في ندوة «شباك مكسور» النقاد يشيدون بالعرض ويطالبون باستمراره

في ندوة «شباك مكسور» النقاد يشيدون بالعرض ويطالبون باستمراره

العدد 609 صدر بتاريخ 29أبريل2019

ضمن الندوات الشهرية التي ينظمها المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية لمناقشة العروض المسرحية، برئاسة الفنان ياسر صادق، أقام المركز الأسبوع الماضي ندوة نقدية حول العرض المسرحي «شباك مكسور» من إنتاج فرقة مسرح الطليعة، تحدث فيها من النقاد: جرجس شكري رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون، ومحمد الروبي رئيس تحرير جريدة مسرحنا، وأدارها الباحث المسرحي وليد الزرقاني، ومن صناع العرض المخرج شادي الدالي والكاتبة رشا عبد المنعم.
تدور أحداث المسرحية حول أسرة مصرية داخل منزل آيل للسقوط، الأسرة تتكون من مجموعة شخصيات، كل شخصية تمثل شريحة معينة من المجتمع.. العرض بطولة أحمد مختار، نادية شكري، مجدي عبيد، علي كمالو، وليد أبو ستيت، مروان فيصل، ربا شريف إمام، مروى كشك، هند حسام. ديكور وأزياء وائل عبد الله، إضاءة أبو بكر الشريف، توزيع موسيقي شريف الوسيمي، تأليف رشا عبد المنعم، إخراج شادي الدالي.
قال الناقد جرجس شكري: شاهدت العرض ثلاث مرات وكان العرض في كل مرة يضيف لي الكثير من متعة المشاهدة، بالشكل والمضمون. أضاف: العرض المسرحي «شباك مكسور» بشكل عام يعالج مجموعة من المشكلات التي يعاني منها مسرح الدولة في السنوات الأخيرة، وأعاد لنا هذا العمل بديهيات في عالم المسرح قد تكون اختفت تماما في السنوات الكثيرة الماضية في معظم العروض، وهي أن هناك مؤلفا قدم لنا نصا مسرحيا حقيقيا له علاقة مباشرة باللحظة الراهنة ويقدم قراءة جيدة للواقع، كما قدم هذا العمل مخرجا متميزا قام بدوره كمخرج على أكمل وجه بعيدا عن المصطلحات التي ترددت كثيرا خلال الفترة الماضية وهي «رؤية وإخراج» و”وإعداد وإخراج” وغيرها من المصطلحات التي قد تكون في أحيان كثيرة ضد العرض المقدم.
وعن رؤيته النقدية قال شكري إن العرض يتناول حياة أسرة مصرية فقيرة تتكون من عدة شخصيات هي نتاج الظواهر التي أصابت المجتمع خلال العقود الخمس الأخيرة، وعلى الرغم من أنها أسرة واحدة تسكن شقة قديمة فإن كل شخصية تحمل مشكلة كانت وما زالت من أمراض المجتمع المصري في السنوات الأخيرة. وأشار إلى أن فكرة وجود الشباك المكسور داخل المسكن الذي يطل على “خرابة” مليئة بالقمامة وينتج عنها رائحة عفنة، دون محاولة للتدخل من أفراد الأسرة للإصلاح، دراميا تعدت كونها مجرد نافذة إنما تشير إلى الواقع السيئ داخل المجتمع.
موضحا أن المؤلفة اعتمدت في كتابة هذا النص على أجزاء وأفكار درامية من كتابات الكاتب الكبير الراحل جلال عامر كما ذكرت وكما جاء في العرض مثل «عودة الصول خميس» و”ليلة القبض على الخروف” و«هريدي والبوتاجاز»، مؤكدا أنها استطاعت توظيف هذه المقاطع الساخرة بشكل مميز دراميا.
وأكد شكري أن تناول مشكلات المجتمع في الدراما قد يكون مكررا في بعض الأعمال إلا أن في “شباك مكسور” استطاعت المؤلفة طرح هذه المشكلات، بالإضافة إلى إثارة أسئلة المجتمع العميقة باعتمادها على الأسلوب الساخر والمحاكاة التهكمية التي اقتربت كثيرا إلى الهجاء السياسي والاجتماعي للواقع.
