العدد 598 صدر بتاريخ 11فبراير2019
رحل الفنان والمخرج المسرحي محمد أبو السعود في صمت، بعد معاناة شديدة لم تكن فقط مع المرض، وإنما من أجل أن يوصل رسالته وإبداعه إلى الناس، وهو الذي وصفه زملاؤه وأصدقاؤه بالفنان حتى النخاع، الذي لا يهدأ ولا يكف عن التفكير في الإبداع.. وطالما حلم بتقديم المسرح الذي يريده. أبو السعود من أبرز المخرجين المستقلين الذين برزوا في مطلع التسعينات، ليقدم مسرحا مختلفا له خصوصيته على مستوى الصورة والتكنيك، كما كان قادرا على التقاط التفاصيل واقتناص لحظات الإبداع. قدم المخرج الراحل محمد أبو السعود الكثير من الأعمال أبرزها: “الملك لير” مع الفنان الراحل خالد صالح و«أحلام شقية» للكاتب سعد الله ونوس، و«اأتيجوني في رام الله» و«أنتيجوني في بيروت» و«الأيام الخوالي» و«ماما أفريقيا».
محمد أبو السعود وافته المنية الأسبوع الماضي وكان لخبر وفاته وقع الصدمة بالنسبة لكل من عرفه، فتحول موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» إلى سرادق عزاء، ومنه حصلنا على هذه التدوينات الخاصة التي تنعي المخرج الراحل..
متولي حامد: في عالم لا يعرف الاضطهاد قد يتحقق حلمك يا صديقي
بدأت علاقتي بالمخرج محمد أبو السعود في مطلع التسعينات وكانت قبلتنا وقتها مركز الهناجر للفنون، كنت حينها أقدم نصي الآخر بالتعاون مع المركز الثقافي الإسباني. كنت أراه لا يهدأ، يتحرك كثيرا داخل أرض الأوبرا بابتسامته الجادة التي كانت لا تفارقه، وكان نحيلا ولكنه كجبل يحمل بداخله آمال وطموحات المسرح الذي كان ينشده.. تعرف كل منا على الآخر، خصوصا بعد عرضه «الأيام الخوالي».. أحببت تقديمه للعرض وظهر ذلك بشدة عندما قمت بإعادة هذا النص وأضفت إليه الكثير ليواكب ما كتبه هارولد بنتر وعرض على مسرح الشباب، وعندما رآه ابتسم لي قائلا: انت عنيد.. تجاذبنا الأحاديث كثيرا بعدما قدم أحلام شقية للراحل سعد الله ونوس.. كان جريئا في التصدي لمسرح يعري المجتمع فسمى فرقته المستقلة «الشظية والاقتراب» ليعبر الاسم عن الخوض المباشر في صميم الواقع بجرأة كان يخافها الكثير من أبناء جيلنا، فكان له السبق، وكان له طموحات يخفيها دائما خلف ابتسامته.
تواعدنا على لقاء فني ولكن كنت دائما أداعبه بأنه يحب الكتابة فلن يحتاج إلي، وبالفعل محمد أبو السعود حصل على جوائز في التأليف المسرحي. أبو السعود من أبناء جيلي الذي تحدى وحده الواقع المسرحي.. تألمت لاختفائه المفاجئ عن الساحة فعرفت أنه قد ذاق مرارة الاضطهاد وهناك من يريد أن يسلب منه حلمه، فآثر الصمت ولكن ظل حلمه يختفي بين جنبات صدره.. أعتبره مخرحا جريئا قدم مسرحه في لحظات تقلبات سياسية عظيمة شهدتها التسعينات، تصدى لها بشكل مختلف وإبداع له تقنيات كانت في وقتها جديدة على السمع والبصر.. محمد أبو السعود كان لا يهتم بعزله عن المسرح بصورة تشبه الراحل منصور محمد لأن أحلامه لم تتوقف يوما حتى قبل رحيله الصادم.. في النهاية سيظل مسرحه مهما في لحظة فارقة حتى يأتي من بعده من يستكمل حلمه.
ومن هنا أدعو مركز الهناجر للفنون بتوثيق رحلة الراحل محمد أبو السعود وكذلك المركز القومي للمسرح كواحد ممن أثروا هذا المسرح الذي شكل وجداننا جميعا.. لن أقول وداعا للصديق المبدع لأنه باق ببقاء إبداعه المختلف ولكن أقول له: قد يتحقق حلمك في عالم لا نعرفه.. عالم لا يعرف الاضطهاد لا يعرف النكران.. ويظل إبداعك محفورا في ذاكرة المسرح المصري بكلمات من نور.
