الأحلام في المعتقد الشعبي

الأحلام في المعتقد الشعبي

اخر تحديث في 4/6/2020 12:56:00 PM

د. شيرين جمال الدين

  اللفظ الأصيل للحلم هو الرؤيا من فعل رأى، أما لفظ الحلم وجمعه أحلام فهو مرتبط فى ذهن الكتّاب الأوائل بتعبير "أضغاث أحلام" المذكور فى سورة يوسف، أما الآن فكلمة حلم هى اللفظ الشائع لما يراه الإنسان من أحداث أثناء نومه، كما تُستخدم كذلك لتدل على الأمانى، والحلم ظاهرة إنسانية عالمية، وهو فى الوقت نفسه لغة ذاتية إلى أبعد الحدود، فالحلم ظاهرة يدل ما يحتويه من جمل ورموز وأحداث على أفعال وتحولات تحدث على مستوى النفس الإنسانية لصاحبه، وهو ما يدل على وجود علاقة دائمة ومستمرة بين الحلم وحياة صاحبه وشخصيته.

الاهتمام بالأحلام قديم قدم النفس البشرية فالأحلام مغامرات خفية تقوم بها الروح أثناء النوم، فالنوم ليس موتًا مؤقتًا لكنه عالم خاص ملئ بالحركة والأحداث لكل وظائف الجسد المسترخى، فهذا العالم البشرى تملأ جوانبه أحلام وكوابيس ورؤى حيرت عقل الإنسان منذ خطت أقدامه على سطح الأرض.     

ومن المعتقد أن روح النائم تلتقى خلال فترة السبات بأرواح من سبقوه إلى العالم الآخر كما تلتقى بالأرواح الهائمة لغيره من الأحياء، فالحلم كظاهرة إنسانية يعتبر بحق ظاهرة مركبة تؤثر فيه عوامل عديدة فهو نشاط عقلى روحانى يتأثر بعوامل نفسية وبيولوجية.

والأحلام عند البعض رسائل من عالم ما فوق الطبيعة، فهى رسائل كائنات إلهية فوق مستوى البشر وتعبر عن الإرادات الخارقة للطبيعة؛ من هنا جاء الاهتمام بما يراه الإنسان فى أحلامه ليعرف منها مدلولات الغيب وما سطر فى لوح القدر وهو ما يسمى فن التأويل.

وقدماء المصريين أول من آمن بأن الأحلام إيحاء مقدس وكانوا يسمونها الرسل الغامضة إلى النائم، للإنذار بالعقاب أو للمواساة والتعزية والتبصير، وقد وجدت بعض البرديات منها بردية شستربيتى نسبة إلى مكتشفها كتبت فى عهد الأسرة الثانية عشرة (1990 –1786 ق.م) وبها تفسيرات للأحلام ومعناها كأول محاولة من نوعها فى التاريخ.

هذا وتذخر الأحلام بالعديد من العظات، ويحدث الحلم فى عالم الذاكرة حين تخلد الحواس إلى الراحة، فهى لون من النشاط النفسى يصدر عن النائم بحسب الظروف التى يكون عليها فى نومه، فالحلم شيء مقتطع اقتطاعًا تامًا من الواقع الذى يعرفه الإنسان فى يقظته، لذا يمكننا القول بأن الحلم له وجوده المستقل بذاته كالجزيرة المنعزلة عن الشاطئ، إلا أننا نلاحظ فى بعض الأحيان أن هناك تيارًا فى الأحلام يرتبط بواقع اليقظة مما يدل على أن استقلال الحلم عن اليقظة ليس استقلالًا تامًّا، والدليل على ذلك أن الوقائع المفردة التى تتكون منها قصة الحلم مستمدة حتمًا من تجاربنا الذهنية التى تكونت فى اليقظة، لذا فمهما بلغت درجة الحلم من الغرابة فلبنات بنائه مستعارة حتمًا مما رأته أعيننا أو خطر ببالنا ونحن نمارس نشاطنا الواعى، إلا أننا فى بعض الأحيان قد نرى فى الحلم بعض التفاصيل التى نعتقد أنه ليست لدينا فكرة عنها فيما سبق من خبراتنا فى اليقظة، من هنا يتبين أن الأحلام ليست مجرد مشاهد تمر على الحالم كمرور مشاهد عدة فى حياته، لكنها جزء من واقعه الذى يعيشه، وربما جزء من واقعه الذى يرى أنه يبغى أن يعيشه، فهى جزء من شخصية الحالم وانفعالاته وتجاربه وثقافته، كما أنها نتاج لبيئة محيطة لا تنفصل عن ذاته. 

