ثلاث ورش بمهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي

ثلاث ورش بمهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي

العدد 607 صدر بتاريخ 15أبريل2019

ضمن فعاليات مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي في دورته الرابعة برئاسة المخرج مازن الغرباوي، الذي ترأسه شرفيا الفنانة القديرة سميحة أيوب، ويرأس لجنته العليا النجم القدير محمد صبحي، ومنسق العام للمهرجان الفنانة نورا أمين، ود. إنجي البستاوي مديرا تنفيذيا، أقيمت ثلاث ورش مسرحية تنوعت بين التمثيل وقام على التدريب فيها المخرج الفلسطيني كامل الباشا، والكتابة المسرحية للكاتب المسرحي العراقي علي عبد النبي الزيدي، والغناء والأداء الصوتي للموسيقار السريلانكي مانيكام يوجيسفاران والموسيقار المصري كريم عرفة، استمرت جميعها لمدة 5 أيام متتالية بقصر ثقافة شرم الشيخ متزامنة مع المهرجان.
في ورشة الكتابة المسرحية ارتكز الزيدي على تعريف المتدربين بالعناصر الأساسية للكتابة المسرحية، وهي الفكرة الرئيسية والحبكة البسيطة والمعقدة والمحكمة والشخصيات بأنواعها الرئيسية والثانوية والنمطية والحوار والصراع والإيقاع.
انطلاقا من خلق الدهشة وتوليد الصدمة لدى المتلقي وكتابة نص مسرحي مدهش ومتفرد وقادر على تجاوز الزمن والعيش مئات السنين ولو بعد موت صاحبه، طرح المدرب رؤيته عن الورشة التي لا يريدها تقليدية ولكنها تنطلق من مسماها عبر تحرير الفكر ودفع الخيال إلى مداه اللامحدود، متخطيا كل الحواجز بل هادما لها كي لا تقيده وتضعه في إطار النمطية وتقديم نصوص غير قادرة على الصمود أو تجاوز لحظتها الزمنية الراهنة أو جغرافيتها المحدودة.
إن فكرة استقلالية النص المسرحي وقدرته على الصمود وحده كجنس أدبي يمكن قراءته منفصلا والرجوع إليه في كتاب بعيدا عن إنتاجه على خشبة المسرح، كانت إحدى الأفكار التي أصر على طرحها وتأكيده على العمل عليها لسنوات طويلة، حيث يصر أن العروض غير قادرة على الصمود ولكن النصوص وحدها هي القادرة على الصمود، وضرب أمثلة بكتابات كلاسيكية ككتابات شكسبير وغيره، التي بقيت إلى الآن ولكن لم تبقَ العروض التي أنتجت مستغلة هذه النصوص، كما ضرب أمثلة عن آلاف العروض المنتجة عربيا ولكن المطبوع من النصوص فقط عشرات أو مئات تمثل نسبة محدودة جدا من هذه العروض، وهي خسارة كبيرة حسب تعبيره، ولذا أكد المدرب دائما على ضرورة طباعة النصوص المسرحية لتبقى دائما، ولكن الأهم من طباعتها في كتاب هو القدرة على خلق نص صامد ومتجاوز ويبقى خالدا، ولا يأتي ذلك سوى عبر إنتاج رؤية مدهشة وصادمة عبر تحرير الخيال وضرب أمثلة متنوعة على بعض الكتابات التي فقدت مع الوقت القدرة على إعادة إنتاجها أو تقديمها حتى صارت ميتة تماما وذلك لافتقادها هذا الخيال الخصب الذي يحافظ على بقائها وصمودها، وقد تكون هذه النصوص لكتّاب كبار ومؤسسين ورواد مثل كتابات يوسف العاني، أحد رواد الكتابة المسرحية في العراق، ولكن نصوصه لم يعاد تقديمها وإنتاجها منذ ستينات القرن الماضي تقريبا، لذا يقول أينشتين «الخيال أهم من المعرفة».
هل يمكن للخيال أن ينمو ويتسع مداه مع الوقت؟ سؤال طرحه المدرب مؤكدا على صحة هذه الفكرة ضاربا المثل بكتابته هو ذاته، حيث ينظر إلى بداياته في الجموح بخياله أواسط الثمانينات، ولكنه حين يقرأ هذه النصوص الآن ينظر إليها على أنها محدودة الخيال ولم تفتح أبوابها على مصراعيها بعد كما هو الحال بعد ذلك، ولذا يصر الكاتب على ضرورة التمارين اليومية للكتابة مثلها تماما كالرياضة البدنية التي يتطلبها الجسد.
ضرب الأمثلة كان مصاحبا كل فكرة، حيث انطلاق الخيال والقدرة على تقديم معالجة صادمة وغير مباشرة ولا تنتمي للخطابية مثل نص «فلَك أسود» للكاتب أو نص «يا رب» كنموذج من مجموعة الإلهيات وما بعد الإلهيات في معارضتها للمقدس وسحبه على الواقع وقضاياه.
اللغة المسرحية كان لها نصيب كبير من الحديث عنها والنقاش حولها، حيث دار النقاش حول مدى قدرة اللهجة العامية في البلدان المختلفة على خلق نص تجاوزي قادر على الوصول لكل المتحدثين بلهجات أخرى أو على الصمود أمام السيولة والتغيير المتزايد في قواميس اللهجات العامية، لذا كان المدرب واضحا تماما في انحيازه لاستخدام لغة عربية متوهجة وسلسة لا هي بالمتكلسة ولا هي العامية المبتذلة، ولكن لغة المسرح هي لغة توازي خياله الخصب ورؤاه المتفردة.
موانع الخيال
عن عوائق نمو الخيال يوضح المدرب أننا بصدد أربعة عوامل رئيسية مثبطة للخيال إذا ما استسلم لها الكاتب، أولها السلطة السياسية، ثم السلطة الاجتماعية متمثلة في الأعراف والتقاليد المجتمعية، ثم السلطة الدينية المتطرفة، ثم الخوف الداخلي لدى الكاتب الذي يمنعه من الجموح مع خياله، ثم ختم المدرب اليوم الأول للورشة مؤكدا أن التحرر من هذه الموانع هو ما يخلق الكاتب المتفرد، القادر على إبداع نص مسرحي مدهش.