عبد الناصر حنفي: أهم من أفرزتهم الثقافة المصرية
أبو السعود كان ابن حركتين «راديكاليتين» يعدان من أهم ما أفرزته الثقافة المصرية خلال الربع قرن الأخير، أولهما هو تيار «المسرح الحر» الذي كان واحدا من أهم موجات ظاهرة مسرح الهواة التي تفجرت بصورة مدهشة مع بداية التسعينات، وهذا التيار كان عنده نظرة راديكالية - غير مسبوقة - حول العلاقة بالمؤسسة الإنتاجية «الرسمية» تشكك في قدرتها على قيادة الحركة المسرحية وتنازع – وليس تعارض فقط - هيمنتها غير المشروعة وغير المبررة، وتطالب بحصة عادلة من إنفاق الدولة على المسرح، بخلاف سقف جمالي مختلف ومتفاوت في عمقه وارتفاعه من مجموعة إلى أخرى.
وهذه السمات جعلت أبو السعود في مشواره مع مسرح الهناجر يتعامل بمنطق الند الذي لا ينحني أمام سطوة المؤسسة، ولا ينصاع “لكتالوجها”.
أما الحركة الثانية فهي مجموعة شعراء التسعينات، الذين كانوا رياحا مختلفة تمر على الثقافة المصرية، وكان لديهم نظرة راديكالية تجاه المؤسسة الشعرية والجمالية والفكرية ولكنها قد تكون الأقل عنفا وتنازعا مقابل من سبقهم، لأنهم لم يكونوا مهتمين بأن يكسروا أو يحاربوا ثوابت بقدر اهتمامهم بأنهم يكونوا قادرين على المرور من جنبها حتى يذهبوا لمنطقة أخرى من المفترض أنها أبعد من التي تسمح بما يُرى، وهذا الرافد جعل أبو السعود لديه عمق وهدوء فكري مكتف بنفسه التي كانت محاطة بنسيج ثقافي من نوع لا يتم صرفه كثيرا لمخرجي المسرح.
خالد الصاوي: عزيت حيطان الهناجر وبكيت في حضن العامود
هو من أميز كوادر المسرح الحر والهناجر من مطلع التسعينات بعروضه المتمردة وفرقته الدءوبة (الشظية والاقتراب) واسمها يشير لفلسفتها الخاصة بضرورة مواجهة الناس بعرض متمرد صادم يكون كالشظية التي توقظ البدن من سباته، على أن يتبع ذلك عرض متمرد ناعم بهدف الاقتراب من الناس.. ولعل بعد المنازعة تأتي حلاوة الروح بحياة جديدة بها تحرر وكرامة، وقد تشرفت وتمتعت تمثيليا بتجربتين معه من أدب المسرح العالمي هما “الأيام الخوالي” و”ساحرات سالم” من إخراجه بالهناجر (بيتنا المسرحي) وبدعم من الأم الروحية لجيلنا السيدة العظيمة د. هدى وصفي، وبصبر وحكمة من معالي وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني الذي تحمل تمرد جيلنا وقدم لنا ما كان بوسعه منعه عنا، فكان أكثر نبلا من كل السلطويين المتسلطين، وهي كلمة حق في عنقي.
“عزيت حيطان الهناجر، وبكيت في حضن العامود
نزلت علينا الستاير ورأينا روحه في صعود
دايره علينا الدواير. الرحمة لأبو السعود
من دور أخويا الصغير لدور أخويا الكبير
يكتب ويخرج.. يحيّر! من يومه حر وخطير
اكترنا عزّل وغيّر.. وهو ناسك.. أسير
بعزّي كل الخوالي.. أيام، ليالي، شبابنا
وعزائي كونه في علالي. ويا بهائي وصحابنا
سلام - مؤقت - يا غالي دي الشظية، بكره اقترابنا”.
د.هدى وصفي: ذكي القلب والعقل
المخرج محمد أبو السعود من ألمع المخرجين الذين عملوا في الهناجر.. كانت له قدرات خارقة في التقاط التفاصيل الدقيقة، وكان دائما يحلم ويظل وراء حلمه لمدة طويلة وهو فنان حتى النخاع لم يكن لديه توازنات، فكان فنه هو شاغله الشاغل. كان يقتنص اللحظات الفنية ويتعذب حتى يستطيع أن يصل بها للمتلقي، فقد كان رسولا للفن، يبحث بشكل دقيق ويتمتع بذكاء القلب والعقل وكان محبوبا وسط أبناء جيله رحمه الله.
عبير علي: الاحتفاء بعد الموت!