هناك اعتقاد كبير لدى الكثير من الأفراد بأن الحلم عبارة عن مخاطبة بين شخص الحالم وغيره من الأشخاص والحلم الصحيح فى نظر الكثير يكون عبارة عن أشياء مسلسلة منطقيًّا كالمشهد المسرحى، هذا بالإضافة إلى الاعتقاد بأن أفضل الأحلام هو ذلك الحلم الذى يراه الشخص بعد صلاة الفجر ووقت القيلولة، وهو نوع من الأحلام يمكن تفسيره، ويقسم الكثير من أصحاب الثقافة الشعبية الحلم إلى ثلاثة أقسام يطلق على الأول منها الحلم: الذى يأتى فى ثلاث صور أولها الحلم الصريح بمعنى أن ما يراه الشخص فى الحلم يتحقق كما رآه تمامًا، وهو نوع نادر الحدوث، أما الثانى فيأتى على هيئة رموز تحتاج إلى تفسير، وهذا هو النوع الغالب من الأحلام، ويتم تفسيره بواسطة ذوى الخبرة فى معانى هذه الرموز ودلالاتها، أما النوع الثالث هو الأحلام الهاتفية والتى تكون عبارة عن هاتف حيث يسمع شخص الحالم صوتًا يتحدث إليه لكنه لا يرى شيئًا، وهذا النوع من الأحلام نادر الحدوث أيضًا، وفى حالة حدوثه فإنه يكون من الأحلام الصادقة والتى غالبًا ما تتحقق.

أما الثانى فهو المنام: وهو عبارة عن رسالة موجهة لشخص الحالم، ولا يستغرق المنام سوى فترة وجيزة من الزمن، ويحمل المنام رسالة للحالم لا تتعدى كلمتين أو ثلاث كلمات، وأنسب وقت لحدوثه بعد صلاة الفجر.

ويُمثل الكابوس: القسم الثالث من الأحلام، وهو شبح يأتى للنائمين فى الليل ويجسم فوق صدورهم ويجلب لهم أحلامًا مزعجة ويوقظهم وهم يشعرون بالضيق، وهذا النوع يتسم بالمطاردات والخوف ورؤية الأشباح والتواجد فى أماكن غير مألوفة كالمقابر والأماكن المهجورة، ويفقد هذا   النوع من الأحلام الترتيب الزمنى للأحداث، وهو نوع لا يحتاج إلى تفسير، ويذهب الكثير من الأفراد إلى أن الحالم لابد له أن ينسى هذا الكابوس ويواصل حياته بشكل طبيعى وذلك اتفاقًا مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: "الرؤيا الصالحة من الله والنفث من الشيطان، فمن رأى رؤيا يكره منها شيئًا فلينفث عن يساره ثلاثًا وليتعوذ بالله من الشيطان فإنها لا تضره ولا يخبر بها أحدًا وإن رأى رؤيا حسنة فليستبشر ولا يُخبر بها إلا من يحب"، ويرجع ذلك الرأى إلى إن ما يحدث للإنسان دائمًا ما يكون قضاءً وقدرًا، وهو مفهوم عن الطبيعة المقررة سلفًا للأحداث، والتى تقع فى الطبيعة والمجتمع وحياة الفرد، فمما لا شك فيه أن الاعتراف بوجود الله كخالق للعالم وميسر له يؤدى إلى سلبية قدرة الإنسان على التأثير على مجرى الأحداث، كما تجعله فى وضع الكائن السلبى غير الفعال.

والأحلام التى يراها الشخص أثناء نومه تحمل فى ثناياها العديد من الأهداف فهى إما أن تكون لتنبيه الحالم من الوقوع فى خطأ معين، أو لتحذيره من الإقدام على أمر ما قد نوى الإقدام عليه، وقد تكون هذه الأحلام رمزًا للتفاؤل حين تحمل بشرى سارة للحالم، وربما نذير شؤم إذا كانت تحمل بشرى سيئة له، وقد يحمل الحلم النصح والإرشاد للحالم وذلك بأن يفصح له عن الطريق الذى يسلكه، وقد يكون تفسير الأحلام أقوى من قراءة المستقبل.