النص المسرحي تخطيط قلبي
ينتقل الكاتب إلى تصوره عن شكل النص المسرحي الذي يتصوره كخط الرسم القلبي متصاعدا وهابطا، حيث يسير الخط الدرامي في خط متزن وثابت إلى لحظة ما يتصاعد معها الخط فجأة ويتفجر ثم ثابتا ومتزنا إلى لحظة أخرى تفجر صعوده، أشبه بالنبض القلبي مرسوما، فمهمة الكاتب كما يعتقد المدرب، قراءة الأحداث اليومية المعتادة واكتشاف إنسانية هذه اللحظات لعرض زاوية مغايرة للرؤية عنها، ولكنّ الكاتب دائما لا يذهب للرؤى التقليدية والمعتادة ولكنه يذهب إلى ما هو أبعد، وما هو أكثر تعقيدا وإدهاشا، خالقا الصدمة عند المتلقي، أو ما يسمى لحظة إشعال الفتيل عند المدرب، فالكاتب يفجّر هذه اللحظة لخلق هذا الشكل التخطيطي القلبي ولا يترك نصه ثابتا استاتيكيا هادئا ومتزنا بل يخلق الجدل مع المتلقي عبر الصعود بالدراما ثم الاتزان ثم الصعود وهكذا.

أخطاء شائعة في كتابة النص المسرحي
أشار المدرب بعد ذلك إلى أن هناك أخطاء شائعة ومتداولة في كتابة النص المسرحي، وقد يندهش البعض تماما من التداول المستمر لهذه الأخطاء وانتشارها حتى في النصوص المترجمة والكلاسيكية، ولكن يؤكد المدرب أن تداول الخطأ لا يعني أبدا أنه قد صار أمرا صحيحا ولو انتشر، ثم يبدأ في ذكر هذه الأخطاء الشائعة، وأولها توهم الكاتب أن النص المسرحي هو على خشبة المسرح فيبدأ في وصف الإضاءة ووصف حركة الممثل بطريقة ما ووصف الإيقاع الموسيقي.. إلخ، حيث يتحول الكاتب إلى مخرج للعرض، وهنا مكمن الخطأ إذ يرى أن خشبة المسرح للمخرج ولكن الكاتب له نصه، عبر عرض فكرته وتطويرها عبر الحوار وطريقة أدائه على أقصى حد إذ يمكن للكاتب أن يضيف ملحوظاته بين أقواس عن طريقة الأداء الصوتي أو الانفعالي للجمل الحوارية مثل أن يذكر بين قوسين (مرتبكا) كمثال لطريقة تلفظ هذه الجملة الحوارية. الخطأ الآخر الذي يقع فيه الكاتب هو إهماله للمكان الأصلي الذي تجري فيه الدراما واهتمامه بالخشبة، وهنا يؤكد المدرب أن الكاتب مطالب بالدراما في مكانها الحقيقي وليس الخشبة، ويضرب مثالا: لو افترضنا أننا أمام نص مسرحي تدور أحداثه في سجن، فنحن في سجن ولسنا على الخشبة، إذ إن هذه الخشبة لا وجود لها في الأساس فهي فضاء يستخدمه المخرج بعد ذلك لخلق مكان النص، ثم تتابعت الأخطاء التي تعرّض لها الكاتب وتداولها بالنقاش مع المتدربين.
