صدور قرار بدء العمل في المعهد العالي لفنون الطفل مبدعو الطفل: المعهد حلم تحقق بعد سنوات طويلة

 صدور قرار بدء العمل في المعهد العالي لفنون الطفل مبدعو الطفل: المعهد حلم تحقق بعد سنوات طويلة

العدد 640 صدر بتاريخ 2ديسمبر2019

لسنوات طويلة ظلت فنون الطفل مهمشة على المستوى الأكاديمي، وظل العمل عليها يتشكل ويتطور ولكن بشكل فردي، يعتمد على المجهودات الشخصية لمبدعي فنون الطفل.
وعلى الرغم من مبادرة الدكتور فوزي فهمي، في مطلع تسعينات القرن الماضي، لإنشاء معهد خاص بفنون الطفل، فإنه لم يحدث تحرك فعلى لإنشاء هذا المعهد، وظل الأمر معلقًا.
وبحلول عام 2019 أصدر الدكتور أشرف زكي قرارًا بتشغيل المعهد العالي لفنون الطفل، واختار الدكتور محمد شبانه، أستاذ الموسيقى الشعبية، ليكون أول عميد له.
واستقبل المعهد العالي لفنون الطفل أولى دفعاته في الدراسات العليا هذا العام، ورغم تأخر تنفيذ القرار قرابة 29 عامًا؛ فإنه كان خطوة مهمة في العمل على تطوير فنون الطفل، ودراستها بشكل منهجي وأكاديمي.
كان للقرار أثر كبير على جميع المهتمين والمعنيين بفنون الطفل.. الأمر الذي نرصده في هذه المساحة، لنبين آراء المهتمين بفنون الطفل حول إنشاء هذا الصرح المهم، فضلاً عن التعرف على أهم مقترحاتهم لتطوير هذا المعهد، على مستوى الدراسة والمناهج، إضافة إلى جانبه العملي.
قال الأديب الكبير يعقوب الشاروني: مما لا شك فيه أنه قد تزايد الاهتمام بأدب الطفل، وفنون الطفل في مصر والبلاد العربية، وذلك لعدة أسباب، منها مهرجان القراءة للجميع، ومكتبة الأسرة، وإنشاء قاعات متخصصة لعروض الطفل، ومسرح العرائس، فضلاً عن أن عددًا كبيرًا من البلدان العربية خصصت جوائز سخية لتأليف أعمال للطفل، في مجالات القصة والراوية والمسرح، ومن ثم أصبح هناك نهضة كبيرة في النشر والتأليف للأطفال.
ويلاحظ الشاروني عدم وجود حركة نقدية مناسبة تواكب ما يصدر أو يُنتج من أعمال موجهة للأطفال، وهو ما تطلب – من وجهة نظره - اهتمام المعهد ووضعه ضمن برامجه الدراسية، مطالبًا بالاهتمام بتنمية حركة نقدية علمية لكل ما يتم تقديمه للأطفال من أدب ومسرح وأفلام وغيرها.
وأضاف الشاروني: وفي ضوء التطورات التي حدثت، وتحدث في مختلف مجالات أدب وثقافة الطفل، فإنه بالإضافة إلى ضرورة وجود دراسات أكاديمية حول نقد أدب الطفل، فلا بد من دراسة الأساليب الحديثة والأشكال المتطورة لإنتاج الكتب المناسبة لصغار السن، من عمر يوم وحتى 6 سنوات، والتي يتعامل الطفل من خلالها بجميع حواسه، كما أننا بحاجة إلى دراسة فنون الكتاب المرسوم الذي نقدمه بالرسوم المسلسلة «الجرافيك» ليس فقط لصغار الأطفال، بل لكل الأعمار حتى 18 عاما، لأننا أصبحنا نعيش عصر الصورة.
واقترح الشاروني ضرورة وجود روضة طفل ملحقة بالمعهد، من أجل التطبيق العملي لكل ما يقدمه هذا المعهد، والتأكد من أن ما نقدمه يلائم أطفال مصر والبيئة المصرية، كما نحتاج إلى دراسات متخصصة حول فنون الكتابة للأطفال، من قصة ورواية ومسرح وشعر.
