شادي الدالي: العرض يدعو للحفاظ على البيئة والسلام

شادي الدالي: العرض يدعو للحفاظ على البيئة والسلام

العدد 856 صدر بتاريخ 22يناير2024

بعد النجاح الذي حققه العرض المسرحي «نور في عالم البحور» يعود العرض مرة أخرى إلى مسرح عبد المنعم مدبولي «المسرح القومي للأطفال» ليستأنف نجاحه، العرض هو العمل الثاني الذي ينتمي لمسرح الطفل في قائمة أعمال المخرج المتميز شادي الدالي، بعد النجاح الكبير الذي حققه عرضه سندباد الذي عرض على مسرح البالون. شادي الدالي ممثل ومخرج ومؤلف قدم العديد من الأعمال المسرحية الناجحة للكبار ومنها حلم بلاستيك والخلطة السحرية للسعادة، كما كان له العديد من التجارب كممثل، بالإضافة لكونه مدرب تمثيل ومحكما في العديد من المهرجانات. العرض تأليف وأشعار محمد زناتي، موسيقى وألحان هاني شنودة، وديكور عمرو الأشرف، ملابس مروة عودة، استعراضات مناضل عنتر، ماسكات حنا حبشي، وأعمال نحت مصطفى فكري، وبطولة النجم محمد عادل، ألحان المهدي، سيد جبر، راندا إبراهيم، محمد سعداوي، أحمد أوسكار، خالد سعداوي، محمد عبد الفتاح، أحمد حلمي. التقينا بمخرج العرض وسألناه:

- حدثنا عن المسرحية والرؤية أو الرسالة التي طرحتها من خلال العمل؟
نور في عالم البحور هي العمل الثاني للطفل بعد مسرحية سندباد، والفرق الجوهري بينهما أن نور حاولت تقديمها لفئة عمرية أقل تبدأ من أربع سنوات، وتدور حول الصياد الفقير الذي يمارس عمله يوميا من أجل الحصول على سمكة أو اثنتين سواء لبيعهما أو من أجل الطعام، يلقي بالشبكة ذات يوم ويجد بدلا من الأسماك مخلفات بشرية كثيرة ويتعجب أين ذهب السمك؟، ولكن من الطبيعي أن يختفي وسط كل هذه المخلفات. نتعرض لفكرة الحفاظ على البيئة بشكل غير مباشر أو تلقيني للطفل من خلال قصة، ولدينا خط آخر وهو حور عروسة البحور التي تخرج في رحلة من عالمها لإنقاذه من المشاكل التي تحدث فيه بسبب مخلفات البشر الملقاة في الماء. العرض عبارة عن مجموعة من الرسائل أهمها الحفاظ على البيئة والاعتراف أو إدراك أن هناك كائنات أخرى معنا على هذا الكوكب، وأن التناغم والتوازن بين جميع عناصر البيئة هو الذي يحقق السلام للبشرية وليس إنكار الآخرين، فبدون بيئة نظيفة سيتضرر الإنسان وكل ما حولنا.
 
- كيف عملت السينوغرافيا على تحقيق رؤيتك؟
ساعدت السينوغرافيا كثيرا، فهي عنصر مهم جدا لتحقيق الإبهار وعامل جذب للطفل، الديكور والإضاءة لدكتور عمرو الأشرف وهو التعامل الثالث لنا بعد الخلطة السحرية للسعادة وسندباد، والأزياء للدكتورة مروة عودة في ثاني تعاون لنا، والماسكات لحنا حبشي، حيث كان لهم دور كبير في إبداع سينوغرافيا العمل وجذب الطفل  بجانب الرسالة خاصة مع صعوبة مسرح الطفل، فلست محبا لتقديم رسالة فقط لأن المسرح غايته الأساسية الإمتاع ومن ثم تصل الرسالة.

- حدثنا عن التعاون مع الموسيقار الكبير هاني شنودة؟
كان تعاونا مثمرا، وتجربة غنية بالنسبة لي على المستوى الشخصي والفني، التعاون مع فنان بهذا الحجم والخبرة خاصة أنني من المعجبين بأعماله منذ طفولتي؛ فله تاريخ طويل في الأعمال المقدمة للطفل سواء على خشبة المسرح أو من خلال التليفزيون، فهو صاحب رؤى متفردة وتستطيع معرفة موسيقاه بمجرد سماعها وتعلمت منه الكثير.

