مضحك السلطان بين الرفض والقبول!

مضحك السلطان بين الرفض والقبول!

العدد 925 صدر بتاريخ 19مايو2025

فى المقالة السابقة قرأنا تقريرين من رقيبتين حول مسرحية «مضحك السلطان» للمراكز الثقافية بالشرقية، إحداهما وافقت على العرض، والأخرى رفضت! ولم يبق إلا تقرير الرقيب الثالث «فتحى مصطفى عبدالرحيم» لصالح مديرية الثقافة بالشرقية، قال فيه: اشتهر أبوشرع الخياط ببغداد بالبخل وذاع صيته فى أنحاء البلاد فأراد أن يتخلص من هذه الصفة الذميمة فتظاهر بالكرم. وما أن يدق بابه ليلا الأحدب مضحك السلطان لينقذه من قطعة حشيش كان قد تعاطاها فيتناوبه الخياط وزوجته بالأكل ويتسابقان فى إطعامه كل منهما يسارع فى أن يقدم له ما يشتهى لكى ينشر بين الناس كرمهما بعد خروجه من عندهما حتى ارتمى على الأرض من كثرة ما قدما له من أكل زيادة عن طاقته ومن الحشيش الذى سبق له أن تعاطاه من قبل حتى ظن الخياط وزوجته أن الأحدب قد مات. فيسخطان على الكرم وما جره لهما من مصائب مفضلين بخلهما الذى كانا فيه على ذلك الكرم الذى سيكون سببًا فى شنقهما بموت الأحدب مضحك السلطان. وقطع الخياط على نفسه عهدًا إن أنقذه الله من هذا المأزق ليكونن من أبخل البخلاء بل نقيب البخلاء.
وأخيرًا هداهما تفكيرهما إلى أن يحملا الأحدب إلى الطبيب المجاور لهما لعله يشفيه من مرضه، ويذهبان إلى ذلك الطبيب العجوز الأعزب الذى ليس له من هم سوى جمع المال، ويتركانه فى العيادة ويهربان بعد غفلة من جارية الطبيب. وبعد سؤال له من الطبيب يتضح أن ذلك المريض هو الأحدب مضحك السلطان فيتطوع لعلاجه مجانًا لعله يعفيه عند السلطان من الزكاة التى يدفعها له وأعطاه شرابًا من الأفيون لشفائه، وما أن سمع من الأحدب أنه تناول قطعة من الحشيش قدر الكف كانت سببًا فى مرضه هذا حتى انتابه الخوف ويشعر الأحدب بدوار فى رأسه وانتفاخ فى معدته. وهنا يدرك الطبيب أنه أخطأ فى العلاج الذى أعطاه له وأن الأحدب سيفارق الحياة. ويستشير الطبيب جاريته التى تعمل معه ماذا يفعل فى هذا المأزق الحرج، والتى تشير عليه بأن يضعانه فى بيت جارهما الطباخ الذى كان كثيرًا ما يضايقها بتصرفاته فيقتنع الطبيب بهذه الفكرة ويحملان الأحدب ذاهبين به إلى منزل جارهما الطباخ الذى كان يراقب ليلا سارق الدقيق من منزله. وبينما هو فى انتظار ذلك السارق يدخل الطبيب وجاريته خفية حاملين الأحدب ويضعانه فى منزل الطباخ الذى يخرج من غرفة نومه على حركة غير عادية فإذا به أمام جثة هامدة تسمع منها كلمات ثقيلة متقطعة إنها كلمات الأحدب مضحك السلطان، ويقترب الطباخ من وجهه فيتضح له أنه الأحدب مضحك السلطان فتعلوه الدهشة والاستغراب قائلًا «مضحك السلطان» نهارًا وسارق المنازل ليلا، وتتردد هذه الكلمات على سمع من الأحدب المرمى على الأرض والذى أخذ يتكلم بكلمات مرتجفة، فيدرك الطباخ أنه أمام جريمة مفتعلة ويقف حائرًا مفكرًا ماذا سيفعل. إلى أن هداه تفكيره إلى تسليمه للشرطة بعد تردد منه أولا والتى تتهمه الشرطة بجريمة القتل لمضحك السلطان لوجوده متلبسًا بجريمة مخلة بالشرف مع زوجته ويحاول الطباخ إنكار تلك الجريمة ولكنه عبثًا حاول وسيق إلى المشنقة. وما أن علم السلطان بموت مضحكه حتى حزن عليه حزنًا شديدًا وأمر بإحضار جثته لإلقاء النظرة الأخيرة عليه قبل مثواه الأخير وإذا به يشعر بأن الأحدب يتحرك وأن الحياة تدب به. والأحدب يرقب ما يدور حوله وكأنه كان فى رحلة طويلة ويفيق لوعيه ويحكى للسلطان قصته من أول تعاطيه قطعة الحشيش إلى تقديم الطباخ لحبل المشنقة. ويعجب السلطان من هول ما سمع ويأمر بإطلاق سراح ذلك الطباخ المسكين الذى كان سيشنق غدرًا بلا ذنب له فى قتل مضحك السلطان. ويسأل السلطان الأحدب عن كيفية حصوله على قطعة الحشيش التى تعاطاها والتى كانت سببًا فى كل ذلك وجعلت منه لغزًا محيرًا. فيجيبه الأحدب بعد أن أفاق أنه أخذها من السياف والسياف يقول إنه أخذها من الوزير والوزير يقول أخذها من القاضى والقاضى يقول أخذها من رئيس الشرطة وهكذا كل منهما يلقى التبعية على الآخر ومن ذلك الوقت قطع الأحدب على نفسه عهدًا ألا يكون مضحكًا للسلطان بعد هذا اليوم وبعد أن كان الضحك سيؤدى بحياته فى مجتمع كل منهم يلقى التبعية على الآخر.
