بيان لجنة تحكيم المهرجان الختامى لنوادى المسرح

بيان لجنة تحكيم المهرجان الختامى لنوادى المسرح

العدد 613 صدر بتاريخ 27مايو2019

ابتداءً، تود اللجنة أن تحيي جهود منظمي المهرجان من إدارة المسرح : مديرها العام، الصديق عادل حسان، ومبدعيها والإداريين والفنيين الذين استطاعوا الاحتفاظ بها راسخة ومتماسكة، تؤدي دورها وتطور وظائفها وتنمي مشروعها الذي جعلها واحدة من أهم إدارات وزارة الثقافة، وليس الهيئة وحدها، التحية موصولة لشباب نوادي المسرح الذين يشكلون دائما قيمة مضافة ومتجددة للعمل المسرحي في مصر كلها وليس فقط في مواقع الهيئة وفرقها .
لا يمكن لأي ناقد أو باحث في التاريخ الثقافي والمسرحي لنا أن يتجاوز إدارة المسرح ودورها التأسيسي في حركة المسرح في الأقاليم، ولا أن يتجاهل النوادى التي تدرجت من العرض إلى التجربة، ومن التجربة إلى الظاهرة، ومن الظاهرة إلى المشروع، وانتقلت كميا من عدد صغير من الجماعات المسرحية إلى اتساع يتنامى ويتجدد عبر أجيال وتجارب وابتكارات، وأضحت مع ذلك كله النواة الصلبة للمسرح ونقطة ارتكازه الخفية.
على مدار أحد عشر يوما متصلة، شاهدت لجنة التحكيم عشرين عرضا تنوعت أشكالها وتعددت مواقعها وانتظمت جميعا مشكلة المهرجان الختامي لنوادي المسرح في دورته الثامنة والعشرين.
مع هذا التعدد والتنوع والاختلاف، تشكل المنهج النقدي للجنة، فانحازت إلى العروض التي امتلكت شروط المسرح ومقوماته الأساسية، ومن هنا جاء صوتها مع المبدعين الذين توافرت لديهم المعرفة بالمسرح وامتلاك الأدوات والطرق والأساليب، كما انحازت اللجنة إلى قدرة الابتكار وطاقة التجدد ورغبة التجاوز وكسر الأشكال النمطية والخروج من أسر التقاليد والصياغات الجاهزة والثابتة.
وفيما نتصور، فإن هذه المنهجية المستندة إلى ثنائية الجودة والابتكار، أي وجود المسرح ابتداءً، ثم طموح الإضافة والاكتشاف، هي المنهجية القابلة للتحاور مع الظواهر والتحولات في تجربة النوادي، كما أنها منهجية حوار وبحث وتساؤل وليست منهجية تقييم جامد وأحكام مغلقة.
ومن هنا تود اللجنة أن ترصد عددا من النقاط المجملة :
 النقطة الأولى : لاحظت اللجنة أن العروض كلها سواء ما كان منها متميزا أو عاديا أو حتى متراجعا، عكست – أي العروض – طبيعة التكوين الاجتماعي والمعرفي والفني لتلك الموجة الشابة الصاعدة الآن على خشبات النوادي على امتداد مصر كلها، وليس هذا جديدا على المهرجان، ولا مضافا إلى التجربة، فقد كانت تلك النقطة دائما، ونعني بها كشف العروض عن التكوين العام للجيل الشاب، كانت هي ما تعطي النوادي تميزها وألقها الدائم، وما جعل التجربة كذلك كاشفة عن تحول اجتماعي وليس فقط عن اجتهادات إبداعية.
