وداعا.. أحمد جنيدي كبير المسرح بالفيوم

وداعا.. أحمد جنيدي كبير المسرح بالفيوم

العدد 604 صدر بتاريخ 25مارس2019

بعد صراع مع المرض ، رحل عن عالمنا في 15مارس الحالي الفنان الفيومي الكبير أحمد جنيدي،  عن عمر يناهز 83 عاماً . أحمد جنيدي إبراهيم ولد عام 1936، تخرج من معهد المساحة، كانت بدايته عام 1946فى المرحلة الابتدائية مع مدرسة الأستاذ محمد عليش، ثم انضم لنادي الشبان المسلمين ثم رابطة التطبيقين ونادى الواى بمدرسه الأمريكان، ثم جمعية رمسيس، وبعد ذلك الجامعة الشعبية، الثقافة الجماهيرية حالياً.. شارك في تكوين أول فرقة للثقافة الجماهيرية بالفيوم عام 1967 وهي الفرقة القومية للفنون المسرحية، وكانت البداية بمسرحية (ولدنا من جديد) للمخرج سيد طليب وعرضت وقتها  على المسرح القومي، شارك في العديد من العروض المسرحية ممثلا ثم  مخرجا في بعض الأحيان. حصل علي العديد من الجوائز ،شارك في تأسيس جمعية رواد قصر ثقافة الفيوم وجمعية يوسف وهبي وظل رئيسا لمجلس إدارتها حتي وفاته.  
وعما يمثله الفنان الراحل لمسرحيي الفيوم ومسرح الثقافة الجماهيرية بشكل عام تحدث عدد من المسرحيين، من أبناء الفيوم، وهذه كلماتهم في وداعه  

 داعية مسرحي
أحمد جنيدي- رحمه الله – اقتربت منه منذ بداية عمله بالفرقة القومية، وشاركت معه في عدد كبير من العروض ، له العديد من الأعمال المسرحية القوية، وشارك في الكثير من المهرجانات وحصد الكثير من الجوائز.
كان يحب أن يفتح معي دائماً حوارات حول المسرح والنصوص المسرحية والمخرجين، وكان حريصاً دائماً علي استطلاع أراء من حوله، وكانت تحدث بيننا خلافات واختلافات في الرأي، أحياناً ، ولكن ذلك لم ينف عنه يوماً كونه  فنانا مخلصا وعاشقا للمسرح بدرجه كبيره.
أحمد جنيدي فنان منذ أكثر من 65 عاماً، إنه –بحق-  ليس مجرد ممثل أو مخرج مسرحي، إنما كان داعية مسرحي – إن جاز التعبير -، كان مهموماً دائماً بجذب المسرحيين، و كان عاشقاً مخلصاً، وفياً جداً للمسرح، حتي أخر لحظات حياته.
المخرج عزت زين