كان ختام اليوم الثاني عبر التعرض لأفكار المتدربين وفتحها للنقاش، التي طلبها المدرب كتمرين تطبيقي للورشة يتوقع المدرب أن ينتج عنه بعض النصوص التي وعَد متدربيه بمتابعتهم والعمل على مساعدتهم في تطوير نصوصهم حتى تخرج ثمرتها في عدة نصوص كنتاج للورشة وعد الكاتب أن ينشرها في كتاب مضيفا تعليقاته وتحليلاته عليها، مع نشر سير ذاتية لكاتبيها بالإضافة إلى يوميات الورشة التي بدأ الكاتب فعليا في تسجيلها، وهنا بدأ المتدربون في عرض أفكارهم عن بذرة نصوصهم التي يودون العمل عليها وفتحها للنقاش معلقا المدرب عليها وموجها لتلافي بعض مناطق القصور فيها وتبادل النقاش مع زملاء الورشة من المتدربين.

يوم تطبيقي خالص
أما اليوم الثالث للورشة فكان يوما تفاعليا منذ لحظته الأولى وحتى نهايته، استطرد فيه المدرب مع متدربيه فيما بدأه في اليوم السابق في الاستماع إلى أفكارهم لبذرة نصوصهم التي ينتوون العمل على كتابتها، ولكن ذلك جاء بعد التعرض السريع لنصوص عروض اليوم الماضي التي يحرص المدرب أن يبدأ ورشته بها يوميا، إذ يسأل متدربيه عن رؤيتهم للعروض ومدى تفاعلهم معها وكيفية قراءتهم لها، فسأل عن العرض البحريني “المونودراما الفلسطيني”، الذي بدا وكأنه حكايات عما مضى، ليؤكد المدرب أن هذا خطأ شائع أيضا وأزمة جوهرية في نصوص المونودراما تحديدا لأن المسرح والدراما والحدث هو هنا والآن وليس الماضي، وإن أضعف أشكال الأحداث حتى في السينما هو الفلاش باك، ضاربا مثالا على نص مسرحي عظيم قد يُتخذ مثالا في كتابة نصوص المونودراما، وهو نص «امرأة وحيدة» لداريو فو، وهو نص يضعنا في قلب الدراما مباشرة مع امرأة تتسلل هاربة من الشرطة لتجد نفسها داخل كنيسة، وتجد نفسها أمام منصة الاعتراف، فالحدث هنا آني وليس ماضيا، كما أنه يحتوي على مفارقة عجيبة في هروب المرأة من الاعتراف لتجد نفسها مباشرة أمام الاعتراف من جديد، هي لم تأتِ لتعترف، بل أتت هاربة بأخطائها ونواقصها.. إلخ، فهنا والآن يشتعل فتيل الأزمة، ثم استطرد في الحديث عن العرض العماني “فكّر” وكيف بدا غير ناضج دراميا ويحتكم لمفاهيم غاية الكلاسيكية ولا يشتبك بأي حال مع واقعنا الراهن وقضايانا الآنية.

