المخرج أشرف عزب: أيوب وناعسة إسقاط تراثي على الواقع المصري المعاصر

المخرج أشرف عزب: أيوب وناعسة إسقاط تراثي على الواقع المصري المعاصر

العدد 544 صدر بتاريخ 29يناير2018

بقاعة صلاح جاهين على مسرح البالون يقدم قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية العرض المسرحي (أيوب وناعسة) من التراث الشعبي للمخرج أشرف عزب الذي يتولى إدارة الخدمات الفنية وجمع التراث بالقطاع. يحمل عزب دبلومة الدراسات العليا في النقد والدراما من المعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون، أخرج الكثير من المسرحيات لمسارح الدولة والهواة والثقافة الجماهيرية والجامعات، منها لمسرح الشباب (المسخ)، (والواد غراب والقمر) للمسرح للحديث، و(القدر) للطليعة، وأخيرا (أيوب وناعسة) للفرقة القومية للموسيقى الشعبية
شارك عدة مرات في المهرجان التجريبي ونال الكثير من أشكال التكريم من عدة جهات فنية، وحصد الكثير من الجوائز في الإخراج. له ممارسات نقدية بالصحافة الفنية. ونظرا لعمق تناوله الفني للأعمال التراثية كان لا بد أن نتحاور معه لتوضيح الكثير من النقاط الهامة حول عرض (أيوب وناعسة)، وكذلك ما تقدمه إدارة جمع التراث التي يتولى إدارتها.

لماذا أيوب وناعسة الآن؟
أيوب وناعسة حكاية تراثية وجدت بها تشابها مع الواقع المصري بعد ثورة 25 يناير، بمعنى أن حالة العجز والمرض التي أصابت المجتمع المصري شبابا ورجالا والشعب بشكل عام وجدت بها تشابها مع شخصية أيوب في الحكاية التراثية، وفي نفس الوقت ناعسة التي صبرت وتحملت الكثير لمرض أيوب مثل مصر تماما في تحملها والصعاب التي تمر بها، لهذا وجدت هذا التشابه بين هذه الحدوتة التراثية والواقع المصري، وما أكد هذا التشابه شخصية الغزاوية، هذه الشخصية هي التي تحاول الإيقاع بناعسة، والغزاوية شخصية رمزية.

إذن ما تقدمه هنا هو استلهام للتراث مع إسقاطه على الواقع.
إن استلهام التراث له ثلاث نظريات أو مدارس أساسية لتناوله: منها النظرة التقديسية للتراث أي تقديم التراث كما هو، والنظرة التغريبية للتراث أي تقديم التراث بشكل غريب عن الواقع، وثالثا ما نسميه الأصالة والمعاصرة، أي نأخذ من التراث ونسقطه على الواقع الموجود سواء أكان إسقاطا سياسيا أو إسقاطا فكريا.

كيف قدمت شكلا تحديثيا لتلك المادة التراثية؟
حاولت الوصول للجمهور بشكل بسيط فانتهجت المنهج الملحمي أو المنهج البريخيتي فيما يسمى بكسر الحائط الرابع أو كسر الإيهام للوصول للناس، فاخترت قالب الفرجة الشعبية أو ما يسمى بالتحبيظ وهو الأشبه بأداء الشخصية من الخارج عند بريخت، فلجأت إلى مجموعة من الكورس والكورال، الشباب والبنات يقومون بدور الكورس الإغريقي وهو هنا كما عند بريخت، يقدم التعليم أو التحريض.
ما الفكرة في المزج بين الموسيقى الحية والموسيقى المسجلة؟
توجد ثلاثة مستويات للموسيقى: موسيقى بلاي باك، وموسيقى هاف بلاي باك، وموسيقى حية تماما. فالموسيقى البلاي باك مسجلة في الاستوديو بأوركسترا كامل وهي أصوات الكورس وأصوات المقدمة والبداية والنهاية، أما التنويعات على اللحن الأصلي أو مايسمى اللحن والإيقاع الأيوبي فقام بإعادة توزيعه الملحن أحمد الحجار وقام باستغلال هذه التيمة في ثمانية مقطوعات، حاول التغيير فيما بينها، فهذه موسيقى حية ومنها ماهو هاف بلاي باك وهو الخاص بمروة ناجي وشريف عبد الوهاب ولبنى الشيخ، فلبنى مثلا ليست مطربة متمكنة من الغناء اللايف، فأخذنا صوتها مسجلا وكذلك حمدي هيكل، لكن الباقين وهم محترفي الغناء فغنائهم حي، والمنشدين عامة معظم غنائهم لايف، لأنه يعتمد على الحالة الوجدانية مع الناس، وهي حالة يصعب تحقيقها مع البلاي باك.