أبي أحمد جنيدي
 أبي أحمد جنيدي دائماً ما كان يذكر لي إنه يشاهد نفسه في، وان ما أقوم به من أدوار كان يقوم بها عندما كان في عمري، وكان كثيرا ما يحكي لي عن تجربته الشخصية حتي زواجه من الأستاذة فكريه لحبها لفن المسرح، وأنها كانت ممثله رائعة،  وقد احتوانا انا وزوجتي الفنانة جيهان رجب بطلة فرقة الفيوم القومية وكان السبب الأقوى في العلاقة العاطفية التي نشأت بيننا، وبكل الحب كان يحمينا ويحمي علاقتنا ويدفعنا إلى أن يكون حب الفرقة والعمل بها جزء من مشاعرنا ، و كان يحمل أبنائنا بين يديه في كواليس المسرح وهم رضع، حتى نتفرغ لأداء أدوارنا. ودائما ما كان يغضب حين يحاول البعض إفساد ما بيننا فيقول (محمود عبد المعطي ابني والداخل بينا خارج) لا أنس يوم انفعلت في المسرح وخرجت عن شعوري وغضب مني فبكيت بين يديه وانا أقبلهما وسبقته دموعه وهو يقول لي ( إلا أنت . انت سندي وانا سندك . انت ابني وانا أبوك ) عليك رحمة الله يا من علمتنا كيف يكون الانتماء والولاء والإخلاص.. علمني ان أدافع عن حقوق الفرقة وان الفنان إن لم يكن صاحب موقف ورسالة فهو ليس بفنان .. أحمد جنيدي الفنان الذي دفن ولده وحرص على تقديم العرض للجمهور بدلا من تقبل العزاء.. علمني أن المخرج المغترب ضيف على الفرقة وقد حضر لخدمتها فيجب أن تكون بيوتنا مفتوحة لضيافته وإكرامه. علمني أن فن المسرح عطاء لا ينقطع والعمل فيه يجب أن يكون أساسه الحب . فهذا الممثل العملاق كان أول من رشحني لأدوار البطولة وساندني ونقل إلى خبرة سنوات عمره بكل الحب والإخلاص وكان يسعد بالجائزة التي أحصل عليها بمشاعر الأب والمعلم.
عليه رحمة الله كان المسرح هو ما يبقيه حيا كما ذكر لي صراحة ، عمره 84 عاما ولا يزال ينتظر دوره الجديد الذي سيؤديه في العرض القادم.. فضل الحياة وحيدا على أن يعيش بقية عمره بعيدا عن حياته الفنية.
شهد المخرج الشهير خيري بشارة بأنه ممثل عملاق، ويشهد الله يا أبانا ومعلمنا انك بعثت فينا روحا دافئة بالفن والإبداع، أحييت فينا الإنسانية وعلمتنا أن الفنان الصادق إنسان مبدع.
عرفته  حينما حضر  منذ ثلاثين عاما إلي مديرية مسرح التربية والتعليم بمحافظة الفيوم، حين أبلغه المقربون منه بضرورة حضوره كي يشاهد أحمد جنيدي الصغير في عرض السلطان الحائر . هكذا قال لي وانا بين أحضانه يخبرني بضرورة مقابلته بقصر الثقافة كي أنضم إلى الفرقة القومية التي كان يحمل مشاكلها على عاتقه . وظل كبير هذه الفرقة وأباها الروحي إلى اليوم الأخير وقد خرج من البروفة يربت على كتفي ويقول لي ( أنت ابني ) وأوصاني بالفرقة وما حاول طيلة سنوات طوال أن يزرعه داخل أعضائها، من الاحترام والاهتمام والانتماء والوفاء . وظل ليومه الأخير رافضا الراحة رغم مرضه الشديد .. بكل إصرار يحفظ دوره ويؤديه كما لو كان شابا أصغر سنا منا جميعاً ولكن بخبرة السنين يمتعنا بأدائه الراقي ويبهر الحضور جميعا بسيل من المشاعر وصوت يغلفه إحساس ممثل ومبدع قدير وكأنه يعطينا آخر درس في فن الأداء ويرحل عنا ليدخل العناية المركزة خمسة عشر يوما، ويفارقنا ويترك لنا روحه تدفع الصغير قبل الكبير إلي احترام فن المسرح.
ألا يستحق هذا الفنان الذي أعطي ستين عاما من عمره دون ملل أو كلل، أن يكرم بعد وفاته بأن يطلق اسمه على الفرقة التي أهداها أجمل سنوات عمره!.
الفنان محمود عبد المعطي

القدوة والعاشق المخلص
احمد جنيدي الصديق العزيز والغالي الذي افتقدناه وافتقدته قومية الفيوم التي شارك في تأسيسها معنا، كان أخا كبيراً لنا نحن الذين شاركناه في رحلته مع المسرح ورحلته في تأسيس فرقة الفيوم المسرحية التي قاربت الخمسين عاما وأكثر، كان فيها أبا ومعلما للشباب الذين ينضمون للفرقة في ذلك الوقت، كان يحب المسرح ويعشقه ويتفانى في هذا العشق ويضحى من اجله،
ومن المواقف الخالدة للراحل احمد جنيدي، أن توفى ابنه الصغير مروان في العاشرة من عمره إثر حادث وهو ذاهب إلى مدرسته الابتدائية، وكانت فرقة الفيوم المسرحية في ذلك الوقت قد صعدت لتصفيات المرحلة الأولى لمهرجان فرق الأقاليم الذي أقيم في أسيوط، كنا ننوى الاعتذار عن السفر لى لكنه أصر على السفر في اليوم التالي، بعد ان وارى ابنه التراب، وسافرنا بعرض “بلغني أيها الملك” من إخراج الفنان اميل جرجس، وصعدت الفرقة إلى المرحلة النهائية في بور سعيد، وحصلنا انا وهو على جائزتين في هذا المهرجان.
 هكذا كان احمد جنيدي .. الفنان الذي أفنى حياته عاشقا للمسرح .. الفنان المحب للمسرح الذي نتخذه نحن الفيوميون من عشاق المسرح شيوخا وشبابا قدوة لنا رحم الله كبير مسرحيي الفيوم وشيخ فنانيها الأول احمد جنيدي واسكنه فسيح جناته وغفر له.
الفنان محمد طرفاية