يستعيد الكُتاب من يد والنسيان
من جانبه، يقترح الكاتب عبده الزراع أن يدرس المعهد، بالنسبة للجانب الإبداعي، تاريخ الكتابة الأدبية للطفل عالميا، منذ أيام بودلير في أواخر القرن التاسع عشر، حينما كتب ثمان حكايات للأطفال بعنوان (أمي الإوزة)، ثم قصائد وليم بليك، وحكايات لافونتين الفرنسي، بالإضافة إلى كتاب أدب الطفل ومنهم كامل الكيلاني، الرائد الحقيقي لأدب الطفل في العالم العربي، والذي تتالت من بعده أجيال، ومنهم عطية الإبراشي وعادل الغضبان وبرانق، ثم جيل عبد التواب يوسف ويعقوب الشاروني. أضاف: وهناك ضرورة أيضا لأن يدرس المعهد فنيات الكتابة للأطفال في القصة والرواية والشعر والمسرح، إلى جانب إقامة ورش للكتابة يتدرب بها الطلاب الراغبون».
تابع: أرى أن فائدة هذا المعهد انه سيبعث كُتاب الأطفال من طي الإهمال والنسيان إلى الحياة من جديد، بدراسة أعمالهم وتناولها في رسائل الماجستير والدكتوراه، وهى فرصة لو تعلمون عظيمة، لأنه - في ظنى - إذا لم تتعرف الأجيال الجديدة على ما قدمه الرواد والمحدثون في هذا المجال؛ فلا قيمة لهذا المعهد، وتمنى الزراع أن يمتد به العمر كي يشارك في ازدهار هذا الصرح العظيم الذي كان حلما وتحقق.
 مهم لإعداد كوادر جديدة
محمد فوزي، فنان العرائس، أكد أن إنشاء معهد لفنون الطفل هو خطوة مهمة لإعداد كوادر جديدة في مجال فنون الطفل، وتقديم طرق منهجية لدراستها، وأننا تأخرنا في إنشاء معهد متخصص للعرائس وفنون الطفل.
وأوضح أن إنشاء قسم للدراسات العليا، في بداية تدشين المعهد، يعتبر من أهم الخطوات الإيجابية، تمهيدًا لتشكيل هيئة التدريس المكونة من الأساتذة والمعيدين، والمناهج الدراسية، ومن ثم فتح الباب أمام الطلاب ليحصلوا على درجة البكالوريوس في تخصصات معهد فنون الطفل.
أضاف فوزي: كان من المفترض إطلاق المعهد العالي لفنون الطفل منذ لحظة إنشاء مسرح القاهرة للعرائس عام 1970، خصوصا أن فنون العرائس تندرج تحتها فنون الطفل.
وعن الجانب الخاص بفنون العرائس أشار إلى أن فنان العرائس يجب أن تكتمل أدواته، وهو ما يتطلب دراسة الدراما والتمثيل والموسيقى، إلى جانب الإخراج المسرحي والتلفزيوني والسينمائي في مجال فنون العرائس.
تكوين شراكة
فنانة العرائس مي مهاب أكدت على ضرورة تكوين شراكات مختلفة ومتنوعة بين مؤسسات تعليم فن العرائس والمعهد العالي لفنون الطفل، في عدة دول، منها على سبيل المثال: المجر والتشيك، وغيرها من الدول المتطورة في فنون العرائس، وذلك لمواكبة ما يحدث عالميًا، كما شددت على ضرورة أن يحصل الطلاب في قسم العرائس على الجانبين العملي والأكاديمي، وأن يتعاون كل من الأكاديميين والفنانين المتخصصين في فنون العرائس على حد سواء، لأن من يقدمون فنون العرائس أغلبهم غير دارسين.
وفي ما يتعلق بالتخصصات داخل المعهد العالي للفنون الطفل يرى الدكتور جمال الموجي، أن «هناك ضرورة تحتم أن تكون التخصصات في مجال العرائس مفيدة للعمل الفني، سواء من ناحية الدراما أو تصميمات العرائس، وذلك لأن مصمم العرائس يواجه بعض المشكلات عند تنفيذ تصميماته، والنقطة الأكثر أهمية من وجهة نظره هي فتح أماكن جديدة لخريجي المعهد، خاصة من قسم العرائس، وذلك لممارسة فنون العرائس، ولاستغلال الدراسة بشكل عملي على أرض الواقع.
