زينب صدقي .. الأرستقراطية

زينب صدقي  .. الأرستقراطية

العدد 560 صدر بتاريخ 21مايو2018

تنتمي الفنانة زينب صدقي إلى الجيل الأول للفنانات المصريات اللاتي احترفن التمثيل، فهي من أوائل الفتيات المصريات اللاتي عملن بالتمثيل خلال النصف الأول من القرن العشرين (والمقصود بالتحديد هو التمثيل بالمسرح بوصفه القناة الفنية الوحيدة المتاحة قبل ظهور السينما والإذاعة والدراما التلفزيونية)، ولم يسبقها بالتمثيل سوى عدد قليل من الفنانات وفي مقدمتهن: لطيفة عبد الله، منيرة المهدية، زكية إبراهيم، دولت أبيض،

حيث كانت البطولات النسائية في ذلك الوقت محصورة على مجموعة صغيرة من الفنانات الشوام (من بينهن: ملكة سرور، هيلانة بيطار، مريم سماط، ميليا ديان، وردة ميلان، ماري صوفان، أبريز استاتي، ألمظ استاتي، فاطمة اليوسف، بديعة مصابني، ماري منيب، ثريا فخري)، أو على مجموعة من المصريات اليهوديات (ومن بينهن: أديل ليفي، صالحة قاصين، استر شطاح، نظلة مزراحي، سرينا إبراهيم، هنريت كوهين، فيكتوريا كوهين، فيكتوريا موسى).
الفنانة ميرفت عثمان صدقي والشهيرة باسم «زينب صدقي» ممثلة مصرية من أصل تركي، من مواليد: 15 أبريل 1895، وقد نشأت في منزل عمها بمنطقة «سوق السلاح» بمحافظة القاهرة، ولرفضها الزواج من ابنه اضطرت للهروب من منزله واللجوء إلى الفنانة روز اليوسف، والتي تعرفت عن طريقها على عالم «المسرح». بدأت الفنانة زينب صدقي التمثيل في المسرح عام 1917 وهي في الثانية والعشرين من عمرها، وذلك نظرا لأن أسرتها ذات الأصول التركية كانت محافظة إلى درجة كبيرة،، ولكن عشقها للفن جعلها تقدم على خوض رحلتها مع التمثيل متحدية الجميع. وكانت أولى خطواتها في اقتحامها عالم المسرح بالتحاقها بفرقة «عبد الرحمن رشدي» عام 1917، ثم بعد ذلك بانضمامها لبعض الفرق المسرحية الأخرى ومن أهمها فرق: «أمين عطا الله»، «رمسيس»، «الريحاني»، «فاطمة رشدي»، «اتحاد الممثلين»، «الفرقة القومية».
ويذكر أنها قد إلتقت عام 1920 بالفنان القدير نجيب الريحاني وتركت انطباعا جيدا لديه، كما قام الفنان الكبير يوسف وهبي بضمها إلى فرقة «رمسيس» أثناء تأسيسه لها عام 1923، وأسند لها في البداية بعض أدوار الصبيان والشباب، ثم أسند لها بعض الأدوار الثانية ومن بينها أدوار الفتيات الأرستقراطيات والعاشقات، وبعد استقالة الفنانة روز اليوسف من الفرقة عام 1925 أسند إليها بعض أدوار البطولة، ثم أصبحت بطلة للفرقة عام 1927، وذلك عقب انسحاب الفنانة فاطمة رشدي بطلة الفرقة آنذاك.
وجدير بالذكر أنها قد تميزت بقدرتها على تجسيد مختلف الشخصيات الدرامية وخصوصا التاريخية، وذلك نظرا لأن أداؤها التمثيلي بصفة عامة قد اتسم بالأداء المسرحي الكلاسيكي، وكذلك لإجادتها التمثيل في المسرحيات المقدمة باللغة العربية الفصحى، بصوتها الآسر المميز المعبر ومخارج ألفاظها السليمة وحروفها الواضحة والتزامها الدقيق بجميع قواعد النحو والصرف، بالإضافة إلى جمال صوتها وخصوصا في إلقاء الشعر، وقدرتها على توظيف صوتها المعبر القريب من القلب وامتلاكها لمهارات الأداء والتلوين الصوتي طبقا للمتطلبات الدرامية للدور.
