استقبلت قاعة المؤتمرات بالمجلس الأعلى للثقافة أولى جلسات المحاور الفكرية بدورة اليوبيل الفضي لمهرجان القاهرة للمسرح المعاصر والتجريبي والتي تتناول مفاهيم التجريب والمعاصرة وانفتاح الأفق المسرحي ودور المهرجان في النهوض بالحركة المسرحية في مصر ، وقد تحدث بالندوة كلاً من الدكتور سيد الإمام الأستاذ بأكاديمية الفنون ، والكاتب المسرحي إبراهيم الحسيني ، والباحث عمر توفيق ، وأدار الندوة الناقد محمد مسعد ، بحضور عدد من الإعلاميين والمسرحيين من بينهم المسرحة طارق سعيد والكاتبة رشا عبد المنعم، ود. سامية حبيب، والكاتبة ياسمين إمام شغف، والكتاب والصحفيين هند سلامة ومي سليم بسام الزغبى، والمشرق على المحاور الفكرية د. أسماء يحي الطاهر عبد الله.وتأتي هذه الندوات في إطار احتفال مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي والمعاصر هذا العام بيوبيله الفضي، والذي أثار تنظيمه منذ عام 1988 جدلًا واسعًا حول مفاهيم التجريب والأشكال المسرحية الجديدة على الجمهور والنقاد معًا.وبدأ الدكتور سيد الإمام كلمته بإطلاله على مهرجان التجريبي والمعاصر وحالة الجدل التي احدثها في الحرالك المسرحي المصري ، حيث قال : “أنه منذ أن أنشأ المهرجان التجريبي عام 1988، وبعد دورتين بدأت تحدث نوع من الحراك الفكري الجاد حول مفهوم التجريب وحول المهرجان ، وأن في تلك الفترة قررت بعمل قراءة وأول دراسة استقبال نقدية حول فكرة المهرجان ، والتي تمثلت في كتاب حول التجريب في المسرح إضافة في الوعي، وكيف تلقى المسرحيين العرب فكرة التجريب، وتناولت خلال الدراسة أكثر من 50 و60 مسرحي عربي ومصري وكيف استقبلوا تجربة التجريبي.والحقيقة من خلال هذه القراءة أستطيع القول أن مفهوم التجريب عمل التباس شديد جدًا في المفاهيم داخل دائرة استقبالها ، وأن هناك خلط شديد جدًا بينه وبين مفهوم التجديد، ما بين التغيير وما بين طبيعة الاستجابة التي ممكن تحدث لدى الفنانين وطبيعة المتغيرات التي تحيطه، من متغيرات تكنولوجية، واكتشفت وأن قمة هذا الالتباس في اختلاط الأمور أن فكرة التجريب وفكرة وجود حدود واضحة حول المصطلح .وباختصار شديد أن فكرة التجريب ارتبطت ارتباط وثيق بفكرة الحداثة ، وأن الشاعر الفرنسي شارل فرانسوا بودلير في باريس وهو أول من استخدم مصطلح “الحداثة” في مقدمة ديوانه “أزهار الشر” . وفي نفس الفترة التاريخية ظهرت العديد من الكتب التي تنتهج نفس المنهج والتي أسست لفكرة التجريب في الفن والمسرح ، والقاسم المشترك بين الحداثة وبين مفهوم التجريب وكيفية الاستفادة من الأبحاث العلمية وناتج البحث العلمي ، وأن هناك نتائج أن سنلاحظ في القرن الـ 19 وظهور مدرسة جديدة جدًا في الأدب والفنون وهي مدرسة “البرناس” والتي ستؤسس لنظرية نقدية ونظرية إبداعية ، والتي ظهرت في عام 1862 ، والذي ظهر خلال ديوان لمجموعة من الشعراء والذي يُعد بداية تأريخ لفترة الحداثة بكل اتجاهاتها ، وبعد ظهور هذا الديوان بعام واحد ظهر أول معرض فن تشكيلي ينتج الحداثة ويُعد بداية ظهور أول معرض للمدرسية التأثيرية في عام 1863، ويظهر بعدها كتاب الطب التجريبي .