انطلقت بالتوازي مع عروض المهرجان .. الورش الفنية إضافة مهمة ضمن فعاليات «المعاصر والتجريبي»

انطلقت بالتوازي مع عروض المهرجان .. الورش الفنية إضافة مهمة ضمن فعاليات «المعاصر والتجريبي»

العدد 528 صدر بتاريخ 9أكتوبر2017

لم يقل إبهار الورش الفنية الذي عقد على هامش الدورة 24 من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي، عن العروض المسرحية والفنية التي عرضت بالمهرجان، حيث ضمت صفوة المدربين من دول العالم، في مجالات كثيرة وموضوعات مختلفة وجديدة على المتلقي المصري في بعض الأحيان.
ولذا فقد جذبت الكثير من المتخصصين المصريين بجانب الهواة والمتدربين وغير الممارسين الذين حرصوا على أن يستزيدوا من أحدث التقنيات التي قام بالتدريب عليها خبراء مسرحيون من ست دول وهم ألمانيا، لبنان، فرنسا، نيجيريا، سويسرا، والصين.
تجاوزت الورش المصاحبة لفعاليات المعاصر والتجريبي في دورته الرابعة والعشرين، مشاكل التنظيم وانتظام المواعيد، وبدأت وانتهت بانتظام تحسد عليه، كما سارت بسلاسة، لم يثر خلالها أي مشاكل تذكر.
بينما غلب على هذه الورش طابع التنمية البشرية الذي يبدو أنه صار موجودا ونفذ إلى أغلب الفنون باعتباره مجالا جديدا وإضافة إلى الفنون المختلفة وفي مقدمتها أبو الفنون وهو المسرح.
أولى هذه الورش التي شهدت إقبالا كبيرا من المتدربين نظرا لحداثتها وجدة موضوعها، كانت ورشة “جماليات التدفق” للمدرب “المصري – الألماني” هيثم عاصم التي قدمها على مدار أربعة أيام في مركز الإبداع الفني، وجذبت عددا من المتخصصين منهم الدكتورة ياسمين فراج والمخرج أحمد مختار وغيرهم.
وقد أكد هيثم عاصم أنه غير متأكد من صحة عنوان الورشة وهل يجوز أن نطلق عليها لفظ تدفق أم لا، مشيرا إلى أن الورشة تهدف إلى خلق كيان مسرحي متناغم وإيجاد كيمياء وهارموني بين موسيقى الجسد والموسيقى الخارجية للعمل، مؤكدا أنه يقدم هذه الورشة في إطار إيجاد وسيلة تواصل واحدة مع العديد من الأجيال والجنسيات المختلفة،
كما عبر الفنان أحمد مختار عن إعجابه بشكل كبير بالورشة قائلا: إن المدرب هيثم عاصم يوفق بين الفنون المختلفة ويجمع بين تدريب الممثل على الغناء والاستعراض والتمثيل وغير ذلك من أنواع الفنون المختلفة، وهو يعمل وفق نظرية جديدة وضعها تعتمد على أن الجسم يعمل وفق موسيقى داخلية مثل الموسيقى الخارجية المتعارف عليها، وأن دوره يكمن في أن يوفق بين الموسيقى الداخلية والخارجية، للخروج بأفضل حالة من حالات الممثل.
وقالت الدكتورة ياسمين فراج: أعتقد أن الجديد في الورشة وأهم ما يمكن أن تضيفه هو تضفير الموسيقى داخل عناصر العمل، بحيث تفيد الممثل وهو يعمل في محيط الفراغ المسرحي، فيصير الممثل والنص والإيقاع وجميع عناصر العمل المسرحي في كيان متناغم ومتكامل ويسير في وتيرة واحدة دون نشاز أو اختلاف عبر كيمياء واتساق واحد.
وأضافت فراج: الورشة تمنحك القدرة على أن ترتجل حركة وإيقاعا ونغما على النص المسرحي، وفي نفس الوقت يتدرب الممثل على أن يكون صوته مضبوطا إذا قام بدور يتطلب الغناء بدلا من الفضائح الفنية التي نراها ونشاهدها هذه الأيام، وكذلك تكون حركته منضبطة إذا كان الدور يتطلب الحركة، خاصة أن الممثلين لدينا مختلفون تماما عن الغربيين أو الهنود، ولذا فالورشة مهمة حتى يستطيع الممثل أن يقوم بالدور المطلوب منه كما ينبغي.