- كلمنا عن فريق العمل  
سعيد بالعمل مع ميدو عادل وهو صديق عزيز منذ الطفولة، وكنا “بنتلكك” للعمل معا، وكانت فرصة عظيمة أن نقدم هذا العرض، وهو شخص محبوب جدا من الجمهور والأطفال وقادر على التواصل مع الأطفال وهم المتفرج الرئيسي وخلق حرارة بين خشبة المسرح والصالة المليئة بالأطفال، وهناك أيضا ألحان المهدي وهي فنانة شاملة ومحترفة، محبوبة من الأطفال ولديها طاقة كبيرة والتزام وحب للمسرح، وهي من نوع الممثلات اللاتي أحب العمل معهن، وسعيد جدا بمشاركة سيد جبر وهو ممثل كبير ولديه خبرة كبيرة في عالم المسرح خاصة مسرح الطفل، أيضا محمد سعداوي ممثل كوميدي رائع حقق حالة جيدة مع الأطفال، وأحمد أوسكار عازف موسيقي وممثل ولاعب بانتومايم، الحقيقة معنا مجموعة من الممثلين سعيد بوجودهم في العرض بالإضافة لمبدعين آخرين من صناع العرض الموسيقار هاني شنودة، ومصمم الاستعراضات مناضل عنتر، وكاست الإخراج وإدارة المسرح بقيادة الفنان عادل الكومي، والإشراف العام البيت الفني للمسرح، وقطاع الإنتاج الثقافي المتمثل في المخرج خالد جلال الذي يدعمني دائما ومؤمن بما أقدمه، وأشكرهم جميعا وأدعو كل الناس للفرجة على العرض، نحاول أن يكون من أهم التجارب التي قدمت للطفل في الفترة الأخيرة.

- سبق أن خضت تجربة سندباد ثم نور في عالم البحور فهل تنوي تقديم المزيد للطفل؟
لا أدري إن كنت سأقدم على تكرار التجربة مرة أخرى، أم لا، ولكن نجاح التجربة الأولى “سندباد” جعلني متشوق لخوض التجربة مرة أخرى بتجربة أصعب نظرا للنزول لفئة عمرية أقل، وأنا أحب المغامرة والتحديات وأحب المسرح والأطفال وكنت مقدرا لخطر مخاطبة الطفل المصري في هذا الزمن ولهذا العمر فقررت تقديم التجربة الثانية، وكمخرج أنا جديد على مسرح الطفل، وأتمنى النجاح، خاصة أن في مسرح الدولة هدفنا ليس ماديا بل فنيا وثقافيا بالدرجة الأولى.

- ما الصعوبات التي واجهتكم خاصة أن العرض يقدم لطفل متطور فكريا وتكنولوجيا؟
جزء من متعة الفن والمسرح هي الصعوبات التي نواجهها، خاصة المسرح لأنه عمل جماعي ضخم نعمل جميعا للوصول للهدف النهائي وهو هنا إمتاع الطفل، بالتأكيد واجهنا صعوبات وسنمر بصعوبات ولكن العرض حقق نجاحا كبير خلال فترة عرضه، ولا ينفي ما ذكرته صعوبة الكتابة للطفل، فالمسرحية للكاتب والشاعر محمد زناتي، ومنذ بداية الفكرة والبدء في الكتابة دارت بيننا مناقشات لعدة أشهر، وربما وصلت لعام في محاولة الوصول للغة التي يمكننا بها مخاطبة الطفل في هذا العمر؛ ليقرأ الرسالة دون الشعور أنها تلقينية أو أنه درس؛ فالمسرح والمدرسة مختلفان تماما، المدرسة تقدم التربية والتعليم والمسرح يقدم الفكر والترفيه، فكرنا في نوع الأغنية التي يسمعها الطفل فتجذبه ويحفظها ويفكر في عباراتها، وفي نوع الحوار والشخصيات التي يتعلق بها الطفل فيضع نفسه مكان الأبطال ويحب القيام بعملهم، وشكل القيم التي سيخرج بها وبالتالي هو بالتأكيد صعب لكنه ممتع.