وهنا يمكن القول انه كيف يمكن الاستفادة من المنهج العلمي في الوصول إلى نتائج محددة لتقدير الأعمال الفنية ، ولتحقيق هذا الشكل المنهجي اتسمت كل مدارس الحداثة في اتجاهات محدده.ومن أشهر التجارب المسرحية في الحداثة في فترة الحرب العالمية الأولى ظهرت بعض الحركات المسرحية التي قامت بالأساس حول تساؤل كيف يمكن استفزاز الجمهور من الطبقة البرجوازية، وظهرت وقتها مجموعة من التجارب التي ظهرت على هذا الأساس، ومنها تجارب تتعلق بكيفية استقبال الجمهور واستقطابه وكيفيه توصيل رسالته ، وذلك عن طريق بعض التقنيات التي تم ابتكارها في تلك الفترة ، وأهم تجربة قدمت في هذا السياق هي تجربة مسرح “الخبز والدمية” وتميزت هذه الجماعات والتي كانت ساخطة وأيضاً مضطهدة وأيضًا لا تجد من يقوم بتمويلها وليس لديهم مصادر للتمويل، وفي نفس الوقت تريد أن تصل راسلتها ، فلجأت وقتها للبحث عن مصادر للتمويل. وظهرت مجموعة من التجارب التي حاولت تكسير المعيار التقليدي للمسرح ، وبدأوا في استخدام المعمار وإعادة تشكيلة وتهيئته بحيث يكون قابلاً للعرض المسرحي ، ومن ثم الاتجاه للمواد الخام وإعادة تدويرها وتشكيلها واكتشاف مواد جديدة للإضاءة واكتشاف مواد جديدة للعرض المسرحي ... ألخ ، ونتج عن وجود هذه التيارات العديد من الأشكال والحركات الفنية مثل الحركة السريالية ، الحركة التعبيرية ، ومسرح بريخت والحركة التوثيقية ، وهي التي أخرجت حركة أو فكرة “الجريدة الحية” والتي ظهرت قبل وصول استالين للحكم ، والتي قامت على أساس عدم التعامل مع المثقفين المتعارف عليهم ، وإنما التعامل مع العمال في المصانع والفلاحين، وذلك لتقديم مفاهيم أيدلوجية متطورة لتلك الفئات المجتمعية ، والتي تقدم من خلالها عروضاً مسرحية استعراضية أو اسكتشات فنية تحمل في طياتها مفاهيم أيدلوجية متطورة، وبعيدة عن أشكال المسرح التقليدي ، وامتدت فكرة الجريدة الحية للعديد من الدولة ومنهم روسيا والصين وانجلترا ، ودخلت معظم البلدان الأوروبية ومن ضمن المخرجين الذين تأثروا بفكرة الجريدة الحية هو المخرج الألماني برتولت بريشت وهو من أهم المخرجين في القرن العشرين، وهو كيف يمكن التواصل مع جمهور العامة وكيف نصل الى الطبقات.وكانت من أهم التجارب المصرية التي قامت على أساس الجريدة الحية هي تجربة الثقافة الجماهيرية والتي كانت تستهدف طبقات العمال والفلاحين والتي للأسف الشديد لا يمكن وضع قياس دقيق لتجربة الثقافة الجماهيرية لاسيما فكرة عدم وجود جمهور لاسيما في الفترات الأخيرة ، لأنه وفي كل مرة نبدأ من الصفر ولا يوجد قياس علمي حقيقي لتلك التجربة .أما عن المهرجان التجريبي فهناك عدة تجارب يمكن القياس عليها بشكل علمي ومنهجي فنستطيع هنا القول أن هناك عدة تجارب كان لديها فكرة محددة حول التجريب قامت عليها والتي تستحق فعلا الحديث عنها وكانت لهم تجارب رائدة في هذا، وهم حسن الجريتلي والذي قدم من خلال تجارب مهمة في مجال التجريب والتي وصلت الى نتائج حقيقية حول فكرة الحكي وكيف يمكن أن يكون الحكي جزء من العرض المسرحي والتقنية التي تم استخدامها وتم تطويرها على مدار أعماله والتي بدأت منذ الثمانينات،ونتج عن تجربة حسن الجريتلي العديد من الحكائين البارعين مثل سيد رجب.