بينما بدأت ورشة المشهد المسرحي لجيلز فورمان بالتعارف بين المتدربين في جلسة مناقشة حول المسرح والممثل، تناول خلالها المدرب البحث في الذات البشرية والعقل الباطن والظاهر للإنسان وكيفية التغلب على العوامل التي تؤثر عليه، ويقول فورمان: “إن الإنسان أو الممثل من خلال عقله الواعي يتحكم في جسده بشكل كبير ويظل في حالة من الضغط الذي يؤثر على شكله الخارجي، فالعقل الواعي يصدر تعليمات بالتحكم في جميع أجزاء الجسد، وما يحتاجه الممثل كي يكون صادقا هو أن يصل إلى عقله الباطن ويطلق لمشاعره العنان لتتدفق” .
كما يجب على الممثل أن يكشف عن روحه الداخلية لتقدر على إظهار نوع من الحميمية بينه وبين المشاهد، مضيفا أن الفرق بين ممثل وآخر هو أن هناك ممثلين قاموا بدراسة أنفسهم بشكل جيد، ولهذا نصدقهم وننفعل معهم ويمسون قلوبنا، ويعطونا إحساسا بأننا نعرفهم بشكل شخصي، فهؤلاء استطاعوا من خلال دراسة أنفسهم أن يكشفوا عن الروح الداخلية وأظهروا الحميمية فصدقهم الجمهور، ولهذا نجد ممثلين عظماء وممثلين عاديين، أي يقوموا بأداء الأدوار دون أن يتركوا أي أثر بداخل المشاهد.
وأكد المدرب جيلز فورمان أن التمثيل الصادق هو أن يتحرك الممثل وفق ما يشعر به بصدق، وأن يترك الغضب الخارجي من أي شخص، أيًّا كان، وأن يضع الممثل وجها لوجه في عملية إعاده خلق الشخصية اعتمادا على ذاكرته وانفعالاته الحية، كما تجعله يبحث عن سبب الفعل الدرامي للشخصية ثم ردود الأفعال.
الدكتورة منى كنيعو الأستاذ المساعد بقسم فنون التواصل في الجامعة اللبنانية الأمريكية في لبنان، قدمت أيضا على مدار ثلاثة أيام ورشة الإضاءة المسرحية، على خشبة مسرح الطليعة، لتقوم بعمل ما يشبه البانوراما التاريخية والواقعية للإضاءة المسرحية منذ بداية المسارح وحتى تطورها خلال العصر الحالي مستعرضة أنواع أجهزة الإضاءة المختلفة المستخدمة في المسارح خلال الفترة الحالية، مشيرة إلى أن لمبات “الليد”، هي الأكثر استخداما نظرا لقدرتها على تحقيق متطلبات الإضاءة الحديثة السريعة والألوان المتعددة.
كما حرصت على ألا تكون الورشة نظرية فقط، وإنما جاء الجانب الأكبر منها عمليا من خلال انتقال كنيعو بالمتدربين إلى قاعة صلاح عبد الصبور لشرح وتوضيح طبيعة عمل أجهزة الإضاءة على أرض الواقع، كما طلبت من متدربي الورشة أن يصعدوا إلى كابينة الإضاءة، للوقوف على طبيعة التحكم في إضاءة العروض المسرحية، فضلا عن الخروج بالمتدربين إلى الشارع لشرح الفارق الكبير بين أجهزة الاضاءة بالمسرح وبين نور الشمس.
أما المخرج الصيني «مينج جين خواي»، فقدم في سينما مركز الإبداع الفني بالأوبرا، محاضرة لخص خلالها خلاصة تجربته الإخراجية في المسرح الصيني، وكيفية خلق وعمل العروض المسرحية الصينية بصبغة جديدة تهدف إلى تطوير المسرح الصيني في العصر الحديث من خلال استوديو «مينج» المسرحي الذي تأسس منذ عام 1997.
ويقوم استوديو «مينج» المسرحي على مبدأ التنويع والطليعة، وبالاعتماد على هذا المبدأ فقد قدم استوديو “مينج” المسرحي أكثر من ثلاثين عملا مسرحيا معاصرا قادرا على قيادة الفن المسرحي الصيني. ومن بين هذه الأعمال، “وحيد قرن واقع في الحب” التي نظر إليها على أنها “الكتاب المقدس للحب المعاصر”.
كما شارك استوديو «مينج» المسرحي بعدد من المهرجانات المسرحية، مثل: “مهرجان هامش بكين” و”مسرح بينالي” و”مهرجان هانغتشو المعاصر”، وقدم أيضا عددا من ورش العمل في مختلف فنون المسرح مثل ورش الرقص والتمثيل والكتابة والإخراج.. الخ.