فيما أشاد المخرج المسرحي محسن رزق بقرار الدكتور أشرف زكي بتشغيل المعهد العالي لفنون الطفل موضحا أنها خطوة هامة نحو فتح آفاق جديدة لفنون الطفل، وأشار رزق إلى أنه «من المهم تعميم التجربة في جميع المحافظات بجانب إنشاء مسارح جديدة للطفل بالإضافة إلى ضرورة تغيير النظرة العامة لفنون الطفل التي تعرضت للتهميش لسنوات طويلة، لأن مسرح الطفل من أهم المسارح، لما يسهم به في تطوير النشء، كما أنه ليس مسرحا للطفل فقط ولكنه مسرحا للأسرة والطفل، مؤكدا على أن هذا المفهوم لا بد من إدراكه بشكل كبير.
دراسة سيكولوجية الطفل
الفنان حسن يوسف مدير المسرح القومي للطفل اقترح فيما يخص المناهج التي من المهم أن تدرس داخل المعهد ضرورة تدريس مواد تختص بسيكولوجية الطفل، لأنه أمر له بالغ الأثر على ما يقدم من أعمال فنية.
ويوضح يوسف مقترحه قائلا «لا بد من تدريس مواد تختص بعلم النفس وخصوصا في مراحل الطفولة، حيث سيصنع الفارق فيما يقدم من أعمال فنية للطفل، بالإضافة إلى الاهتمام بهذا الجانب في جميع العناصر الفنية، للموسيقى ومصمم ديكور والمؤلف والمخرج.
أضاف: عانيت كثيرا من أجل انتقاء عروض مسرحية وكتابات جديدة للأطفال، حيث كان الكثير من الكتابات التي تقدم للطفل لا تواكب ما يحدث من تغييرات في العصر الحالي.
وتابع يوسف «سعدت كثيرا لإقامة هذا المعهد لتدريس فنون الطفل واعتبرها خطوة هامة وقرار حكيم للدكتور أشرف زكي.
فيما يرى الناقد طارق مرسي أن الفنون الخاصة بالطفل بشكل عام ودون تخصيص يجب أن تبدأ من التراث لأنه يعد الركيزة الأساسية لغرس الهوية المصرية والعربية في الجيل الناشئ وغرس ما نملكه من قيم وعادات وتقاليد، تمثل التفرد عن الآخر، وتدعم الإحساس بالذات وتعلي من ما نملكه من إمكانيات. واستطرد مرسى قائلا: اعتبر هذا أحد أهم الأهداف عند الشروع في بناء مستقبل أفضل، لأن التراث هو حائط الصد الأول لتلك الهجمة الشرسة لمحو الهوية المصرية والعربية في ظل ثقافة العولمة التي يمارسها الآخر علينا. تابع مرسي: مقترحي الثاني هو الاهتمام باللغة العربية ونشرها في كل الأعمال الفنية الخاصة بالطفل، فاللغة عنوان الحضارة.
العناية بالنشء
ويرى الدكتور محمد عبد المعطي الأستاذ بقسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية ورئيس قسم العرائس بالمعهد العالي لفنون الطفل إن حضارة أي شعب تعود لثقافته، ومن هنا نستطيع أن نحصل على شعب واع بحقوقه وواجباته تجاه نفسه وتجاه العالم. أضاف: لذا أرى أن أول مبادرة لشعب منتمٍ يجب أن تكون هي العناية بالنشء الجديد منذ السنة الأولى في حياته وصولا لسن الشباب وذلك على جميع المستويات من خلال مسرح الطفل، بعناصره البشرية والعرائسية، فكما نعلم أن مسرح الطفل يعد أهم مكتشفات القرن الـ20 لأنه مؤسسة تستفيد من كل الإنجازات الإنسانية الثقافية واللغوية والفلسفية، وهو وسيلة تربوية وتعليمية.
فيما قال الدكتور محمد شبانه عميد المعهد العالي لفنون الطفل، ورئيس قسم الأداء الشعبي بالمعهد العالي للفنون الشعبية إن اتجاه الدولة لإنشاء معهد خاص بفنون الطفل هو اتجاه قديم واجه صعوبات مادية لها علاقة بالظرف الاقتصادى الراهن، بالإضافة إلى عدم وجود كوادر تستطيع العمل في هذا الصرح الذي من شأنه أن يرتقى بذوق ووجدان ومهارات والحالة النفسية للطفل المصري في مراحل عمره المختلف5ة التي تبدأ من أربع سنوات وتمتد حتى 18 عاما.
