العدد 613 صدر بتاريخ 27مايو2019
هو مخرج وممثل إماراتي وعضو مؤسس لمسرح رأس الخيمة الوطني، قام بتمثيل عدد كبير من الأعمال المسرحية، منها: وا قدساه، المهرجون، الخوف، الطوفة، حكاية لم تروها شهرزاد، ما كان لأحمد بن سليمان، شارك في الكثير من الأعمال الإذاعية والتلفزيونية ممثلا ومخرجا، أشرف على الكثير من الدورات المسرحية التدريبية مشرفا ومحاضرا، يشغل منصب مدير المراكز الثقافية في وزارة الإعلام والثقافة في الإمارات، تم تكريمه خلال فعاليات أيام الشارقة المسرحية، وكان لنا معه هذا الحوار..
- أولا هذا التكريم ماذا يمثل لك؟
بعد أربعين سنة، فحين بدأت في مسرح الدولة كان عام 1979، وأن يكون في هذا العمر والنضج، لذلك فهذا التكريم بالنسبة لي مهم جدا بعد نضوج التجربة، وأن يكون التكريم من صاحب السمو حفظه الله الشيخ سلطان القاسمي، وفي حياتي، فالفنان الذي يرى تكريمه لا بد أن يفرح بهذا التكريم، لكن ماذا يفيد التكريم بعد الوفاة، وأن أكرم مع قامة كبيرة هو الأستاذ محمد المنصور الذي تعلمنا منه التواضع قبل الفن، لذا فأنا أتصور أن العناصر كلها مكتملة، فالتكريم جاء اليوم في الوقت الصحيح لا قبل ولا بعد، وأحمد الله على ذلك وهو من المؤكد يضيف لي الكثير، ويدفعني للعمل وللعطاء أكثر، فقد كنت مقصرا إلى حد ما، فبعد تخرجي شاركت في مهرجان القاهرة التجريبي الدورة الأولى والثانية، ثم أخذني العمل الإداري، فمنذ (32) سنة أعمل بوزارة الثقافة حتى الآن، وقد سحبني المجال الإداري من الفن، وكذلك المجال الأكاديمي الذي أخذ الكثير أيضا. تخرجت في الكويت عام 1987، وعملت ثلاث سنوات بالوزارة، وفي عام 1990 سافرت إلى القاهرة، حيث حصلت على دبلوم دراسات عليا وماجستير، ثم سافرت إلى بريطانيا عام 1995، لدراسة الدكتوراه، أحد عشر عاما تبددوا بين الإمارات والدول التي كنت أدرس بها. تعبت كثيرا، لكن في النهاية لله الحمد يتم تكريمي، أكيد أي شخص يشعر أنه يطير في السماء حين يتحدث عن تكريمه، كما أن هذا التكريم ذكرني بأساتذتي الراحلين: سعد أردش، أحمد عبد الحليم، طارق عبد العزيز، هؤلاء أساتذتي الذين تتلمذت على أيديهم وتعلمت منهم وأعتز بإخلاصهم في عملهم ونجاحهم في توصيل الرسالة، فهؤلاء الثلاثة كانوا قمة في التواضع والعطاء والإخلاص لمهنة المسرح، ولذلك فأنا أهديهم هذا التكريم وهذا المنجز الفني.
- وماذا عن الجوائز الأخرى؟
على مدار أربعين عاما حصلت على جوائز في التأليف والتمثيل والنقد، وكذلك كإداري، فنلت أوسمة استحقاق وتقدير وكفاءة، وهناك تكريمات أخرى تم نسيانها في خضم الحياة، لكن من المؤكد أن تكريم اليوم هو الأهم، وقد سبقه تكريم آخر مهم من الرئيس الفلسطيني كمنتج وممثل تلفزيوني، وهذا يكمل دوري في الفن بشكل عام، حيث قدمت مسلسل بعنوان “خيانة وطن” كمنتج وممثل، وقد أحدث رد فعل كبيرا في المجتمع لأنه يتناول قضية الإخوان المسلمين الذين أرادوا قلب نظام الحكم في الإمارات، من خلال عملهم مع جهات خارجية لتنفيذ خططهم وأفكارهم الهدامة، وقد تناولت هذه الفترة وهذه الأحداث وتم تكريمنا أكثر من مرة. بين تكريم الرئيس الفلسطيني وسمو الشيخ أسبوع واحد. ونحن بوصفنا فنانين يتم تكريمنا كل يوم من خلال اهتمام صاحب السمو بنا وسؤاله عنا، وتقديم العون وبث الحماس فينا.
