الطقوس تفتقد روح ونوس

الطقوس تفتقد روح ونوس

العدد 523 صدر بتاريخ 4سبتمبر2017

قدمت مسرحية الطقوس المأخوذة عن نص الكاتب المسرحى السورى سعد الله ونوس على خشبة مسرح ميامى ضمن فاعليات المهرجان القومى وقد قدمتها فرقة “تياترو تجارة”، بدأت أحداث المسرحية بموال صوفى وحركات راقصة صوفية تشبه فى تكوينها حركات المتصوفين داخل حلقات الذكر، وقد تشابهت جميع ملابس الراقصين حيث ارتدى الجميع اللون الأبيض عدا الممثل الذى وقف في منتصف المسرح ، حيث ارتدى اللون الأخضر ليكون هو محور التركيز حيث إن اختلافه فى وسط التشابه جذب أنظار الجمهور, ومن السهل على المتفرج الذى قد سبق وقرأ نص ونوس أن يتنبأ أن هذا الممثل هو الذى سيلعب دور عبد الله وهو الذى سيتحول من لاهٍ محب للخمر والنساء لزاهد متصوف, أما من لم تتح له الفرصة لقراءة النص فقد افتقد العديد من التفاصيل ليس فى المحور الخاص بعبد الله، حيث إنه المحور الذى ركز عليه المخرج و الدراما تورج لإبرازه، وجعل جميع المحاور الأخرى تلتف حوله و هذا بالطبع لا ينقص من العرض شيء لأن المخرج من حقه إبراز وجهة نظره وتهميش محاور وإبراز أخرى حسب وجهة نظره ونصوص سعد الله ونوس تتيح تلك الفرصة للمخرجين لاحتوائها على الكثير من المحاور  والشخصيات العميقة ذات الأبعاد المتعددة.
أما عن التفاصيل التى افتقدها المشاهد الذى لم تتح له الفرصة لقراءة النص فهذه التفاصيل باختصار هى الإشارات و التحولات حيث إن جميع الشخصيات فى العرض تبدأ نفس البداية وتنتهى نفس النهاية التى كتبها ونوس، ولكن الوسط دائما مفقود فى جميع الشخصيات عدا شخصية عبد الله التى أبرزها المخرج على حساب باقى الشخصيات وحتى عبد الله لم يتم إظهار فترة تخبطه بين اللهو و الزهد إلى أن اختار الزهد ومراحل وصوله إليه
وقد قام المخرج بتغير النهاية حيث جعل النهاية هى أن قرارات المفتى تنفذ وأبيحت دماء “العاهرات” وأهمهم الماسة لتنقضى حياة الماسة رميا بالأحجار على خلاف نهاية النص الذى انتهت قصة الماسة فيه بأن قضت حياتها قتلا على يد أخيها وخلد اسمها عن طريق التجار الذين قاموا بتسمية كل العطور والبضائع على اسمها وهنا نرى أن هناك العديد من التفاصيل التى فقدت نتيجة لتغيير النهاية و نتيجة للتركيز على إظهار محور واحد فقط من محاور النص داخل العرض وأكثر الشخصيات التى تم فقد العديد من تفاصيلها وإلى حد كبير تسطيحها هما شخصية الماسة والمفتى, أغفل العديد من تفاصيل شخصية الماسة حيث لم يتم الإشارة بشكل معمق إلى دوافعها و لماذا أقدمت على هذا التحول الجذرى فى حياتها من مؤمنة إلى الماسة، بل تم اختصار كل تلك التفاصيل إلى رغبتها فى الانتقام من أبيها، والتى لم تكن هى محور تحول الشخصية فى النص و تم اختصار العديد من المونولوجات التى توضح فلسفة الماسة ورغبتها فى التحرر الكامل الذى يبدأ بالتحرر الجسدى لتظهر فى النهاية الماسة أمام الجمهور كفتاة لاهية سطحية تبحث عن متعتها مهما كلفها هذا من أفعال متهورة, و بالحديث عن شخصية الماسة لا يمكن أن نغفل عدم ملاءمة نادين أشرف الممثلة التى أدت دور الماسة جسديا للدور حيث إن مواصفاتها الجسدية لا تتناسب مع مواصفات الماسة فى النص، أما بقية الممثلين فكانوا متلائمين جسديا مع أدوارهم، ولكن فقدت من أدوارهم أيضا العديد من التفاصيل، فنرى أن علاقة المفتى بالماسة التى حذف منها الجزء الأخير، والذى يظهر فيه ضعف المفتى أمام الماسة و كسرة لكل فتاويه وأوامره من أجلها، وهنا يجعل العرض المفتى شخصية ثابتة لم تتغير فحتى رغبته فى الماسة أراد أن يقننها فى إطار شرعى حتى لا تؤذى هيبته أو مكانته أمام الناس، وينتهى العرض بالمفتى يقف قويا يصدر الفتاوى من فوق منصته فأين تحولات ونوس التى ظهرت جلية فى شخصية المفتى فى النص ؟
أما عن العفصة وعباس وعلاقتهم حيث ظهر العفصة فى النص مثلى الجنس، وتتطور علاقتة بصديقه عباس الذى لم يذكر اسمه فى العرض حيث تم استبداله باسم “أبو الفهد” الذى تم ذكره فى النص ولكن لم يستخدم كثيرا إلى حب من طرف العفصة ولهو وقضاء شهوة من طرف عباس، وقد ظهر هذا المحور خلال العرض ولكن لتحفظ الحركات الجسدية بين الممثلين، لم يتمكن الجمهور من فهم أن العلاقة بينهما تفوق الصداقة حيث أثار مشهد انتحار العفصة ذهن الجمهور ليفهم معظمه أن علاقة عباس والعفصة تتخطى مجرد الصداقة.
فى النهاية نستطيع القول أن النص احتفظ بجميع الخطوط العريضة للنص واحتفظ بجميع الشخصيات ولكن تركيزه على محور واحد و محاولة إبرازة فوق بقية المحاور جعل التيمة الرئيسية للنص تيمة المظهر والمخبر تتشوش ولا تصل للمشاهد بالشكل المطلوب، وأفقدت العرض روح نصوص سعد الله ونوس التى تتميز بكثرة التفاصيل الخاصة بكل شخصية ووضع عدة أبعاد للشخصية و عدم الاكتفاء بشخصية واحدة رئيسية فقط, ولكن فى النهاية يبقى العرض محاولة جيدة لعمل عرض مختلف.


هالة راضي