- في مسرح الطفل أو المسرح عموما هل هناك أزمة كتابة؟
لا أرى إطلاقاً أزمة كتابة في أي من الفنون، سواء للطفل أو للكبار، مسرح أو سينما أو تليفزيون، على العكس، هناك مبدعون وأفكار لكن الأزمة في الإنتاج، وليس في أي عنصر آخر من عناصر العمل الإبداعي، لأن الإنتاج هو المنظم للعملية الفنية أو المسرحية، ويجب أن يكون لديه الوعي الكافي لما يقدمه وكيف يقدمه، وبالحديث عن المسرح فالمنتج هنا هو الدولة، البيت الفني للمسرح، ومن الطبيعي أنه يجب أن يقوم بالبحث عن تجارب حقيقية أصلية وليست تجارب منحوتة من قصص أو روايات أو أفلام كارتون مع احترامي لهذه الأعمال، أنا خريج فنون جميلة قسم الرسوم المتحركة وفن الكتاب، ولدي اطلاع كبير على عملية صناعة الرسوم المتحركة وفن الطفل بشكل عام، وأحاول أن أقدم ما هو جديد وأصلي ولا يحمل أفكارا مستهلكة، بالإضافة لتوافر عناصر الإبهار ليتابع الطفل العرض، وحتى للكبار لأنهم يحضرون مصاحبين لأطفالهم.

- حتى اليوم ليس لدينا مهرجان رسمي لمسرح الطفل فكيف ترى ذلك؟
أتمنى إقامة مهرجان للطفل لأن هناك عروضا تقدم للأطفال، أتمنى أن ينير نجاح أعمال الطفل حاليا لدى المسؤلين عن المهرجانات ولدى وزارة الثقافة بشكل عام، ليقيموا مهرجانا لمسرح الطفل، وأن يكون عالميا حتى نحتك بالعروض من كل أنحاء العالم، ما يحقق رواجا وتنافسا ويخلق شكلا مبهجا، ليست عقلية الطفل المصري فقط التي تغيرت وأصبح لديه نوافذ عديدة من خلال الإنترنت والوسائط المختلفة التي يمكن أن يتلقى منها الفن، سواء المقدم للطفل أو حتى المقدم للكبار، فهو يتأثر بالفن المطروح، بخلاف العناصر التكنولوجية التي تقدمت كثيرا وخلقت نوافذ مفتوحة أمام الطفل في العالم كله. نحن في حاجة لمهرجان عالمي لتحريك المياة الراكدة في مسرح الطفل.

- لماذا ابتعدت عن الإخراج لمسرح الجامعة على الرغم من حبك الشديد له؟
أعتبر المسرح الجامعي بيتي؛ لأنني خرجت من فرقة أتيليه المسرح التي شاركت فيها كممثل خلال سنوات الدراسة الخمسة، ولها تاريخ كبير، وكان أحد أسباب اختياري لكلية الفنون الجميلة، كان هناك احتكاك بفنانين عظماء، وتعلمت الكثير، ثم عدت مخرجا لنفس الفرقة بعد التخرج وحصلنا على الكثير من الجوائز وتحركنا في مسارح كثيرة وكان للفريق فضل كبير في انتشار اسمي كمخرج مسرحي. ولكنني ابتعدت لأنني منشغل بالأعمال مع البيت الفني للمسرح ووزارة الثقافة بشكل عام في مختلف الأماكن، وحين وجدت الوقت والفكرة قدمت مع كلية التربية الفنية عرض «الدنيا رواية هزلية» ونجحت في تأسيس فرقة قوية في المكان، لأن أهم ما يميز مسرح الجامعة أنه ليس هناك كلمة احتراف؛ لكن؛ يوجد روح الهواة والطالب الذي يحاول تقديم فن لأنه يحبه بعيدا عن حسابات السوق والحسابات التجارية البحتة التي تؤثر في عروض المحترفين، وبالتالي أحب العمل مع مسرح الجامعة وتكرار التجربة مرارا وتكرارا.

- إذا ما قارنا بين المسرح الجامعي وقت دراستك واليوم فما الذي اختلف؟
اختلف المسرح الجامعي نظرا لاختلاف الجيل والتأثيرات المجتمعية، الروح والدوافع والحب هي نفسها؛ لكن اختلفت الثقافة والقراءة والهجوم التكنولوجي الرهيب والأذرع الطويلة للإنترنت والمنتشرة في كل ركن، مما تسبب في ضحالة في الفكر، ولا أتهم الجيل فالأجيال الحديثة غير مدانة فمعظم ما يتلقون هو ثقافة سطحية وسريعة «تيك أواي»، وهذا لا يعطيك فكرة كاملة عن الفن الذي تمارسه أو عن الفلسفة التي تحاول تقديمها، وبالتالي أصبحت العملية الإبداعية أصعب وتحتاج لمجهود أكبر، ولكن في النهاية بمجرد البدء في العملية الإبداعية وينخرط فيها طلاب الجامعة تعود الأمور لمجراها وأحاول دائما التأكيد على أهمية القراءة والاطلاع والبحث وليس البحث السطحي.

