الأدب الشعبي بين القيمة والمعتقد.. الأسطورة نموذجا

الأدب الشعبي بين القيمة والمعتقد.. الأسطورة نموذجا

اخر تحديث في 2/17/2021 2:09:00 PM

محمد إبراهيم

تنعم ثقافتنا بمخزون وافر من الحكايات الشعبية التي تحمل بين طياتها قيمًا أخلاقية وسلوكيات نبيلة نستطيع من خلالها تنمية فكر النشء وتعزيز السلوك الإيجابى والوطني، إضافةً الى التسلية ومحاكاة الزمن بإعادة ما به من أحداث مشابهة بالقصص وما بها من ظواهر طبيعية مُتكررة أو مُمارسات اعتقادية راسخة في المجتمع، ينطبق ذلك على جميع أنماط الأدب الشعبي المُمتع كما صنفها عبد الحميد يونس إلى موضوعات هي الأسطورة، الحكاية الخارقة، الشخصيات الطريفة، الأمثال الشعبية، السير والملاحم، الفزورة أو الحزورة.

نستعرض  هنا وبشكل مُبسط أقسام الأدب الشعبي بدءا من الأسطورة التي تُعرف بأنها قصص الأرباب والأبطال، أو الحكاية التي تختص بالآلهة وأفعالهم ومغامراتهم من حيث المولد والممات وحبهم وبُغضهم، وهي روايات خيالية من أجل تفسير طبيعة الكون ومصير الإنسان وأصول العادات والعقائد وأسماء الأماكن المقدسة والأفراد البارزين(*).

نستخلص من تعريف الأسطورة العنصر الأهم؛ أنها رواية خيالية أو واقعية في زمانٍ قديم كانت إمكانية الإنسان ضعيفة ووسائله التكنولوجية ضئيلة ما يمنح البطل التدخل الخارق من خلال تحقيق المُعجزات التي يتناولها كثيرٌ من الباحثين على هيئة أساطير، حيث إن الأُسطورة نَسجت في مضمونها الإنسان كعنصر أساسي ما يجعل مُعظم الأساطير من وحي الخيال مُخالفة للمنطق ولكن الغرض من روايتها تحقيق المُتعة والتشويق.

عندما واجه الإنسان البدائي الظواهر الطبيعية كأول مظهر من مظاهر الحياة حيث يتطلع الإنسان في طبيعة الحال إلى ما حوله ومن ثم يستكشف ذاته؛ ليُدرك أولًا الظواهر الطبيعية والمادية من شكل الأرض والمياه والأمطار وحالة الجو والاحتماء منه ليستكشف جسده واحتياجاته ومن ثم إدراك خصائصه كل هذا ولم يتلمس الحقيقة الكبيرة وهى (الموت عندما يأتى) حيث يتفاجأ به، وعزاه إلى فعل الكائنات الخارقة، كذلك الحوادث التى تودي بأطرافه أو تقتل أحد أفراد أسرته لا بد أيضًا أن يَنسبها إلى كائنات فوق طبيعية أو آلهة يُسميها ويستجديها ويُقدم لها القرابين، كُل هذا سَردٌ سريع ربما لتصور أجيال مُتتابعة تستنبط من واقعها وتُفسر إلى أن يرث هذا العلم البسيط أجيال جديدة ليُترجموا كل تلك التطورات والأسباب إلى أسباب مُصنفة في تفسيرات منطقية تُطابق تطور الإنسان والتي نسج من خلال أحداثه تلك الحكاية والأسطورة ليجعل من نفسه المِحور الأساسى.
 
