في حفل توقيع ومناقشة كتاب رشق الرمح.. إضاءات أنثروبولوجية على المسرح المصري

في حفل توقيع ومناقشة كتاب رشق الرمح..  إضاءات أنثروبولوجية على المسرح المصري

العدد 654 صدر بتاريخ 9مارس2020

د. مصطفى سليم : إضافة بحثية جديدة يضعها الباحث أمام القراء والمتخصصين ليعيدوا اكتشاف النص والكاتب من زوايا أخرى

الناقد محمد الروبي : جهد بحثي يفتح بابا جديدا للباحثين

عقدت الأحد 23 فبراير بالمركز الدولي للكتاب ندوة مناقشة كتاب (رشق الرمح... إضاءات أنثروبولوجية على المسرح المصري) من اصدارات الهيئة العامة للكتاب برئاسة د. هيثم الحاج علي، لعام 2019، للكاتب د. محمد أمين عبد الصمد، وناقشه الكاتب والناقد محمد الروبي رئيس تحرير جريدة مسرحنا، ود. مصطفى سليم أستاذ قسم الدراما والنقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وأدار الندوة الناقد د. رضا عطية، وبحضور نخبة من المهتمين .
واستهلت الندوة بمقدمة للدكتور رضا عطية الذي أثنى على جهد د. محمد أمين عبد الصمد بربط المسرح بسياقاته الاجتماعية والعوامل الأنثروبولوجية التي أثرت في تشكيل وعي الكاتب المبدع للنصوص المسرحي وقدم الشكر للحضور الكريم ولدكتور مصطفى سليم والناقد محمد الروبي ، واصفا الكتاب بالقراءة الجادة الرصينة في التعامل مع الإبداع المسرحي .
ثم تحدث الناقد محمد الروبي بداية حول اشتُقاق المفردة الإنجليزية “Anthropology” من كلمتين يونانيتين هما: أنثروبوس “Anthropos” ومعناها “الإنسان” ولوغوس “Locos” ومعناها “علم”، بذلك أصبح معنى الأنثروبولوجيا من حيث اللفظ علمُ الإنسان، أي العلم الذي يدرس الإنسان.
وبعد تلك الاستهلالة تحدث الروبي حول عنوان الكتاب “ رشق الرمح “ الذي يأتي باعتراف الباحث بأنه رمية أولى في مجال لم يتطرق إليه الكثيرون، موضحا أن تلك الدراسة تجعل القارئ يعيد النظر في مسرح توفيق الحكيم بنظرة مختلفة وكذلك الكاتب المسرحي السيد محمد علي، واصفا الكتاب بالجهد البحثي الذي يشجع الباحثين على أن يبدأوا في دخول باب جديد فتحه الباحث محمد أمين عبد الصمد،
وأشار الروبي إلى أنه كقارئ قد احتاج لتمهيد أكبر من المقدمة التي تصدرت صفحات الكتاب، عبر تفسير علاقة الأنثروبولوجيا بالمسرح، ولماذا ؟ من خلال تفسير هذا العلم تفسيرا مبسطا، باعتبار أن المسرح كفن أحد عناصر هذا العلم كعنصر ثقافي في بيئته والتي هي جزء من بناء اجتماعي شامل .
وأشار الروبي إلى أن قراءة الكتاب أخذت وقتا كبيرا ليس في القراءة فقط ولكن في البحث حول ما جاء فيه أيضا وهو الدور الحقيقي للكتب، التي تجعلنا أكثر شغفا بالمعرفة، مشيرا إلى أن الحديث عن كل فصل من فصول الكتاب لن تسعه ندوة واحدة، وإن كان قد عبر عن إعجابه بالقراءة التي قدمها الباحث محمد عبد الصمد حول نجيب سرور، والتي انطلق عبرها الباحث لدراسة عوالم نجيب سرور وليس نصا وحيدا فقط، حيث يمكننا الامساك بملامح واضحة ومتكاملة حوله عبر كتاب “ رشق الرمح “ يليه الكاتب السيد محمد علي، بينما لم يتحقق ذلك في دراسة توفيق الحكيم، باعتبار توفيق الحكيم رائدا مسرحيا مر على أساليب وأشكال مسرحية كثيرة، والتي تستدعي رسالة دكتوراة ولا يمكن احتواءها بفصل في كتاب، حيث يدخل الباحث في عالم توفيق الحكيم المسرحي ويختار نص “ السلطان الحائر “ باعتباره دالا على منهج توفيق الحكيم في تناول الإرث الثقافي العربي، وبعد تحليله للنص والوقوف عند دلالات بعينها يرى أنها اشارات لهذا الأسلوب، وذلك المنهج، ثم يعود ليذكر القارئ بمن هو توفيق الحكيم وبيئته التي تربى فيها وانحيازاته الفكرية، ومن ثم نفهم لماذا اختار ذلك الأسلوب دون غيره.
