صفاء البيلي: هناك فراغات كثيرة على الخشبة والعرض يلائمه أكثر التقديم في قاعة

صفاء البيلي: هناك فراغات كثيرة على الخشبة والعرض يلائمه أكثر التقديم في قاعة

العدد 598 صدر بتاريخ 11فبراير2019

ضمن الندوات النقدية التي ينظمها المركز القومي للمسرح والفنون الشعبية برئاسة الفنان القدير ياسر صادق، أقيمت الأسبوع قبل الماضي ندوة نقدية لمناقشة العرض المسرحي «شهد الصبار» من إنتاج فرقة المسرح الحديث، تحدث فيها من النقاد صفاء البيلي وباسم عادل إلى جانب صناع العمل، وأدار الندوة الباحث علي داود.
«شهد الصبار» عرض مسرحي من إنتاج فرقة المسرح الحديث تدور أحداثه حول امرأة من الصعيد يعود ابنها من رحلة علم استغرقت سنوات في العاصمة، فتطلب منه أن يأخذ بثأر والده من قاتله، فيرفض الشاب ويبدأ رحلة جديدة من الصراع بين العلم والجهل.
أشارت الناقدة صفاء البيلي إلى مسرح المواجهة الذي أنشيء في مايو 2018 في المسرح المصري ليكون على أهبة الاستعداد لمواجهة المخاطر التي تهدد المجتمع. وقالت إن مسرح المواجهة ليس وليد اللحظة فهو موجود بالفعل في مصر من العقد السادس من القرن الماضي وكان يسمى بالمسرح (التوعوي)، وإن كانت ترى أن المسرح بصفة عامة لا بد أن يكون توعويا بغض النظر عن نوع المواضيع التي يقدمها.
وعن نص “شهد الصبار” للمؤلف علي أبو سالم، عقدت البيلي بعض المقارنات بينه ونص «أغنية الموت» لتوفيق الحكيم الذي ترجم إلى الفرنسية والإنجليزية تحت عنوان «أنشودة الموت» في الخمسينات، وقالت إن المؤلف استطاع أن يعيده مرة أخرى بتيمة باسم «الثأر» ولكن برؤية جديدة عن أغنية الموت، مشيرة إلى عدد من المشاهد، مثل مشهد الصندوق الذي يحمل بداخله الكراهية والحقد عندما أخرجه من البيت “مختار” بطل العرض الذي عاد بعد غياب من رحلة علم في قلب العاصمة، تأكيدا من المؤلف أن العلم لا بد أن يكون له دور في التصدي لهذه العادات، بالإضافة إلى وجود شخصيات جديدة لم تكن موجودة في نص توفيق الحكيم كشخصية العرافة وتحويل شخصية «الخالة مبروكة» وهي أخت البطلة في نص أغنية الموت إلى “الخال” في “شهد الصبار”.
أضافت البيلي أن بعض الدراسات قالت إن المرأة العربية هي حاملة الثأر، تسعى دائما إليه وتدعمه، في إشارة من هؤلاء الباحثين إلى أن المرأة في المجتمعات العربية هي حامية الشرف والكرامة، وهناك نماذج كثيرة قدمت في السينما والمسرح تثبت هذه الدراسات. تابعت: وفي هذا النص أكد علي أبو سالم على هذه الجزئية من خلال شخصية «ست الناس» الأم، عندما دفعت ابن أخيها إلى قتل ابنها مختار، مستغلة جهله وعدم اكتمال قدراته العقلية، لذلك قرر المؤلف أن يستبدل شخصية الخالة في نص توفيق الحكيم بالخال الذي يتميز بالعقلانية إلى حد ما رافضا تصرفات أخته «ست الناس».
ومن ملاحظاتها قالت البيلي: من الأفضل لنوعية هذه العروض المسرحية تقديمها داخل قاعة حتى يستطيع المتلقي التجانس مع الأحداث، بدلا من خشبة مسرح كبيرة تفصل بين الجمهور والممثلين. أما الإضاءة فرأت أنها في بعض المشاهد لا تلعب دورها الدرامي إلا في حالات معدودة، وأثنت البيلي على الراقصيَن اللذين قاما بالاستعراضات طوال العرض وهما أمل وشريف، مشيرة إلى أنهما تحملا ملء فراغ خشبة المسرح، مضيفة: لا بد من ملء هذا الفراغ بزيادة عدد الراقصين على خشبة المسرح، مشيرة إلى أن مشهد تشييع جثمان «مختار»  كان يخلو من أهل البلد واقتصر فقط على أهل الدار.