- درست في معهد النقد الفني بأكاديمية الفنون بالقاهرة، ودرست الفن التشكيلي في كلية الفنون الجميلة، فكيف أثرت هذه الدراسات في عملك المسرحي؟
أثرت في بالتأكيد كفنان، فمنذ طفولتي وأنا قريب من المسرح بشكل قوي حتى لو كان على مستوى المسرح المدرسي، تعلمت الكثير، ومن خلاله أحببت الاستمرار في المجال المسرحي، واستفدت من دراسة الفن التشكيلي كمخرج ومبدع، المخرج إبداعه في صناعة الصورة ليس فقط بمعناها المرئي ولكن من خلال الصورة المحسوسة، الصورة التي ترسم من خلال حوار بين الممثلين، أو مونولوج للممثل وحده، أو الصورة التي ترسم من خلال الحركة المسرحية، لأنه ليس هناك مخرج يشبه الآخر والإخراج عملية فنية لا تقل أهمية عن الرسم والتمثيل والغناء والموسيقى. ودراستي النقد جعلتني أطلع على الفنون الأخرى وتاريخها، وتحليل النصوص والعروض، والأعمال الموسيقية، والفن التشكيلي والشعر والأدب، وفلسفة الفن وعلم الجمال، بالتأكيد كل ذلك يوسع مداركي كفنان ويجعلني قادرا على النظر لما أقدمه بعين الفنان والمتلقي والناقد، كما يحملني مسؤلية كبيرة، كيف ستصل رسالتي للمتفرج دون استعلاء وفي نفس الوقت كيف آخذ بيد المتفرج وأتحرك به خطوة للأمام وهو ما يشكل فارقا للمبدع أن تؤثر في الطفل والكبير.

= كيف ترى مسرح القطاع الخاص الآن؟
الموجود حاليا مسرح الدولة، ومسرح القطاع الخاص نادر ندرة الأمطار في الصيف، وربما الموجود حاليا نوع آخر وهو الذي يقدم في مواسم السعودية، ويعتمد على تجهيز التجربة خلال أيام محدودة، وتعرض لأيام قليلة جدا كنوع من الحدث الترفيهي، ولا أقلل من القيمة الفنية لهذه الأعمال لأنه في النهاية عمل فني مقدم للجمهور. فالمسرح يحب الاستمرارية ويقوم على فكرة الموسم المسرحي ومشاهدة أكبر عدد من المتفرجين ما يحدث رواجا للمسرح، كانت عروض القطاع الخاص تعرض لسنوات، ولا أفضل هذه العروض السريعة، أو حتى التي تعرض عدد ليالٍ قليلة بعد جهد أشهر من البرو?ات، ففي مسرح الدولة نقوم بعمل برو?ات لأشهر فليس منطقيا أن أعمل كل ذلك من أجل عرض ليوم أو حتى عشرة أيام، وبالتالي تختلف آلية العمل في مسرح الدولة عن القطاع الخاص الحالي، أو حتى النوع الذي انتشر واختفى وهو عروض التليفزيون التي كانت تقدم في تجربة مسرح مصر والتجارب الشبيهة التي قدمت بجانبها، وكأنها كانت موضة أن تقدم عرضا للجمهور وهو في الأساس يعتمد على الكاميرا لأنه مقدم لجمهور التليفزيون.

- بمناسبة التليفزيون هناك العديد من الأعمال التليفزيونية قدمت المسرح مؤخرا ضمن أحداثها فهل ترى أنه قدم بشكله الحقيقي؟
أحب المسرح وأتحيز لرؤيته في أجمل صورة، في شكله الحقيقي، وأشعر أن 99?? من الأعمال التي تتعرض للمسرح داخل قصتها الدرامية تقدمه بشكل سطحي جدا، وبعض الأعمال كانت “مستفزة” وأعتقد أن المخرج التلفزيوني لم يشاهد أو يرى المسرح، لم يستهلك وقتا لدراسة ما هو المسرح وكيف يتحرك الممثل على خشبته وما شكل المسرح.. لا يعرف كالوس المسرح ولا جمهوره، فالمخرج إذا كان يقدم عملا داخل مستشفى يذهب ويشاهدها بشكلها الحقيقي وكيف يتحرك الأطباء والممرضون وكيف يتعاملون، فما يحدث من تجرؤ على المسرح بوضع عناصر تشبه المسرح من بعيد تطلب لوكيشن مسرح «ويالا اطلعوا على المسرح» فما هذا!! ونقول عرض مسرحي داخل سياق تليفزيوني هذا مرفوض تماما لأنه يترسخ في ذهن المشاهد.

