في ندوته بالأوبرا محمد صبحى: التمثيل علم لا شاطئ له ومن اطمأن للوصول فهو جاهل

في ندوته بالأوبرا محمد صبحى: التمثيل علم لا شاطئ له ومن اطمأن للوصول فهو جاهل

العدد 620 صدر بتاريخ 15يوليو2019

ضمن ندوات الصالون الثقافي الذي تقيمه دار الأوبرا المصرية شهريا على المسرح الصغير، أقيمت ندوة للفنان الكبير «محمد صبحي» في الأسبوع الأخير من يونيه الماضي. أدار الندوة أمين الصيرفي، وحضرها من الفنانين سميحة أيوب وسميرة عبد العزيز ومديحة حمدي وعدد من أعضاء فرقة محمد صبحي ورجال الإعلام. استهل الفنان الكبير الندوة بقوله «»لو كنت أعلم أن سيدة المسرح هنا لجئت زحفا»، كما شكر الفنانات الكبيرات اللاتي حضروا وكل الحضور. وردا عن سؤال البدايات قال: كنت طفلا منطويا متأملا وصامتا، لكن هذا الصمت كان من أجل أن أستمع لمن حولي.. وكنت أسكن بجانب اثنتين من دور السينما كانتا تمثلان لي متحفا جميلا، كانت إحداهما تقدم أفلاما عربية، والأخرى تعرض أفلاما أجنبية، وكنت أعتبر نفسي محظوظا، وكنت أقوم بتجميع مقاطع أشرطة الأفلام (النجَاتيف) وخطرت لي فكرة أن أصنع ماكينة عرض أفلام من الكرتون والشمع وعدسة، ولكن التجربة انتهت بحريق في المنزل بأكمله، وكان عند والدي ماكينة عرض أفلام 16 ملي، وكان يستعير شرائط أفلام من أصدقائه، من هنا تولدت لدي رغبة كبيرة في فهم هذه اللغة الجسدية، وعشقت الموسيقى والبالية وتولدت لدي رغبة جامحة أن أتعلم العزف، وأن أكون راقص بالية. هذا الإنسان الذي يستخدم جسده بحرفية شديدة، وعندما بدأت أنضج عقليا وأدركت ما هي اهتماماتي بدأت بدراستها وقرأت الكثير عنها، كما قرأت المناهج المتعلقة بجسم الإنسان كلغة، وعشقت المسرح منذ الصغر بحكم أن والدي كان مديرا إداريا بفرقة رمسيس، فكنت أحضر بروفات الفرقة وأشاهد أساتذة المسرح وهم يعلمون أعضاء الفريق، وكان أول درس أعطاه والدي لي هو احترام المسرح.
كذلك كنت الطفل الذي أحب في الثامنة من عمره بنت الجيران ولم أكن أعلم عنها شيئا، كما حصلت على بعض الجرأة عندما قمت بقراءة «هاملت» لشكسبير مرات كثيرة.. لم أكن أدرك معنى ما أقرأه ولكنني كنت أستمر في القراءة لأتفاخر أمام أصدقائي في المدرسة بأنني أقرأ أشياء لا يعرفونها.
 بحر لا شاطئ له
وعن سؤال أمين الصيرفي عن علاقته القديمة بهاملت قال صبحي: عندما تقدمت لاختبارات المعهد العالي للفنون المسرحية، كنت محضرا مشهدين تراجيديين، وثلاثة مشاهد كوميدية، ولكنني تركت الاختيار بينهم لإحساسي أمام اللجنة، وعندما وقفت أمامها اخترت التراجيدي، ولم أمثل كوميدي في المعهد إلا في التخرج. وأذكر أنه حدث خلاف بيني والأستاذ سعد أردش في إحدى المحاضرات إذ قلت له أنا أقدم المشاهد التراجيدية معك بشكل جيد، أما في الكوميدي فأنت توجهني غلط «وكنت على يقين من أنه سوف يحرمني من أعمال السنة، ولكن حدث عكس ما توقعت، وبعد المحاضرة أبلغني لطفي لبيب بأن أستاذ سعد أردش قال إنني سوف أكون أعظم مخرج في مصر. وسألني أردش بعدها: هل قرأت دوستويفسكي؟ فقلت له إنني قرأته أكثر من 25 مرة ولم أفهم شيئا. فأعطالي كتاب «آداب الممثل» عن مدارس التمثيل وقال لي اقرأ هذا الكتاب ثم أقرأ دوستويفسكي وحوله لعملي وسوف تفهم مضمون الكتاب. ومن نصيحة أستاذ سعد أردش استطعت تحويل فوق الـ120 تجربة؛ وتخرجت من المعهد وبدأت أدرب فرقتي وأعلمهم جيدا أن التمثيل علم والفن والإبداع علم ولا شاطئ لهم، وإذا شعر الممثل بأنه وصل إلى شاطئ فهو مخطئ وسيفشل حتما وعلى الفنان أن يظل سابحا داخل بحر العلم.
