ميليا ديان رائدة سيدات المسرح

ميليا ديان رائدة سيدات المسرح

العدد 640 صدر بتاريخ 2ديسمبر2019

تنتمي الفنانة ميليا ديان إلى الجيل الأول للفنانات الشوام اللاتي احترفن التمثيل بمصر، فهي سورية وتدين بالديانة اليهودية وتعد من أوائل الفنانات اللاتي عملن بالتمثيل خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين (والمقصود بالتحديد هو التمثيل بالمسرح بوصفه القناة الفنية الوحيدة التي كانت متاحة آنذاك قبل ظهور السينما والإذاعة والدراما التلفزيونية)، وبالتالي فقد عاصرت جميع أفراد المجموعة الصغيرة من الفنانات الشوام اللاتي كان لهن فضل الريادة (من بينهن: ملكة سرور، هيلانة بيطار، مريم سماط، وردة ميلان، ماري صوفان، لبيبة ماللى وشقيقتها مريم ماللى، أبريز أستاتي وشقيقتيها ألمظ وإيزابيل أستاتي، فاطمة اليوسف، بديعة مصابني)، وكذلك مجموعة من الفنانات المصريات اليهوديات (ومن بينهن: أديل ليفي، صالحة وجراسيا قاصين، استر شطاح، نظلة مزراحي، سرينا إبراهيم وهي الشقيقة الكبرى للممثلة المشهورة نجمة إبراهيم، هنريت كوهين، فيكتوريا كوهين وشقيقتها سمحة كوهين، فيكتوريا موسى)، وذلك قبل ظهور جيل جديد من الفنانات المصريات (وكان عددهن في البداية قليل جدا وفي مقدمتهن: لطيفة عبد الله، منيرة المهدية، دولت أبيض، زينب صدقي، فاطمة ورتيبة وأنصاف رشدي، أمينة رزق، زكية إبراهيم، عقيلة راتب). وجميع الفنانات السابق ذكر أسمائهن كن تقريبا نجمات جميع الفرق المسرحية منذ ظهور المسرح العربى فى مصر وحتى نهاية الربع الأول من القرن العشرين، حيث تحملن مسئولية تجسيد الشخصيات النسائية بالفرق الكبرى وفي مقدمتها فرق: سليمان القرداحى، سليمان الحداد، إسكندر فرح، الشيخ سلامة حجازى، جورج أبيض، أبيض وحجازى، الأوبريت الشرقى لمصطفى أمين، عزيز عيد، عبد الرحمن رشدى، عمر وصفى، منيرة المهدية، أولاد عكاشة، نجيب الريحانى، أمين عطا الله، على الكسار، أمين صدقى، صدقى والكسار، سيد درويش، فكتوريا موسى.
ويذكر أن الفنانة القديرة ميليا ديان قد ظلت ولسنوات طويلة الممثلة الأولي بفرقة الشيخ سلامة حجازي، وكانت خلال تلك الفترة من أشهر النجمات (البريمادونات) والأعلى أجرا في عصرها، خاصة بعدما تم تصنيفها “الممثلة الأولى” (رقم 1)، ووصفت بأنها أكبر ممثلة تراجيدية مصرية خلال النصف الأول من القرن العشرين، ولذا فقد كان أجرها خياليا بمقاييس ذلك الزمان، لدرجة أنها قد تقاضت من فرقة “عبد الرحمن رشدي” مبلغا وقدره (20) عشرين جنيها في الشهر، وهو مبلغا خياليا لم يكن متداولا أبدا لأجر الممثلات في ذلك العهد. ويشاع - كما تشير بعض المراجع - أنها قد نجحت في تحقيق ثروة كبيرة خاصة بعدما ساعدها الحظ بوقوع أحد وجهاء عصرها في غرامها وهو “محرم رستم” ، الذي ضحى من أجلها بمكانته الإجتماعية وتزوجها وبني لها قصرا في الحلمية (الحي الأرستقراطي في ذلك العهد) بعدما وافقت على شرطه بإعتزال التمثيل. وقد استمرت الحياة بينهما في هناء وسعادة مدة سبع سنوات انتهت بوفاته. وبعد رحيله عادت مرة أخري لحياة الأضواء وللعمل بالمسرح الذي عشقته، خاصة وقد كانت مازالت محتفظة بجمالها الأخاذ وقوامها الممشوق.
