النذور بين التراث والدور المجتمعى

النذور بين التراث والدور المجتمعى

اخر تحديث في 9/19/2019 7:27:00 AM

محمد إبراهيم

بين جنبات التراث الإنسانى تبرز عادة من العادات المتأصلة التى مورست على مستوى معظم الحضارات وتملك باعًا كبيرًا فى المعتقد الشعبى لتصل لنا فى صورتها؛ ويوثق لنا التاريخ أحداثا ارتبطت "بالنذر" بدءا من قابيل وهابيل، إبراهيم عليه السلام وولده إسماعيل.

في هذا السياق وجدنا أنفسنا ملزمين بإبراز مكانة النذور بين العادات الشعبية، وما يتبعها من معتقدات تمثل الدوافع للفعل والأصل فى رغبة الجماعة الشعبية توظيف القيم والموارد فى الموروث الشعبى مهما تغيرت أو تطورت الحياة.

وللنذر والقربان المفردات ذاتها مع اختلاف المقاصد والمعتقدات والأهداف فى كون القربان من اسمه (للتقرب والاسترضاء)، أما النذور فتقوم على العلاقة (الشرطية) والتمنى لتحقيق مصلحة مادية مُعينة؛ "فالنَذْرُ "لغةً: هو الالتزام ويُجمع على نُذُور وعلى نُذُر بضمتين، يقال: نَذَرْتُ بفتح الذال في الماضي وبكسرها وضمها في المضارع، وشرعًا: التزام مسلم مكلف قُرْبَةً ولو بالتعليق على معصية أو عصيان نحو الله على أضحية أو صوم...إلخ (1)

ولسنا هنا بصدد التفسير الدينى للنذر، فالنذر يتجسد فى صورٍ عدة بين المادى والمعنوى فى أشكالٍ مُختلفة حيث يقول الرجل مُتمنيًا في نجاح ولده (علىَ النعمة لو نجحت لأدبحلك عجل)، وتقول المرأة مُتمنية فى أن تتزوج ابنتها (ندرٍ عليه لو نولنا المُراد وأتهنت لأكل أهل الشارع)، هذا على مستوى الجماعة الشعبية خارج الالتزام كّمُريدين أو مُنتمين لفكر صوفى ففى ما سبق التزم الناذر مع الله حيث اشترط على نفسه مُتمنيًا.

أما النذور من حيث الممارسات الصوفية فلها مجالات ومَدلولات واسعة كما تطرقت مراجع عدة حيث أشار لها المُستشرق "إدوارد وليم لين" فى دراسته الأولى (المصريون المُحدثون، شمائلهم وعاداتهم)، والدكتورة سعاد عثمان فى كتابها النظرية الوظيفية فى دراسة التراث الشعبى؛ إذ تختلف النذور فى الشكل والصورة والمعنى حيث تنقسم إلى نذور ليست للولى بل لمُريدي الولى وزواره حيث يُقدم أحد المُريدين أو صاحب حاجه من العوام (مُريد لمُراده وليس من مُريدي الشيخ الولى.

وتختلف النذور التى تؤدى إلى خُدام الأضرحة بين نذور فى شكلها العينى أو نقدية؛ فالنذور العينية هى التى يقدمها الزائرون عقب حدوث مُرادهم أو فى أقرب مناسبة واحتفال أو حضرة لولى الضريح، وتكون تلك النذور فى صورة خُبز ولحم وأرز، أو خُبز وفول نابت، أو فطائر أو قُرص، ويحصل خُدام الأضرحة على تلك النذور ويقوموا بإعادة توزيع الجزء الكبير منها على الحضور ويقوموا بتلك المهمة كونهم مُمثلين للضريح أو نواباً عن الولى.

أما النذور النَقدية فتذهب لخادم الضريح مباشرةً ليُودعوها فى الصندوق المُخصص لهذا الغرض (صندوق النذور) والذى له دورٌ رسمى فى المساجد الكبيرة التى تحوي قبور الأولياء أو آل النبى حيث تودع التبرعات والنذور فى صندوق يتم فتحه كُل ثلاثة أشهر من خلال لجنة من وزارة الأوقاف ويوزع على ثلاثة أنصبة بحيث يكون الثُلث الأول لخُدام الضريح والمسجد والثُلثين للوزارة كمورد من الموارد المالية.

و لزوار الولى نزور تتمثل فى تقديم الطعام والشراب الذى تتحدد قيمته طبقًا للحالة المادية لصاحب النذر فمن الممكن أن تكون فى صور متعدد كما سبق وتُوزع بشكل مُباشر على زوار الولى ومريديه فى الحضرة أو المولد.

أما النذور المُقدمة للضريح فتختلف عن ما سبق فى شكلها ووظيفتها حيث تكون لغرض زينة الضريح أو نظافته أو إعادة بناءه؛ وعادةً ما يتم إعطاء نُذور إلى أهل الولى أو أهل قبيلته أو بلدته من القرى المجاورة أو من خلال المُريدين أو الزوار.

يبرز لنا مما سبق مفهومٌ عام عن النذور وهو (الوساطة بالاشتراط على النفس)، وتُكلل تلك الأهداف فى أنها ليس المقصود من النذر عطية لله أو للولى وإنما هى وسيلة للتراحم الاجتماعى تتماس فى مفهومها مع التصدق فى مناسبات معينة ولفئة مُعينة.

................

(1) فؤاد مخيمر، السنة والبدعة بين التأصيل والتطبيق، ص8


محمد ابراهيم

محمد ابراهيم

راسل المحرر @