ناصر عبد المنعم: الجمهور هو جائزتي الأهم.. والأفضل لم أصل إليه بعد

 ناصر عبد المنعم: الجمهور هو جائزتي الأهم.. والأفضل لم أصل إليه بعد

العدد 596 صدر بتاريخ 28يناير2019

جاء فوز العرض المصري «الطوق والأسورة» بجائزة مهرجان المسرح العربي في دورته الحادية عشرة، الذي أقامته الهيئة العربية للمسرح بالقاهرة مؤخرا في الفترة من 10 وحتى 16 يناير الحالي، تتويجا لجهد وفكر، واستحقاقا لإبداع متميز، تكرر عرضه ضمن الريبورتوار بعد ثلاثة وعشرين عاما من تتويجه بجائزة المهرجان التجريبي عام 1996، مما يدفعنا لطرح الكثير من التساؤلات وكشف الأفكار والاحتفاء بقائد تلك المسيرة الإبداعية المخرج ناصر عبد المنعم، وهو مخرج بالمسرح القومي المصري، بدأ اهتماماته المسرحية مبكرا منذ كان طالبا بالجامعة من خلال تجربة «مسرح الشارع».. قدم للمسرح المصري مجموعة من الأعمال التي ساهمت في تطوير الشكل المسرحي، لاعتماده على صيغة مسرحية تعيد قراءة التاريخ المصري الحديث بقضاياه وإشكالياته، مركزا على الشخصية المصرية، وهو من المخرجين القلائل الذين عملوا على «مسرحة الرواية» خاصة الرواية النوبية من خلال عملين هما «حكايات ناس النهر» و«نوبة دوت كوم».
شغل عدة مناصب في وزارة الثقافة حيث تولى إدارة مسرح الغد، وإدارة المركز القومي للمسرح، وكذلك رئاسة البيت الفني للمسرح، ورئاسة قطاع الإنتاج الثقافي، ورئاسة المهرجان القومي للمسرح المصري، إضافة لكونه عضوا في مجلس إدارة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وكذلك عضوا في مجلس إدارة مركز الفنون بمكتبة الإسكندرية، ساهم بشخصه وبعروضه في عدد كبير من المحافل الدولية ونال الكثير من الجوائز، منها: جائزة الدولة للتفوق في الفنون عام 2008، وجائزة أفضل مخرج من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي عام 1996 عن عرضه «الطوق والأسورة»، التي تعد الجائزة الأولى لمصر في المهرجان. كما حصل على جائزة أفضل مخرج من المهرجان القومي للمسرح المصري مرتين، الأولى عن عرض «رجل القلعة» عام 2006، والثانية عن عرض «ليل الجنوب» عام 2013، كما شارك في لجان التحكيم بالكثير من المهرجانات المصرية والعربية، حول عرض «الطوق والأسورة»، والمهرجان العربي، وقضايا مسرحية أخرى كان لـ»مسرحنا» معه هذا الحوار.