وأكد الروبي إلى أن النطرة الفسيولوجية لتوفيق الحكيم قد تذهب بالقاريء لأنه متذبذب، ولكن حسب ما طرحه الباحث نجد توفيق الحكيم محدد مع تجريب القوالب المسرحية المعروفة، رغم سيطرة فكرة ماذا يريد من هذا المجتمع، لتخرج نصوص توفيق الحكيم بتنوع منهجي كبير فيما بينها.
وأوضح الروبي أن تلك الاضاءات التي قدمها الباحث محمد أمين عبد الصمد في كتابه فيها تراتبية لأجيال من الكتاب فهي قبل أن تصبح كتابا كانت مقالات منفصلة قام الكاتب بتجميعها، وقد رتبها من أمين صدقي لتوفيق الحكيم و الفريد فرج ونجيب سرور والسيد محمد علي وأخيرا الأحدث وهو الكاتب إبراهيم الحسيني، وهو ما يجعلنا نكون فكرة عن تطور المجتمع المصري وتأثيراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويجعل القاريء برصد تفرد كل منهم .
 بينما قام الدكتور مصطفى سليم في مستهل قراءته للكتاب، بشكر الناقد محمد الروبي الذي يجاوره الجلوس على المنصة ود. رضا عطية مدير الندوة، والباحث د. محمد أمين عبد الصمد .
واستهل د. مصطفى سليم حديثه بعدة انطباعات سريعة قبل أن يبدأ في قراءته التحليلية، وذلك عبر تذكره لكتاب د. غالي شكري “ العنقاء الجديدة صراع الأجيال في الأدب المعاصر “، وكان الكتاب رحلة كبيرة بعدد من النصوص والكتابات وكيفية الدخول للعمل المسرحي من منهج سيسيولوجي، مشيرا إلى أن مصطلح فتح الباب الذي أطلقه الناقد محمد الروبي، كان بصنعة وعمق، ويشير للباحثين إلى مدخل عليهم التطرق إليه، موضحا إلى أن الكتاب يحتاج لإعادة قراءة لأكثر من مرة وأن يقرأ على مراحل منفصلة لكل كاتب،، وهو لا يقل قيمة في مجال السيسيولوجيا عن كتاب د. غالي شكري حيث يقدم الكتاب مجموعة تطبيقات لمدخل معين للنقد المسرحي، كباب لنشرع في الدخول فيه وكان يجب على الباحثين طرقه منذ عقود.
واستطرد سليم في ملاحظاته حول عنوان الكتاب “ رشق الرمح “ وعبر علاقة سليم بألعاب القوى التي مارسها وهو صغير وبها لعبة رمي الرمح مشيرا إلى أن الرمح لا يرمى فقط بل إن رشق الرمح هو التعبير الدقيق وليس رمي الرمح، ويجب أن يدخل هذا المصطلح لكتب التربية الرياضية .
و أوضح سليم أن الكتاب محطات منفصلة عبر رحلة زمنية مرهقة جدا، حيث يرفض الكاتب من داخله أن يقدم دراسة تاريخية عبر تتابع زمني، يستعرض خلاله النصوص والكتاب، حتى يصل للقوس الأخير لنص سعيد الوزان للكاتب إبراهيم الحسيني، مشيرا إلى محاولات د. محمد أمين عبد الصمد التملص من التتابع التاريخي و المداخل السيسيولوجية، بحيث حاول أن يكون داخل قراءته الانثروبولوجية ولكن ككاتب منتمي وملتزم بقضايا وطنه لتبدو كتحليل اجتماعي وسياسي للمشهد الذي يقدمه، إضافة لظلال تتبدى ظواهر يناقشها في ذاتها ويفصلها ثم يعيد تحليها ضمن السياق .