وبسبب تألقها فى التمثيل وصفتها جريدة “الوطن” في نوفمبر عام  1905 ب “نابغة الممثلات العربيات فى الشرق”، وأطلقت عليها جريدة “الوطن” في فبراير عام 1912 لقب “سارة برنار الشرق” (تشبها بأشهر ممثلة مسرحية فى العالم آنذاك وهى الممثلة الفرنسية سارة برنار). كما وصفها أحد النقاد في عصرها فكتب: (“ميليا ديان” وهبها الله وجها إغريقيا جميلا يمازج جماله الألم، وجبهة ناصعة تقرأ فيها آيات الجلال والحزن، وعينين واسعتين ينبعث منهما بريق الآلام وعزة النفس، وجسما ممتلئ الإهاب، وصوتا قادرا حنونا يخالطه الحنان والتلهف، ومشية هادئة ساكنة ترى فيها الكمال تحف به الحسرات، وما الجمال يمازجه الألم، والجلال يخالطه الحزن، والكمال تحف به الحسرات إلا رمز التراجيديا القديمة، فميليا هي “التراجيديا”، و”التراجيديا” هي ميليا ديان).
كما أشاد ناقد آخر بمميزاتها فكتب: (“ميليا ديان” أكثر الممثلات صلاحية للمسرح المصري، فقد وهبتها الطبيعة في جسمها وصورتها ونظراتها ما لم تهبه لممثلة أخرى، فإذا خطرت على المسرح يتولى الجمهور السكون، وإذا تكلمت هزت أوتار القلوب، وإذا نظرت مضى لحظها إلى صميم القلب وأثار فيه الرأفة والحنان. فما أجملها في المواقف المؤثرة إذا صرخت تستغيث أو بكت تسترحم، وما أجملها أيضا في مواقف الكبرياء وعزة النفس والصبر على الظلم والجبروت، أو مواقف الحب والهيام).
وذلك في حين كتب عنها الأديب الكبير محمد تيمور: (الممثلة ميليا ديان ألقى بها الزمن والظروف في أحضان جوق لم يحسن تعليمها، فمشت على آثاره عهدا طويلا جدا وهي لا تمثل غير الروايات التلحينية التي تقتل مواهب الممثل، اللهم إلا بعض المسرحيات القليلة العدد ک “هملت”، “القضية المشهورة”، “اليتيمتين”، “ابن الشعب”، “ونتيجة الرسائل”، تلك المسرحيات التي ظهرت فيها مواهب ممثلتنا الكبيرة كالشمس في رابعة النهار، بيد أنها كانت في كل رواية تمثلها هي هي “ميليا ديان” عروس المسرح العربي، صاحبة الصوت الحنون والنظرات التي تلقي الهيبة في القلوب، والعواطف الفياضة التي لم نعهدها في ممثلة أخرى).
وقد أوضح الأديب الناقد محمد تيمور في مقاله المهم عن الفنانة ميليا ديان رأيه السابق بالشرح والتحليل حيث تناول أهم عيوبها بالرصد فكتب: (أول عيوبها أسلوب إلقائها، فهي ما زالت تسير على آثار المذهب القديم، وأولى بالفنان عبد الرحمن رشدي أن يرشدها لتحسين إلقائها، فحرام ألا تحسن الإلقاء تلك التي وهبها الله ذلك الصوت العذب، وثاني عيوبها: إخراجها أغلب أدوارها على طريقة واحدة، وهذا لاعتيادها تمثيل أدوار الحب مدة طويلة، وجميع ممثلاتنا تقريبا نعيب عليهن ذلك، ونلفت أنظار المديرين لإصلاح هذا العيب. وثالث عيوبها: حياؤها، وقد دفعها هذا الحياء كثيرا لأن تخل بفروض الفن أحيانا، إذ لم ترض مثلا أن تقف على المسرح في رواية “البدوية” وهي عارية الأقدام!!).