وأكد شكري أيضا أن وعي المخرج شادي الدالي تجاوز نظرية النوافذ المحطمة التي كتبت في النص، وأصبح هذا الشباك هو القوة الفاعلة التي تحرك الأحداث على خشبة المسرح، وتجسد هذه “الأسرة”، وأننا نحن الجمهور نرى العالم من هذه النافذة بكل ما تحملة من دلالات سواء من هم بالنافذة أو من هم خلفها، وعن شخصية «عم جمعة» التي تم تغيرها أثناء البروفات من أمين الشرطة إلى المواطن العادي حتى لا يكون ممثلا للسلطة قال: التغيير لم يغير في الأمر شيء وتم ذلك بحرفية كبيرة.
وعن الديكور والإضاءة قال شكري إن الديكور مع الإضاءة لعبا دورا مهما في أحداث ومجريات العرض، حيث يجمع ما بين ما هو رمزي يحمل دلالات وما هو واقعي.
وعن الشخصيات التي تجسد شرائح المجتمع المصري وأمراضه، يرى شكري أن هذا النوع من العروض هو بمثابة قراءة سوسيولوجية للمجتمع المصري، تقدم في معالجة درامية لكل ما يحدث في المجتمع.
وفي النهاية قدم شكري التحية لكل عناصر العرض الذي وصفه بأنه مكتمل العناصر.
 نص غير تقليدي
فيما أشاد الناقد محمد الروبي بالعرض وقال إن الكاتبة رشا عبد المنعم مؤلفة هذا النص لم تقدم نصا تقليديا فهي “بنت خشبة” تدرك جيدا تفاصيل خشبة المسرح كما تدرك أن هناك مساحة عند الكتابة للمسرح، وأنه لن ينتهي دورها بتسليم النص إلى إدارة المسرح أو المخرج شادي الدالي مخرج العرض.
أضاف أن النص مبني على واقعة حقيقية حدثت بالفعل وهي أن موظفا صنع لأولاده طعاما ووضع به سما وتناول معهم الطعام، ويشاء القدر أن جميع أفراد الأسرة يتوفون عدا هذا الأب.. أخذت الكاتبة هذه الواقعة لتحولها إلى نص مسرحي، وكانت أشد ذكاء عندما قدمته بين «المأساة والسخرية والمسخرة» غير معتمدة على مأساويته فقط، لأن الواقع أشد مأساة مما يتخيله أو يصنعه أحد، ما يجعل المتلقي يقول “أفٍ من هذا العالم” وهو يضحك عندما يرى أبا يقتل أولاده ليخلصهم من هذا العالم القميء فيعاقبه الرب بأنه لم يمت. وأكد الروبي على براعة المخرج شادي الدالي الذي ترجم النص المبني على مأساة على خشبة المسرح بشكل احترافي وجعل المتلقي وهو يضحك على كل موقف كوميدي يصاب بشرخ داخله.
وعن مشهد «الحلم»، قال إن هذا المشهد كان هو الدافع القوي الذي دفع الأب إلى اتخاذ القرار بقتل أسرته، موضحا أن في الواقع ممكن أن يقتل الرجل زوجته دون سبب مقنع، نتيجة تراكمات، أما في الدراما فلا بد من وجود دافع قوي ومقنع للمتلقي لقبول هذه الفكرة. أشار الروبي إلى أن دافع القتل - على مستوى النص - غير موجود بشكل واضح، وكان الحل العبقري هو هذا الكابوس وكأنه يرى هذه الشخصيات لأول مرة على حقيقتها.
وعن الأداء التمثيلي أثنى الروبي على كل الممثلين مشيرا إلى أن أداءهم كان احترافيا، وأن هذا ليس من فراغ، بل جاء بعد حوار كبير دار بينهم والمخرج شادي الدالي، مؤكدا أنهم يستحقون تحية مضاعفة، خاصة الشباب الذين سوف يدركون في المستقبل أن تمثيل مثل هذه النوعية من العروض أمر ليس بالسهل، بل إنه أمر صعب، مثل أن يقوم الممثل بأداء الراوي والشخصية في الوقت ذاته، وأن يقدم مونولوجا حزينا وقبل أن ينتهي المونولوج يتحول إلى مونولوج كوميدي كما قدمته الفنانة نادية شكري في شخصية «الست فاطمة».