ومنذ عرف البشر ظاهرة الحلم لم يختلفوا حول أنه يرمز إلى معان ودلالات تتجاوز كونه مجرد حلم، حيث اهتم الإنسان منذ فجر التاريخ بمحتوى الحلم وتفسيره وفك رموزه، ومارس الكهنة والفلاسفة دورًا واضحًا فى هذا الصدد، حيث رأى هؤلاء أنه ما دامت هناك مشاهد وأحداث ذات معنى فى هذه الأحلام فلابد أنها تُشير إلى شئ ما، هذا الشئ إما أنه نافذًا على النفس الإنسانية الداخلية، وإما أنه نافذًا على عالم الغيب الذى لا يدركه الإنسان فى يقظته، وبالطبع لم يكن انطباع الأفراد الشخصى حول الحلم كافٍ لتفسيره، من هنا بدأ الانسان يبحث عن وسائل لتفسير أحلامه، وكما اختلف الأفراد فى تعريف الحلم نجدهم قد اختلفوا فى تفسيره، فبانتقال الأحلام من المعابد إلى مجال اهتمام علماء النفس والأطباء والفلاسفة ظهرت وجهات نظر مختلفة حول تفسير الأحلام، يرجع هذا الاختلاف إلى اختلاف الزاوية التى يتناول بها كل فريق من هؤلاء الحلم وتفسيره، هذا وقد تعرضت لتفسير الأحلام مدرستان رئيستان هما المدرسة الإسلامية: وهى التى  تُفسر الأحلام من منطلق التصور الإسلامى فى تعريف الحلم وأنواعه وتفسيره حيث تعتبر هذه المدرسة الرؤيا مدركا من مدارك الغيب حسب تعبير ابن خلدون حيث يروى أن الرسول كان إذا انتهى من صلاة الفجر يقول لأصحابه هل رأى أحدكم الليلة رؤيا يسألهم عن ذلك ليستبشر بما وقع من ذلك مما فيه ظهور الدين وإعزازه.

أما المدرسة الغربية: التى أسس لها أرسطو وكان أول من حاول تفسير الأحلام تفسيرًا علميًّا، واعتبرت هذه المدرسة الحلم حياة عقلية أثناء النوم، وتعتبر هذه المدرسة الأحلام تعبيرات حسية ناتجة عن عوامل خارجية وملامسات عضوية تتوقف داخل الجسم وتخرج منها تيارات جانبية لها نفس التعبير الحسي أثناء اليقظة لكنها عبارة عن مسخ للحقيقة الموجودة فى اليقظة، إلا أن الذاكرة الإنسانية لا يمكنها أن تصل الأحلام ببعضها البعض أو تربطها بإيقاع حياة الأفراد فى اليقظة مما يعطيها التميز المطلق الذى يستحق اعتبارها ذاكرة منفصلة، والحلم شىء يقظ وحى، فهو نوع من الحياة الثانية تُمارس حيويتها بشكل مختلف، أى أنه حالة من الحياة أشبه بحياتنا فى حالة اليقظة لكنه مختلف تمامًا عن حالة النوم التى تبطىء بالفعل من كل نشاطنا الذهنى، وتعتبر أحلام كل فرد مزيج من تجاربه وتخيلاته ومشاهداته وذكرياته ومعارفه وانطباعاته فى الحاضر والماضى، فى يومه القريب وأمسه البعيد، ويقوم عقل كل فرد بطبخ هذا المزيج بطريقته الخاصة، ويصنع منها تهاويل لألوف الأحلام تصطبغ بالألوان المستمدة من شخصية صاحبها ونصيبه من القلق أو السكينة، ومن الاضطراب والاستقرار، والشيء الذى لا يستطيع العقل أن يصنعه هو أن يُقدم لصاحبه وجبة أحلام مصنوعة من الهواء الهباء.

أما عن كيفية تفسير الأحلام فيكون بعدة طرق مختلفة تتبلور فى: التفسير بظاهر الاسم والمقصود بذلك أن المفسر يعتمد بشكل أساسى على دلالة معانى الأسماء التى يرد ذكرها فى الحلم، وقد تكون أسماء خير أو شر، فمن خلال معنى هذه الأسماء تبعًا لما يرويه الحالم كما يراة بمعناه الظاهر دون زيادة أو نقص. وهناك التفسير بضد الأشياء: والمقصود به تفسير ما يحمله الحلم من رموز وأشياء على عكس ما تعنيه هذه الأشياء فى الواقع، بمعنى أن يتم تفسير الحلم على عكس ما تمت رؤيته. يأتى بعد ذلك التفسير تبعًا لدلالة الرمز: ويعتمد التفسير فى هذه الحالة على قدرة المُفسر على تحليل الرموز التى تظهر فى الحلم، ويكون هذا التفسير فى الغالب معتمدًا على ما تعنيه هذه الرموز بالنسبة للمجتمع وكيفية تعامله معها. وعلى الرغم من ذلك فتفسير الأحلام غير ثابت إنما يتغير التفسير من حلم لآخر.

...........................

* د. شيرين جمال الدين.. باحثة ثقافة شعبية 

شاهد بالصور


محرر عام

محرر عام

راسل المحرر @