وعلى جانب آخر أقيمت على خشبة مسرح الطليعة ورشة “العيادة المسرحية”، التي قدمها الفنان المسرحي العراقي الدكتور جبار خماط، بحضور الكثير من المهتمين بالفن والتمثيل.
ويهدف المشروع إلى تقديم المساعدة النفسية والاجتماعية لضحايا الحروب والمرضى النفسيين والمدمنين، من خلال التدريب على التمثيل ونشر أفكار لزرع الثقة وصناعة المستقبل، وتقديم النتاج للجمهور من خلال عمل مسرحي.
والمشروع معني بالمنسيين في الأماكن البعيدة، الذين يحتاجون إلى المسرح والنور الجمالي حتى يتمنوا معرفة وجودهم الحي في ضوء الصورة المسرحية. انطلاق ورشة العيادة المسرحية للعراقي جبار خماط على الطليعة بالمعاصر والتجريبي.
وأكد خماط أن التمثيل يمكن أن يكون علاجا لكثير من السجناء والمرضى والمدمنين، لأن التمثيل في هذه الحالة مهمته أن يقوم بتفريغ مكامن النفس البشرية.
وفي بداية الورشة قام خماط بشرح وتوضيح بديهيات ومبادئ وأبجديات الوقفة والحركة على المسرح وأصول التنفس الصحيح على خشبة المسرح حتى يتم خلق تواصل سليم بين الحالات المستهدفة من العيادة.
وشدد خماط على ضرورة أن يقوم المدرب بتحبيب العيادة للحالات المستهدفة عن طريق استخدام ما يشبه ألعاب الطفولة من خلال تمارين تعليمهم وتأهيلهم للقيام بأعمال المسرح، مشيرا إلى تعليمهم طريقة التنفس الصحيحة يخلق حالة من حالات الراحة النفسية ويقضي على العديد من الأمراض لأن الشهيق يمنح الدم مزيدا من الأكسجين، كما أن الزفير يخلص الدم من سمومه ومن ثاني أكسيد الكربون، وكذلك تعليمهم طريقة الحركة المسرحية الصحيحة التي تفيد المرضى أو المدمنين أو السجناء في الاستفادة القصوى من إمكانياتهم الجسدية.
وأكد خماط على أن كل هذه الطرق تعد أساليب لتحفيز الخيال والابتكار لدى الفئات المستهدفة للبحث عن طرق جديدة للتخلص من الحواجز التي قد تسيطر على تفكيرها وتمنعها من التحول إلى أشخاص أسوياء وطبيعيين، وتدفعهم إلى التفكير بشكل مختلف وجديد في معالجة القضايا التي تواجههم والمشاكل التي قد يقعون في حبائلها.
كما قدم «نيكولاس كانتيللون» بقاعة صلاح جاهين ورشة الموسيقى والرقص المسرحي، على مدار ثلاثة أيام متتالية، وبدأت الفعاليات بتدريب الممثلين على نمط الرقص الحديث الذي يدعي «فويت فويت» وهو مزيج بين أنواع الرقصات المختلفة التي تعتمد بالأساس على الحركة والليونة الجسدية لدى الممثل.
وأوضح «نيكولاس» أن أسلوب رقص الـ«فويت فويت» من الممكن أن يؤديه جميع الأعمار، بغض النظر عن السن، مؤكدا أنه بالفعل يقوم بتدريب بعض الأسر التي تلتحق بورش الرقص الخاصة به، وأن أسلوب الـ«فويت فويت» يعتبر تفكيكا للجسد مثل عملية التدليك، ويقول في هذا الصدد إنه عندما ذهب للبنان لعمل ورشة رقص مسرحي، فوجئ بأنهم يستخدمون أسلوب الـ«فويت فويت» في بداية التدريبات، لأنها تعمل على تفكيك جسد  الممثل.
وبدأت الورشة التدريبية بعمل إحماء لجسد المتدربين مستخدما بعض التدريبات الحركة الأرضية وتفكيك الجسد وشده، كما قام باستكمال الحركات البسيطة التي تعتمد على الرقص في المكان مستخدمين أجزاء الجسد مكونين جملة راقصة على أنغام الموسيقى العربية والغربية.
كما استكمل «نيكولاس كانتيللون» على الجمل الراقصة التي أخذها المتدربون في اليوم الثاني، بجمل حركية جديدة في المكان، كما جعل المتدربين يقتربون من بعضهم البعض في أداء الجملة الحركية حتى يستطيع المتدرب تقليل الحركة وعمل الرقصة في أقل مساحة ممكنة.