ما مدى تجاوب الجمهور مع تلك التجربة؟
التجاوب كبير جدا ونلاحظه مع كل إفيه أو قفشة، وكذلك مع الغناء، وقد تصدر أحيانا صيحات إعجاب من الجمهور تجاه غناء معين، مثل غناء مروة ناجي أو ميادة سليم أو فتحي الهواري، فغالبا مانجد هذا الإعجاب الحي خصوصا أن في المسرح العلاقة مع الجمهور تتميز عن أي فن آخر بخاصية (هنا والآن) أي هنا هذا يحدث الآن، فيصنع حالة معايشة مع الجمهور، فالجمهور في بعض الأحيان يوقف سير العرض ويطلب إعادة من مروة ناجي في الغناء، بالأمس مثلا أحد المتفرجين طلب منها أغنية مختلفة تماما ليست في العرض، إذن توجد حالة التجاوب. سيد جبر يقوم بعلاقة حرة مباشرة مع الصالة، ويسأل الجمهور ويأخذ منهم الإجابات فيصنع حالة التجاوب والمعايشة. وأيضا الكورس منهم من يتداخلون مع الصالة مثل ميتو وباسم وأحيانا يقولون ويردون مع الجمهور.
يلاحظ أنه تم استخدام التعبير الحركي الحديث في هذا الموضوع والشكل التراثي.
حاولت تقديم الكورس بشكل جديد، ملابسهم ملابس عصرية ومختلفين عن باقي الشخصيات، فلدينا مستويين المستوى الأول الحكي والثاني التمثيل داخل الحدوتة والذي يقوم به الخمس شخصيات وهم أيوب وناعسة وعمار وهمام والغزاوية، وهناك مستوى الحكي أو السرد وهو ما تقوم به الشخصيات الخارجية وهم الشباب المعاصرين، وبالتالي عندما تم تقديم التعبير الحركي صممنا ماهو يتناسب معهم، فمثلا يرقصون رقصة العصا لكن ملابسهم عصرية باللونين ذهبي وأسود، فهنا نصنع حالة المزج بين الأصالة والمعاصرة أي تكوين حالة تناول التراث بين تأصيله ومعاصرته.

رغم قتامة الأحداث وتراجيدية الدراما في حكاية أيوب وناعسة فإن السينوغرافيا تضمنت ألوانا تحمل نظرة متفائلة وإيجابية.
حاولت بالاشتراك مع مصمم الديكور د. وحيد السعدني أن نقدم الحدوتة بها شيء من التفاؤل والبهجة وليست شديدة الكآبة، خاصة وأن نهايتها سعيدة، حيث يشفى أيوب ويعود ثانية، فنزعنا مسألة النظرة السوداوية ونظرنا للموضوع بشكل أكثر بهجة وشيء من المرح. فأخذنا الجو البدوي القديم ومزجناه بجو الخيامية العربي كي يعطينا حالة العروبة بشكل عام والحالة التراثية الشعبية، وفي نفس الوقت لا تستطيع أن تقول أيوب من أي بيئة؟ لأن القالب الموضوع فيه هنا صار به أيوب ينتمي إلينا جميعا وإلى كل ناطقي اللغة العربية في أي مكان.