وعن الأداء الدرامي أشادت البيلي بأبطال العمل، وقالت إنهم أدوا أدوارهم كما ينبغي وهو ما يعكس المجهود الكبير الذي بذلة المخرج وليد الولي في تدريبهم، بداية من العرافة «رانا رجب» التي أدت دورها بواقعية شديدة، وشخصية الخال «طارق كامل» الذي كان يرفض طوال الوقت ما تفعله ست الناس، أشارت البيلي إلى أنه كان أشد حنانا من الأم ذاتها، ودور ست الناس «فلك نور» وقد أشادت بها البيلي لأنها تعرضت لمشاهد صعبة وقدمتها ببراعه شديدة، واصفة إياها بمؤججة الثورات، وعن دور أحمد فرغلي الذي جسد شخصية (ذوي الإعاقة الذهنية) قالت إنه أدى الدور بشكل طبيعي محافظا على درجة الأداء حتى نهاية العرض، كما أشادت أيضا بدور الفنان الشاب محمد سمير الذي جسد شخصية مختار والممثلة الشابة إسراء حامد التي قامت بدور المحبة.
وتمنت البيلي أن يذهب العرض إلى الناس في كل بقاع الجمهورية لأنهم من يستحقون أن يتلقوا مثل هذه العروض.
بينما رأى الناقد باسم عادل أن من حق أي كاتب أن يتناول هذه القضية برؤيته الدرامية كما يراها، مقارنا “شهد الصبار” بأعمال أخرى تناولت القضية من قبل، وهي نص “الغريب” للكاتب الشاب محمود جمال الحديني، الذي عالج شخصية أورست بنفس الكيفية، حيث عاد إلى إليكترا لتدفعه إلى الثأر فيرفض لأنه يرى أن الثأر لا بد أن يكون بأيدي الشعب، فهو الأحق منه في أخذ هذا القرار. والنص الآخر هو راوية “قنديل أم هاشم” ليحى حقي الذي ناقش قضية الجهل عندما رفض أهل المنطقة قبول فكرة العلاج بالعلم، فلجأ البطل إلى الحيلة وأوهمهم أنه يعالج ببركة أم هاشم كما يتصورون وهو في حقيقة الأمر يعالجهم بالطب.
وأكد أن رواية يحيى حقي أكثر تقدما وأثرا مقارنة بنص “شهد الصبار” الذي انتصر في النهاية لفكرة الثأر، وكأننا ندور في حلقة مفرغة وجعل الموت في النهاية لمن رفض الجهل والثأر، ليخرج النص من فكرة محاربة الخرافة إلى تأكيد الخرافة ذاتها، مشيرا إلى أن الأم تكاد تكون انتصرت في النهاية حتى ولو تم محاصرتها من أهل البيت.
أضاف: كنت أتمنى أن تختلف النهاية وأن ينتصر العلم على يد «مختار» الذي جاء ليغير بدلا من أن يقتل على يد التخلف والجهل.
أشار عادل إلى أن وجه الصعيد يتغير في ظل العولمة والتقدم التكنولوجي، ولا بد أن تطرح قضاياهم في سياق حديث وشكل مختلف، فالبنت تتعلم الآن وترتدي ملابس حديثة وإن كانت بعض الأفكار القديمة ما زالت راسخة في الأذهان، إلا أنه أصبح تحديا لأي كاتب أو مخرج أن يطرح هذه القضايا في شكل مختلف.
وطرح الناقد باسم عادل عدة تساؤلات حول الرؤية الإخراجية والدرامية، منها: سبب وجود العرافة في المشهد الأخير؟ عودة الشاب مختار إلى القاهرة حتى يستقدم عمالا لبناء المدينة، وقد كان يمكنه الاستعانة بخاله أو بأهل المدينة ذاتهم؟
ولماذا ركز الكاتب على أن يكون طرح هذا الصراع محدودا داخل حدود البيت فقط ولا يتعدى نطاق الأسرة الواحدة ولم نرَ الطرف الثاني الذي هو موضوع الثأر؟
وعلى مستوى الديكور، أشار عادل إلى وجود بعض الملاحظات التي تحير المتلقي في تحديد هوية المكان، والداخل والخارج، بسبب دخول وخروج الممثلين من أماكن غير ثابتة، واتفق مع رأي البيلي حول اتساع المسرح على الاستعراضات، وأن الفضاء ابتلع الأداء الدرامي والاستعراضي وأخفاه قليلا، وأن العرض إذا كان قد قدم في قاعة سيكون أفضل كثيرا من أن يقدم على خشبة كبيرة مثل خشبة مسرح السلام.