أما عن ثاني التجارب هي تجربة الفنان انتصار عبد الفتاح وتجربة المسرح الصوتي ومجموعة الأعمال التي قدمها من خلال الأصوات وكيفية تطبيق إمكانيات الصوت والموسيقى التصويرية ومنها عرض مخدة الكحل، وطبول فاوست، والذي يُعد من ضمن أهم ثلاث عناصر كان لهم دور خطير جدًا في التجريب بمعناه العلمي.وأن ثالث التجارب هي تجربة المخرج ناصر عبد المنعم وهو من أهم المخرجين الذين قاموا باستخدام الفراغ بشكل مبهر ومنها عرض “أيام الإنسان السبعة” والذي قدمت رواية صعبة وغيرها من الأعمال، حيث قديم كتابة غير تقليدية واستخدام الفراغ بشكل غير تقليدي .ويُعد هذه الأسماء الثلاث من وجهة نظري استطاعوا تقديم أنفسهم من منظور تجريبي بشكله العلمي والذي يمكن قياسه .إبراهيم الحسينيفيما قال الكاتب والناقد المسرحي إبراهيم الحسيني مدير جريدة مسرحنا : “أنه هناك صعوبة في الحديث بعد الدكتور سيد الإمام، وإنما بالنسبة لمصطلح التجريبي أنه لا يوجد معنى محدد لهذا المصطلح، وأن وسائل التعامل معه لا يتم بشكل محدد فيختلف من كاتب لكاتب ومن ناقد لناقد ومن مخرج لمخرج ، فالمعني فضفاض جدًا ، ففي المسرح يمكن لكل الأشياء الجديدة التي يتم استخدامها يمكن أن يُطلق عليها تجريبي ، فهناك تقنيات جديدة وأشكال جديدة ، من الممكن أن تخرج بمفهوم جديد ، لاسيما ظهور طبقات عشبية ومجتمعية من الممكن أن تتأثر بهذه التجارب ، فكل موقف جديد يمكن أن يتعامل معه بشكل مختلف حسب طبيعة الشخص وأيضاً من حيث زمن ومكان الحدث ، وبالتالي يمكن القول بأنه لا يوجد قيمة حقيقة في التعامل مع كل المتغيرات التي تصادفك في الحياة ، ولا يوجد سياق محدد للتعامل مع ما يقابلنا في الحياة”وتابع الحسيني أن هناك مجموعة المستقلين الذين لديهم تجارب مهمة جدا سواء مع المهرجان التجريبي والذي حصلوا على جوائز هامة بالمهرجان مثل هاني المتناوي وطارق سعيد أو محمد أبو السعود أو عبير على وغيرهم ، والذين قدموا تجارب مهمة وتقديم رؤى مغايره ، وذلك من خلال استخدامهم للفراغ وشكل من أشكال تقديم مسرح مغاير للتواصل مع المجتمع .ثم تحدث عن تجربة المخرج انتصار عبد الفتاح مع المسرح الصوتي “الجرموفية” أو تعدد الأصوات واستخدام الفراغ وكيف كانت لهذه التجربة أن تستمر وإنها توقفت بتوقف انتصار عبد الفتاح وعدم ظهور حركات مسرحية مشابهة تستكمل هذه المسيرة ، فتتوقف التجربة بتوقف مبتكرها أو مبدعها .كما تحدث عن تجربة مصطفى سعد ومسرح الاستفهام والذي توقف برحيل مصطفى عن الحياة، وأن الموضوع يتعلق بما يسمى بـ “الذوق العام” .كما تطرق الحسيني خلال حديثه عن بداياته في الكتابة المسرحية وكيف بدأ من التجريب ووصل إلى شكل الكتابة المسرحية التقليدية.مختتماً بأنه يمكن القول انه ليس هناك معنى محدد للتجريب ومن الممكن أن يتناول كل مبدع مصطلح التجريب وفقاً لرؤيته وإبداعه الشخصي .