وعن أهم الاستراتجيات التي يرتكز عليها المعهد قال: رؤيتي الاستراتجية للمعهد تقوم على أنه معهد يهتم برسم خارطة واضحة ورشيدة للفنون التي تقدم للطفل وفقا لمرحلته العمرية ووفقا لمنظومة القيم التي يتبناها المجتمع، ووفقا للإمكانيات الفسيولوجية للطفل» البناء الجسدي للطفل، فكل مرحلة عمرية تتميز بانفعالات وبإدراكات بعينها، ومن ثم فإن هذا المعهد معني بخلق هذه الخريطة الفنية الرشيدة التي تعالج كل مناحي الفنون.
وفيما يخص أقسام المعهد العالي للفنون الطفل، أشار شبانة إلى أنه لائحة المعهد الفنية تضم ثلاثة أقسام، الأول هو قسم العرائس واللعب اليدوية ويشمل تخصصين أساسيين: العرائس، ويندرج تحته فرعين، الأول: تصميم العرائس والثانى: تحريك جميع أنواع العرائس، ومنها خيال الظل الماريونت.. وفى هذا الصدد نستعين بأساتذة أكاديميين، يمتلكون المعرفة النظرية والفلسفية لهذه الفنون ويمتلكون المهارة التقنية..
أما قسم اللعب اليدوية فهو يقوم على التشكيل الابتكاري لخامات مختلفة من الورق والصلصال وغيرها، ويقوم على هذا التخصص أساتذة من الديكور والتشكيل وأساتذة الإبداع التشكيلي من أكاديمية الفنون وكلية التربية الفنية والفنون الجميلة.
أما القسم الثاني فهو قسم الإنتاج الإبداعي وهو قسم معنى بالمنتجات الإبداعية “كتاب الطفل” وهو تخصص يعتمد على خلق إخراج متميز ومتناغم فيما يختص بالجانب المهني بإخراج الكتاب من المطبعة أما القسم الثاني فهو قسم الكتابة الإبداعية وهو معني بالكتابة الحرفية في الأشكال المختلفة للكتابة للطفل، سواء المسرح أو السينما أو الأشعار أو القصص وكل ما يندرج تحت الكتابة الإبداعية.
وتابع شبانه: أما القسم الثالث في قسم الإنتاج الإبداعي فهو قسم الإنتاج الموسيقى، ومما لا شك فيه أن الأغنية التي تقدم للطفل لن ترتقي كثيرا ولن تتفهم المراحل العمرية للطفل أو الحالة النفسية ولن تفرق بين الذائقة الفنية للطفل وبين ما يقدمه الطفل وبين ما يستمع إليه من اغنيات وما تحويه من وظائف قد ترتبط بالبهجة أو تحمل قيما مجتمعية ومعلومات دراسية يستفيد منها الطفل في المراحل التعليمية المختلفة إلا بالدراسة الجادة لكل هذه العناصر.
اضاف: وكذلك هناك قسم للفنون الحركة والتعبيرية وقسم لتصميم الديكور لكل من العروض المسرحية والسينمائية للأطفال والقسم الثالث هو قسم الإخراج والوسائط المتعددة، وهو قسم له جانب تقني من حيث فنية الإخراج في جميع الوسائط الفنية والرسوم المتحرك وهو تخصص يحتاج إلى مهارات كثيرة لها علاقة بدراسة الكومبيوتر جرافيك والتحريك ومهارات أخرى.
وختم عميد المعهد د. محمد شبانه بقوله: هذا المعهد صدر قرار جمهوري بإنشائه منذ 29 عاما وكان صاحب فكرة تأسيسه الدكتور فوزي فهمي، وأود أن أتوجه بالشكر للدكتورة إيناس عبد الدايم لاعتمادها اللائحة الداخلية للمعهد، وللدكتور أشرف زكي وللدكتورة غادة جبارة لجهدهم المتواصل من أجل إنشاء هذا الصرح الأكاديمي المهم.


رنا رأفت