ورد مؤلف النص علي أبو سالم على القول بأن النص مأخوذ من توفيق الحكيم، أن هذه معلومات غير صحيحة، مضيفا أن النص عبارة عن عقدة تناولها كثير من الكتاب في أعمالهم الفنية، ويتم البناء عليها ومنهم توفيق الحكيم عندما أخذها من سوفوكليس، مشيرا إلى أن رأفت الدويري كذلك أخذ النص وقدمه كما هو دون تغيير، موضحا أنه هو الآخر تناول هذه العقدة عن سوفوكليس وليس عن توفيق الحكيم الذي يكن له كل تقدير.
وعن سؤال الناقد باسم عادل فيما يخص نزول مختار إلى القاهرة للاستعانة بعمال أكد أنه يقصد المعنى المجازي وليس المعنى المادي، فالمعنى المادي أن يبني المدينة أي شخص، أما المجاز فهو أن يتولى مسألة البناء أشخاص يسيرون على نفس نهج مختار، وأن البناء هنا هو بناء الإنسان قبل بناء الحجر. وفي السياق ذاته، أكد أبو سالم أن مشهد النهاية كان أن ينتصر الجهل عن قصد وأن الرسالة هي أن الجهل والتخلف قتل العلم.
بينما أوضحت الفنانة فلك نور بطلة العرض أن غياب المخرج وليد الولي بسبب تعرضه لوعكة صحية هو السبب في فيما ظهرت عليه الإضاءة من تقصير في دورها الدرامي نظرا لأن المخرج هو المسئول عن الإضاءة، كما أوضحت أن تصميم الديكور يشير إلى رفض شخصية ست الناس التعايش مع من حولها في نفس المستوى المتقدم، فهي تعيش في صحن البيت وكل من حولها يبني ويعلو.
ومن مداخلات الضيوف وجه المخرج إميل شوقي التحية لكل أبطال العمل على أدائهم المتميز طوال العرض خاصة وأن النص يتسم بالصعوبة، ولكنه اعترض على اختيار النص ككل من قبل لجنة اختيار النصوص، مؤكدا أنها لا بد وأن تقوم بدورها في اختيار النص المناسب في المسرح المناسب، مشيرا إلى أن هذا النص قدم على مسارح الدولة منذ خمس سنوات بنفس التناول والمعالجة وهو العرض المسرحي «سلقط في ملقط» ولا يوجد أي تغيير في التناول، وعلى صناع العمل تقبل النقد والفصل بين آراء الجمهور العادي وآراء النقاد.
بينما أثنى المخرج ياسر صادق على مؤلف العرض، موضحا أن المؤلف يُسأل فقط عن الكلمة المكتوبة وليس على ما يظهر على خشبة المسرح الذي هو مسئولية المخرج فقط الذي يغيب بسبب ظروف صحية.
واتفق الناقد جمال الفيشاوي مع آراء النقاد في ما يتعلق بالجوانب الفنية والدرامية للعرض. وأضاف: كان ينبغي على المؤلف أن يكتب “تأليف علي أبو سالم عن نص أغنية الموت لتوفيق الحكيم”.
وأكد فارس عبد المنعم المدير المالي والإداري للمركز القومي أنه استمتع بما شاهده على خشبة المسرح بعيدا عن الجدل النقدي حول النص، مشيرا إلى أن توافد الجماهير وآراءهم الإيجابية هو المؤشر الحقيقي لنجاح العرض المسرحي وهو ما تحقق منذ افتتاح العرض.
“شهد الصبار” بطولة فلك نور، طارق كامل، محمد سمير، أحمد فرغلي، حسام موسى، رانا رجب، إسراء حامد، تأليف: علي أبو سالم، ديكور: وائل عبد الله، موسيقى باسم عبد العزيز، استعراضات شريف راضي، إضاءة إبراهيم الفرن، مساعد إخراج محمد الكرداوي، مصطفى عبده، مخرج منفذ حسام موسى، إخراج وليد الولي.


محمود عبد العزيز