هذا وتضم قائمة أعمالها المسرحية مجموعة كبيرة من الأدوار المتميزة ومن بينها بفرقة «رمسيس»: مرجريت بمسرحية غادة الكاميليا، سميرة بالفريسة، سيسيل في جاك الصغير، نيتو كريت في غرام الوحش، كلير في ملك الحديد، وبالفرقة «القومية»: كليوباترة في مصرع كليوباترة، فرنسواز في قلوب الأمهات، ليلى في مجنون ليلى، فوزية هانم في أصدقاؤنا الألداء، كلارا في الذهب.
ويذكر أن هذه الفنانة القديرة كادت أن تفقد حياتها فوق خشبة المسرح يوما ما، وبالتحديد أثناء تجسيدها لمشهد الشنق في مسرحية «أحدب نوتردام»، والذي تقوم فيه بتجسيدا شخصية فتاة تشنق نفسها في نهاية المسرحية، ولكى يظهر ذلك المشهد واقعيا أمام الجمهور كان يتم الاستعانة بخدعة توهم المشاهد أنها بالفعل تشنق، ولكن لسوء الحظ فشل تنفيذ الخدعة في إحدى ليالي العرض لأسباب ميكانيكية، مما كان سيعرضها للشنق حقيقية لولا لطف الله.
ويلاحظ أن الله قد منح هذه الفنانة القديرة جمالا ملائكيا ووجها بريئا طيبا جميل الملامح رشحها لأن تكون بطلة بالمسرح منذ البدايات، كما ساعدها هذا الجمال الأرستقراطي ذو الملامح التركية وخفة ظلها المصرية في اختيار المخرجين لها لتجسيد أدوار الأم أو الحماة الأرستقراطية المحافظة على عاداتها وتقاليدها في أغلب أفلامها السينمائية، لتجعل الجمهور من صدق إحساسها يشعر بأنها والدته، وقد تنوعت أدوارها في عالم السينما بين أدوار الشخصية الطيبة أو السيدة الاستقراطية الشريرة، ولعل أشهر أدوراها في هذا الإطار دورها في فيلم «ست البيت» مع الفنانة فاتن حمامة، ودور والدة (نينة) رشدى أباظة في فيلم «صغيرة على الحب»، وشخصية الناظرة الطيبة في فيلم «عزيزة»، والأم في «بور سعيد»، والجارة الطيبة في «البنات والصيف»، ومن أشهر أفلامها أيضا: الراهبة، وفاء إلى الأبد، موعد في البرج، التلميذة، الجريمة والعقاب، حب ودموع، إسكندرية ليه.
ونظرا للتميز الفني للفنانة زينب صدقي نالت في عام 1926 الجائزة الأولى في التمثيل الدرامى في المسابقة التي أقامتها لجنة تشجيع التمثيل والغناء المسرحى، كما حصلت عام 1930 على لقب ملكة جمال مصر، كما نالت جائزة الجدارة للفنون من الدولة المصري، وأيضا جائزة الرواد بمناسبة اليوبيل الذهبي للسينما المصرية من «جمعية الفيلم».
تزوجت الفنانة زينب صدقي في شبابها ولكن لم يدم زواجها إلا عدة أشهر، ومن المؤسف أنها كانت وحيدة قبل الزواج وأصبحت بعده وحيدة أيضا، وكان زملاء الوسط الفني والثقافي هم سندها وأسرتها، فشاركت في كثير من الصالونات الثقافية التي كان يقيمها بعض الرواد والمثقفون وتجمع بين رموز الفن والسياسة والثقافة، ومن بينهم الأساتذة صالح جودت، أحمد رامي، سليمان نجيب، يوسف وهبي وشكري راغب مدير الأوبرا وغيرهم. وقد عرفت «زينب» بلباقتها ورقتها وثقافتها وأرستقراطيتها رغم مواردها البسيطة من أعمالها الفنية.
وقد تعرضت الفنانة القديرة طيبة القلب وكريمة الأخلاق والطباع زينب صدقي للأسف إلى تخفيض قيمة معاشها بعدما تولى الأديب أحمد حمروش إدارة فرقة المسرح القومي، وذلك في محاولة لتقليل التكاليف بتقليص أجور ومعاشات الفنانين غير واضعا في الاعتبار الظروف الحياتية لهؤلاء الفنانين ولا إسهاماتهم الثرية وتاريخهم الفني المشرف، وبعد عدة سنوات طويلة قام الرئيس أنور السادات بمنح معاش استثنائي (قدره مائة جنيه) لعدد من كبار نجوم الفن، ليعينهم على مصاريف الحياة في كبرهم ومنهم الفنانة زينب صدقي.