الباحث عمر توفيق فيما بدأ الباحث عمر توفيق كلمته بتقديم الشكر لإدارة المهرجان التجريبي والدكتور الناقد حازم عزمي والذي رحل عن عالمنا مؤخراً لما له الفضل في البحث وصاحب فكرته الذي قدمه في رسالة الماجستير والتي تعلقت بتوثيق المهرجان القاهرة للمسرح التجريبي ، والذي سيتم نشرة بالكتاب التذكاري للمهرجان .وتابع توفيق قائلاً : “ أن حديثه يتناول فترة المهرجان منذ نشاته في عام 1988 وحتى عام 2010 وهي فترة توقف المهرجان ، والحقيقة أن أن المهرجان التجريبي لم يكن المهرجان الأول الذي أطلق على نفسه مصطلح التجريبي فهناك تجارب لمهرجانات عالمية، تم إطلاق نفس المصطلح عليها مثل مهرجان ايطاليا لمسرحيات الفصل الواحد والذي أقيم عام 1984 ، وتبعه مهرجان عام 1986، المهرجان الدولى للمسرح التجريبي الخاص بالمرأة والذي أقيم بالمملكة المتحدة “انجلترا، وأن وجود هذين المهرجانين في حراك مسرحي أدي إلى إلقاء الضوء بشكل كبير جدًا في المسرح أن يكون منطقة حراك فكرى وثقافي وانساني داخل المجتمعات بشكل آخر “.مشيراً إلى أن الفنان فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق ، وهو صاحب الفضل في ظهور المهرجان ، وأن هناك سلبيات كثيرة ممكن أن تأخذ على المهرجان ومنها المكوث سنوات طويلة في شرح مفهوم التجريبي وهي الوقوف عند تحديد تعريف محدد للتجريبي .متابعاً : “أنه بالرغم من تلك السلبيات إلا أن المهرجان نجح في بداياته باستقطاب عدد من الأسماء المسرحية العالمية اللامعة مثل بيتر بروك”.وأكد توفيق على أن المهرجان التجريبي قد نتج عنه العديد من الإنجارات خلال 22 عاماً منذ نشأته الحقيقة في عام منذ عام 1989 حيث نجد أن أكثر الدول المشاركة في المهرجان هي تونس 20 مرة والعراق 12 مرة وهما أكثر الدول الحاصلين على جوائز المهرجان ، كما قدم مجموعة من الفرص التي لن تعوض مرة أخرى سواء على مستوى الكتابة والإخراج والتمثيل لفنانين مصريين والذين لم يكن ستتاح لهم الفرصة الا بفضل المهرجان التجريبي ، كان للمهرجان التجريبي الفضل في القاء الضوء بشكل كامل على ما يسمى بفرق “ الرقص المسرحي الحديث” ، والقى الضوء على ما يسمى بـ “مسرحة الرواية” من خلال عرض الطوق والإسورة ، والقى الضوء على مجموعة من الممثلين والممثلات ما كانوا ليأخذوا الفرصة في يوم من الأيام لولا المهرجان التجريبي .وتابع : “ أن أول دورتين للمهرجان التجريبي لم يصدر عنها أي إصدارات أو جوائز ، و صدر عن المهرجان 327 كتابًا خلال 22 عاماً وتضمنت هذه الإصدارات و55 كتاب من إصدارات النصوص المسرحية ، و47 كتابًا في مناهج التمثيل والإخراج ، 34 كتابًا عن الشخصيات المسرحية المصرية والعربية والعالمية ، و20 كتاب في النقد المسرحي، و 19 كتابًا عن الدراما وأهميتها وأشكالها المسرحية ، 25 كتابًا عن عناصر السينوغرافيا المتخصصة ، و 28 كتاباً في نظريات المسرح المختلفة ، 97 كتاب في الأبحاث والدراسات المسرحية والتي اهتمت بالشأن المسرحي على مستوى العالم، بالإضافة إلى كتابين عن المهرجان، بالإضافة إلى كتاب النظريات وتم إصدار هذه الكتب في الفترة من 89 وحتى 2010.واختتم توفيق أن هذه الكتب أثرت بشكل كبير جدًا إلى جعل مسرح الهواة والمستقلين أحد الأعمدة الرئيسية لتقديم نشاط فني مسرحي بشكل كبير.