مؤخرًا ضجة كبيرة بعد أن اعترضت وزيرة الثقافة ميري ريغيف، على عرضها، وهدّدت بقطع تمويل مسرح يافا الذي يشارك مسرح السرايا استضافة الأمسية.
وينظم المسرح بعض المهرجانات مثل مهرجان مسرح المراة الذى يعقد لمدة 3 ايام كل عام. وتقدم فى المهرجان مجموعة من الفنون الشعبية الفلسطينية.
مسرح الجميع
ويقول عمر سكسك المدير الإدارى للمسرح أن هذا المسرح الفلسطينى يتجه إلى العالمية بفضل أعماله المتميزة والصادقة ورفضه الخضوع للاملاءات الاسرائيلية. ويحرص المسرح على تقديم مسرحيات من عيون الأدب العربى لعددد من كبار الكتاب مثل توفيق الحكيم، ومحمد الماغوط ولينين الرملي ومعين بسيسو وممدوح عدوان.
ويمضى عمر سكسك قائلا يعتبر مسرح السرايا في يافا اليوم، مسرح الجميع، ولا بد أن أؤكد أن مسرحنا أحدث تغيير هام في مدينتنا فقد استطعنا تقريب الجمهور العربي بكل فئاته وطوائفه إلينا وخاصة الجهات الإسلامية التي لم تكن تؤمن بهذا العمل الفني وأصبحت اليوم تتردد بكميات إلى المسرح على سبيل المثال، أعضاء الهيئة الإسلامية الذين يأتون لحضور مسرحيات ملتزمة بالإضافة إلى مشاركتنا في المهرجانات الإسلامية، حيث عرضنا في العام المنصرم مسرحية ملثمون وهذا العام مسرحية أنشودة الموت لتوفيق الحكيم.. ونحن بدورنا نهتم في إنتاج مسرحيات هادفة ملتزمة منها السياسية والاجتماعية والثقافية والتعليمية، لتلائم جميع أفراد المجتمع.
ويقول أن المسرح تفاعل منذ نشاته مع الأوضاع الصعبة فى يافا. فقد مرت عليها فترة صعبة جدا، عندما  اجتاحها العنف والقتل وتجارة السموم واستعمالها وفي السنوات الأخيرة اجتاحتها ظاهرة العنف على خلفيات عائلية.. اليوم هبطت نسبة العنف والسموم ونسبة الطلاب الجامعيين في الجامعات المختلفة تزداد من عام إلى آخر وأصبحنا نرى في الشارع اليافي نساء ورجال أطباء ومهندسين ومحامين وحكام وغيرهم.
 ويضيف سكسك الذى تولى منصبه خلفا للمدير المصرى الاصل محمود دسوقى أن الجمهور اليافاوي متعطش لهذا النوع من الفن كما ان المسرح   يعمل على جذب  الجمهور فى الجنول والوسط مثل  راهط  وكسيفة وتل السبع وحورة واللد والرملة وكفر قاسم وكل المثلث . وهو يعتمد على    الجمهور من خارج يافا أكثر من يافا، ننظم حملات ورحلات وزيارات تشمل عروض مسرحية ومشاركة في ورشة عمل مع جولة في مدينة يافا وآثارها وزيارة للميناء. 


ترجمة هشام عبد الرءوف