أفكار غضّة وبذور لنصوص مدهشة
انتقل المدرب بعدها مباشرة لاستكمال أفكار متدربيه ليشتبك معها بالرأي والنقاش ويدوّن ملاحظاته عليها ويكشف عن مواطن الخلل والقصور ويقوّمها، وأتت أفكار المتدربين ما بين الأفكار السياسية والاجتماعية التي بدا بعضها مهما ومغايرا وبدا بعضها يشوبه العمومية، إذ طرح أحدهم أفكارا اجتماعية تتمثل في فكرة التبعية ومحاولة السيطرة من مدّعي ديني يحاول أن يفرض هيمنته وسيطرته على قرية فقيرة ونائية وغارقة في الجهل والظلام، وآخر يعرض فكرة تدور أحداثها داخل بنك اقتصادي ينشغل رواده بحياتهم وشؤونهم ولا يشعرون بخطر ماحق يداهم المدينة كلها بمحاولة احتلال لهذه المدينة، في دلالة على غياب الوعي، كما طرح بعضهم أفكارا اجتماعية تتمثل في تأثير التكنولوجيا الحديثة على العلاقات الاجتماعية، وطرح بعضهم أفكارا لإعداد نص مسرحي عن جنس أدبي آخر مثل رواية «أوسكار والسيدة الوردية» للمؤلف إريك شميث، وحرص المدرب مع كل فكرة على التداخل مع الكاتب والاشتباك مع أفكاره بمحاولة تفكيكها وتوضيح بعضها وتطوير البعض الآخر وتوجيه الكاتب الذي يعاني من عمومية الفكرة أحيانا إلى التركيز حول فكرة ما والسؤال عن الشخصيات والمكان والرسالة الحقيقية خلف فكرته هذه، وهو ما كان تطبيقا عمليا على كل المفاهيم النظرية التي تحدث المدرب عنها في يومي الورشة السابقين، مؤكدا على عدة نقاط كان أهمها دفع المتدربين إلى صياغة شخصيات لها أبعاد حقيقية، شخصيات تبدو حقيقية وبشرية من لحم ودم، بالإضافة إلى الدقة في رسم المكان وتوظيفه، بالإضافة إلى أن الكاتب لا بد وأن يحدد فكرته تماما في صياغتها في جملة واحدة أشبه بمانفيستو العرض كي يكون واضحا ودقيقا ومحددا في ماذا يريد أن يقول قبل أن يشرع في كتابة نصه، بعدها يكون الكاتب جاهزا ومستعدا لعمل مخطط لنصه، ماذا يريد أن يقول في بداية النص وماذا يريد أن يطوّر عليه في منتصف النص، ومتى يشعل فتيل الأزمة وكيف يريد أن ينهي نصه، كل هذه المحاور دلل عليها المدرب بشكل تطبيقي عملي على أفكار متدربيه التي جاءت في غالبيتها رصينة وقوية ومادة خام جيدة لنصوص مسرحية قوية. وصرّح المدرب بأنه متفائل تماما بهذا النتاج الذي يتوقعه نصوصا مسرحية ناضجة ومدهشة.
وفي ختام الورش الثلاث قال علي إنه اتفق مع مازن الغرباوي على إصدار كتاب به مجموعة النصوص المؤلفة من قبل الورشة، واعدا الجميع بأن العام القادم سوف يتم توقيع هذا الكتاب.
وحرص الموسيقار كريم عرفه على توجيه الشكر للموسيقار السريلانكي مانيكام يوجيسفاران، مشيرا إلى أنهم عملوا لمدة ما يقرب من 18 ساعة على مدار 5 أيام، تم العمل خلالها على بعض السلالم الموسيقية الهندية والمقامات الشرقية، مطالبا الفنان والمخرج مازن الغرباوي رئيس المهرجان بأهمية استكمال ما بدأه مع المجموعة على مدار العام لحين استقبال دفعة جديدة، خلال الدورة القادمة، وهو ما قابله الغرباوي بالموافقة.
ومن جانبه قال المخرج الفلسطيني كامل الباشا: منذ 3 سنوات تدعوني إدارة المهرجان، وكنت أعتذر بسبب ارتباطي بجولات أجنبيه، ولكنني سعدت اليوم بمشاركتي في تقديم هذه الورشة مع هؤلاء الشباب، حيث عملت معهم على تقنية صعبة للممثل تحتاج إلى وقت طويل لإجادتها بغرض الوصول للصدق الفني.
 

 


عماد علواني - أحمد منير