عرض مدهش ومحظوظ

- أولا نهنئك ونهنئ المسرح المصري كله بحصد عرض «الطوق والأسورة» جائزة السلطان القاسمي، بمهرجان المسرح العربي.. ما شعورك بالحصول على جائزة ثانية للعرض نفسه بعد 23 عاما من الحصد الأول؟
- في عام 1996 كانت الجائزة الأولى منذ ثلاثة وعشرين عاما، وهو بالطبع شعور بالسعادة يحمل عدة مشاعر مختلطة لأن هذا العرض قدره وظروفه غريبة، لأنه في المهرجان التجريبي 96 كانت أول جائزة لمصر بعد ثماني دورات، وكذلك في المهرجان العربي كانت أول جائزة لمصر بعد إحدى عشرة دورة، فهذا خلق داخلي مجموعة من المشاعر المختلطة، وخصوصا أن إعادته خضعت للصدفة البحتة فلم يخطر على بالي على الإطلاق أنني سأعيد إنتاج هذا العرض مرة أخرى، حيث كانت إدارة المهرجان التجريبي قد طلبت إعادته بمناسبة اليوبيل الفضي للمهرجان، وكنت على وشك الاعتذار لوجود فرق أجيال على مدار اثنين وعشرين عاما، فالطبع سأضطر لتغيير الممثلين، يوجد ممثلون لم تعد أعمارهم مناسبة لأدوارهم، وممثلون صاروا نجوما وأصبحت الأدوار لا تناسبهم، فلم أكن متحمسا لفكرة الإعادة لكنني قبلتها من باب رغبتي في أن يؤدي المهرجان التجريبي دورته الفضية بشكل جيد كما رُسم لها، بأن يكون العرض جزءا من ذاكرة المهرجان، وبالتالي كان مجرد إعادة لريبرتوار دون أي مخطط أو تصورات عن القادم، لكن كما يقال فإن الأمور استدعت بعضها، لأنني فوجئت بإعادة الإنتاج في 2018 بعد كل هذه السنوات، وأنه داخل المسابقة الرسمية للمهرجان العربي، فهي مجموعة اعتبارات سارت بطريق الصدفة وليس التخطيط أو الرغبة للإعادة. وبالتالي هو بالنسبة لي عرض مدهش ومحظوظ، لأن كثيرا من الروائيين يكون لديهم أعمال كثيرة جيدة لكن يوجد فقط رواية أو اثنتين هما الأشهر، وهذا الكلام ذكره لي الأستاذ بهاء طاهر عندما قدمت عرض «خالتي صفية والدير» حيث قال لي إنها محظوظة لأنها قدمت كمسلسل تلفزيوني وقدمت كمسرحية فحظها أفضل من روايات أخرى، لكن من وجهة نظره أنه يوجد لديه روايات أخرى أفضل منها، لكن دائما توجد أعمال تشكل علامة في مسيرة الفنان لكنه يرى أن هناك أعمالا أهم لكنها لم تلقَ الصدى نفسه.

فروق جمالية وإبداعية

- خمس وعشرون عاما فارق كبير في عدد السنوات وفي تطور الفكر المسرحي.. فما الفارق بين «الطوق والأسورة» 96 و»الطوق والأسورة» 2019؟
- «الطوق والأسورة» في 96 كانت مغايرة وجديدة ومختلفة تماما فلا تنتمي لمسرح هذه الحقبة، فكانت متجاوزة لأنه كان بها حس تجريبي عال، حيث كان بها حالة من تكسير الأشكال الراسخة والثابتة بشكل متعمد، وبالتالي هي عمل تجريبي، وهذا العمل التجريبي عند تقديمه بعد فترة طويلة من السنوات، يصبح أمامك حقيقتان لا بد أن تواجههما، الحقيقة الأولى أن ترتكز على موضوع إنساني قوي جدا عابر بالأزمنة كي يستطيع أن يستمر معك، والفضل في هذا يرجع إلى الكاتب يحيى الطاهر عبد الله لأن عمله الروائي القصير عمل بديع يبحث في هموم الإنسان في بقعة من جنوب مصر وملتقط لمجموعة من التفاصيل الجديدة، وانشغاله بفكرة الإنسان هي التي تعطي قابلية لتقديم العرض في أزمنة مختلفة، لكن لا يمكن أن نقول إن العرض قد تم تقديمه كما هو فتلك نظرية فرضية مستحيلة لأنه قد اختلف مكان العرض الذي عرض من قبل في مسرح الطليعة ثم تنقل ما بين السلام والبالون، ثانيا تم تغيير الممثلين، والممثل في تقديري ليس مجرد أداة، فلا أستطيع أن أصطنع شيئا ثابتا وألبسه للممثل، فالعمل يتفاعل مع المكان ويتفاعل مع الممثل الجديد ويتفاعل بالتأكيد بدون وعي مع متغيرات ومع ثقافة، فثقافتي أنا الشخصية كان لها حجم وملامح في هذه الفترة وهي مختلفة الآن، وبالتالي فالفروق هي فروق جمالية في التعامل مع المساحة المسرحية المغايرة وفي إبداع الممثل المختلف ما بين العرضين.

- الفكرة والقضية هل ما زالت مستمرة ومطروحة؟
- بالتأكيد، فدائما ما أقول إننا مجتمعات تتطور ببطء وأحيانا لا نتقدم، فتطورنا بسيط جدا يشبه السلحفاة وهي تتحرك، وفي بعض الأحيان لا نتحرك من أماكننا، وفي بعض الأحيان نعود إلى الوراء، فأنا أعتقد أننا لدينا مشكلة أن القضايا مطروحة وما زالت عالقة، فعندما نتحدث عن وضعية المرأة في الصعيد، أو عن فكرة الصلة بالخرافات والجهل والخزعبلات، فالموروث الشعبي ليس كله إيجابيا فيوجد البعض منه سلبي جدا، فكل هذا ما زال قائما، فما زال وضع المرأة داخل مجتمع ذكوري قائم كما هو، وما زالت العقلية المصرية مشحونة بموروث متعلق بالخرافة والشعوذة ومحاولة مراوغة هذا الواقع لتحقيق الأمنيات. وهذا ما يعطينا إمكانية إعادة العرض مرة أخرى.