فى سياق ذلك،وبشكل مجمل، تلاحظ اللجنة غياب الوحدة الكلية للعروض، وتكوينها عبر نُثارات بصرية وحركية، ليس هذا توصيفا سلبيا لبناءات العروض قدر ما هو إدراك لتحول اجتماعي ومعرفي لدى هذا الجيل، حيث لا وجود لصورة كلية للعالم، ولا وجود لمرجع أو إطار، وهكذا بدا العالم الذي تكونه العروض منشطرا، متجزئا، مفككا، يحيل إلى ذات إبداعية فقدت اليقين، وتحول العالم في بعض العروض وكأنه مكان لنفايات المدينة وبقايا شخصيات وأزمنة، وفي بعض آخر، إلى توحش يكاد أن يكون غريزيا، توحش هو جزء عضوي وأصلي من تكوين العالم، وليس عرَضا مُضافا إليه، وفي عروض أخرى، كانت الصورة المسرحية ممتلئة برموز وأيقونات وتكوينات مقلوبة، فيما كانت حركة الشخصية في عرض مغاير تشير إلى رحلة اكتشاف للوعي الذاتى والاجتماعى، ولكن العرض أحدث رحلة عكسية ونقيضة تفكك فيها وعي الشخصية بذاتها وارتد منحسرا ومتراجعا، وهكذا كان تكوين العالم في العروض وصوره وإشاراته وعلاماته .
ولم يكن ذلك مجرد اجتزاءات في المشهد أو تناثر بصري وحركي قدر ما كان انعكاسا لتكوين جيل وعلامة على طريقته في فهم العالم المحيط والتعبير عنه.
النقطة الثانية متصلة بالافتقاد النسبي لواحدة من أكثر مزايا جماعات النوادي ومخرجيها وأعمقها ارتباطا بطبيعتها، ونعني القدرة على تفسير النصوص وتأوليها من منظورات خاصة وزوايا التقاط نوعية ومتفردة، كانت هذه سمة مجملة لبناء العروض في النوادي، ولكنها تراجعت الآن وانزوت قليلا فسادت نمطية الإخراج وقوالبه الجاهزة، وأحيانا عدم القدرة على فهم علاقات النص وإدراك دلالاته المتحولة والمتدرجة.
غياب القدرة على التأويل الذاتي والنوعي للنص أفضى كذلك ــ وتلك هى النقطة الثالثة ـ إلى الامتداد الزمني غير المبرر للعروض، وإخراج المسرحية وكأنه تجميع لمشاهد وجمل وشخصيات وليس تصورا كليا لتجربة العرض وبنية المشاهدة والتلقي، وهكذا كان من الممكن القطع على أية لحظة في العرض واعتبارها مشهد النهاية وجملة الختام دون أن يؤدي ذلك إلى ابتسار في المشاهدة أو اجتزاء للتلقي.
مع هذه النقاط المجملة التي ارتأت اللجنة ضرورة طرحها للتداول النقدي العام لظاهرة النوادي، تود اللجنة أن تتقدم بالاقتراحات التالية :
1ـ العودة إلى ما كان متبعا في دورات سابقة وأضحي تقليدا ثابتا لإدارة المسرح، ونعني ضرورة إقامة كل أعضاء الفرق المتسابقة أو نصفها على الأقل طيلة أيام المهرجان، لأن إقامة الفرق تعطي المهرجان حيوية نفتقدها في غيابها، وزخما فكريا ونقديا لا تعوضه بدائل أخرى، ولهذا عائده الفكري والفني المتنوع والمتعدد، ولهذا تكلفته المالية بالطبع، ولكنها لا يجب أن تشكل عائقا بالنظر إلى الضرورة التي نشير إليها ونؤكدها.
كذلك، ترى اللجنة عودة النشرة اليومية المصاحبة للعروض، وذلك لأن النشرة تمثل ليس فقط حراكا نقديا يوميا وحيوية محركة للحوارات والاختلافات والجدل، وإنما لأنها توثيق للمهرجان وذاكرة باقية لوقائعه وفعالياته.
