في ندوة عرض «شقة عم نجيب» سامح مهران: لم نتعامل مع واقع نجيب محفوظ إنما مع ماض مستمر

في ندوة عرض «شقة عم نجيب» سامح مهران: لم نتعامل مع واقع نجيب محفوظ إنما مع ماض مستمر

العدد 556 صدر بتاريخ 23أبريل2018

أقام المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، الأسبوع الماضي ندوة حول عرض «شقة عم نجيب» تأليف د. سامح مهران وإخراج جلال عثمان، ديكور نهاد السيد، موسيقى د. ياسمين فراج، بطولة هبة توفيق، وشريف عواد وعدد من شباب مسرح الغد. أقيمت الندوة في إطار الندوات التطبيقية التي يقيمها المركز. ناقش العرض الناقدان جلال الهجرسي وأحمد خميس، في حضور مؤلف العرض د. سامح مهران، ومدير عام مسرح الغد المخرج سامح مجاهد، ومخرج العرض جلال عثمان ومهندسة الديكور نهاد السيد، والدكتورة ياسمين فراج مؤلفة الموسيقى.
استهل الناقد جلال الهجرسي الندوة موضحا أن لديه مشكلة في التعامل مع العرض كفنان وممثل، فهو على علم تام بطبيعة الجهد والطاقة المبذولة على خشبة المسرح من الممثل والممثلة هنا، مشيرا إلى أنهما «عمود العرض» وبمثابة الروح الناطقة الحية، التي تعطي حيوية لكل مفردات العرض المسرحي. أضاف: في عرض «شقة عم نجيب» نحن بصدد نظرة إلى عالم نجيب محفوظ الأدبي، بتفسيره التاريخي لمفهوم “المواطنة” حيث ترمز بطلة العرض إلى مفهوم المواطنة، وفق تفسيري.
وأضاف: فيما يخص مكان الفرجة المسرحية فمن الثابت في جميع العروض دائما وجود مكان ثابت للمتفرج، وهناك دائما المكان المتغير وهو مكان المؤدين، حيث تتغير المناظر وتأثيرات الضوء ونقلات المشاهد. تابع: ولكن في «شقة عم نجيب» نجد العكس فنجد تعدد المناظر في مكان ثابت، وتحرك للمتفرج نحو كل منظر مسرحي، ونحن هنا بصدد محوري الثابت والمتغير، فالثابت هنا القاعة، التي تتكون من جدران ثابتة وستة مناظر مسرحية، بالإضافة إلى «شقة عم نجيب». أوضح: كل هذا الفراغ من المكان الخارجي للأبراج إلى مكان الشقة، تم الجمع بين الاثنين ليكونا جزأين من مكان عظيم الدلالة وهو عالم نجيب محفوظ، عالم «المواطنة المصرية». أشار أيضا إلى أن هناك اهتماما بالتكنيك، حيث حول المخرج المتفرج إلى كاميرا تقوم بالتصوير في بلاتوه وتتنقل بين الديكورات من خلال لوكيشن واحد وتتنقل من منظر إلى منظر مسرحي آخر، وذلك على غرار ما كان يقدم في السهرة التلفزيونية مع بدايات التلفزيون، حيث تتنوع المناظر داخل لوكيشن واحد.
وتابع: “التفكير في عالم نجيب محفوظ لا يخلو من الأصالة، فهو فكر له قوام مرتبط بالنظرة الشمولية العميقة، كما يترتب على انتقال المشاهدين داخل الديكورات شكل دائري، في مناظر ثابتة، المتحرك فيها هم المشاهدون، وهو ما يعد مهما لمنظومة الفرجة المسرحية ومنظومة التلقي”.
واختتم حديثه بشكر المخرج جلال عثمان ولبطلة العرض الفنانة هبة توفيق، مشيرا إلى أنها حافظت على الطاقة والفهم وتطور الانفعال، وهي ثلاثة أشياء يعتمد عليها الممثل، موضحا أن الحفاظ على الطاقة يحافظ على درجات الانفعال صعودا وهبوطا، وهذا بدوره ما يحافظ على الطاقة الأدائية ويجعل بها حيوية، وهو ما تمتعت به الفنانة هبة توفيق رغم قرب المسافة بين الممثل والمتلقي. أضاف: الأمر الذي وضع المتلقي في حالة إيهامية، كما لو كان المسرح به غلاف شفاف، ووجه الهجرسي الشكر إلى الممثل أحمد نبيل والممثلة مروة يحيى لتمتعهما بما تمتعت به هبة توفيق من الفهم والطاقة والانفعال.