- مثل هذه الموضوعات توجه لمجتمع معين فأين هذا الجمهور ولماذا لا تعرض في المجتمع المنشود؟
- أنا لست مع هذا الطرح، فالقاهرة هجين وليس بها ساكن قاهري، فكلنا لنا جذور والقاهريون هم قلة، وعندي يقين وليس إحصاء أن الملايين الذين يعيشون في القاهرة هم هجين من مختلف بقاع مصر، وبالتالي فأنت محاط بالصعايدة في كل مكان وفي المسرح وهكذا، فالجميع نزحوا للقاهرة سواء الصعايدة أو الريفيين والفلاحين من الدلتا، وبالتالي فالثقافة ممتدة وأنا لا أقدم قضية نوعية يصعب على غير سكان الصعيد فهمها أو استقبالها، فهنا العمل يكون على الثقافة والشخصية والهوية المصرية، لأن الشخصية المصرية قد تكونت على نحو فريد من مجموعة من الموروثات سواء كانت تتعلق بالبعد الفرعوني أو القبطي أو الإسلامي، وهذا الإنسان على امتداد مصر كلها متداخل ومتمازج وفريد جدا من نوعه قد خلق الشخصية المصرية، فالعرض لا يتحدث عن الصعيد فقط بل عن الشخصية المصرية بكل مكوناتها التي انصهرت على هذا النحو الفريد.

ذائقة وثقافة لجان التحكيم

- تميز عرض ريبرتوار على كل العروض المصرية وحصوله على الجائزة.. هل يعني هذا أن الزمن المسرحي توقف بنا طوال هذه الفترة؟
- نحن نشارك كل عام دون توفيق، وعدم التوفيق والفوز بالجوائز ليس له علاقة بالجودة، إنما تلك ذائقة لجان تحكيم، فمثلا لي شخصيا تجربتان أولاهما «ليل الجنوب» ولم يتم اختيارها أصلا كي تقدم داخل المهرجان العربي، بينما في مصر الكل تنبأ لها بكثير من التوفيق في المسابقات في حين أنها لم يتم اختيارها من الأساس لأن هذا ذائقة لجنة، كذلك تجربة «سيد الوقت» في المهرجان بالكويت كأنها لم تحضر وكأننا لم نقدم عرضا من الأساس، رغم أنه عرض من وجهة نظرنا متميز لكن ذائقة لجان التحكيم مختلفة، وبالتالي أنا لا أحب الربط بين حركتنا المسرحية ومستوانا المسرحي وبين المهرجانات، لأن المهرجانات تحكمها عوامل كثيرة في مقدمتها ذائقة وثقافة اللجنة، فمن الممكن أن يكون عرض ما ناجح قد يفوز في مهرجان ولا يفوز في آخر، أو العكس. فالمشكلة تكمن في التكوين الثقافي والتذوق للجنة التحكيم. وبالتالي لا يمكن أن نجلد ذاتنا على المسرح المصري ونقول إننا توقفنا مسرحيا لفوز مسرحية قديمة، غير صحيح بالمرة فتوجد عروض كثيرة جيدة ومهمة قدمت في السنوات الماضية وعدم حصولها على جوائز ليس معيارا للفشل إطلاقا، فالجوائز ليست معيارا، بل إن النجاح الجماهيري أهم مليون مرة من أي جائزة، فالمسرحي عندما يُستقبل عمله بشكل جيد فهذا أفضل. فأنا ضد هذه الفكرة لأنه يوجد عروض مهمة ومحاولات والمسرح المصري يستعيد نفسه، ونضع في الاعتبار أننا مررنا بصعوبات في المواسم المسرحية وبأزمات كثيرة، فالمسرح المصري الآن يسترد نفسه.