ويُقسم العلماء الأساطير إلى عدة أنواع منها:
1-    الأسطورة الكونية أو الطقوسية: وهي أقدم أنواع الأساطير التي شغلت الإنسان بقضية الخلق وتشكيل الكون والظواهر الكونية، والتي كانت تنحصر بين عدة أنواع منها أن الأرض والسماء ملتصقتان ثم انفصلتا، وأن الشمس والقمر كانا زوجين وأنجبا أبناءهما النجوم ومثيلًا لذلك الصنف الأول من الأساطير الكونية والطقوسية ما تناولته الديانة المصرية القديمة من أساطير أن الخالق (أتوم) خرج من مياه الهيولي (النون) وأقام رابية صغيرة ووقف عليها واتفق أنها في معبد الشمس في هليوبوليس، وكان لأتوم الخالق ولدان هما شو وتفنوت (الهواء والرطوبة) وأن ولديهما جب ونوت (الأرض والسماء)، والأولاد الأربعة أوزوريس وإيزيس وست ونفتيس يمثلوا القوى الكونية في المجتمع.
 لا يخلو التاريخ المصري القديم من الأساطير التي تُعد العُنصر الأساسي فى روايات التاريخ المصرى القديم كَما ورد في قصة بعث أوزوريس الأسطورية "عندما تم العثور على جثمان أوزوريس، حيث قام ابنه حورس بحمله فوق كتفيه وتوجه به إلى الشجرة المقدسة ومدت الشجرة الحقيقية التي ترتفع إلى عنان السماء ذراعيها نحو أوزوريس بعد ذلك وضُع فى مركب أخذت تنساب به هابطة عبر النهر العظيم مُندفعة مع التيار حتى وصلت إلى البحر، ولم تكن تنبثق عاليًا سوى رأس الثور آبيس.
2-     الأسطورة الحضارية: والتي ترتبط بالمرحلة الحضارية للبشرية حيث انتقل الإنسان فيها إلى تفسير الظواهر من المستوى الحسي إلى المستوى المعنوي، مثل الحياة والموت ومن ثم البعث للخلود، كذلك تَناسُخ الأرواح في الهندوسية والتي تتشابه مع الديانة المصرية القديمة في أنه إذا مات الشخص من الممكن أن تُنسخ روحه في طفٍل يولد من جديد.
3-     الأسطورة الرمزية: وفيها ينظر الإنسان إلى الرموز وكأنها حقائق كما أنه يوظف الشخوص الأسطورية على نحو الرموز، ومن أمثلة هذا النوع الأساطير الإغريقية واليونانية التي تقوم على صراع الآلهة، الذين يرأسهم زيوس رب الأرباب على جبل الألب، ومنها أسطورة منيرفا التى تظهر فيها الفنون الجمالية وإبداع البشر.
4-    أسطورة البطل الخالد: وهو التصور الذي يسعى إليه الإنسان بانتزاع الصفات الإلهية مثل الخلود، ومن أمثلة هذه الأساطير (أسطورة ملحمة جلجامش) من أساطير الشرق التي اكتُشفت كتاباتها باللغة الأكادية على 12 لوحًا فى أواخر القران التاسع عشر والتي تحكي عن أحد ملوك بابل.
5-     أساطير الأخيار والأشرار: وهي النتيجة المنطقية المبنية على ظهور الديانات وخصوصًا السماوية وفيها بدأ الإنسان بتطويع نفسه في الأسطورة بشكل كامل في نطاق الخير حيث يصبح نموذجًا يُحتذى به في السير والروايات التي تحمل الخوارق في سياق قصصي أسطوري مُشوق، كذلك الشر ومدى السوء الذي يُمثله والنهاية المنطقية السيئة له ليجعل منه الدرس والعبرة فى تجنب الشر واعتناقه. 

يستهدف الحكي الترويح والتسلية والتربية من خلال استخدام المُعطيات ومُحاكاة جزء من الواقع ومن ثم إطلاق عنان الخيال فى تطويع الكائنات الغيبية أو القوى الطبيعية وربما التضاريس والبحار، حيث نجد في بعض الأساطير استُخدمت ملامح الطبيعة كأنها عنصر مُتحكم بل وكأنه حي يتصرف بناء على السرد القصصي ليكون البطل الأول أو البطل الثاني بعد الإنسان، لذلك يجب أن نُعير اهتمامنا لهذا الصنف من الأدب الذى يقترب من الاندثار وإعادة دمجه فى سرد قصصي جديد وتوظيفه لتعليم الأجيال الجديدة ماهية وملامح تراثهم الشعبي ومفرداته من خلال الأساطير والحكي الشعبي.


*(مُجلد الأدب الشعبي للدكتور محمد الجوهري ص 64).


محمد ابراهيم

محمد ابراهيم

راسل المحرر @