 مجتمع بلا مفكر
وحول علاقة الفنان محمد صبحي بالكاتب الكبير لينين الرملي قال: هو صديق العمر والحلم، كنا سويا في المعهد ولكن في قسمين مختلفتين، واقتربنا من بعضنا البعض في السنة الأخيرة من المعهد، واكتشفنا أن حلمنا واحد، فأنشأنا فرقة «استوديو الممثل» من طلاب المعهد سنة 70 وقدمت من خلالها «هاملت» و»أوديب»، وقدمنا أول مسرحية بطولة للينين الرملي وكانت من التجارب المسرحية المختلفة التي قدمناها خلال السنة مع أساتذة كبار منهم محمود مظهر وتوفيق الدقن، ثم قدمت للرملي مسلسل «فرصة العمر» وحقق نجاحا كبيرا، ثم «الجوكر»، ثم «تخاريف» و»وجهة نظر» و»بالعربي الفصيح». لينين الرملي ليس مؤلفا فقط إنما هو المؤلف المفكر الذي نفتقده الآن. وعندما انفصلت عن لينين الرملي سنة 94 لم ينشغل الناس بما قدمناه معا وانشغلوا بأسباب الانفصال.. أنا ولينين لم ننفصل أبدا، كنا واحدا وليس ثنائيا وقدمنا أعظم الأعمال، من وجهة نظري، على المسرح المصري، وهي تعيش إلى الآن، ثم بعد ذلك قدمت مسرحية «ماما أمريكا» و»عائلة ونيس» ومسرحية «سلامة»، ورجعت لتدريب فرقة «استوديو الممثل»، وهذا يجعلنا نقول بأن لينين الرملي لم يأخذ حقه كفنان ومؤلف كبير.. فحال المسرح الآن أصبح مؤسفا حقا، فالارتجال أصبح أهم عامل في تقديم الأعمال المسرحية، والجمهور يشكو غلاء أسعار تذاكر المسرح، ولم يفكر في أن كل شيء قد ارتفع سعره، الحديد والخشب والقماش، ولكن دائما أقول إن الجمهور عندنا يقوم بشراء تذكرة مسرح فلا بد أن يخرج وهو يشعر بأنه أخذ عشرة أضعاف ثمنها؛ وأطالب الدولة بتكريم لينين الرملي الذي قدم الكثير من الكتابات المسرحية الجميلة.
أضاف صبحي: إذا قمنا بعمل قائمة لمؤلفي ومخرجي وفناني ونقاد وشعراء الستينات والسبعينات، فسوف نخجل من الوضع الذي أصبحنا عليه؛ لقد أصبحنا مجتمعا بلا مفكر، والحركة النقدية التي كانت تمثل الترس الذي يسير عليه الفنان والمؤلف والمخرج ويخشاها الجميع، لم تعد كما كانت، والحركة الفنية لا قيمة لها بدون حركة نقدية تشير للجمهور إلى الأعمال الجيدة والأعمال السيئة.