- هل فوز عرض مستمد من التراث يعد إشارة لوجوب التمسك بالتأصيل والعودة للجذور في تناول الرؤى المسرحية؟
- «الطوق والأسورة» ليست عودة للجذور، إنما هي جدل مع الجذور، فإذا كان بها طقوس ودورة حياة وموروث بكثرة على المستوى الموسيقى والمستوى التشكيلي والعادات وطقوس الحياة، كل هذا لا يعني أنني عائد إلى الجذور كي أعيد إنتاجها مرة أخرى، بالعكس يمكن أن أرجع إليها لأنتقدها، لكن هناك أشكالا قريبة من وجدان الناس، فيمكن هذا أن يعطيها زخما أو قبولا أكبر عند الناس، لكن ليس كل تصدٍ للموروث الشعبي هو إيمان به واستسلام له، فقد يكون جدلا لأن ليس كله إيجابيا، فلدينا أشياء توارثناها تكبلنا فلا بد أن نواجهها، فمن الممكن أن أرتد وأناقش قضايا عن الموروث الشعبي بهدف الجدل أو إزاحتها من المستقبل لأنه يوجد أشياء تقف عائقا أمام الجموع.

المهرجانات تواصل وحوار واطلاع

- هل كثرة المهرجانات تعني أننا في تقدم وتواصل مسرحي حقيقي، أو يمكن أن تؤدي بنا إلى نهضة مسرحية عربية؟
- بالنسبة للمهرجانات العربية فهي مهمة جدا لأنها فرصة للتواصل والحوار والاطلاع على تجارب الآخرين لأنه في كل وقت، يمكنك أن ترى العروض المصرية، لكنك لا تطلع على أخبار المسرح السعودي مثلا أو المسرح في العراق أو في سوريا مثلا وهكذا، فاللقاءات العربية أو الدولية تكمن أهميتها في فكرة التواصل والحوار والاطلاع على أحدث التيارات الموجودة في البلاد المختلفة، فالمهرجانات مهمة من هذه الزاوية لكن مهم أيضا المواسم المسرحية. فنحن في المسرح المصري نتميز بأننا نقيم مواسم مسرحية ولدينا جمهور مستهدف، ولا ننتج من أجل المهرجانات على الإطلاق، فلدينا عروض المواسم وتعرض المسرحيات لشهر أو اثنين أو ثلاثة وبعضها يمتد لأكثر من سنة وأكثر من موسم، فهذا يعني أن القاهرة أو مصر تمتلك مواسم مسرحية مهمة، هناك مهرجانات أخرى تقدم فيها العروض المسرحية لدول أخرى لليلة أو ليلتين ثم يختفي العرض وهذا هو الشيء السلبي من وجهة نظري، لكننا نعمل على أن تكون المهرجانات هي تتويج لمواسم مسرحية وليس إنتاجا من أجل المهرجان. لأن هذا هو دور المسرح فنحن نريد أن نجذر المسرح في الواقع العربي في كل البلاد، فلا بد أن نجذر للمواسم المسرحية، وليس إقامة عروض للمهرجانات وبعد نهاية المهرجان ينتهي العرض، تلك هي المأساة أو الإشكالية.

- هل هذه المسألة تؤثر على العروض المسرحية فنيا؟
- بالطبع هذه كارثة، فهذا خلق عروضا معتمدة على تهويمات سينوغرافية، فأنا أشاهد عروضا قد تؤلم عيني، وأشاهد عروضا الفورم الخاص بها والتكوينات السينوغرافية تصلح لأي عرض، فيمكن الاستعانة بها في أي عرض آخر لأنها أشياء غير نابعة من الموضوع وغير مأخوذة من الطرح، وبالتالي جوهر المسرح يختفي، فأنا بالنسبة لي جوهر المسرح هو الكلمة والممثل وليس التكنولوجيا ولا السينوغرافيا ولا الإضاءة المتطورة ولا الدخان ولا الحالة الغرائبية أو غيره، فلماذا كل هذا؟ هل نحاكي الغرب مثلا؟ هل نقلد فقط تقنيات الغرب؟ علينا أن نبحث ونخلق سمة لمسرحنا، فبعض المهرجانات أخشى أن تتسبب في أن نرسخ للعروض الشكلية التي تعتمد على الإبهار لأن الإبهار خادع جدا، لأنه ممكن أن يرى شخص ما الصورة فيعجب بها جدا لكن في الآخر تكتشف أنه لا شيء، فكما دخلت كما خرجت وليس هناك شيء ولكن هناك صورة تعجب بها وهناك إمكانيات تقنية وإمكانيات مادية أو غيره، لكن أين جوهر المسرح؟ غير موجود.
لا أنكر أن بعض البلدان بدأت تعرف المواسم، لكن نحن لدينا في مصر مواسم راسخة، وتوجد بلدان أخرى ليس لديها مواسم.