أكاديمية فنية تمشي على قدمين
 لم يكن الفنان أحمد جنيدي خريج أكاديمية فنية، لكنه كان اكاديميه فنية  تمشي على قدمين ، بدون أي مبالغة،  إدراكه لمفردات الممثل وإمكاناته في حقبة الفن الحقيقي، حقبة الستينات جعلت منه مدرسة في فن التمثيل.
 لم يكن يقل في قيمته وثقافته وموهبته عن الأخوان غيث،  ومحمود المليجي وغيرهم، علمنا الالتزام والقراءة وكان مرجعا للنصوص المسرحية. كان المسرح بالنسبة له هو الحياة ، وكان يتمنى ان تنتهي حياته على خشبة المسرح، هو من أسس فرقة الفيوم المسرحية وجعل منها الفرقة القومية المسرحية و من أسس جمعية يوسف وهبي للفنون المسرحية التي اخرج لها العديد من الأعمال التي كانت دائما ما تحصد المركز الأول لسنوات عديدة.
كان يحمل على عاتقه الحركة المسرحية في الفيوم وكان يحمس الشباب للمسرح و يلتقط كل من يرى فيه الموهبة.. لقد أتى بأغلب نجوم الفيوم ممن ليس لهم علاقة بالمسرح، كنا ونحن شباباً بصدد إنشاء فرقة نادي المسرح بالفيوم في الثمانينات نتدرب على المناهج في تدريب إعداد الممثل ومحاولة إيجاد هوية مسرحية بعيدا عن مسرح العلبة. وكان يقول لنا ( اللي عايز  يتعلم مسرح يتفرج على مسرح كتير ويقرأ كتير. إنما اللي بتعملوه مش تجريب مسرحي  ده اسمه تخريب مسرحي هههههههههه، تعالى ياد انت هو اشتغلوا معانا في الفرقة وسيبكم من اللي بتعملوه ده) وكنا نسمع ممن سبقونا من عمالقة الفيوم كيف كانوا يتمنون الوقوف على خشبة المسرح بجوار هذا الرجل. وحتى أخر عمل للفرقة القومية كان جنيدي  متواجداً ،يدافع عن الفرقة بكل استماتة. كل مخرجي الثقافة لم يضيفوا شيئاً لأحمد جنيدي بل كان هو من يضيف إليهم. كان هو الفنان. العملاق. غول المسرح. عاشق المسرح. نعم هذا هو لقبه عاشق المسرح واتمني ان يطلق على فرقة الفيوم اسم فرقة احمد جنيدي المسرحية بالفيوم لأنه يستحقها عن جداره.
الفنان عصام يوسف

ظاهرة مسرحية يصعب تكرارها!
“جنِّش العاشق المعشوق”.. كان احمد جنيدي الشهير “بجنش” عاشقاً حقيقياً للمسرح، لا يستطيع البعد عنه ولا يتخيل فراقه.. أعطى للمسرح سنين عمره وأعطاه المسرح عشق جمهوره له فأصبح وبحق العاشق المعشوق. كان أخا وأبا وصديقا لكل المسرحيين في أي مكان ..مفتاح دخولك إلى قلبه ان تكون” مسرحجى” فقط. تلك هي شجره جنش الحقيقية. أواصر الصداقة والأخوة ترتبط بمدى حبك للمسرح.
  شارك معي في كل مسرحياتي في الفيوم، واعتقد انه شارك مع كل المخرجين اللذين قاموا بالإخراج في الموقع، فلا اعتقد ان هناك عمل مسرحي لم يشارك فيه، على مدى عمره كله.
كان لا يطيق الابتعاد عن المسرح، حتى انه كان ان انتهى من البروفة لا يغادر محيط المنطقة  قهوة القللي الملاصقة للمسرح كانت هي بيته الثاني بعد المسرح، والحريف أحيانا،  وكان  دائماً اما ممثلاً مخرجاً أو متحدثاً عن المسرح، لا شغل ولا شاغل له إلا المسرح، كان بحق ظاهرة مسرحية نادر تكرارها، يتغذى علي المسرح ويقضي به يومه كاملاً، لا أستطيع أن اصف مدي حبه وتعلقه وإخلاصه وإدمانه للمسرح بأي كلمه سوي إنه بحق العاشق المعشوق.
المخرج أحمد البنهاوي  