الناقد أحمد خميس قال: بدا من العرض اهتمام الدكتور سامح مهران مؤلف العرض بأهمية دور المرأة وانتصاره لقضاياها، موضحا أن الرجل في أحداث العرض انتصر للماضي، ودخل إلى دولاب الملابس مثل شخصيتي “سي السيد وزبيدة”، ولكن هناك دافعا ومقاومة، حيث فتح المجال لصوت المرأة كانتصار لدور المرأة في اللحظة الراهنة. أضاف: بالرجوع إلى الوراء سنجد أن العرض بدأ من فكرة عادية وبسيطة: شاب وشابة ينتظران تحقيق حلمهما في الزواج، وبالرجوع إلى عام مضى سنجد أيضا عرض «إنبوكس» الذي قدم على خشبة مسرح الغد، تدور قصته حول رجل وامرأة على حدود الحلم، يرغبان في الارتباط، ما يشير إلى أن سامح مهران يبدأ من فكرة عادية، ثم ينتقل إلى خيال آخر وأبعاد أخرى.
وأعرب أحمد خميس عن سعادته باستجابة الجمهور لهذا النوع من العروض. وتابع: «الكثير من النقاد والمخرجين يعون جيدا فكرة وأهمية الدراماتورج، ولكن مع الدكتور سامح مهران نجد أنه على وعي مختلف بدور الدراماتورج، فلم نقابل شخصيات نجيب محفوظ التي نجدها في رواياته، ولكننا نجد أن الشخصيات توضع في قالب آخر، على سبيل المثال شخصية «ريري» في رواية السمان والخريف، هل هي نفسها شخصية السمان والخريف، أم أصبحت ابنة اللحظة الراهنة؟ وقد تم تناول الشخصية على امتدادها لتتصل باللحظة الراهنة، كذلك شخصية «عيسى الدباغ» الذي ارتضى بدخول «ريري» إلى الثلاجة حتى تقابل شخصية “سعدية”، فنحن داخل جدل شديد مع تكوين الشخصية ومقابلتها باللحظة الراهنة، وما يحدث من تغيرات في المجتمع، أيضا شخصية «علي» ابن القاهرة الجديدة، تماثل شخصيته شخصية “سعدية” في العرض، ويعد امتدادا لها، وهو ما يدفعها إلى التفكير في التخلص من الماضي، فالشخصيات تحركت وفق إعداد الرواية. تابع: هناك أيضا شخصية «محجوب عبد الدايم» الذي تجرد بشكل تام من التكوين حتى أصبحت شخصية «محجوب عبد الدايم» ذات فكر نفعي أيضا في التعامل مع اللحظة الراهنة، فهو يريد تحويل شخصية “سعدية”، لتصبح متوافقة مع شروط الواقع.
ومن هنا نجد أن د. سامح مهران تعامل مع الشخصيات وأفكارها وبدأ في البناء عليها بالمنطق المتوافق مع اللحظة الراهنة، منتقلا ما بين الواقعي والتعبيري والفنتازي، وهي فكرة نسترجع بها بداية مسرح الغد، وقد سبق وقدم عرضا بمثل هذا التكنيك في أول عروض مسرح الغد.
تابع خميس: وقد تعامل المخرج جلال عثمان بتكنيك مختلف وغير تقليدي على مستوى التلقي، وتعاملت مهندسة الديكور نهاد السيد بشكل مختلف، بما يتناسب مع هذا النوع من الدراما، حيث بدأت بمكان تقليدي منتقلة إلى مكان متطور ومختلف، وهي تقوم بجعل المتفرج ينسحب من الشكل التقليدي إلى الأشكال الأخرى المختلفة، وقد تنوع العرض في طرح ذلك من خلال الديكور.
وأشار أحمد خميس إلى أن هذه التجربة ليست التجربة الأولى بين المخرج جلال عثمان والدكتور سامح مهران، فقد قدما من قبل تجارب مميزة. وأشاد خميس بأداء شخصية “ريري” التي قدمت بشكل جيد ومتميز، وإجادة الفنان خضر زنون الانتقال من شخصية إلى أخرى، إضافة إلى دور الموسيقى في التعبير عن المشاهد، مشيرا إلى أن الدكتورة ياسمين فراج قدمت أفكارا موسيقية تناسب تكوين الشخصيات، وأن هناك إحساسا بالموسيقى جعلتها تقدم الكثير من الموتيفات الموسيقية المناسبة لكل مشهد.