وجدير بالذكر أن الفنانة ميليا ديان قد ظلت وفية للشيخ سلامة حجازى، فظلت حريصة على المشاركة بعروض فرقته حتى تاريخ وفاته عام 1917، حيث تنقلت بعد ذلك بين عدة فرق من أهمها فرق: عبد الرحمن رشدى (1918)، حافظ نجيب (1920)، عمر سري (1921)، وجورج أبيض (1921)، ثم كانت آخر مشاركاتها بفرقة منيرة المهدية  (1924).
هذا ويمكن تصنيف أهم مشاركاتها المسرحية طبقا لاختلاف الفرق مع مراعاة التتابع التاريخي (خلال الفترة من 1889 - 1924) كما يلي بالفرق التالية:
- “إسكندر فرح”: البرج الهائل، مدهشات القدر (1889)، الخلين الوفيين، هارون الرشيد، العفو القاتل، الرجاء بعد اليأس، عطيل، حفظ الوداد ، شهداء الغرام، عايدة، قوت القلوب، محاسن الصدف، ملتقى الخليفتين (1891)، الخليفة والصياد، العلم المتكلم، تليماك (1892)، غانية الأندلس، السيد (1897)، هاملت (1901).
- “سلامة حجازي” (شركة التمثيل العربي): الرجاء بعد اليأس، السر المكنون، حفظ الوداد، اللص الشريف، ثارات العرب، حسن العواقب، حمدان، شهداء الغرام، صدق الإخاء، صلاح الدين الأيوبي، ضحية الغواية، عايدة، غانية الأندلس، غرام وانتقام، محاسن الصدف، مطامع النساء، مظالم الأباء، مغاور الجن، ملك المكامن، هاملت، هناء المحبين، ابن الشعب، الاتفاق الغريب، البرج الهائل، تسبا (شهيدة الوفاء)، أنس الجليس، أوديب (1905)، الجرم الخفي، الزواج القهري، هارون الرشيد، تليماك، عظة الملوك (1906)، الطبيب المغصوب، العفو القاتل، الولدان الشريدان، نتيجة الرسائل، اليتيمتين (1907)، غادة الكاميليا، عواطف البنين (1908)، القضية المشهورة، ابنة حارس الصيد، أوتللو (حيل الرجال)، البخيل، أبو الحسن المغفل (1909)، ابنة صاحب معامل الحديد، الكابورال سيمون، ماري تيودور (1910)، حياة المقامر، سارقة الأطفال (1911)، حلم الملوك، خداع الدهر، سييء الحظ (1912)، العذراء المفتونة، بنت الإخشيد (1916)، شقاء العائلات، غرائب الأسرار، قسوة الشرائع، المجرم البريء (1917).
- “شركة التمثيل العربى”:  شهداء الوطنية (1909)، عبرة الإبكار، الخداع والحب، حلم الملوك  (1910).
- “أولاد عكاشة” (الجوق العربي الجديد): حفظ الوداد، الكابورال سيمون، شهيدة الوفاء، تليماك، حياة المقامر، سارقة الأطفال، شهداء الغرام، صدق الإخاء، ضحية الغواية، عايدة، عبرة الأبكار، عواطف البنين، غانية الأندلس، غرام وانتقام، ماري تيودور، مغاور الجن، هاملت (1911)، الخداع والحب، العفو القاتل، القضية المشهورة، اللص الشريف، الملك العادل، أنس الجليس، ثارات العرب، حمدان، خداع الدهر، سميراميس، سيئ الحظ، شمس الصباح، صلاح الدين الأيوبي، عظة الملوك، محاسن الصدف، مطامع النساء، مظالم الأباء  (1912).