- إلى أيهما تميل أكثر الدراما التلفزيونية أم المسرح؟
كل مجال له رونقه الخاص حتى الدراما الإذاعية، فلكل مجال خصوصية، أما الدراما المسرحية هي الوحيدة التي بها تواصل مع الجمهور، فالفنان يحصل على أجره في الوقت نفسه، ويعرف إذا كان أجاد أم أخفق أثناء العرض بشكل مباشر، وهذا لم يتحقق خلال الدراما التلفزيونية أو السينمائية رغم أنها تجعلنا نصل إلى ملايين من الناس، أما المسرح فهو للنخبة الذين يأتون إليه، وبالطبع الإقبال ضعيف لذا فنحن نذهب إليهم بالتلفزيون والسينما، بل إنهم أصبحوا يشاهدوننا من خلال تليفوناتهم المحمولة، لذا فالترويج لهما أكثر وكذلك العائد المادي أكبر، والجهد بهما أقل وبدون بروفات، كما أن الدراما الإذاعية تمثل أهمية كبرى هنا، وأنا أقدم من خلالها رسائل مهمة للمجتمع، قدمت مسلسلا منذ ثلاث سنوات وما زال يذاع حتى اليوم، كلما انتهى أعادوا إذاعته لما يقدمه من رسائل توعوية للشباب وللمجتمع ككل.
- هل المسرح الإماراتي يعاني وجود أزمة؟
المسرح الإمارتي يعاني أزمة، أما المسرح في الشارقة فلا يعاني، لنكن واقعيين الشارقة تحتل 5% من مساحة الإمارات، لذا فلدينا 95% فارغة من الثقافة والفن، أنا صريح فأنا مدير الثقافة في وزارة الثقافة ولا نفعل شيئا للثقافة ولا للفنون، نعمل في أشياء أخرى بعيدة عن الثقافة والفنانين والأدباء والمثقفين، ولا يوجد أي فعل ثقافي فقط أحيانا يقام مهرجان في دبي أو في الفجيرة وهذه المهرجانات لا تقدم شيئا حقيقيا، فهي احتفاليات بالمنجز الموجود، هذا المنجز أو هذه العروض إن لم تكن موجودة قبل وبعد المهرجانات فلا قيمة لها، فنحن نريد حراكا ثقافيا، وهذا غير موجود إلا في الشارقة، هذه البقعة التي تحتل 5% من مساحة الإمارات.
- ما حدود مسئوليتك عن ذلك وأنت المسئول في وزارة الثقافة؟
لست وزيرا ولا وكيل وزارة، بل كنت مديرا، والمدير فوقه وكيل مساعد ووكيل ووزير، وقد بح صوتي بلا جدوى.