- مصطلح ما بعد الحداثة زاد استخدامه مؤخرا فما الفرق بين فن ما بعد الحداثة وما قبلها؟
الفن يسبق التنظير، بعد تقديم الفنانين للأعمال وبعد تراكمات يبدأ المنظرون والفلاسفة والنقاد في التأصيل لبعض المدارس الفنية التي يمكن أن تكون نشأتها على يد الفنان ولكنه لم يسمها، وبالتالي فما بعد الحداثة هو كل ما بعد الحرب العالمية الأولى أو بداية القرن العشرين، حيث اختلفت الفنون مع التكنولوجيا المقدمة في هذا العصر والثورة الصناعية واتجاه العالم لعالم أكثر مادية وتحكمه قيم أخرى وتحدث فيه حروب وصراعات شكلها أيضا اختلف، فأصبحت على المواد الخام والطعام والماء، اختلفت عن الصراعات الدينية في العصور التي قبلها، والتي كان يقدم فيها فن آخر، فالفن ابن البيئة والأحداث المحيطة، وبالتالي حين وصلنا لمرحلة ما بعد الحداثة الأقرب لما نعيشه حاليا لم يكن هناك مفهوم واضح لما بعد الحداثة، لأن الحداثة تحمل الشيء الأحدث لكن ما بعد الشيء ما هو؟! بالتالي ليس هناك شيء ملموس واضح يمكننا أن نلمسه بأيدينا لكن يمكننا القول إن ما بعد الحداثة، هي فنون ما بعد هذه المرحلة، ما ظهر في  هذه المرحلة، ثم بشكل عام رأيي الشخصي في تصور ما بعد الحداثة التي نعيشها لم يعد الفن محكوما بقواعد كالتي كان محكوما بها، ففي الحداثة تحرر الفن بشكل كبير من أشكاله الكلاسيكية المعتادة ومن القيود التقليدية، وأصبح الأساس هو التغيير والتجريب والبحث عن فكرة ومحاولة تقديمها دون التقيد بمن هم قبلي، ومع التقدم التكنولوجي الرهيب والاتصالات أصبح التحدي كبيرا جدا، وأصبح هناك الكثير من الأعمال المقدمة المندرجة تحت اسم الفن بكل أشكاله شعر وموسيقى وأدب ومسرح وسينما وتليفزيون ومنصات وفن تشكيلي وفيديوهات وبرامج تسجيلية وشبه تسجيلية وبرامج كوميدية وشبه كوميدية، وصارت هناك أنواع صعب جدا تصنيفها في فنون ما بعد الحداثة بشكل عام، وأصبح الفن أقرب للسلعة الموجودة «المرمية» وسط أنواع من السلع، وكل سلعة لها زبونها والأشخاص الذين يفضلونها، أصبحنا نستيقظ صباحا على تريند وهو وليد ما بعد الحداثة.

- كونك مدربا شاركت في العديد من الورش كيف ترى انتشار الورش وما المقومات التي يجب توافرها لدى المدرب؟
دراسة الممثل الأكاديمية غير كافية، لا بد أن تكون لديه خبرة واحتكاك بالعملية الفنية ويتدرب ويثقف نفسه؛ فلا فن حقيقي بدون ثقافة، وكوننا بلد تضم أكثر من 100 مليون مواطن فمن الطبيعي أن تكون لدينا الكثير من المواهب التي تتمنى الوصول، والأماكن المخصصة والرسمية للدراسة لا تكفي، لدينا أكاديمية الفنون العريقة ولكن نحتاج لعشرات من أكاديميات الفنون في محافظات مصر، وبالتالي هذا السبب في انتشار ما يسمى بورش التمثيل في كل مكان، وهناك ورش عديدة في شتى مجالات الفنون، فمن يرغب في الدراسة ربما يتوجه للمكان الرسمي ولا يُقبل لعدم وجود موهبة، لكن من أين سيعرف إن لم يجرب ويحتك، وأنا مع أن تكون هناك ورش ولكن المهم من يقدمها وما يحكمها؟ فمن المقومات التي أرى ضرورة توافرها أن يكون قادرا على التدريس فربما أكون ممثلا جيدا ولكن لا أملك ملكة التدريس، موهبة تقديم المعلومة بكل كرم وحب، وأستمتع مع رؤية المتدرب يكبر أمامي ويزداد خبرة، فنحن نرى حجم الموهبة وحدودها ومشاكل الممثل ونحاول إصلاحها، فتكبر مميزاته وأساعده للتخلص من عيوبه.

 


روفيدة خليفة