وأشار سليم إلى أن الكاتب الفريد فرج كاتب من طراز رفيع غير متكرر ضمن كتاب جيله لكن حين يرصد الباحث محمد أمين ما قاله الفريد فرج عن ابداعه عبر الكتاب نجده أقل بكثير من قامته ومنجزه الإبداعي، فنجد تناقضا بين عبقرية أعمال الفريد فرج وتنظيراته وضرب مثالا بما قاله الفريد فرج حول مسرحية حلاق بغداد واصفا إياها بأنها تعتمد على الكوميديا الشخصية على الرغم من أنها قطعة من قطع الكوميديا النادرة ليس فقط في تاريخ المسرح المصري بل العالمي حيث تعتمد بالدرجة على كوميديا الموقف التي تولد كوميديا الشخصية، وهو ما بدا لي أن الفريد فرج لم يكن منصفا مع ذاته، لذلك كان وضع مقولات وتاريخ ونشأة وأيديولوجية الكتاب في مواجهة ابداعاتهم إضافة بحثية جديدة يضعها الباحث أمام القراء والمتخصصين ليعيدوا اكتشاف النص والكاتب من زوايا أخرى .
واستطرد سليم من مقولات الفريد فرج أن موليير أخذ قصص للكوميديا ديلارتي ولكن الحقيقة انه اعتقاد خاطئ لأنه لم يتم جمع تلك القصص وانما هي كوميديا مرتجلة تعتمد على خطط وحيل، وقام موليير باستعارة رباعي العشاق - البطل والبطلة وممثلين مساعدين - والأنماط وكيف أن الانماط تعرقل العشق وتمنع الحبيب عن محبوبته، وكيف يتغلب العشاق على العشاق، واستطاع موليير أن يأخذ هذه الصيغة من فرقة للكوميديا ديلارتي والتي زارت فرنسا .
ويعتبر راي الفريد فرج وقتها تعبيرا عن الوعي النقدي في مرحلة لم تكن الدراسات النقدية وصلت لما وصلت إليه الآن،
وأوضح سليم أن اللافت للانتباه بالكتاب رصد السرقات الأدبية مثلما حدث مع فرقة الكسار وأوبريت شهرزاد، مشيرا إلى أن المبدعين لم يقصدوا السرقة بالتأكيد، ولكنه رصد كشفي حتى للباحثين الذين قدموا اسهامات حول المسرح في تلك الفترة، مما يشي بأن الكتاب مقدمة لعدد من الكتب ليستغرق أكثر في بحثه .
وقال سليم أن الكتاب يذخر بكم كبير من المعلومات الدقيقة التي لن يجدها أي باحث في كتاب واحد سواء في الهامش أو المتن، فهو ثروة سهلة للباحثين، كما يرصد كم هائل من الشهادات للكتاب انفسهم، فما ذكر عن الفريد فرج يعد بحثا في حد ذاته .
وعقب سليم على أنه كان يتمنى على الباحث أن يوض\ح المنهج الذي استخدمه، كما كان يتمنى وعبر المنهج أن يصور لنا الباحث لماذا ذهب سيد درويش لإيطاليا لدراسة علم الهارموني، حيث وقف الباحث ند سيد درويش وعناصر نجاح أوبريت شهوزاد، كما تمنى سليم أن يضيف الباحث لتفسيره للحركة الوطنية والتي كانت سر تميز الأوبريت وكيف أوقظ الحماس الوطني لدى المتفرجين حين تم عرضه، مشيرا إلى أن هناك لحن هز الهلال يا سيد لسيد درويش والذي كان ارهاصة لإضراب الموظفين ابان ثورة 1919.