ويحسب في رصيد «زينب صدقي» زرعها الخير في شبابها، ومن أوضح الأمثلة على ذلك أنها عندما علمت بوفاة أحد العاملين في الأوبرا وتركه لابنة صغيرة (كوثر حسن عباس)، قامت فورا بكفالتها واعتبرتها كابنتها وأطلقت عليها اسم «ميمي صدقي»، وأغدقت عليها بما يسعدها في فترة الطفولة، واهتمت بتعليمها حتى مرحلة الشباب. وتدور الأيام لتحصد «زينب صدقي» في سنواتها الأخيرة ما زرعته حينما أحسنت ابنتها رعايتها وكفلتها وغمرتها بكل مظاهر البر والعطف والاهتمام، وحتى عندما تزوجت من رجل لبناني طلبت من أمها أن تذهب معها لتقيم في بيروت، لكن «زينب صدقي» رفضت وفضلت أن تقضي ما بقي من عمرها في «مصر»، فما كان من الابنة إلا أن استأجرت لها جناحا في مستشفى خاص لتقيم فيه وعينت لها ممرضة خاصة تلبي احتياجاتها، كما حرصت على زيارتها مرة كل شهر على الأقل للاطمئنان عليها.
هذا ويمكن تصنيف مجموعة أعمالها الفنية طبقا لاختلاف القنوات المختلفة (سينما مسرح) مع مراعاة التتابع التاريخي كما يلي:
أولا: الأعمال المسرحية
ظل المسرح هو المجال المحبب للفنانة زينب صدقي، فقد تفجرت هوايتها لفن التمثيل به، كما أثبتت وأكدت موهبتها من خلاله بعدما تعلمت أصول التمثيل بفضل أساتذته (عزيز عيد، عبد الرحمن رشدي، أمين عطا الله، جورج أبيض، يوسف وهبي، زكي طليمات، عمر وصفي، فتوح نشاطي)، ومن خلاله أيضا شاركت في تجسيد عدد من أهم الشخصيات الدرامية، حتى أصبحت نجمة متوجة، وفي هذا الصدد يجب التنويه إلى أن الفترة من عام 1923 إلى عام 1953 تعد من أزهى فترات تألق الفنانة زينب صدقي مسرحيا. وهي الفترة التي بدأت بتأسيس كل من فرق: «رمسيس» (1923)، «فاطمة رشدي» (1927)، «اتحاد الممثلين» (1934)، «الفرقة القومية» بوصفها أول فرقة حكومية (1935) ضمت نجوم الفرق الكبرى الثلاث (جورج أبيض، رمسيس، فاطمة رشدي) - ثم إعادة تشكيلها تحت مسمى «الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى» عام 1942، وأخيرا إعادة تشكيلها مرة أخرى تحت مسمى الفرقة المصرية الحديثة عام 1953 (بعد دمجها مع فرقة «المسرح المصري الحديث”) - فخلال تلك الفترة تقاسمت أدوار البطولات النسائية مع الفنانات: روز اليوسف، فاطمة رشدي، أمينة رزق، فردوس حسن، دولت أبيض، روحية خالد، عقيلة راتب. ولكن بعد عام 1953 وضم أعضاء فرقة «المسرح المصري الحديث» - وجميعهم من خريجي «المعهد العالي للتمثيل» - ومواكبة ذلك ظهور جيل جديد من المخرجين الأكاديميين (نبيل الألفي، حمدي غيث، عبد الرحيم الزرقاني، نور الدمرداش، سعيد أبو بكر، كمال يس)، قام هؤلاء المخرجون بمنح فرصة التألق لجيل جديد من نجمات المسرح وفي مقدمتهن: نعيمة وصفي، ملك الجمل، عفاف شاكر، سميحة أيوب، سناء جميل، فكانت النتيجة هي تقلص فرص البطولات أمام الفنانة زينب صدقي وباقي نجمات جيلها. هذا ويمكن تصنيف مشاركاتها المسرحية طبقا لاختلاف طبيعة الفرق (جهة الإنتاج) مع مراعاة التتابع الزمني كما يلي:
1 - «أمين عطا الله» (الأوبرا كوميك): صباح الخير، القضية نمرة 14، المجنونة، صندوق الدنيا (1919)، الأميرلاي كشكش بين الخنادق (1921)، المنحوس، نيويورك (1922).