- “أبيض وحجازي”: ثارات العرب، صلاح الدين ومملكة أورشليم، فقراء باريس، مي وهوارس  (1915)، الميت الحي، بنت الأخشيد، حانة البؤساء، حسناء العرب، خوناتون نبي الفراعنة، زهراب ورستم، سجين زندة، على الباغي تدور الدوائر (1916)، شقاء العائلات، غرائب الأسرار، قسوة الشرائع (1917).
- “عبد الرحمن رشدي”: المحامي المزيف، مدرسة النميمة، الممثلة فيوليت، الموت المدني، النائب هالير، الإرليزية، الشعلة، العرائس، جاكلين (1917)، في سبيل الفن، البخيل، البدوية، توسكا، الرداء الأحمر، الشمس المشرقة، طريد الأسرة، عصفور في القفص، عواطف البنين (1918).
- “عمر سري”: الواجب، الوطنية، ابن صلاح الدين، التاج، تنازع الشرف، تنازع عاطفتين، زعيم الشعب (1921).
وجدير بالذكر أنها قد تعاونت من خلال مجموعة المسرحيات السابقة مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون جيل الريادة بالمسرح المصري ومن بينهم على سبيل المثال كل من الأساتذة: إسكندر فرح، سلامة حجازي، جورج أبيض، عزيز عيد، عبد الرحمن رشدي، عبد العزيز خليل، زكي طليمات، عمر سري، عمر وصفي.
كما يذكر أيضا أنها قد شاركت نخبة كبيرة من المسرحيين والنجوم الكبار بطولة تلك المسرحيات ومن بينهم على سبيل المثال كل من الأساتذة: سلامة حجازي، جورج أبيض، عبد الرحمن رشدي، عبد الله عكاشة، زكي عكاشة، عبد الحميد عكاشة، أحمد فهيم، أحمد أبو العدل، زكي طليمات، محمد عبد القدوس، سليمان نجيب، أحمد محرم، عمر وصفي، أحمد علام، محمود رحمي، بشارة واكيم، عبد المجيد شكري، عمر سري، حامد المغربي، محمد بهجت، محمود رضا، فؤاد سليم، حسين حسني، زكي مراد، وكذلك مجموعة الفنانات: نظلة مزراحي، جراسيا راصين، ماري كفوري، مريم سماط، لبيبة مللي، مريم مللي، لبيبة شيمان، ألمظ إستاتي، إبريز إستاتي، ماري حداد، إستر شطاح، منيرة المهدية، إيزابيل سامي، فيكتوريا موسى، ماري صوفان، صالحة قاصين.