وأشار الروبي إلى أن مهندس الديكور وائل عبد الله يستحق تحية خاصة لوضعه تفاصيل بسيطة في الديكور جعلته يعبر عن الواقع بشكل أقرب إلى الحقيقة، مشيرا إلى العمارات المائلة المحيطة بالبيت من جميع الاتجاهات التي تكاد تسقط على البيت لتأكله، كما أشار أيضا إلى «الشباك المكسور» الذي وضع في واجهة المسرح، موضحا أن هذا الشباك يمثل «العالم»، بالإضافة إلى اختيار الألوان التي تحمل دلالات كثيرة، سواء على مستوى الديكور أو الإكسسوار. أضاف: كان حريصا على أن تكون الألوان «ما بين بين» لا هي صارخة ولا قاتمة، ليؤكد لنا أنه يدرك تماما المنهج الذي يعمل عليه المخرج والكاتبة في هذا العمل، كما تنطبق هذه النظرية أيضا على الملايس باستثناء ملابس شخصية «عم جمعة» هذه الشخصية التي دائما تسعد بأن يكون العالم على هذا الحال السيئ، فمن الطبيعي أن تكون ملابسه دائما مبهجة تحمل السعادة. وعن وجود المطبخ في مقدمة المسرح، أكد الروبي أن هذا هو المكان الأمثل له لأنه الموضوع الأهم، حيث هنا في هذا المطبخ تصنع المأساة.
المخرج شادي الدالي قال: تمنيت أن أخرج عرضا من تأليف الكاتبة رشا عبد المنعم، وبالفعل حدث. أضاف: تحمست جدا لفكرة العرض عندما قرأته أول مرة، خاصة وأنه يتكلم عن الطبقة المتوسطة التي أنتمي لها.. واتفق الدالي مع الناقدين في حديثهما عن فكرة النوافذ المحطمة والنظرية التي تؤكد أن المكان الذي يوجد به شباك مكسور، سيدفع نوعية معينة من الناس إلى التطاول عليه، مستهينة به، والتعامل معه وكأنه شيء مباح.
وعن مشهد الكابوس، أعرب الدالي عن سعادته بردود أفعال الجمهور عقب كل ليلة عرض، خاصة عن هذا المشهد تحديدا والإشادة به، مؤكدا أنه أثناء البروفات كان بينه والممثلين والمؤلفة حوار دائم حول كل شخصية، والسؤال كان: هل يكفي كل ما يحدث في حياة أفراد الأسرة لأن يأخذ الأب القرار بقتلهم؟ تابع: وكانت الإجابة «لا».. لا بد من الضغط أكثر حتى يصل “عطية الأب” للحظة الحاسمة التي يأخذ فيها قراره بقتل أولاده، فكان مشهد الكابوس من أكثر المشاهد التي تحررت فيها الشخصيات وانطلقت بشكل لاواعي، وفي الوقت ذاته هو حلم عطية فقط، لأنه رأى مأساة كل شخصية أمام عينه، وبمجهود رائع من الفنانين خرج هذا المشهد بهذا الشكل الرائع.
الكاتبة رشا عبد المنعم مؤلفة العرض قالت إن فكرة «شباك مكسور» مبنية على نظرية النوافذ المحطمة، ومضمون هذه النظرية أنه إذا وجدت نافذة محطمة في بناية فهي توحي للخارجين عن القانون بأن هذا المكان غير معتنى به، وليس به رقابة أو أمن، فيصبح هذا المكان جاذبا لهؤلاء اللصوص أو الخارجين عن القانون، وتكون نسبة حدوث الضرر كبيرة بهذا المكان، موضحة أن نظرية النوافذ المحطمة لا تتعدى فكرة الآلية التي كتب بها النص وليس رسالة العرض، كما أشار البعض، مؤكدة أن كل الشخصيات التي جاءت في العرض عبارة عن شبابيك مكسورة، في التعليم، في مفهومنا للدين... إلخ.
وعن مشهد الكابوس قالت إن المشهد مكتوب في النص بشكل بسيط جدا يخلو من أي تفاصيل ولكن براعة المخرج استطاعت أن تحقق الصورة التي كنت أتمناها.
 

 


محمود عبد العزيز