- هل كان هذا نتيجة عدم إقبال الجمهور؟
- هم الذين يمكنهم إجابة هذا السؤال، لأنه قد يكون فعلا الجمهور غير مقبل على المسرح، لكن عليهم حل هذه الإشكالية والتصدي لها، فعليهم الإجابة لماذا لا يقدمون ذلك وما السبيل لخلق مواسم مسرحية منتظمة تقبل عليها الجماهير؟

- هل لدينا هم عربي مسرحي مشترك؟
- هو هم سياسي وليس فنيا أو مسرحيا، وهو تحديات القادم، إلى أين نحن ذاهبون في ظل الاستقطابات والحالة الدولية والتنازع ما بين دول كبرى ودول تتقدم بصورة مذهلة عبر التصنيع والتكنولوجيا، فأين نحن من هذا العالم؟ ما هي رؤيتنا وكيف نتحرك؟ وكيف نتجمع؟ فهي أسئلة سياسية؛ أين نحن وإلى أين نتجه في ظل كل هذه المتغيرات؟ وهل نحن نحدث أنفسنا بالصورة التي تجعلنا قادرين على اللحاق بالعصر وأن نوجد وننافس ونخلق الكيان العربي القوي المتماسك؟

المسرح لم يمت

- كيف ترى المسار المسرحي الآن؟
- توجد ظاهرة أشعر بالأسف تجاهها من أجيال مختلفة مثل الجيل الأكبر مني مثلا، إن لم يوجدوا في المواسم المسرحية يقولون إن المسرح قد مات، وذلك لأنهم غير موجودين لو اشتغلوا فالمسرح موجود وعظيم، وكثيرون يتساءلون أين المسرح وهل مات المسرح، في حين أنهم لم يشاهدوا المسرح منذ عشرين عاما، فكيف توصلوا لهذا الحكم ونحن لم نرَ أحدهم يشاهد المسرح، ومن يتقدم منهم بمسرحية ويتأخر إنتاجها يقول عن المسرح «عليه العوض» وأن المسرح قد مات، تلك حالة ذاتية جدا أرفضها تماما، وهي أنهم يربطون مسألة أن المسرح بخير لو أنهم يعملون والعكس لو أنهم لا يعملون فقد مات المسرح. وأنا أقول إن المسرح لم يمت يوجد شباب ممتازون وعلينا أن نرى الرؤية على اتساعها، فأنا واحد من الناس قدمت عرضين فقط على مدار عشر سنوات بسبب الإدارة، لكن لم يأتني هذا الإحساس ولم أدع أنه لا يوجد مسرح، بالعكس يوجد مسرح وتوجد تجارب ويوجد مخرجون شباب مهمون قدموا تجارب مهمة جدا، يوجد مبدعون يحاولون لا يمكن أن نمحو تجاربهم، لكن يمكن أن أنتقد أشياء أو أناقش أشياء، لكن هناك محاولات مهمة وأسماء جديدة مهمة تظهر على الساحة وتحاول فلا يمكن أن أصادر كل هذا وأدعى أنهم غير موجودين.

- ما وجهة نظرك في عروض شباب المخرجين؟
- توجد أعمال مهمة جدا وتوجد أعمال غير موفقة، وهذا هو الطبيعي، ويوجد أسماء جيدة يمكن أن تحدث تغييرا في المسرح المصري ويعيدون تشكيل مستقبل المسرح المصري بشكل جيد على اختلاف توجهاتهم واختلاف أنواع العروض التي يقدمونها، ويوجد البعض متوسط المستوى والبعض الآخر ضعيف، أي العادي والطبيعي الموجود في كل جيل. ومن يتحدثون عن نهضة الستينات فإن الستينات كان أيضا بها عروض ضعيفة وعروض متميزة.

- هل المسرح المصري له سمات مميزة أم أننا لم نصل لهذه المرحلة بعد؟
- لا أعتقد ذلك لأن مصر متنوعة وبها اختلافات كثيرة، فمنهم من يميل لعروض اللايت كوميدي، أو للكوميديا أو للفارس أو الحس التجاري في العمل، وهذا ليس سيئا ولست ضده فهو موجود بالفعل، ويوجد تجريبيون، ويوجد من يبحثون في التراث ويعملون عليه، يوجد كثيرون يجتهدون في مجالات مختلفة، فمصر كبيرة ومسرحها كبير وغزير، والعمل المسرحي فيه متنوع تنوعا رهيبا.