محمد أبو السعود كان من المخرجين القلائل الذين يدهشوني، يفاجئني ويشعرني بالدهشة عندما أشاهد أعماله، فهو دائما يقدم أشياء غير متوقعة والصورة التي يقدمها في مسرحه ممتعة ولها جمالياتها، فهو يعد نموذجا مختلفا للمخرجين، لما يقدمه من قراءات جديدة على مستوى الصورة والتكنيك وما يقدمه من متعة، لا يسعني سوى أن أقول: مع السلامة يا محمد وإذا رحلت فجماليات أعمالك حاضرة. وأخيرا، أنا مستفزة كثيرا من غربتنا ونحن أحياء والاحتفاء بنا بعد موتنا.
أكرم مصطفى: الموت إحباطا
هناك جيل يموت ويحترق من الإحباط وعدم التحقق، ومحمد أبو السعود مثال واضح لذلك، وقد كان أول لقاء بيني والمخرج الراحل أثناء تقديمه عرضا لمسرح الشباب وكنت في ذلك الوقت رئيسا للأقسام الفنية، واقتربت منه وكنت دائما أسمع أن أبو السعود فنان مهم ومن أعلام جيلنا.. الحقيقة أنني حزين حزنا شديدا على الفنان الراحل ولكن الأزمة الحقيقية في أن هناك جيلا كاملا يحترق ولا أجد لفظا أو تعبيرا يعبر عما بداخلي سوى أن أقول إنه العقد الذي ينفرط في جيل كان من المفترض أن يقدم شيئا مهما ولكن الإحباط جعله يخفق، والمخرج محمد أبو السعود يعد مثالا صارخا على مأساة جيل كامل من المبدعين.
صبري فواز: أحلام ومشاريع فنية
“مافيش مرة قابلت فيها محمد أبو السعود إلا أما يحكي لي عن أحلام ومشاريع فنية نفسه ينفذها.. وإحنا اتقابلنا كتير جدا.. وكل مرة أحلام ومشاريع غير اللي قبلها.. الله يرحمك يا محمد”.
رشا عبد المنعم: المسكون بالمسرح
كان فنانا حقيقيا وكان دائما مهموما بفنه... في يوم، عقب تحقيق صحفي نشر عن مركز الهناجر، استدعاني أستاذي د. جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، واستدعى محمد أبو السعود وطارق الدويري لمكتبه، وعقد اجتماعا بيننا ود. أماني يوسف مديرة الهناجر ود. سيد خاطر رئيس قطاع الإنتاج، حينها؛ وكان يريد أن يشكل منا مجلس إدارة أو مجلس أمناء للهناجر، الأمر الذي لاقى معارضة شديدة من المسئولين، لكنه لم يكن العائق الحقيقي إذا وضعنا في الاعتبار إصرار ورؤية وزير الثقافة، ما أفسد الأمر حينها هو أن أبو السعود تضمن كلامه أنه غير معني بكل هذا، وإن كل همه وغايته أنه يعمل مسرحيته، مكان بروفات ومكان للعرض وإنتاج بسيط وهو يكمل من جيبه. لم أستغرب رفضه أن يبقى جزءا من كيان إداري لأنني أدرك أنه لا يتناسب مع مشروع أبو السعود ورؤيته في الحياة، ولكنني كنت مذهولة أن مخرج بتاريخ وموهبة أبو السعود (وكان لسه واخد جايزة ساويرس) كان لديه استعداد أن يصرف من جيبه وأن يقوم بصرف فلوس جايزة قد تكون هي كل ما يملك وذلك حتى يقدم مسرحيته.
الحكاية للتاريخ
هاني المتناوي: ثورة جمالية
أنعي ببالغ الحزن المخرج محمد أبو السعود، أستاذ المسرح الحديث الذي خرج عن القالب التقليدي بتجارب فريدة، الذي يعد من أعظم المخرجين المعاصرين، وقد ابتكر أشكالا جديدة لتقديم المسرح في كل مكان، وقدم ثورة جمالية للمسرح المصري، فكان متمكنا من السينوغرافيا والمشهد والصورة، وقدم الكثير من المسرحيات لكتاب عالميين، كما كان جريئا وكاتبا مسرحيا واعدا.
حازم شبل: مبدع ومتميز
كان فنان مسرح حقيقيا، مبدعا ومتميزا جدا، أعماله قليلة ولكنها مميزة جدا، ربنا يرحمه ويغفر له.. كنت أكن له الكثير من التقدير والاحترام.