ويتضح مما سبق أنه يمكن تصنيف أو تقسيم المسيرة المسرحية للفنانة ميليا ديان إلى أربعة مراحل كما يلي:
- المرحلة الأولى:
بداية إحتراف السيدة ميليا التمثيل العربي في جوق “إسكندر فرح”، وقد مثلت في بادئ أمرها الأدوار الصغيرة شأن كل ممثلة جديدة، ثم قامت بتمثيل الأدوار الكبيرة بعد اعتزال السيدة لبيبة مللي، والتي كانت أنذاك في مقدمة الممثلات وفي قمة تألقها وتحظى بشهرة كبيرة. وقد نجحت الفنانة ميليا في لفت أنظار الناس لموهبتها الطبيعية عندما تجلت على المسرح، فاستقبلها الجمهور بالترحاب والتشجيع والتصفيق، بعدما أيقن الجميع بأنها قادرة على ملئ الفراغ الذي تركته الفنانة لبيبة مللي. وبالفعل لم تلبث أن ورسخت قدمها على المسرح كممثلة للأدوار الأولى، وارتفع شأنها في عالم التمثيل، واحتفظت منذ ذلك العهد بلقب “كبيرة الممثلات”. ولكن للأسف فإن المسرحيات التي كانت تمثل في ذلك العهد لم تكن ذات قيمة فنية عالية، فانحصر تمثيلها على تجسيد أدوار الحب والهيام، ولم يكن أمامها من بين المخرجين أو الممثلين من يتولى مسئولية إرشادها وتعليمها أسس فن التمثيل وأسراره، فقدمت جميع أدوارها للأسف بأسلوب واحد تقريبا، ذلك الأسلوب التلقائي الذي اعتمدت فيه على موهبتها الطبيعية، وبالطبع لم يكن في وسع الجمهور أنذاك تقييم التمثيل الصحيح، فاكتفى بموهبتها الطبيعية التي كانت تميزها عن باقي الممثلات. ومع ذلك فقد ظهرت في مسرحية “هملت” بمظهر آخر، وقامت بتمثيل دور “أوفيليا” - وخاصة في مشهد الجنون - بصورة رائعة جدا، ثم مثلت دور ضياء بمسرحية “غانية الأندلس” بشكل جديد فأثبتت للنقاد المسرحيين في ذلك الوقت بأنها قادرة على النبوغ لو وجدت من يرشدها للأساليب الصحيحة. ثم أتقنت دورها في مسرحيتي: “السيد” و”البرج الهائل” إتقانا هائلا، وكفاها فخرا أنها أتقنت هذه الأدوار الأربعة إتقانا تحسدها عليه كل ممثلة من ممثلات عصرها، وذلك بالرغم من أن السيدة ميليا قد جسدت تلك الأدوار في وقت يمكننا أن نسميه وقت ظلام التمثيل، أما جميع أدوارها الأخرى فقد مثلتها على طريقة واحدة، فكانت كما هي في مسرحيات: “تليماك”، “شهداء الغرام” و”غرام المحبين” … إلخ، وليس العيب عيبها في ذلك، خاصة وأن جميع تلك الأدوار كانت تتطلب لمزيد من الدراسة والإجتهاد.
- المرحلة الثانية:
بدأت بافتراق الفنان الكبير الشيخ سلامة حجازي عن فرقة الفنان إسكندر فرح، وتأسيسه لجوق خاص يحمل اسمه والانتقال به إلى “مسرح الأزبكية”، ثم إلى مسرح “دار التمثيل العربي”، وقد استقبل الجمهور الجوق الجديد ومؤسسه بترحاب كبير، غير أن الجوق استمر لفترة طويلة لا يقدم إلا مسرحياته القديمة، ثم قدم بعد ذلك مسرحية “ابن الشعب”، والتي مثلت فيها السيدة ميليا دور الزوجة المضطهدة، ونالت فيه شهرة كبيرة، بل يعد هذا الدور من أدوارها المعدودة التي يحق لها ولمن يحب التمثيل الإفتخار بها. ثم قدم الجوق مسرحية “تسبا”، ومثلت “ميليا” شخصية امرأة الحاكم، وسارت فيه على أسلوب أدائها لأدوارها القديمة (وقد رأى بعض النقاد أنها كانت الأجدر بتمثيل دور “تسبا” فهو الأنسب لقدراتها). ثم قدم الجوق مسرحية “الجرم الخفي”، وأتقنت الفنانة ميليا أداء دورها، وأن كانت لم تحقق من خلاله النجاح الكبير، وبعد ذلك قدمت الفرقة مسرحية “اليتيمتين”، وجسدت “ميليا” من خلالها شخصية الفتاة الفقيرة أخت الفتاة العمياء وأحسنت التمثيل، ثم قدمت الفرقة مسرحية “عواطف البنين” وحققت “ميليا” في دور الزوجة البريئة المجرمة تميزا كبيرا. وبعدها قدمت الفرقة مسرحية “نتيجة الرسائل”، وأتقنت الفنانة ميليا دورها إتقانا كبيرا، وأشاد الجميع بصدق أدائها في الموقف الذي سرق فيه زوجها ولدها وأعطاه للرجل المتشرد.