مؤلف العرض د. سامح مهران قال: «عندما تعاملنا مع نجيب محفوظ لم نتعامل مع واقع نجيب محفوظ، ولكننا أخذنا من الماضي المستمر، فنحن في الماضي المستمر منذ 100 عام، لم يتحرك إلى الأمام، فالنماذج كما هي، والانقسامات كما هي، في شخصية السيد (أحمد عبد الجواد) التي قدمها الممثل هادي محيي، نلاحظ طول شعره، فهو تعبير عن الماضي المستمر، وأن هذا الماضي لا يزال مستمرا في الحاضر، فهذا الشاب ليبرالي ولكنه محتفظ بشخصية (السيد أحمد عبد الجواد)”. أضاف: هناك أشياء عادية لا بد من الالتفات إليها، حيث تعبر عن أمور هامة. وأشار إلى أن شخصية محجوب عبد الدايم أصبحت ظاهرة، في ظاهرة القوادة التي تلتهم أجيالا كثيرة، ومن خلال العرض تحدثنا عن الطبقات الشعبية التي لم يلتفت أحد إليها، والتي تتجسد في شخصية «ريري» التي وضعت في الثلاجة، ولم يلتفت أحد إليها، وكذلك شخصية “ذو الرأسين” التي يقدمها الممثل أحمد عبد الرحيم، والتي تعبر عن الإرهاب الأسود الذي يدعي أن الحرية الحقيقية هي التخلص من كل متطلبات الإنسان المادية، وكأنه هابط من السماء ليقتل كل مطالبة على الأرض حتى تستمر فكرة الإرهاب، وقد كنت أتمنى أن تهبط شخصية «ذو الرأسين» وهو ملثم. أيضا شخصية الثوري في «القاهرة 30» التي تصلب على الحائط، وعندما يهبط يتم صلبه مرة أخرى، وكأن المسيح يصلب وقد آن الأوان ليتحرر.  وفي نهاية العرض نوضح أن المرأة المصرية هي القاطرة التي تجذب المجتمع إلى الأمام.
بينما أشار المخرج جلال عثمان إلى أن الدكتور سامح مهران هو رفيق رحلة، فقد قدم معه عدة أعمال، وذكر المخرج جلال عثمان أنه متفق مع طرح ورؤية مهران، مشيرا إلى أنه وضع في حسبانه أن القاعة تختلف عن خشبة المسرح التقليدية، وكان العمل على كيفية تحويل القاعة إلى شقة، ليشعر المتلقي بأنه داخل شقة. أضاف: كنت مهموما بشكل السينوغرافيا حيث طرحت مهندسة الديكور نهاد السيد عدة رؤى حتى اتفقنا في الرؤية، واستطعنا أن نعبر عن حقيقة هذا العالم، مشيرا إلى أن اللونين الأبيض والأسود يعبران عن الماضي المستمر، ويمثل خطا للمستقبل، من خلال شخصية «سعدية» التي ترفض الانقسام، مؤكدا أن مشاركة الجمهور كانت جزءا فعالا في الرؤية.
بينما قالت الدكتورة ياسمين فراج إن شخصية «ذو الرأسين» هي إحدى الشخصيات التي قدمت في إحدى روايات نجيب محفوظ، وقد استطاع الممثل أحمد عبد الرحيم استخدام صوته وتلوينه بشكل جيد، وقدم مجهودا كبيرا رغم ضيق المساحة. أضافت: الأدوار المركبة تستلزم موسيقى مركبة أيضا وهو ما حدث مع شخصية “ذو الرأسين”، وأوضحت فراج أنها اعتمدت على الإعداد والتأليف معا داخل العرض، موضحة أن هناك فرقا بين الإعداد والتأليف الموسيقي والتلحين، مشيرة إلى أن الإعداد هو الإتيان بألحان معروفة وتوظيفها داخل العرض المسرحي.
واختتمت الندوة بكلمة المخرج سامح مجاهد مدير مسرح الغد الذي قال: تعاملنا بروح فريق واحد، وتعاون كبير أثمر عن خروج العرض بهذا الشكل.
رنا رأفت

 


رنا رأفت