2 - «رمسيس»: صرخة الألم، الشياطين السود، الأنانية، عبد الستار أفندي (1923)، المحامي المزيف، الجاه المزيف، في سبيل التاج، فيدورا (1924)، أحدب نوتردام، كليوباترة، الفريسة، الوطن، تيار الملذات، حياة المقامر (الموت المدني)، صاحب الملايين، عشرين ألف جنيه، البئر، الحب المغناطيسي، الذبائح (1925)، هرناني، الفضيحة، الكوكايين، الكونت دي مونت كريستو، الوحوش، تحت العلم، التهديد، سيزار دي بورجيا، نائب رغم أنفه، وراء الهملايا (1926)، قلوب الهوانم، القاتل، البيت المحاصر، ملك الحديد، جاك الصغير، الشرق والغرب، النسر الصغير، يوليوس قيصر، إسرائيل (1927)، نيرون، القضية المشهورة، أرسين لوبين، شجرة الدر، غرام الوحش، الصديقتان، العرش، الجيش، قيصر بول، الأخرس (الكابورال سيمون)، كاترين دي مدسيس، البرج الهائل، البرنس جان، الخائن (1928)، من المجرم؟، اللهب، الحب المحرم، باجي سقا، قيصر لوك، مارجريت دي بورجينا (1929)، بهوات الريف، بنات الهوى (1930)، ثلاث عرسان وعريس (1935).
3 - «فاطمة رشدي»: الحب المحرم، مجنون ليلى (1930)، آنا كارنينا، فاطمة (1931).
4 - «اتحاد الممثلين»: القصاص، المستهترة، الحلاق الفليسوف، الست درية، الولادة بلقيس، جميل وبثينة، صرخة الطفل، العصامي، فتاة شنغهاي، مجنون ليلى، هوراس، الإسكندر الأكبر (1934).
5 - «المسرح القومي»: السيد، أندروماك، تاجر البندقية (1936)، سر المنتحرة (1937)، العواطف، طبيب المعجزات، مصر الخالدة، مجنون ليلى (1938)، مصرع كليوباترة (1939)، رجال، سلك مقطوع، مروحة الليدي وندرمير (1942)، زوج كامل، غادة الكاميليا (1943)، أصدقاؤنا الألداء (1949)، الذهب (ديفيد كوبر فيلد)، أسرار القصور، قلوب الأمهات (1951)، الشهيدة (1952).
6 - «الحديث»: القنبلة الثالثة (1963).
وجدير بالذكر أنها ومن خلال مجموعة المسرحيات التي شاركت في بطولتها قد تعاونت مع نخبة من المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة: عزيز عيد، عبد الرحمن رشدي، أمين عطا الله، يوسف وهبي، استيفان روستي، فاطمة رشدي، جورج أبيض، زكي طليمات، عمر وصفي، فتوح نشاطي، أحمد علام، سراج منير، فوزي درويش.
ثانيا: أعمالها السينمائية
شاركت الفنانة زينب صدقي في إثراء مسيرة الفن المصري ببطولة خمسة وستين فيلما، وكانت أولى مشاركتها - وهي في عمر الثامنة والثلاثين - بفيلم «كفري عن خطيئتك» من إخراج عزيزة أمير عام 1933، وتضم قائمة مشاركاتها السينمائية الأفلام التالية: كفري عن خطيئتك (1933)، الاتهام (1934)، لافولنت (1939)، امرأة خطرة (1941)، على مسرح الحياة (1942)، رصاصة في القلب (1944)، أول الشهر، قبلة في لبنان، الصبر طيب، بين نارين، مدينة الغجر (1945)، دايما في قلبي، النائب العام، اليتيمة، الأحدب، عواصف، هدمت بيتي (1946)، معروف الإسكافي، عدو المجتمع (1947)، فتاة من فلسطين (1948)، نادية، ست البيت (1949)، جوز الأربعة، الصقر (1950)، وداعا يا غرامي، أولادي، ليلة غرام، نهاية قصة (1951)، سيدة القطار، مصطفى كامل (1952)، أنا ذنبي إيه؟، تاجر الفضائح، مؤامرة، المرأة كل شيء، عائشة، وفاء (1953)، الحياة الحب، كدت أهدم بيتي، وعد، عزيزة (1954)، حب ودموع، إني راحلة، عهد الهوى (1955)، القلب له أحكام، كفاية يا عين (1956)، الجريمة والعقاب، بورسعيد (1957)، ارحم حبي، مفتش المباحث (1959)، البنات والصيف، ثلاثة رجال وإمرأة (1960)، معبد الحب، السبع بنات، التلميذة (1961)، موعد في البرج، الزوجة 13، وفاء للأبد (1962)، سنوات الحب، ثمن الحب (1963)، الباحثة عن الحب (1964)، الراهبة (1965)، عدو المرأة، صغيرة على الحب (1966)، إسكندرية ليه؟ (1979)، لابيلور (1983).