هذا هو الملخص الذى اعتمده الرقيب، وبناء عليه كتب رأيه النهائى، قائلًا: «أرى عدم الموافقة على الترخيص بعرض هذه المسرحية لما فيها من إهانة لرجال القضاء والوزراء والشرطة بتعاطيهما المخدرات والترويج لها. وأن رجال الشرطة كذلك يختلقون التهم ويلقونها على الناس جزافًا، وعلى أهوائهم بلا رادع أو ضمير فيهم، وليس لهم من هم إلا الجرى وراء ملذاتهم وشهواتهم. كما تبرز هذه المسرحية وتصور أنه لكى يعيش الإنسان عيشة سعيدة كما ينبغى أن تكون، لا بد وأن ينحرف ويسرق، وفيها الكثير من الأفكار الهدامة التى لا تتناسب ومجتمعنا الحالي». وكتب مدير الرقابة المسرحية تأشيرة قال فيها: «بعد الاطلاع على مسرحية «مضحك السلطان» والاطلاع على تقارير السادة الرقباء، وحيث إن مضمون هذه المسرحية يحمل فى طياته ما يسيء إلى الصالح العام من رجال القضاء ورجال الأمن وكذا الوزارة ووضعهم بسلوك يبين أنهم مضرون بالبلد.. والمسرحية وإن كانت فى قالب أسطورى إلا أن المسرحية تبين ما تقصد به فى العهد الحاضر، لذا أرى عدم الترخيص بهذه المسرحية». وبناء على ذلك كتبت «اعتدال ممتاز» مدير عام الرقابة خطاب المنع، قائلة: «السيد مدير مديرية الثقافة بالشرقية (المراكز الثقافية)، تحية طيبة وبعد، بالإشارة إلى الطلب المقدم من سيادتكم بتاريخ 21/5/1978 للترخيص بمسرحية «مضحك السلطان»، نرجو الإحاطة أن الإدارة لا توافق على الترخيص بالمصنف المذكور للأسباب الآتية: مخالفة القوانين الرقابية، وعدم مراعاة الصالح العام. برجاء التفضل بالعلم والإحاطة، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام. [توقيع] المدير العام اعتدال ممتاز 3/6/1978.

فرقة سوهاج
بعد أسبوعين فقط من رفض المسرحية للمراكز الثقافية بالشرقية، وجدنا فرقة سوهاج المسرحية – بقصر ثقافة سوهاج - تتقدم بالمسرحية نفسها إلى الرقابة من أجل تمثيلها!! وتم توزيع النص على رقباء ثلاثة، الرقيبة الأولى كانت «نجلاء الكاشف» التى راقبت النص نفسه من قبل للمراكز الثقافية بالشرقية ورفضته! نجدها هنا تكتب تقريرًا شبيهًا بتقريرها السابق فيما يتعلق بتلخيص المسرحية – ولا داعى لتكرار الملخص هنا – وأنهته بالرفض، قائله: “مسرحية بعيدة كل البعد عن الواقع، ولا تعالج مشاكل الحياة الواقعية، وتظهر الشعب جائعًا، يسرق ليأكل، كما أظهرت حاشية السلطان يتعاطون المخدرات، ويحاولون أيضًا إبعاد السلطان عن شئون الرعية. وهذه الصورة ليس بها ما يفيد مجتمعنا من عرضه، بالإضافة إلى أن المسرحية مليئة بالأفكار الهدامة مثل السرقة للجوع وكذلك عبارات الحبس التى لا يصح عرضها على المشاهدين، ولذا أرى عدم الترخيص بعرض هذه المسرحية [توقيع] الرقيبة نجلاء الكاشف 19/6/1978”.