- هل عوضك المسرح عن الكرة؟
أكيد، فقد تركت الكرة بعد إصابتي وكنت وقتها أقوم بتوصيل أصدقائي للمسرح الذي يقع خلف النادي ثم أذهب إلى النادي، وقد كنت لاعبا محترفا في الدرجة الأولى وأنا صغير حيث بدأت مع الناشئين ثم الشباب وكنت أصغر لاعب في الفريق الأول. بالطبع تركت إصابتي غصة كبيرة، خصوصا أن النادي لم يهتم بي إطلاقا وأسرتي هي التي تحملت مسئولية علاجي، ومن حسن حظي كان يوجد وقتها طبيب ألماني زائر وعن طريق خالي الذي كان يشغل منصبا مهما حدد لي موعدا مع هذا الطبيب الذي أجرى لي الجراحة، ولولاه ما كنت حصلت على هذه الفرصة في ظل تجاهل تام من النادي، من هنا عرفت أن اللاعب ينتهي في أي لحظة لكن الفنان لا ينتهي أبدا حتى آخر يوم في حياته، وقد كنت وقتها أجلس أمام التلفزيون وأشاهد عبد الرحيم الزرقاني وعبد الوارث عسر وغيرهما من الكبار الذين ظلوا يمثلون لآخر عمرهم، فالعمر ينتهي والفن لا ينتهي، في الوقت الذي كنت حزينا جدا لإصابتي وعجزي عن ممارسة الكرة مرة ثانية، كما أنني كنت أوصل أصدقائي للمسرح كما تعودت لأنني الوحيد الذي يملك سيارة، ولكن ومعي عكاز، فقالوا لي: كيف ستذهب النادي بهذا العكاز؟ وماذا ستفعل؟ أدخل معنا المسرح، فدخلت معهم وأعجبت بالمسرح وأحببته وانضممت إليهم، فقد دخلت المسرح بعكاز، وما زلت أشعر بوجوده معي حتى الآن حيث أصبح المسرح عكازي، الذي لا يمكن الاستغناء عنه، رغم أنني انشغلت كثيرا بالدراسة وبالعمل الإداري والتلفزيون والسينما، لكن ما زال المسرح هو الأساس.
- ماذا عن رحلة المسرح بين الكويت ومصر وإنجلترا؟
رحلة طويلة، فقد كنت في معهد الفنون المسرحية في الكويت وتخرجت بتقدير ممتاز وطلبوا مني العمل معيدا بالمعهد، لكنني رفضت وقررت العودة للإمارات، وبعد ثلاث سنوات ذهبت إلى مصر وحصلت على دبلوم دراسات عليا ثم الماجستير، ثم قررت الحصول على الدكتوراه من جامعة مانشستر، وعدت مرة أخرى إلى الإمارات، ولكن مع الأسف منذ عام 1999، أي بعد عشرين عاما كاملة، وأنا أحاول أن أوجد مكانا لتدريس المسرح عندنا سواء أكاديمية أو معهد، أو مدرسة، حتى أعلن سمو الشيخ سلطان هذا العام عن افتتاح أكاديمية للفنون الأدائية، ومن المؤكد أن لها شروطا معينة حيث ستأتي كلية من بريطانيا بأساتذتها بالكامل، فليس من السهل الدخول والعمل بينهم كأستاذ، كما أن الدارس أيضا يخضع لشروط أهمها إجادة اللغة الإنجليزية لأنهم سيدرسون أدبا إنجليزيا وهذا مهم بالتأكيد، لكن يوجد شيء مهم ولا يعرفه أحد، هو أنني منذ عامين كنت في لقاء مع وزير التعليم وقلت له لدينا مشكلات كثيرة في التعليم منها أمراض التوحد والتنمر، كما يوجد أيضا الفكر الداعشي الذي تخلل المجتمع، لذا فنحن بحاجة للفنون في المدارس، وهو ما أسعى إليه منذ عام 1999، ولم يتحقق مع كل الوزراء السابقين، فوافق الوزير وتبنى الموضوع وأصبح المسرح مادة مقررة على طلبة المدارس، وعليه درجة كبيرة، وطبعا هذا بدعم صاحب السمو حاكم الشارقة حفظه الله، وتم التواصل بين وزارة التربية والتعليم وجمعية المسرحيين والهيئة العربية للمسرح، واستطعنا التوصل لصيغة مع مكتب سمو الشيخ حاكم الشارقة وهي أن تدرج مادة المسرح في المدارس، وهي كانت في الأصل موجودة وحين استلموا وزارة التربية، الإخوان المسلمين، قاموا بحذف الموسيقى والمسرح وكل الفنون. الحمد لله عادت الفنون وتحقق الحُلم وفي القريب العاجل سنشهد نتاج الفنون في المدارس وأيضا نتاج الأكاديمية.