ويذكر أنها قد تعاونت من خلال مجموعة الأفلام السابقة من نخبة متميزة من كبار مخرجي ورواد السينما العربية وفي مقدمتهم الأساتذة: عزيزة أمير، محمد كريم، محمد عبد الجواد، صلاح أبو سيف، محمود ذو الفقار، أحمد كامل مرسي، أحمد بدرخان، عمر جميعي، حسين فوزي، عز الدين ذو الفقار، حلمي حليم، إبراهيم عمارة، حلمي رفلة، جمال مدكور، حسن الإمام، عاطف سالم، هنري بركات، فطين عبد الوهاب، نيازي مصطفى، سيف الدين شوكت، حسام الدين مصطفى، كمال الشيخ، أحمد ضياء الدين، يوسف شاهين.
وجدير بالذكر أن الفنانة القديرة زينب صدقي قد امتد بها العمر إلى ما يناهز ثمانية وتسعين عاما، حيث رحلت عن عالمنا في 23 مايو 1993. وإن كانت قد قضت سنوات طويلة من عمرها بعيدا عن الأضواء، وبالتحديد ما يقرب من ثلاثين عاما، وذلك منذ آخر مشاركاتها المسرحية عام 1963، حيث لم تشارك منذ ذلك التاريخ سوى بخمسة أفلام (كان آخرها عام 1983). والحقيقة أنها قررت اعتزال التمثيل المسرحي بصورة شبه نهائية مبكرا، واختارت يوم ميلادها عام 1954 ليكون ذكرى إعلانها عن ذلك القرار الجرئ، وقد يعود السبب الرئيسي في ذلك إلى حرص بعض القيادات الفنية بالفرقة «المسرح القومي» على تقييد وتهميش مشاركاتها المسرحية، حتى أنها لم تشارك بالفرقة منذ بداية الخمسينات سوى في مسرحيتين فقط، فاستسلمت للأمر الواقع بهدوء وبشخصيتها المسالمة التي ترفض دخول الصراعات وتفضل تجنبها والإبتعاد عنها، اعتزازا بكرامتها الإنسانية والفنية وعزة نفسها التي لا تقبل مطالبة المسؤولين بحقها في توفير فرص العمل. خاصة وأنها قد عرفت في الوسط الفنى بلقب: «قمر الزمالك الأرستقراطية»، وحول موضوع اعتزالها صرحت في إحدى اللقاءات الصحافية: «الأرستقراطية التي أعيش فيها لا تعنى أننى ثرية، فالحقيقة غير ذلك تماما فأنا لا أملك إلا الستر، واضطررت إلى بيع كل ما أملك حتى القرافة (المدفن)، ورغم أنني في حاجة للعمل لأعيش (توفير متطلبات حياة) إلا أنني أحب الاحتفاظ بكرامتى الفنية، وأن أعيش في الخيال الجميل الذي عشت فيه دوما حينما قمت بتقديم أدوارى الخالدة. لهذا آثرت اعتزال المسرح الذي اعتبره حياتى وأنا في القمة قبل أن يعتزلنى أو أهبط إلى القاع، ذلك لأن جمهور المسرح الحديث لا يعجبهم الفن القديم إضافة إلى انصراف الجمهور المثقف عن المسرح لأنه أصبح لا يجد فيه ما يسره».
رحم الله الفنانة القديرة زينب صدقي التي عشقت الفن ومهنة التمثيل بكل الصدق فأخلصت في جميع أعمالها وبذلت قصارى جهدها في تجسيد مختلف الشخصيات الدرامية، فاستطاعت تحقيق النجاح ووضع بصمة متميزة لها بجميع أدوارها سواء في المسرح أو السينما، خاصة بعدما أدركت مبكرا ضرورة تنمية مهاراتها الفنية وتطوير طريقة وأسلوب أدائها بما يتناسب مع طبيعة العصر، فنجحت في تحقيق ذلك بمحاولاتها الجادة الصادقة.


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