أما الرقيب الثانى فكان «فتحى مصطفى عبدالرحيم» الذى راقب النص من قبل أيضًا لصالح المراكز الثقافية، وقام بشطب رأيه النهائى وغيّره من القبول إلى الرفض كما أوضحنا من قبل! وهذا يعنى أنه مضطر إلى رفض النص ليتوافق مع رفضه السابق الذى حدث منذ أسبوعين، كما حدث مع الرقيبة «نجلاء الكاشف»! لكن المفاجأة أن الرقيب كتب تقريرًا بالموافقة وليس بالرفض لصالح فرقة سوهاج! فمن يقرأ تقريره يجد اضطرابًا فى كتابة الملخص لدرجة عدم فهمه أو فهم الغرض منه! وحتى يبرر الرقيب موافقته كتب رأيًا نهائيًا مليئًا بتعديلات ومحذوفات وصلت إلى حد شطب فصل كامل، واستبداله بأحد المشاهد.. إلخ طلباته فى صفحات كثيرة فى النص من أجل الموافقة عليه!! لذلك قال فى نهاية تقريره: «أرى الموافقة على التصريح بعرض هذه المسرحية فهى تبين أن الحق لا بد وأن يظهر يومًا. كما أنها تبين سيادة القانون وأن الكل أمام القانون سواء. وذلك بعد تنفيذ الحذف والاستبدال فى الصحائف الآتية: «3، 9، 10، 11، 23، 25، 26، 28، 29، 30، 31، 34، 35، 36، 37» وإلغاء الفصل الرابع واستبداله بالمشهد الثانى بالفصل الثالث وتنفيذ الحذف والاستبدال به فى «ص 3، 4، 5». وكتبت «اعتدال ممتاز» تأشيرة على هذا التقرير قالت فيها: “لا مانع من الترخيص بهذه المسرحية بعد تعديلها فى الصفحات المؤشر عليها واستبدال الفصل الرابع بفصل جعله مشهدًا ثانيًا للفصل الثالث”.
ماذا حدث كى يوافق الرقيب على النص بعد أن رفضه منذ أسبوعين؟! ولماذا طالب بتعديلات هنا ولم يطالب بها فى تقريره السابق منذ أسبوعين للنص نفسه؟! ولماذا قام بشطب موافقته فى تقريره للنص سابقًا وتغييرها من الموافقة إلى الرفض؟! هذه الأسئلة لم أجد الإجابة عنها، إلا عندما اطلعت على تقرير الرقيب الثالث «محسن مصيلحي»، الذى كتب ملخصًا للمسرحية - به تغييرات وتفاصيل لم نقرأها فى جميع الملخصات السابقة - قال فيه: فجأة يقرر أبو شرع الخياط البغدادى أن يتخلى وزوجته عن بخلهما أو حرصهما كما يسميانه إذ إن مهنة الرجل تستلزم منه الاتصال بالناس. وحتى تسير هذه العلاقة ويزداد رزقه ولا يصبح معزولًا وسط المجتمع فقد قررا أن يصبحا كرما ويسيروا سيرة الناس فى الحياة. ومظهر هذا التغير هو المعاملة الجديدة للابن شرع – الذى أعطته أمه درهما منذ شهر وهو شاب له متطلباته – ويعطيه أباه دينارًا على أن يتحدث لرفاقه كثيرًا حوله. ويطرق بابهم طارق وعلى عادتها تتلكأ الزوجة فى فتح الباب ولكن الزوج يستحثها لكى ينفذا ما اتفقا عليه. ويدخل الأحدب مضحك الخليفة وفى معدته قطعة حشيش فى حجم الكف وكان لا بد وأن يظهر الكرم وبشدة خصوصًا بعد أن عرف الزوج شخصية المضحك وهى فرصة طيبة لكى يتحدث عن كرمهما الشديد. ويمارسان عليه كل صنوف الكرم والرجل متبرم بل ومريض وكل ما يريده هو أن يفرغ ما فى جوفه وتكون النتيجة أن يغمى عليه وإذ يعتقدان أنه مات يتراجعان كليهما عن هذا الكرم الذى سيؤدى بهما إلى حبل المشنقة. وتحمل الخياط مضحك الخليفة وخلفه زوجته باكية – مدعية أن المحمول هو ابنها المريض – بغية التخلص من المضحك. الفصل الثاني: ركن آخر من أركان بغداد. الطبيب الذى يمتص