هل تناول الموضوعات التراثية جديد بالنسبة إليك بوصفك مخرجا؟
هذا مشروع تقدمنا به أنا والزميل طارق حسن إلى الفنان هشام عطوة رئيس البيت الفني للفنون الشعبية، وهو مشروع تقديم السيرة الشعبية ويتضمن تقديم 25 عرض مسرحي تبدأ بأيوب وناعسة ثم أدهم الشرقاوي، وسعد اليتيم، سيف بن يزن، عنترة الهلالي، علي الزئبق، أبو زيد الهلالي، حسن ونعيمة، وياسين وبهية، وعرض كيد النسا، وحمزة البلهوان، والأميرة ذات الهمة فاطمة بنت مظلوم، موضوعات تراثية كثيرة والسيرة الهلالية تتضمن أجزاء كثيرة. فاتفقنا على تقديم عروض تخص هوية البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية وتتماشى معه ومع طبيعة الفرق، فعندما أنتج عملا فنيا من خلال الفرقة القومية للموسيقى الشعبية توجد الربابة والمزمار والطبل البلدي والأرغول والناي، كل هذا يتم توظيفه داخل الأعمال وهو ما يتحقق في الأعمال الشعبية ويحقق الجماهيرية المطلوبة.

تعني أن مهمة البيت الفني للفنون الشعبية ومهمة إدارة الخدمات الفنية وجمع التراث التي تقوم على إدارتها ليست مجرد جمع المادة أو توثيقها فقط، بل وإنتاجها وتقديمها أيضا للمتلقي؟
لماذا نجمع التراث؟ كي نقدمه للناس، وكي نذكر الناس به، فهو عبارة عن مخزون من العادات والتقاليد والقيم والتي بدأت تفقد في المجتمع، فبدأنا نرى الناس لا تحترم الكبير ولا تحترم الجار ولا تحترم حرمة الآخر، فهذه كلها قيم تهدمت بالمجتمع، وعندما نبحث في التراث نجد أن كل هذه القيم لها مردود في أعمال تراثية موجودة، فنجدها مثلا في المسمع الإذاعي عوف الأصيل أو معروف الإسكافي الذي كنا نسمعه قديما، كل ماهو تراثي به قيم ونحن نبحث عنها لنرسخها مرة ثانية. وعندما استحضر هذا المخزون من القيم والعادات والتقاليد والأغاني التراثية فهذا استلهام لأنه يوجد فرق بالبيت الفني تبحث عن هذا وتبحث عن التجديد والتطوير فيما تقدمه من أعمال. فعندما أكشف له عن قطعة موسيقية لم يسمعها من قبل يمكن أن تفتح له بابا للخيال ولاستلهام منتج جديد، فمثلا عندما أجمع تراث النوبة، النوبة بها ثلاثة لغات بثلاث أماكن جغرافية بينما مايقدم في فرقة رضا هو نوع واحد، ومايقدم في الفرقة القومية هو نوع واحد، فأين باقي الأنواع؟ وعندما أفتح هذا الباب للمبدعين فإنه يثير مخيلة المبدع في النوعين الآخرين، فبدلا من تقديم رقصة واحدة ستقدم ثلاثة رقصات، وكذلك البيئة البدوية فلدينا شمال وجنوب سيناء والبحر الأحمر مرسى مطروح والواحات، مايقدم في مصر هو فقط من مرسى مطروح والواحات. فأين الباقي؟ فهو غير موجود وغير مجموع. وعندما أبدأ بطرح موضوعات في مشروع السيرة وجمع التراث الشعبي إذن فأنا أفتح لك بوابات جديدة وأفق جديد للعمل. تلك هي فلسفتي في إدارة هذا المكان.