وأكد نيكولاس من خلال ورشة الرقص المسرحي على أن النوتات الموسيقية والعلاقة بينها وموضوع وتطوير نمط الرقص، يجعل حالة الجسد في حالة كشف مستمر عمَّا بداخله، من خلال الحركات الموجية والدورانية بأسلوب الـ«فويت فويت».
 الممثل “دينيس بوتكس” بالتعاون مع أعضاء آخرين لفرقة مسرح “ميتو” الأمريكية، قدموا ورشة “المسرح الوثائقي” في المجلس الأعلى للثقافة، حيث تطرق بوتكس إلى عرض Juarez وهو عرض باسم مدينة تقع بالخريطة في الشمال الأقصى للمكسيك على الحدود بجوار ولاية تكساس الأمريكية، وهي البوابة لكل أنواع المخدرات، وهذا الواقع خلق وضعا جغرافيا يتم خلاله قتل الناس من أجل المال، وهو واقع مؤلم على المستوى السياسي والاجتماعي لأهل المدينة.
وقال بوتكس: قد ذهبنا إلى هذه المدينة، وفي البداية كنا متوترين لأننا لا نعرف الطريقة المثلى للمعالجة، ولكننا أجرينا حوارات مع أهل المدينة 650 شخصا على مدار 3 سنوات، ومن خلال هذه الحوارات خلقنا نصا مسرحيا عبر وثيقة مكونة من 500 صفحة.
وأضاف: اكتشفنا أن أهم شيء هو قدرتنا على الملاحظة وإعادة توظيف ما نستعمله في الأيام العادية لخلق عروض مسرحية، واخترنا من الـ500 صفحة ما يناسبنا، واكتشفنا طريقة قابلة للتنفيذ وهي فن تشكيل المشهد، واستخدمنا اللمبات العادية والبروجكترات وخيال الظل وغير ذلك من التقنيات المسرحية العادية والتقليدية، وحتى نعيد إحياء ما رأيناه من الناس، وضعنا هيدفون في أذن الممثل ليقدم نفس المعاناة التي رأيناها.
وواصل: فضل طريقة للتعلم هي ممارسة العمل نفسه وليس مجرد دراسته أو الحديث عنه.
وفي بداية الجزء الثاني من الورشة الذي تضمن الجانب التكنولوجي، أكد بوتكس أن التكنولوجيا عامل مهم في التوثيق لإثراء الأرشيف واستخدامه فيما بعد، وكل وسيلة للتوثيق لها سلبياتها وإيجابياتها.
وطلب بوتكس من المشاركين في الورشة إجراء حوارات ثنائية مع زملائهم خلال ساعة من الزمن نصف ساعة، يسأل أحدهم والنصف الآخر يسأل الزميل الآخر، ويقوم كل زميل بتسجيل الحوار ليقدم من خلاله عرضا مسرحيا وثائقيا عبر خطوات معينة سيتم التدريب عليها من خلال الورشة اليوم وغدا.
وأعطى بوتكس ثلاثة أسئلة للمشاركين في الورشة وهم:
ما الذكريات الأولى لك للعبور من أي حدود؟
صف لحظة مع العائلة ستعيش للأبد؟
ماذا تعني لك كلمة نجاح؟
لا شك أن تأثير هذه الورش سوف ينعكس على الوسط المسرحي خلال الشهور المقبلة بعد أن يكون المتدربون قد استوعبوا ما حصلوا عليه من جرعة فنية متميزة، وبدأوا في تطبيقه على أرض الواقع، وخلال الأعمال الفنية التي سوف يشاركون بها سواء بمسرح الدولة أو الثقافة الجماهيرية أو مسرح الهواة والمستقلين.
برنامج الورش انطلق بالتوازي مع انطلاق مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي برئاسة د. سامح مهران، خلال الفترة من 19 وحتى 29 سبتمبر الماضي، على مسارح القاهرة، الذي حفل بعدد كبير من العروض المصرية والدولية، إضافة لتكريم نخبة من المسرحين المصريين والدوليين، وعقد ورش مسرحية بمدربين دوليين في مختلف عناصر العرض المسرحي، كما عقد على هامشه محاور فكرية لنخبة من الباحثين المصريين والدوليين. منسق عام المهرجان المخرج ناصر عبد المنعم، مدير المهرجان د. دينا أمين، المديرتان التنفيذيتان د. أسماء يحيى الطاهر عبد الله، والفنانة منى سليمان.


محمد لطفي