ثم أصيب الشيخ سلامة حجازي بالشلل ومكثت السيدة شهورا عدة وهي بعيدة عن المسرح، ثم انضمت “لشركة التمثيل العربي” في تياترو عبد العزيز، وكانت مسرحية “شهداء الوطنية” من أهم المسرحيات التي قدمتها حيث أجادت “ميليا” تمثيل دورها. ثم انتقلت معهم جميعا إلى “دار التمثيل العربي”، وهناك تحولت الشركة إلى جوق يحمل اسم الشيخ سلامة حجازي، وابتدأت في إعادة مسرحيات “إسكندر فرح” التي كان يناضل بها الشيخ بعد افتراقه عنه، وكانت هذه الروايات فألا حسنا للسيدة ميليا، وقامت فيها بأدوار عصرية كثيرة أثبتت فيها للجمهور قدرتها واستعدادها الكبير لتمثيل الأدوار الدرامية أو التراجيدية (التي لم تكرر تقديمها بعد ذلك)، فمثلت السيدة دور الفتاة الخادمة التي أصبحت فيما بعد مومسا في رواية “عبرة الأبكار” وأتقنت الدور، ثم مثلت دور جان في مسرحية “ماري تيودور”، ومشت فيه على آثار أدوارها القديمة (وقد رأى البعض أنها كانت الأجدر بتجسيد دور الملكة، نظرا لتميزها في إظهار مشاعر الكبرياء والأنفة وعزة النفس)، كما مثلت في رواية جديدة أخرجها الجوق وهي رواية “القضية المشهورة” دور الفتاة وأجادته إجادة كبيرة، ثم افترق آل عكاشة عن الشيخ سلامة، ومكثت السيدة تمثل مع الشيخ سلامة مدة من الزمن، ثم اعتزلت التمثيل.
- المرحلة الثالثة:
عادت السيدة ميليا للتمثيل بعد غيبتها الطويلة، وانضمت لجوق الشيخ سلامة حجازي بعد افتراقه عن أبيض، فكان الجوق بها أكثر قوى وتألقا، وكانت هي بانضمامها للشيخ مرة أخرى مثالا للوفاء والإعتراف بالفضل. مثلت السيدة بجانب الشيخ، وكانت عودتها للمسرح حديث الناس في كل مكان، وكيف لا يتحدث الناس عن عودة السيدة ميليا للتمثيل وهي من ذخائر الفن في مصر، ومن زهوره البديعة إن لم تكن أجمل زهرة جاد بها الزمان. وقدمت الفرقة من المسرحيات الجديدة مسرحية “ابنة الإخشيد”، ومثلت فيها “ميليا” لأول وآخر مرة في حياتها دور رجل ولكن للأسف لم تتقنه.
قدمت الفرقة بعد ذلك مسرحية “العذراء المفتونة”، ومثلت فيها دور الزوجة، ونبغت نبوغا يحسدها عليه جميع الممثلات. ثم مسرحية “قسوة الشرائع”، ومثلت فيها “ميليا” دور تلك العذراء الصغيرة، فلم تجيد تقديمه نظرا لأن الدور كان من الأدوار التي لا توافق طبيعتها. ثم توفي الشيخ سلامة وأقسم أفراد جوقه على قبره أن يستمروا في  التمثيل تحت اسمه، ووبالفعل قدموا مسرحية “المجرم البريء”، ومثلت فيها “ميليا” دورا مشت فيه على آثار أدوارها القديمة، ثم اندثر الجوق وباندثاره تنتهي المرحلة الثالثة من حياتها التمثيلية.