لوائح مالية بالية

- هل إصلاح المنظومة الإدارية ضروري لتجاوز أزماتنا المسرحية؟
- لو تحدثنا عن مسرح الدولة، فأرجع المسألة للوائح المالية البالية، فالأجور التي يتقاضاها الفنان في مسرح الدولة بالتعبير البسيط مهينة وغير متوائمة مع المتطلبات الاقتصادية ولا تتماشى مع الحياة التي نعيشها الآن، لأن اللوائح قديمة والاقتصاد يتغير والأسعار ترتفع والمتطلبات ترتفع، حتى المسرحيين الشباب معظمهم في مقتبل العمر ومنهم من تزوجوا ورزقوا بالأبناء وهم الأحوج للمال، فدائما من يبدأ طريقه هو الأحوج للمال من الكبير الذي استقر وتخرج أبناؤه من الدراسة ووضعوا أقدامهم على طريق العمل والحياة، فاليوم شباب المسرح المصري في وضع بائس لأنه عندما يحصل في شهر العرض ما يمكن أن يأخذه في حلقة واحدة في الفيديو. إذن، هنا لا يوجد تشجيع للشباب على ممارسة المسرح ويتم بذلك إبعادهم، فما يحتاج إعادة نظر بشكل حقيقي هي اللوائح المالية وما يتقاضاه الفنانون العاملون بمسرح الدولة، فلو تم تعديل هذا سيصنع فارقا كبيرا ويستقطب فنانين يشعرون بالضيق وعدم الرغبة في العمل والإحساس بالضغوط وهكذا، فلا بد أن يكون الفنان مستقرا ولديه شعور بالراحة أثناء العمل.

أعترف بالفضل لدكتور نبيل منيب

- كيف ترى مراحل حياتك المسرحية كمخرج، ولنبدأ من البدايات؟
- البدايات غامضة، لأنه لو كنت ممثلا وطلب منك أحد إثبات موهبتك ستقوم بتمثيل مشهد ما، إنما من يفترض نفسه أنه مخرج لن يستطيع أن يخرج مسرحية ليقول أنا مخرج، بل لا بد أن يقنع مجموعة محيطة به أنه مخرج كي يعملوا معه، وتلك كانت بدايتي عندما شعرت أنني أرغب في الإخراج، عملت بأصدقائي، هم قد عملوا معي ليس لأنني مخرج فأنا لم أقم بالإخراج من قبل، ولكن لأننا أصدقاء وزملاء، فاستطعت أن أجمع مجموعة من الزملاء الذين صاروا أسماء كبيرة حاليا، مثل صلاح عبد الله وأحمد كمال وعبلة كامل وأحمد مختار وسيد رجب، فتلك مرحلة الاختبار للنفس هل أنا مخرج أم لا؟ ثم بعد ذلك يأتي صدى العمل الأول، إن كان جيدا، فيتولد الشعور بالرغبة في الاستمرار، ثم تنتقل لمراحل مختلفة ومتنوعة لا سيما الانتقال من الهواية وهي مرحلة كبيرة مثل العمل في قصور الثقافة والجامعات والمسرح الحر، ثم مرحلة الاحتراف في بدايتها عملت كمساعد مخرج حيث ساعدت مجموعة كبيرة من الأساتذة سعد أردش وكمال يس وشاكر عبد اللطيف وفهمي الخولي.

- من هو أستاذك الذي تعلمت منه المسرح؟
أعترف في تكويني المسرحي بالفضل لدكتور نبيل منيب، حيث قضيت معه ثلاث سنوات مهمة في ورشة أعتبرها هي سنوات تكويني الشخصي وذلك منذ عام 1978 إلى عام 80، وانتقلت ما بين معهد المسرح إلى القومي ثم الطليعة، وهذه الورشة كان بها أسماء أصبحت أسماء مهمة وكبيرة فيما بعد، في خلال هذه السنوات الثلاث كان بداخلي أسئلة كثيرة عن طبيعة العمل المسرحي وكان د. نبيل منيب عائدا من فرنسا، وأعتبر تلك السنوات هي التكوين الذي ساهم في تشكيلي بشكل كبير جدا، وبالتالي أدين له بالفضل في تكويني المسرحي.
المراحل التالية، هي بدايات الاحتراف كشاب، حيث أخرجت في مسرح الطليعة بعد سنوات كثيرة من محاولة الإخراج حيث قضيت ست سنوات حتى استطعت أن أخرج أول مسرحية لي وكانت مسرحية «رحلة حنظلة» في المهرجان التجريبي الأول سنة 1988، قبلها قدمت عروضا ناجحة في الثقافة الجماهيرية، وكان الصدى جيدا مما دفعني للتواصل بشكل جيد وتوالت الأعمال.