وحول علاقته بالفنان الكبير الراحل شادي عبد السلام، قال: كان هدية ربنا لي بعد تخرجي من المعهد، كنت أسمع عنه ولم أكن أعرفه، وفي إحدى ليالي عرضي لمسرحية «هاملت» أمام المعهد العالي للفنون المسرحية، كنا واثقين من أنه لن يأتي صحفيون أو نقاد وفنانون لأن المكان يخلو من مقاعد وإضاءة، ففكرنا أن نشتري علب «الكنز» الفارغة وندفنها في الأرض بطريقة معينة ونضع فيها لمبات، فكانت تصنع إضاءة رائعة على الفنانين على المسرح، كنا نعرض لجمهور العمرانية من الفلاحين البسطاء، وبعد الانتهاء من العرض تحدث معي أحد النقاد الكبار وقال إنه سوف يكتب عن صناعة عرض مسرحي في هذه المنطقة الفقيرة، وسيكتب أيضا عن تكنيك الإضاءة. وفي ليلة عرض أخرى فوجئت بوجود الفنان شادي عبد السلام والفنانة نادية لطفي والأستاذ لويس عوض الذي سألني: درست فن في لندن قد إيه؟ قلت أنا لم أخرج من مصر مطلقا. وفي اليوم التالي طلبني شادي عبد السلام في المعهد وطلب مني الذهاب إليه وعرض علي بطولة فيلم «إخناتون» وأنا لا أفقه شيئا عن التاريخ المصري سوى أن مينا موحد القطرين، والقليل من المعلومات، فقررت أن أقرأ عن التاريخ المصري بعمق.. وكان شرطه الوحيد هو ألا أظهر في أي عمل فني قبل أن ننتهي من الفيلم، ثم تعطل الفيلم بدعوى أن الميزانية كبيرة جدا لا تقدر الدولة على توفيرها، وفي هذه الأثناء استدعاني الأستاذ رمسيس نجيب إلى مكتبه لأفاجأ بأن الأستاذ يوسف شاهين وحسين كمال وسعيد مرزوق قد رشحوني لبطولة ثلاثة أفلام، ولكنني تذكرت وعدي لشادي عبد السلام واعتذرت عن الثلاثة أفلام، والتقيت بشادي عبد السلام وكان قد علم بتلك العروض ورفضي لها، وفاجأني بالسماح لي بالعمل إذا أردت لأن فيلم «إخناتون» سيتعطل تنفيذه كثيرا بسبب العراقيل الخاصة بالميزانية.
الأفلام الكرتونية
وحول سؤال عن شخصية قدمها وشعر بأنها أخرجت كل ما بداخله، قال صبحي: هذه الشخصية لم تأتِ بعد، ولكنني أستمتع ببناء أي عمل مسرحي وأفخر كثيرا بنفسي عند تقديم هذا العرض للناس وينال إعجابهم.
تابع صبحي: كتابة مسلسل «فارس بلا جواد» استغرقت 16 شهرا حدث خلالها بعض المشكلات وطلب مني الوزير الراحل عمر سليمان أن أغير ما يقترب من 170 مشهدا من المسلسل، بزعم أنه يهدد أمن واستقرار البلد. وتوصلنا لحذف 42 مشهدا فقط، وتجول المسلسل عند تصويره بين 18 عاصمة عربية في خمسة عشر يوما فقط. أضاف صبحي: وهنا تكمن عظمة (الفيسبوك) حيث من خلاله تم بث المشاهد التي حذفت من المسلسل.. وبعد عرض المسلسل قامت أمريكا بضرب العراق وتدميرها، وهذا كان البروتوكول الـ19 من البروتوكولات التي أشار المسلسل إلى أنها ما يحدث في العالم العربي، ولكن مصر استطاعت عبور هذا المخطط بسلام.
وقال صبحي أيضا إن التكنولوجيا أنشئت ليس لنفع البشر مثلما يقولون، إنما لتدمير الوطن العربي وأطفال وشباب الشعوب العربية، من خلال خلق عوالم وهمية يجلس حولها الشاب والأطفال طوال الوقت، وينفصلون عن الأسرة، فيصبحون في غيبوبة تامة؛ وتعرض أمام الأطفال في (يوتيوب) أفلام كرتونية غير لائقة، وهذا كله يجعلنا نسأل: ماذا يتعلم شبابنا وأطفالنا؟ كيف يستطيع ذلك الطفل الذي ينشأ على مشاهدة تلك الأفلام أن يبني دولته، هل سيبني الدولة حقا أم سيهدمها؟
فيما قالت الفنانة سميحة أيوب في مداخلتها: أشكر الفنان محمد صبحي على الدرس الكبير الذي قدمه اليوم، فضلا عن فنه الجميل الأخلاقي والثقافي الذي يرسخ قيم العلم والتواضع ويشعرنا بأن ما زال هناك واجبات يجب أن يقدمها كل شخص لهذه البلد.
وقالت الفنانة سميرة عبد العزيز: محمد صبحي بنى مسرحا وكان من الممكن أن يبني كافتيريا أو ملهى ليليا مثلا، وهذا يدل على أنه رجل يعشق المسرح لدرجة كبيرة، وأنا أيضا أعشق المسرح ولم أرَ انضباطا في مسرح مثلما رأيت في مسرح محمد صبحي. أضافت: وأشكرك على أنك أعدتني للمسرح وللحياة مرة أخرى.
وفي نهاية الندوة صرح الفنان محمد صبحي بأنه سوف يعرض في الفترة القادمة مجموعة من العروض المسرحية، وأن الفنانة سميحة أيوب (سيدة المسرح) ستكون بطلة لإحداها.
 


شيماء سعيد