هل يوجد مشروع يتضمن فريق باحثين لاستكشاف وجمع هذا التراث من مصادره الأصلية؟
نعم يوجد مشروع تقدمت به للإدارة وتمت الموافقة عليه وهو مشروع جمع التراث الشعبي وهو عبارة عن ثماني بعثات، كل بعثة مكونة من خمسة عشر فردا، بهم أحد خبراء التراث الشعبي مثل الدكتور أحمد مرسي والدكتور سميح شعلان والدكتور عطارد شكري فيكون كل منهم على رأس بعثة ومعه فريق كامل به مصور فيديو ومصور فوتوغرافيا ومسجلو بيانات ومحللو بيانات وجامعو المواد وهم باحثون ميدانيون يذهبون للقرى والكفور والنجوع. فلنفرض أنني ذهبت لمكان وجدت به رقصات انتهت فألجأ إلى ما يسمى بالإخباريين وتوجد سبل لانتقائهم وتوجد استمارات استبيان لجمع المعلومات، وبالتالي يصبح لدي بيانات كاملة، وهذه البعثة يكون بها مصمم من فرقة رضا ومصمم من الفرقة القومية وكاتب أشعار يستمعون ويحضرون احتفالات أعياد الميلاد والزواج وكل الاحتفالات التي تقام بهذه الأماكن. توجد بعثة سترحل إلى الواحات وكذلك إلى النوبة وجنوب سيناء والبحر الأحمر والقناة ووسط الدلتا، يستقبلهم المحافظون ويقيمون باستراحات المحافظة التي توفر لهم وسائل الانتقال والمعيشة. هذا المشروع لو تكفلت به الدولة سيتكلف مبلغا خرافيا، أما هذا المشروع الذي قدمته فميزانيته تبلغ 480 ألف جنيه فقط.

ومتى يبدأ انطلاق تلك البعثات؟
بدأنا بالفعل التجهيز لأول بعثة تتجه إلى الواحات ومرسى مطروح، فلدي تخوف من تغيير ديموجرافيا المكان، فمرسى مطروح والواحات بعد بدء مسألة استزراع المليون فدان والوحدات والطرق الجديدة التي بدأ إنشاؤها هناك، من الطبيعي أن ذلك سيغير من البيئة الجغرافية هناك وبالتالي العادات والتقاليد، فأحاول اللحاق بالعمل هناك بهذه البيئة البكر قبل أن تتلوث بدخول العمران والتحضر وحدوث التغير الاجتماعي.

ما مشاريع الإدارة في الفترة القادمة غير ذلك؟
لدينا ما ذكرناه حول مشروع عروض السيرة الشعبية، وأيضا جمع التراث الشعبي، كذلك تم عمل أرشيف للبيت الفني منذ بدء تاريخه وحتى الآن، قمت بعمل تأسيس لتاريخ الفرق في كتيب شامل تاريخ الفرق كلها حتى الآن، وتم الاتفاق مع المركز القومي للمسرح على طباعته، سيتم الإعلان عنه في مؤتمر صحفي.
أنت بصفتك مخرجا بعيدا عن الإدارة ما هي مشاريعك القادمة؟
أقوم بإخراج مسرحية البؤساء أو أطفال المتاريس تأليف سعيد حجاج لهيئة قصور الثقافة، كما أتولى مسئولية الإشراف على مسار المسرح في مسابقة (باديب) للهوية الوطنية، وهو مهرجان مسرحي دولي تشارك فيه كل الدول العربية، وهذه مسابقة يقيمها مركز المستشار أحمد باديب للاستشارات والدراسات الإعلامية في المملكة العربية السعودية، وجائزة باديب هذه تمنح في خمسة فروع منها المسرح والقصة القصيرة والشعر والفن التشكيلي والتأليف الموسيقي، وقد بدأ تلقي الأعمال من المشتركين من سن 18 إلى 40 سنة لتشجيع الشباب، بشرط أن يكون العمل باللغة الفصحى، لتأكيد التواصل والهوية العربية الموحدة بين المشاركين. واشترطنا هذا العام أن يتناول الموضوع الهوية الوطنية. وقد تم انتقاء خمسة عروض من بين واحد وعشرين عرضا من كل الدول العربية، العروض الخمسة المختارة من السعودية والعراق والكويت والإمارات وعرض من مصر إخراج خالد العيسوي، في الفترة من 22 فبراير إلى 26 فبراير تحت رعاية وزارة الثقافة المصرية وجامعة للدول العربية ومركز باديب. أما لجان التحكيم فهي لجان أكاديمية يشارك فيها د. رضا غالب، د. يوسف منصور، د. عصام الدين أبو العلا. د. أيمن الشيوي، د. مدحت الكاشف. وسيقام المهرجان إما بمركز الهناجر للفنون أو بقاعة صلاح جاهين بالبالون.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