«السيرة الهلامية» ليس بالضحك وحده يحيا المسرح

«السيرة الهلامية» ليس بالضحك وحده يحيا المسرح

العدد 540 صدر بتاريخ 1يناير2018

«السيرة الهلامية» هو عرض كوميدي من إنتاج مسرح الطليعة، تأليف الحسن محمد، نجح فيه المخرج محمد الصغير في توظيف نظرية «كسر الجدار الرابع لبيرتولد بريخيت» حيث قام بكسر الإيهام بكل الطرق والوسائل المعروفة
أولها التأكيد من وقت لآخر على أن ما يدور هو مسرحية، وقد تكررت هذه العبارة مرات كثيرة طوال زمن العرض من بدايته إلى نهايته التي اختتمت بعبارة: «يلا بقى أقتله فالمسرحية طولت قوي»، سواء بالحوار مع الفرقة الموسيقية وطلب لحن معين يتناسب مع طبيعة المشهد، أو التوجه بالحوار إلى فني الإضاءة الذي يشارك في كوميديا الأحداث بالتلاعب بالإضاءة حيث يشير بها إلى موضع آخر بعيدًا عن الممثل فينبهه بمكانه وتنتقل الإضاءة وينتقل الممثل وكأنهم يتراوغون أو يتسابقون والاستعانة بالغناء، كما تم قطع تسلسل الأحداث أكثر من مرة بتكرار المشهد مع التأكيد أن هذا تمثيل ويعاد المشهد لأدائه بشكل أفضل، وكذلك مشهد المقابر حيث يظهر فيه الممثلون مستلقين على ظهورهم رافعين أيديهم بلافتات تعبر عن شواهد القبور مكتوب عليها “هنا يرقد ممثل رقم واحد”، “ممثل رقم اثنين”.. إلخ، أو بواسطة حوار أو حديث مباشر مع المتفرجين أي التداخل المقصود بين منطقة اللعب ومنطقة الفرجة وتكرر كثيرًا، وأكثره ظهورًا هو حوار الشبح مع أحد المتفرجين الذي كان منشغلاً بهاتفه المحمول، كما جعل الممثلين ينزلون من المنصة إلى الصالة، وقام أيضا بتصنيع الفعل المسرحي أمام المتفرج بداية من دخول الفرقة المسرحية واتخاذهم أماكنهم والتغيير في الديكور والإكسسوار والاستعانة بإكسسوارات غير تقليدية كالسرير الواقف والبلكونة المتحركة، والمبالغات الكاريكاتورية في رسم الشخصية وهو الأكثر وضوحًا في شخصية الزوجة التي يجسدها رجل والزوج بملابسه الغربية والشعر الذي يظهر فوق الصديري، وكذلك الأب «الشبح» والأجنحة المعلقة على ظهره، وشخصية الابن الأبله، وشخصية لؤي غريبة الأطوار الذي مطرب الراب الذي يرتدي ملابس غريبة ويعلق في رقبته قرصا مدمجا (سي دي)، والتسلسل الزمني غير المنطقي باستخدام التقنيات الحديثة كالتليفون المحمول والنت.. إلخ مفردات تكنولوجيا العصر الحالي مع زمان ومكان غير محددين، لكن يوجد فيهما هذه الشخصيات التي تتسم بالجهل حتى في تعاملها مع هذه التقنيات.
كما نجح في تقديم مجموعة من الممثلين الرائعين هم: محمد إبراهيم، رأفت سعيد، محمود المصري، حسن عبد الله، رامي عبد المقصود، بلال علي، مصطفى السعيد، مها حمدي، محمود سليمان، تأليف موسيقي محمود وحيد، ديكور مصطفى حامد. من المؤكد أن لهم مستقبلا بارعا في مجال التمثيل خاصة الكوميدي، كما قدم نجوما آخرين هم هبة مجدي التي صممت الأزياء الكاريكاتورية التي تلائم هذه الشخصيات، وفناني التعبير الحركي سمير وجوليا، وفناني الإضاءة محمد محمود، عادل سامي، جمال سيف، نادي دويدار، محمود وحيد المؤلف الموسيقي، وكذلك الفرقة الموسيقية التي بذلت جهدًا كبيرًا، والشاعر عبد الله الشاعر.
مصطفى حامد مصمم الديكور العبقري، فالديكور يتسم بالثراء والجمال حيث يوحي بالفن العربي المرصع بالصدف والفصوص التي عبر عنها بوحدات الإضاءة الصغيرة، ورغم جمال هذا الديكور وروعته فإنه لا يرتبط ارتباطا وثيقا بالعرض ومن الممكن الاستعانة به في عروض أخرى.
لكن، إذا فرَغنا العرض من كل ما سبق من مواقف كوميدية وأداء ممثلين وإفيهات ورقصات وأغنيات - وكلها وسائل مساعدة لتقديم فكرة أو مضمون - فماذا يتبقى؟ وهو سؤال هام أو نطرحه بطريقة أخرى: إذا أردنا أن نتكلم عن القضية أو المضمون الذي يتناولها هذا العرض فماذا نقول؟ إن البذرة الأولى أو اللبنة الأولى وهي واضحة تمامًا «هاملت» الذي قُتل أبوه على يد عمه الذي تزوج من أمه، هذه هي القضية الرئيسية، أين المعالجة التي أرادها المؤلف وما هي الرسالة التي أراد توصيلها إلى الجمهور، وهل يكمن دور المخرج في تقديم حالة فرجة مسرحية مفرغة المضمون؟ فإذا كان استعان في كلمته على بانفليت العرض بمقولة «جوزيف كونراد» (مهمتي أن أجعلك تسمع، أن أجعلك تشعر، والأهم من ذلك كله أن أجعلك ترى)، فما هو الذي أراد أن يسمعه ويشعر به ويراه الجمهور؟ في الحقيقة، هو لم يخدعنا مطلقًا وكان صادقًا تمامًا حين قدم عرضه بعنوان «السيرة الهلامية» بالفعل هو عرض هلامي بكل المقاييس.
إذا كان الضحك هدف فهو هدف نبيل، لكنه ليس كافيًا وحده، فليس بالضحك وحده يحيا المسرح، لا بد أن يحمل معه قيمة أخرى ورسالة هامة ليخرج الجمهور من المسرح مستمتعًا وحاملاً معه قيمة جديدة أو معلومة أو درسًا يستفيد منه، فإذا كانت الدولة متمثلة في وزارتي الثقافة والشباب والرياضة التفتت مؤخرًا لأهمية القوة الناعمة واستثمارها في معالجة القضايا المجتمعية، ومواجهة الإرهاب، وبدأت العروض المسرحية تجوب المدن والمحافظات ليصل المسرح للناس في كل مكان ناقلاً للقيم والمعاني النبيلة بجانب المتعة البصرية والسمعية، كما الحال فى عروض «كأنك تراه» إنتاج مسرح الطليعة، «ولاد البلد» إنتاج المسرح الحديث.

 


نور الهدى عبد المنعم