تامر كرم: المخرج المسرحي الموهوب
«إنا لله وأنا إليه راجعون، بقلب يعتصره الكثير من الألم أنعي الصديق المخرج المسرحي الموهوب محمد أبو السعود الذي رحل عن عالمنا في ريعان شبابه.. ربنا يرحمك ويسكنك فسيح جناته».
حمادة شوشة: الفنان الغاضب لأجل الآخر الثائر المتمرد خفيف الروح والظل
قال الفنان حمادة شوشة واصفاً المبدع الراحل محمد أبو السعود بقوله “ الفنان الغاضب لأجل الآخر الثائر المتمرد خفيف الروح والظل
، شاركت معه كممثل ف أعمال، “ساحرات سالم”، “لير”، وأعمال أخرى، كنت أحب حديثه عن المسرح والزملاء، وأعماله الإبداعية، فهو رجل مسرح يحب عمله وغنسان طيب، كان يقوم بالتحضير لفيلم عني ولن أنسى أيام الثورة حينما كنا نعدو وسط الناس بنصورهم وبنشاركهم ذكريات جميلة “
فهد إبراهيم: رحم الله أبو السعود
“من زمان و أنا أسمع عن محمد أبو السعود ... عملاق مسرح الهناجر أبوجنبين ... قالّ لى شادي الدالي و تامر رجب و سيد عبد الخالق و محمد حفظي و غيرهم كتير .. حكايات كتير عن لوحاته المسرحية و التشكيلية و عن دماغه التقيلة اوي و قوته و جرأته و انه من الأسامي القلائل اللي كانوا بيعرفوا فعلا يستخدموا مسرح الهناجر بجانبي خشبته أيام ما كانت الخشبة العظيمة ذات جانبين للرؤية، غضافة لترجمته عدداً من النصوص الأجنبية وإبداعاته الشخصية من نصوص، وفنه التشكيلي الذى يحوي لوحات تصنع معارضا فنية،
كان أبو السعود سينوغراف شاطر و متجدد وكشاف مواهب، بقدر ما عمل مع عمالقة المسرح و علي رأسهم خالد صالح رحمة الله عليه و حتى الشاب الطموح الموهوب الذى كان يقضي نصف وقته في القطار من و إلى القاهرة يوميا، ليتدرب في بروفة مع محمد أبو السعود علي نفس الخشبة ... خشبة مسرح الهناجر
قابلت محمد ابو السعود في فطار أخر يوم في رحلتنا في الجزائر 2017 للمهرجان العربي في وهران في الاوتيل، كان يحكي عن عرضه الجديد .. “أفريقيا ـأمي” لمحمد حفظي وقصة البروفات الطويلة بكل الأماكن التى تصلح بالقاهرة وأنه على استعداد لافتتاح العرض ولكن بسبب تأجيل العرض لأكثر من مرة لظروف انتاجية كان الممثلون يتسربون من العرض، لدرجة أن أغلب الممثلين المسرحيين الشباب في القاهرة في الفترة دي شاركوا بالعرض ثم اعتذروا، كان ابو السعود يتحدث عن حاجته لثلاثة او أربعة ممثلين وهنا ذهبت إليه وقابلته، لأول وأعطانى نصا كبير الحجم، وفضّل أن يحكي القصة في البداية قبل أن أقرأ، وبتفاصيل التنفيذ، لم افهم في البداية الغرض من ذلك، وفهمت بعجها أنه لن يستطيع أن أن يخرج كل تلك التفاصيل علي الخشبة بسبب صعوبة ظروف العرض الإنتاجية، والأغرب بالنسبة لي الصورة التي كان يتحدث عنها، أبو السعود والتى كانت صورة المستوي المسرحي المفترض للمسرح المصري في 2017 ، والذتى لم تكن كما كان يريد بل يبعد كثيرا عما أراد.
كان قد ألف عرضا موسيقيا غنائيا استعراضيا كبيرا و أعتقد لولا اختياره الواثق لباهر بيكا المثابر و الذى تحمل مسئولية العرض موسيقيا حتي مع التقلب المزاجي لأبو السعود لك يكن العرض ليخرج للنور، لكنه كان تحديا لنا جميعاً، فكانت البروفات في رمضان وكنا نضطر للبيات في المسرح لننهي تفاصيل العرض قبل الافتتاح، ون بينها تفاصيل الديكور والإضاءة، واستمررنا في تطوير العرض حتى ما بعد الافتتاح، وحتى آخر ليلة عرض، والغريب أنه لم يهدأ بالعكس، كان يتحدث عن مشروع جديد بعد أسبوع واحد من آخر ليلة عرض، و كان رحمة الله عليه مقاتل و مؤمن بعقله و فكره و بقدراته، كانت التجحربة معه بالفعل تحقيق لكل الحكاوي و الأساطير التي كنت أسمعها عن تاريخه الله يرحمك يا أبو السعود .