دماء مرضاه مقابل عمله وهو قد أربى على الستين بلا زوجة ولا أولاد، وهو يعمل طوال النهار والليل بل إنه الوحيد – لجشعه – الذى لم يتمتع بإجازته الصيفية. وكل هذا العمل فى القصر وعند الطبيب تقوم به جارية واحدة. فهى تخالفه فى معاملته للمرضى ولدينا مثال عملى لجشع الطبيب إذ يأخذ من السمسار أجرًا لكى يسمعه وأجرًا لكى يرى ساقه وأجرًا لكى يكتب له الدواء وفى النهاية لا يعطيه أى دواء. يدخل الخياط يحمله وزوجته خلفه ويصران على رؤية الطبيب فورًا لأن ابنهما فى حالة خطيرة. تذهب الجارية فيهرب الخياط وزوجته تاركين الأحدب عند الطبيب نكاية فيه لأنه أخذ من الخياط أجرًا كبيرًا لعلاجه وهو الآن يرد له الجميل بتعجل الطبيب بعلاج الأحدب بعد أن عرف أن مريضه هو مضحك الخليفة ويشتكى الأحدب من معدته فيسقيه أفيونًا كمخدر قبل أن يستمع إلى حقيقة مرضه فيغمى على الأحدب مرة ثانية وتكون تلك فرصة الجارية لكى تصر على الزواج من الطبيب بعد أن تساعده فى التخلص من الأحدب الذى يظنانه ميتًا وذلك بأن ينقلاه إلى منزل الطباخ المجاور لهم فيتخلصون منه ويستولون على منزله معًا. الفصل الثالث: المشهد الأول: يعود طباخ الشهبندر حاملًا ما سرقه كالعادة من قصر الشهبندر وهو يسرق لأنه يتصور أن هذا هو الطريق الوحيد للغنى والثراء، وزوجته على النقيض منه لا تستحل ذلك وترى أن جسدها وجسد أبنائها تتشكل من الحرام. والنكتة أن هناك من يسرق منه ما يسرقه من قصر الشهبندر. ورغم إغراءات الزوجة فهو يصر على التربص للص حتى يدخل الطبيب والجارية ليتركا الأحدب ويتجها إلى المأذون. يدخل رئيس الشرطة يطلب الطباخ لأن السلطان يريد كل الطباخين المهرة ليقيم حفلًا لضيوف أغراب فيكتشف الأحدب ملقيًا على الأرض فيتهم الطباخ بقتله ويقبض عليه. المشهد الثاني: تعود القضية بأكملها إلى السلطان الذى يحاول أن يعرف سبب مقتل مضحكه الأحدب وإذ يستجوب الطباخ فلا يستطيع أن يصل إلى السبب فيأمر بإحضار الأحدب الذى – للمرة الرابعة – يتحرك حركة بطيئة إذ إنه ما زال حيًا. ويقص على السلطان ما حدث بأكمله محاولًا أن يبين له متاعب الناس الحقيقية ولكن السلطان يقول له إن هذه الرؤية كانت لخيال مريض وأن الحقيقة أنه ينزل بغداد ليلًا ليتعرف أحوال أهلها ويصطحب الأحدب لجولة فى بغداد وبعد العودة لا بد من الحساب، فالجميع أمام القانون سواء.
وينهى الرقيب تقريره برأى قال فيه: “المسرحية جيدة، أوافق على النص على أن تراعى الملحوظات المدونة على النسخة، وهى قليلة صفحة 3، 4 مع الأخذ فى الاعتبار التعديلات التى قام بها المخرج مع مؤلف المسرحية”. وهنا تظهر الحقيقة بناء على تقرير الرقيب «محسن مصيلحي» الذى جاء بملخص به بعض التغييرات، وإقراره الصريح فى تقريره بأن تعديلات حدثت على النص بالاتفاق بين المخرج والمؤلف، وهذه التغييرات هى التى جعلت النص ينال التصريح بتمثيله لصالح فرقة سوهاج المسرحية، بعد رفضه منذ أسبوعين لصالح المراكز الثقافية بالشرقية! ولم ينته الأمر مع هذا النص إلى هذا الحد.. فبعد ثلاثة أشهر كانت هناك جولة ثالثة لصالح قصر ثقافة السويس، سنتحدث عنها فى المقالة المقبلة.


سيد علي إسماعيل