موت كل ما هو جميل
بموت احمد جنيدي ماتت كل الأشياء الجميلة في المسرح بالنسبة لي، هذه هي  الحقيقة.
 لم يكن استأذنا أحمد جنيدي فنان مبدع وزميل داخل الفرقة، بل كان أب وسند وقوه بالنسبة لي  على الخشبة، لن أنسى روحه الجميلة  أثناء البروفات التي كانت تدعم روح العمل. لن أنسى تشجيعه الدائم لي  طوال عملي معه ، ما يقرب من عشرين عاما لم أقف على الخشبة بدونه ، كان دائماً يقول لي قبل كل عرض (عايزك تاخدي جايزه ممثله أولى، الثقافة الجماهيرية ما فيهاش غير جيهان رجب واحده) يمكن انا أكثر ممثلة  في الفرقة عملت معه ، في جميع عروضنا تجمعنا مشاهد واحده، و كان هذا من حسن حظي لأنه كان يضيف لي إضافه عظيمه بتوجيهاته وبأدائه الرائع.
(.انا عمرى مابكيت على شخص فى حياتي بعد ابويا سوى عمى أحمد، رحيله كسر جوايا حاجه كبيره قوى، كنت دايماً أقوله يوم ما تبطل تمثيل انا كمان مش هقف على خشبه المسرح، مش هاعرف اشتغل من غيرك)..كان يضحك ويقول لي ( ربنا يخليكى ليّ يابنتى) ذلك العملاق فنا وروحا .
“ كان أول ممثل في الفرقة يحضر إلى البروفة، وكان دائما يقول “عمري ماهبطل فن لغاية آخر نفس فيّ”  وكان يحفظ دوره قبل الجميع ، إلى آخر بروفه له قبل وفاته ، وقد أبهرنا بأدائه الراسخ الرائع كالعادة حتى وهو مريض.
رحم الله الضحكة الجميلة والروح الطيبة والفنان الرائع من  أضاف للفرقة ولكل ممثل فيها.  
الفنانة چيهان رجب

طاووس خشبة المسرح
تعرفت على الفنان أحمد جنيدي من18 سنه، وشاركت معه في 7 عروض مسرحية، هو الأب الروحي لكل المسرحيين، وأول مؤسسي الفرقة القومية، من  كل أدواره كنا نتعلم حاجه جديدة ، إنما في عرض اشتغلته معاه اسمه “اللى فيه الروح يغنى” إخراج ياسين الضوي كان الأستاذ بيلعب دور أيوب في ملحمة أيوب وناعسة فكان عبقري، رغم ان سنه كان اكبر من الدور و لم نشعر الفرق ، كانت اللياقة من أهم  مميزاته كممثل،  عشان كده  كنا بنسميه طاووس الخشبة لأنه كان دايما بيجمل حركته بشكل رائع ومشيته، مش مخشب بالعكس سلس وجميل كطاووس.
ورغم اختلاف الأجيال وانه كان بيعتز بالتمثيل الكلاسيكي الجميل إلا انه لم يكن هناك اختلاف بينا وبينه، كان دايما متواصل معانا ومع تمثيلنا الحديث.. أما علي المستوي الشخصي فدايما كنت آخد رأيه في كل أمور حياتي حتى أكثر التفاصيل خصوصية ، وكان دايماً واثق فيّ كممثل وداعم لي بشكل كبير، كان فناناً عظيماً عبقرياً وله تاريخ كبير وعظيم، رحمه الله.
أسامة الغمري  


ماريان سامى