ياسر علام
سأعرض عن حديث لن يسترعي انتباهك أيها الملول،
وبالتالي لن أتطرق لوقائع يسميها من شاء مرضك أو وفاتك،
فبالنسبة لك ستبدو تلك الأشياء عابرة،
لن تستحق الوقوف عندها مهما حاول أحدهم إدعاء العكس.
قد تشفق على المتحدث وحماسه لما يقول فتستمع وعينيك زائغتين خارج نطاق عالم يضمكما ولو بعض حين.
كيف لامرئ أن يسترعي اهتمامك؟!
يحدثك عن الفن؟!
الكلمة الملعونة التي كم استعبدت من حررت.
وهل يصلح أن يسمى فنًا بالنسبة لك إلا مخلوق مكتمل فور انبثاقه!
لن تستمع لمؤلف يحدثك عن نص ما دامت الصور غائبة عن حكيه..،
لن تفهم عن مخرج شرحه للغة الحركية التي ينوى أن يدفع إليها ممثليه ما دامت الفلسفة غائبة عن شرحه..،
لن تقبل سينوجراف يريك مجسمات للكتل التي ستحتل مشهده ما دامت الفراغات لم تحضر في سرده..،
لا الأشخاص ولا الأفكار ولا الأشياء ولا الأجسام ولا الأرواح ولا الألوان تنعم بوجود مستقل منتهي في عالمك يا صاحبي.
إنها ذات صلة تستدعي بعضها بعض، وتخبرك بأسرارها لأنك تنصت لها، وتراها من حيث لا تتمثل في ظاهر وجودها كما يسمعها البشر ويرونها ويتذوقونها ويشمونها بحواسهم الاعتيادية.
يومًا ما في عرضك “انتيجون في رام الله” سمعت صليل مسايفة مسعورة بين إخوة أبناء دم واحد ملعون، أكانت صادرة حقًا عن خشبة المسرح؟! حية لم يفلترها جهاز نقل للصوت؟! أو إعادة بث عبر مكبرات للصوت؟! صنعت أصوات السيوف المتناحرة حس المأساة التي عايشتها.
أي إبداع في أن نرى المتحاربين رؤيا العين في الوقت الذي تدور فيه الأحداث بعد أن أجهز كلا منهما على أخيه؟!
مأساة أنتيجون هي مأساة تنبثق في لحظة الفقد المشبوب، أخ استعان بقوى الخارج في محاولة نوال استحقاق، والمستبد الوطني القافز على الشرعية يحمي بلاده من ذلك المستعين بشرعية خارجية وأجندات أجنبية،
والمرار مستعر قتل هذا ذاك وذاك هذا،
وأعلن الحاكم الذي لم ولن يجف حبر مرسوم تعيينه، أن أحدهما يدفن والثاني حرام عليه الدفن،
وأنتيجون تأب إلا عدم الامتثال.
أي إبداع في أن نرى انتيجون دون أن نعايش هذا الحاضر أبدًا في وجدانها؟!
سمعنا صليل السيوف حيًا دون أن نرى المقتولين القتلة، من أين نبع الصوت، كانت سلسلة معدنية يجلس أحدهم في أحد أركان المسرح ويدعها لتنسدل فوق بعضها بعضها بإيقاع معين فتحدث الصدى والتأثير المطلوب.
كيف عرفت أن هذا الصوت قادر على إنتاج ذاك؟!
لا الأشخاص ولا الأفكار ولا الأشياء ولا الأجسام ولا الأرواح ولا الألوان تنعم بوجود مستقل منتهي في عالمك.
إنها ذات صلة تستدعي بعضها بعض، وتخبرك بأسرارها لأنك تنصت لها، وتراها من حيث لا تتمثل في ظاهر وجودها كما يسمعها البشر ويرونها ويتذوقونها ويشمونها بحواسهم الاعتيادية.
لن تقبل سينوجراف يريك مجسمات للكتل التي ستحتل مشهده ما دامت الفراغات لم تحضر في سرده..،
لن تفهم عن مخرج شرحه للغة الحركية التي ينوى أن يدفع إليها ممثليه ما دامت الفلسفة غائبة عن شرحه..،
لن تستمع لمؤلف يحدثك عن نص ما دامت الصور غائبة عن حكيه..،
هلا عرفتم ماذا فقدتم؟!
وماذا نفتقد؟!