الاقتراح الثانى يأتى متصلا بما تنتويه إدارة المسرح من تطوير جذري لتجربة النوادي يجعل العمل بها ممتدا طوال العام، وليس مختزلا في عرض أو مقتصرا على مهرجان، هذه المنهجية في التطوير تراها اللجنة خطوة أساسية تنم عن إرادة طموحة وعقل مبصر، لأنها تأتي مازجة بين منهجين، شكل الأول منهما مرحلة التأسيس الأولي فيما شكل الثاني مسارات التجربة كلها، ونعني بالمنهج الأول الصيغة التي أسس بها الراحل العزيز الدكتور/ عادل العليمي مشروع النوادي ومهرجانها الأول، وهو منهج يحتفي بالتثقيف والتدريب والحوارات الفكرية عبر المحاضرات والندوات وغيرها من آليات، المنهج الثاني هو الذي صاغ الصورة الراهنة للنوادي وفجر إمكاناتها وجعلها حاضرة بكثافة في المشهد المسرحى كله وليس الإقليمي فقط، ونعني المنهجية التي اختطها الأستاذ/ سامي طه، مستكملا خطوة التأسيس بصيغة مغايرة قائمة على تجربة العرض والممارسة الإبداعية وتفعيل المهرجان الختامي ليكون إطلالة لامعة ونهائية للموسم كله، والآن، تفكر إدارة المسرح في الجمع بين الصيغتين، صيغة التدريب والتثقيف وصيغة العرض والتجربة والممارسة، بحيث يكون العمل في النوادي متصلا طيلة العام وليس منحصرا كما أشرنا في عروض ومهرجان، تلك خطوة انتقال نراها أساسية .
 وفي إطار ما شاهدناه من تجارب في المهرجان الختامي الأخير، نرى تأسيس ورشتين في مجالين محددين، هما : التكوين الصوتي للممثل والأداءات اللغوية له، وذلك لما لاحظناه من افتقاد معظم ممثلي النوادي التعبير اللغوي وضياع كثير من الجمل والعبارات والحوارات وعدم وصول الدلالات والإيحاءات المرتبطة بها لمشاهدي العروض،  المجال الثاني هو فكري ومعرفي بمعني ما، ونعني تكوين نص العرض، لأن ذلك يمثل البداية اللازمة لتكوين أي عرض يحقق التواصل مع مشاهديه والتفاعل مع محيطه الاجتماعي .
 يرتبط بتأسيس تلك الورشتين الخاصتين بالتكوين الصوتي للممثل، ونص العرض، اقتراح آخر تراه اللجنة ضروريا، بل وحتميا، ونعني تأسيس ورش منتظمة لشباب النوادي في جنوب مصر، فرغم الإمكانات المتوفرة لديهم والطاقات الكامنة فيهم، فإنهم يفتقدون في المجمل لشروط المسرح الأساسية على نحو أحدث فارقا واضحا بينهم وبين مبدعي النوادي في الأقاليم الأخرى، ومن هنا ضرورة إنشاء ورش تأسيسية منتظمة على المستوى النظري والتقني لمبدعي الجنوب.
3ـ تقترح اللجنة إضافة جوائز للديكور والملابس والإضاءة في الدورات المقبلة مع الاحتفاظ بجائزة السينوغرافيا، وذلك لأن الديكور والملابس والإضاءة تصوغها وتكونها عناصر فردية محددة، بينما السينوغرافيا هي تشكيل الفراغ المسرحي والإطار المادي للعرض الذي قد يمتد ليشمل مساحات المشاهدة والتلقي، هى بناءات متعددة ومركبة قد يساهم في تكوينها المخرج مع مصممها مثلما شاهدنا في بعض عروض هذه الدورة.
إننا ونحن نختتم الملتقي ونشاهد التجلي الأخير لموسم زاخر بالحركة والعمل والإبداع، نعيد التحية ليس فقط لمبدعي النوادي الآن، وإنما للمؤسسين لها، والذين حافظوا عليها وتواصلوا معها وساهموا في تكوينها وتجددها حتى أصبحت واحدة من علامات المسرح، ونؤكد التحية مجددا لإدارة المسرح التي نرجو أن تظل كما كانت دائما، عقلا متحاورا مع تجربة المسرح في الهيئة،  متواصلا وفاعلا.


كاتب عام