- المرحلة الرابعة:
عادت السيدة ميليا ديان للتمثيل، ووقفت على المسرح بجانب المسرحي الكبير عبد الرحمن رشدي، وكان لهذه العودة دوي هائل في عالم التمثيل، وتحدث الناس عن مستقبلها الجديد الذي يتفائلون به، حيث عادت كبيرة الممثلات وانضمت لفرقة مسرحية لا تقدم سوى المسرحيات القيمة المتميزة، وبالتالي سوف يظهر الفن المسرحي جمال شبابه، ويتم تقديم أفضل إبداعات المؤلفين، وبالفعل ظهرت السيدة ميليا على المسرح، ومثلت دور فردناند في مسرحية “العرائس” وأتقنت تجسيد الشخصية. وظلت لا تمثل غير تلك الروايات القيمة ومن بينها مسرحية “جاكلين” التي قدمتها الفرقة بدار الأوبرا، وبلغت “ميليا” في الفصل الأول من الرواية ما لم تبلغه ممثلة أخرى، فقد هزت مشاعر الجمهور حتى أنه قد صفق لها في منتصف الفصل تصفيقا استمر خمس دقائق، وفي الفصل الثاني أجادت تمثيل دور العاهرة (المومس)، فأكدت مهاراتها وبرهنت على قدرتها الرائعة على تجسيد الأدوار إذا وجدت من يرشدها لذلك، وكانت في الفصول الأخيرة مثال الإجادة والإتقان. ثم مثلت دور الزوجة بمسرحية “الشعلة” وأتقنته، ولكنها قدمته بنفس أسلوب تقديمها لأدوارها القديمة، وربما يعود السبب الرئيسي في ذلك إلى سرعة تحضير المسرحية، وكان أجدر بالفرقة أن تعتني بإخراجها حتى تكون خالية من الهنات والنقائص. ثم مثلت بمسرحية “طريد الأسرة” دورا أتقنته، ولكنه لم يكن من الأدوار التي توافقها، وفعلت في دورها في مسرحية “الرداء الأحمر” ما فعلته في دورها بمسرحية “الشعلة”، وتواضع أدائها في الدورين يعود بالدرجة الأولى أيضا إلى سرعة تحضير المسرحيتين. ثم مثلت دور “توسكا”، وأتقنته إتقانا كبيرا، بل بلغت في الفصل الثاني الغاية التي تحسدها عليها كل ممثلة قادرة. ومثلت بعد ذلك في مسرحية “الشمس المشرقة” دورا صغيرا كان خيرا لها ألا تمثله، كما جسدت دور “البدوية” ولكنها قامت بأدائه بنفس أسلوب أدائها لأدوارها القديمة، ثم قامت بإعادة تمثيل دورها في مسرحية “عواطف البنين” والذي يعد من أدوارها الشهيرة.
وأخيرا يمكنني من خلال تتبع المراحل الأربعة لمشاركات الفنان ميليا ديان المسرحية وكذلك استرجاع أهم المقالات والكتابات النقدية التي تابعت إسهاماتها المسرحية المتميزة تسجيل حقيقة إعجاب الجمهور بفنها وإشادة النقاد بموهبتها، وأيضا إجماع عدد كبير من النقاد والمتخصصين على أنها هي “التراجيدي”، وكانوا يقصدون بذلك صلاحيتها وتناسب قدراتها لأداء كل من الأدوار “الدرامية” و”الكوميدي دراماتيك”، وذلك نظرا لكونها خير من يصلح لهذه الأنواع الثلاثة، وذلك في حين لم يكن لممثلتنا القديرة - طبقا لإمكانياتها وقدراتها - مجال واسع أو فرصة كبيرة لأداء الأدوار الكوميدي دراماتيك العصرية الهادئة أو المضحكة، وهذا بالطبع لا ينقص من قدرها فهناك على سبيل المثال كثير من الممثلات الشهيرات في أوروبا لا يمثلن غير الأنواع التي تتيح لهن فرصة إظهار مواهبهن.


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