وفي النهاية اختتم قراءته بشكر الباحث د. محمد أمين عبد الصمد والذي جعله يقوم بقراءة متعددة لكتاب هام، وقدم معلومات جديدة له كباحث رغم عمله في عدة دراسات للماجستير والدكتوراة ، متمنيا أن يكون الكناب بداية لعدد من الدراسات في هذا المجال وألا يكتفي الباحث بفتح الباب في هذا المجال بل تقديم نماذج أخرى .
وفي مداخلة للباحث والكاتب د. محمد أمين عبد الصمد مؤلف كتاب ط رشق الرمح “ قال فيها رأيت ألا أثقل في التقديم التنظيري الذي يوضح المنهج العلمي المستخدم في دراسة المشروعات الإبداعية المختارة للدراسة , ولكن بدأت بتوضيح أن الأعمال الإبداعية تتشكل في ضوء الثقافة السائدة، وما يجعل تلك الأعمال الأدبية موضوعًا من موضوعات الأنثروبولوجيا الثقافية ودراساتها هو المضمون الثقافي للمنتج الأدبي ، وخاصة في مجال اللغة والرمز والنظم التي تتضمن الدلالة، مشيراً لأن الأعمال الأدبية التي تعتمد في مصادرها الأولى ومنابعها الأصلية على ابداعات المأثور الشعبي تحفظ هذا المأثور - بشكل ما- وما يحويه من عادات وتقاليد ومعتقدات وتصورات ذهنية، هذه الأعمال هي التي تستطيع التواصل مع شريحة أكبر من المجتمع الذي تتوجه إليه, أكثر من أعمال أخرى يغلب عليها التأثر بثقافات أخرى وابداعات شعوب أخرى .
وأوضح عبد الصمد: في الدراستين الأوليتين شرحت المنهج المستخدم في إطار تطبيقي على نموذجين , وهو ما إتبعته في مجمل الدراسات التالية , مع الوضع في الاعتبار أن التطبيق كان يتناول أحياناً عملاً إبداعياً بعينه, وفي أحيانٍ أخرى مجمل أعمال لكاتب معين تمثل تلك الكتابات مشروع فني واضح السمات.
واستطرد : حرصت في بعض الدراسات على تناول وعرض وجهة نظر المبدع في مشروعه الإبداعي أو تساؤلاته , واضعاً بالطبع في الاعتبار أن ما يقوله المبدع عن كتاباته تسهم فقط في المساعدة على شرح وتوضيح السياق المحيط بالعملية الإبداعية, وكذلك فهم المبدع لدور الثقافة والتنشئة في صياغة مفاهيمه ومشروعه الإبداعي وهو ما عرضته كنموذج في دراسة ألفريد فرج .
وأشار : تعاملت مع المنتج الإبداعي لعينة الدراسة على أنه أداة اتصال جماهيري ، ومبدعه الفرد هو في الأساس ابن مجتمعه ، خضع لعملية غرس ثقافي شكلت طبعه ووجدانه، دون المصادرة على دوره في إعادة الإنتاج، ومحاولته التنفيس عن المسكوت عنه، وكذلك تعتبر الأعمال الأدبية وثيقة لمرحلة تاريخية محددة ، تؤرخ لها اجتماعياً وسياسياً ، مع مراعاة تغطية نقاط مفصلية خلال فترة طويلة تمتد قرابة قرن من الزمان بدأتها بمشروع المؤلف المسرحي أمين صدقي حتى أخر الأجيال المتحققة إبراهيم الحسيني .
وتابع : من المؤكد وحرصاً على توفير المادة العلمية الخاصة بالسياق الثقافي للمشروع الإبداعي حرصت على تقديم بيوجرافي لكل علم أسهم أو اشتبك أو تواجد في المشروع الإبداعي للكاتب أو الفنان محل الدراسة، موضحا “ هذا الكتاب ( رشق الرمح) هو جزء من مشروع بدأته بكتاب _(حرت الأرض) لدراسة الإبداع المسرحي المصري من خلال قراءة أنثروبولوجية , ويلي هذين العملين كتاب يتناول الرواية المصرية برؤية أنثروبولجية ثم الضلع الثالث شعر العامية المصري , وأعتقد أن الأضلاع الثلاث قد تشير إلى منحى علميٍ يستوجب الإلتفات له ولمناهجه ونتائجه البحثية. “


أحمد زيدان