مسرحة الرواية

- أما المرحلة التي تفوقت فيها وبدأ اسمي في التكوين وحصلت على جائزة المهرجان التجريبي، فيوجد فضل كبير جدا للأستاذ محمود الألفي رحمه الله، عندما كان مديرا لمسرح الطليعة فهو قد دعمني بشكل كبير مع الأستاذ سامي خشبة رئيس البيت الفني للمسرح وقتها، وأدين لهما بالفضل الكبير لأنهما ساعداني، وكان الأستاذ محمود الألفي عندما انتهى من عرض يطلب مني التفكير في العرض التالي، لذلك فمعظم أعمالي كانت في مسرح الطليعة فأنا ابن لمسرح الطليعة، ونشأت فيه لكن الإدارة فقط هي التي أبعدتني عن مسرح الطليعة. وأنا ابن لمسرح الطليعة كمكان وكمفهوم لأن مسرحي أميل إلى التجريب والحالة الطليعية والبحث والتساؤل.
- كما توجد لدي محطة مهمة جدا وممتدة هي مرحلة مسرحة الرواية، فتقريبا أمتلك عشرة نصوص معدة عن روايات، وأعتبر أن هذا أهم ما يميز نشاطي المسرحي.

- هل هذا نتيجة عدم اقتناعك بالنصوص المسرحية المكتوبة؟
- بالطبع يوجد نصوص كثيرة جيدة، لكن كانت هناك فترة لم يكن بها نصوص، فكانت الموضوعات مكررة وتدور في نفس المفاهيم وعلاقة الحاكم بالمحكوم والشعب وما شابه، فكانت توجد حالة ثبات في الكتابة المسرحية، وكنت أقرأ روايات كثيرة، والروايات تخلق تحديا، فسألت نفسي لماذا لا أعمل من خلال الروايات؟ مما بلغ بي أن أصبحت مجموع مسرحياتي عن الروايات يصل إلى عشرة عروض. وبالطبع كان فيها اهتمام بالموروث الشعبي ومساءلته والجدل معه وليس القناعة به.


الأفضل لم أصل إليه بعد

- ما الذي لم تقدمه بعد؟
- الكثير، لأن المسرح كائن حي متجدد، وتشعر دائما أن أفضل عرض لم تقدمه بعد وهذا هو شعوري الدائم، فأحاول رغم التقدم في السن أن أقرأ كثيرا وأشاهد كثيرا وأشتبك مع عروض ومفاهيم مختلفة، لأن هذا هو الذي سيجددني وإن لم أفعل ذلك سأصاب بالتكلس، فحتى الآن هذا العرض الأفضل لم أصل إليه بعد.

- بماذا تحلم؟
- بحمد الله حققت الكثير ولم أظلم ولم أضطهد، لدي حالة إشباع لكنني ما زلت أحلم بأن أستمر في تقديم مسرح معني بالناس ويصل إليهم وأتمنى أن أحققه فعلا. وأرى أن العرض الذي يجوب المحافظات الخاص بمسرح المواجهة لمحمد الشرقاوي، أجد نفسي فيه بشكل كبير، فما يصنعه محمد الشرقاوي بهذه الكتيبة المقاتلة كنت أتمنى أن أفعله، لأنني حاليا ليس لدي القدرة لهذا الفعل فلن تسعفني الصحة والوقت لهذا، لكنني عندما أراهم أسعد جدا وأشعر أن هذا هو دورنا وهذا هو المسرح، فأحلم أن أقدم مسرحا لكل الناس وبالذات المهمشون الغلابة الذين لم يشاهدوا مسرحا أصلا ولا يعرفون ماذا يعني الفن وماذا يعني المسرح.

- عرضك القادم؟
- «أحدب نوتردام» ترجمة وإعداد الراحل أسامة نور الدين في الموسم القادم في المسرح القومي.

 


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