- اشتهرت بعدة ألقاب منها: عراب الدراما، نصير المرأة.. ماذا تمثل لك هذه الألقاب؟
هذه الألقاب منحني الناس إياها خلال تجربتي مع المسرح التي استمرت أربعين سنة حيث قدمت أعمالا كثيرة تنتصر للمرأة، منها: عايشة، لحظات منسية، كذلك عراب الدراما فقد سبقني آخرون للدراما وهم عرابون منذ زمن طويل، هذه ألقاب تمنحها الناس وهي لا تهمني بقدر ما يهمني من قالها أو من شجعها ووافق عليها وليس اللقب نفسه، فهذا يعني تقدير الناس لما أقدمه سواء في الدراما التلفزيونية أو في المسرح بكل قضاياه، فأنا أول من أدخل المونودراما إلى المسرح الإماراتي، وأيضا أول من خرج بالمسرحية من إطار العلبة الإيطالي الذي ورثناه، وخرجت بها للمشاركة بمهرجان المسرح التجريبي في مصر وعرضت في قصر الغوري، وأول من قدم مسرحا تجريبيا، فلي شرف السبق في أشياء كثيرة، وأول وآخر من حصل على دكتوراه في المسرح.
- ماذا أعطاك المسرح؟
علمني التواضع، فكنا نقوم بكل تفاصيل العملية المسرحية فنقص الديكور وندق المسامير، فعملنا كمهنيين وليس كمسرحيين فقط، فلم يكن يوجد وقتها مهنيون يقومون بذلك، وكان عدد المسرحيين والمحبين له قلة، فتعلمت العمل بروح الفريق الواحد، وحب النجاح للآخرين، التعلق باللغة العربية، الاجتهاد والمثابرة، وفي هذا السياق قصة كيفية التحاقي بالمسرح حيث جاء لدينا أستاذ مصري اسمه مجدي كامل وأستاذ بحريني اسمه خليفة العريبي في رأس الخيمة في الوقت ذاته وكنت وقتها ما زلت تلميذا بالمدرسة وأشارك في الإذاعة المدرسية، ليبحثوا عن ممثلين يؤدون أدوارا في أوبريت اسمه «واقدساه» كان ذلك عام 1979، وقد أعجبهم صوتي واختاروني مع خمسة آخرين، ويوم العرض كان الخمسة قد تركوا العرض، فقمت بتقديم الأدوار الستة لأنني تبنيت الموضوع بشكل حقيقي وصبرت حيث استمرت البروفات ستة أشهر، ولم يكن لديهم الصبر فانسحبوا واحدا تلو الآخر. وكان الأوبريت باللغة العربية، فبدأت بداية قوية، وبعدها قدمت “هاملت”، ولذلك شجعوني على دراسة المسرح.
- دائما ما يكون ابن العطار عطارا أو طبيبا، لكنك ذهبت بعيدا جدا. كيف حدث ذلك؟
بالفعل ابني الأكبر طبيب استشاري قلب، وابنتي طالبة بالسنة الثالثة بكلية الطب، أما أنا فسبب ابتعادي عن العطارة هو أنني منذ طفولتي وأنا مصاب بحساسية من الروائح، كما أن الوالد توفي وأنا صغير في السن، فأنا ابن الزوجة الثانية، فحين كنت طفلا كان هو في سن الستين، وبالتالي لم أرث منه هذه المهنة، السبب الثالث أنه كان شاطرا جدا في هذه المهنة التي مارسها لثمانين عاما وكانوا يطلقون عليه لقب الدكتور فكان دائما دواؤه صحيحا لكل الحالات التي تعرض عليه، فحين رأى التجار هذه المكاسب التي حصل عليها من مال وشهرة طمعوا في هذه المهنة، فعقب وفاته مباشرة جاءوا واشتروا الأدوية والأعشاب وكنا وقتها أطفالا.