الأستديو المسرحي.. نحو مسرح معاصر

الأستديو المسرحي..   نحو مسرح معاصر

العدد 827 صدر بتاريخ 3يوليو2023

الأستديو المسرحي، أحد الظواهر المهمة في المسرح الجديد في العالم، فهو المكان الذي يتم من خلاله إعداد الممثل وفق منهج محدد في التمثيل، يتم تدريبه عليه، ولا ينتج عنه بالضرورة إنتاج عرض مسرحي.
وتعود جذور الفكرة إلى «كونتسانتين ستانيسلافسكي» (1863م- 1938م) منشيء «مسرح الفن» في موسكو، والذي قام بإنشاء «استديو الممثل» وكان الغرض منه تدريب الممثلين على الطريقة الجديدة في الأداء والاتي ابتكرها «ستانيسلافيسكي».
وفي مصر كان أول ظهور لهذه الفكرة مع المخرج سمير العصفوري من خلال «استديو 79»، ثم الفنان محمد صبحي والذي أنشأ «استوديو الممثل» عام 1971م، بعد تخرجه مباشرة من معهد الفنون المسرحية بالقاهرة، ثم عاود صبحي تكرار التجربة مع المؤلف لينين الرملي بتكوين «ستوديو 80» وقدما من خلاله مجموعة من المسرحيات منها «البغبغان» و»الهمجي» و»تخاريف» و»المهزوز» وغيرها. وقد استفاد «صبحي» في كلا التجربتين من منهج «ستانيسلافسكي» في إعداد الممثل.
في عام 2005م، أسس المخرج أحمد العطار «ستوديو عماد الدين»، والذي جاء في بيانه التأسيسي أنه «يهدف إلى تقوية مجال الفنون الأدائية في مصر، حيث يعتمد على منهج الإتاحة الفنية الذي يؤدي لتحقيق التعاون وبناء الثقة بين الفنانين، ويساعدهم من أجل بناء شبكة علاقات قوية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي»
 ومن  تلك التجارب تجربة ستوديو 83 لفنون  الأداء، وهو أولى نشاطات مؤسسة «السرادق» للتدريب وتنمية المواهب الفنية ومشتملاتها، وهي مؤسسة تجارية خاصة «شركة توصية محدودة» تكونت اعتبارا من أول يونيو 2004  لممارسة الأعمال التالية:
1. تدريب الممثلين وإعدادهم للعمل في مجال الاحتراف بالوسائط الفنية المتعددة «مسرح ـ سينما ـ تليفزيون ـ إذاعة»
2. تدريب المخرجين في مجال إدارة الممثل «نظريا وعمليا»
3.  تدريب الممارسين لفنون الأداء المختلفة «فن الإلقاء والنطق ـ الارتجال ـ اللياقة الحركية ـ الرقص - الغناء... «
4. إعداد الطواقم الفنية «Casting» للعمل في الأعمال الدرامية المتنوعة.
5. تدريب الموهوبين في مجال الكتابة الدرامية «نصوص مسرحية ـ سيناريوهات ـ برامج ..» للوسائط الفنية المتنوعة «مسرح ـ سينما ـ تليفزيون ـ إذاعة..»
6. إقامة الورش workshops الجماعية للمحترفين من الكُتاب في الكتابة الدرامية، وتسويق المنتج الدرامي عنها لدى شركات الإنتاج الفني ، مع الاحتفاظ بحقوق الأداء العلني لأصحابها.
7. إقامة الورش النوعية للممثلين لاكتساب مهارات خاصة في مجالات التعبير الدرامي المتنوعة «الكوميدي ـ العرائس ـ المسرح الحركي.. الخ»
8. التعاون المشترك مع مؤسسات التدريب المحلية والعربية والعالمية «الأهلية والرسمية» من أجل تنمية وتطوير المهارات الفنية.
9. إيجاد منافذ التطبيق العملي، أو الممارسة الفنية، للدارسين بغرض تنمية قدراتهم، ومواهبهم الشخصية.
10. الإشراف على النشاط الفني لفرقة السرادق، باعتبارها المنفذ الأساسي للتطبيق، والممارسة العملية للدارسين.
11. إعداد وتجهيز أعمال درامية خاصة تساهم في إلقاء الضوء على المواهب، وللقدرات الفنية للدارسين، ومن ثم تسويقها لدى جهات الإنتاج الفني المختلفة.
12. إعداد وتجهيز أعمال المواد الإعلامية «صفحات الويب، المجلات، النشرات، المطبوعات..» اللازمة للدعاية وإلقاء الضوء على نشاط المؤسسة ودارسيها.
13. المشاركة في فعاليات المؤتمرات والمهرجانات الفنية المختلفة، سواء المحلية، أو العربية، أو العالمية من أجل العمل على تقديم الدارسين بأفضل صورة، وعلى أوسع نطاق ممكن.
هذا وتعمل المؤسسة على تحقيق تلك الأهداف من خلال نشاط ستوديو83 للممثل، وورشة الكتابة الدرامية :
يقول صالح سعد: «لقد أصبحت فنون الأداء «التمثيل ـ الغناء ـ الاستعراض...» اليوم واحدة من أهم النشاطات الاجتماعية التي تجذب إليها أعدادا متزايدة من الشباب، وخاصة بعد سقوط رموز النجومية النقليدية ومفاهيمها، وانفتاح المجال أمام الوجوه الجديدة للعمل في مجالات الفن المختلفة، واتساع مجال الوسائط السمعية والبصرية الحديثة بصورة مذهلة. وفي نفس الوقت ما يزال الوسط الفني لدينا يعاني من ذات الآفات التي تعاني منها بقية الأوساط والمجالات بلا استثناء، وهما: الهواية السطحية «غياب مفهوم الاحتراف»، والعشوائية «غياب المنهجية».!
 وأكد البيان التأسيسي للأستديو على أنه من هنا أصبحت هناك ضرورة واقعية لوجود ستوديوهات، وورش التمثيل الحرة، في ظل انغلاق المعاهد، والأقسام، الأكاديمية على نفسها، وتقيدها باللوائح والقواعد الروتينية الصارمة «مثل حصر الدراسة فيها على طلاب من خريجي الثانوية العامة، أي من هم ما يزالوا في مرحلة المراهقة الغضة..»، وهو ما جعل من دراسة الفنون «الإبداعية بالضرورة» دراسة تقليدية، وليست نشاطا إبداعيا مميزا، ذي طبيعة خاصة، يعتمد على اختيار الموهوبين، وقياس الميول الطبيعية، أكثر مما يعتمد على مستوى التحصيل الدراسي في امتحانات نهاية العام.
وبالفعل فهناك أكثر من ستوديو، أو ورشة، للتمثيل اليوم، سواء منها الخاصة، أو المرتبطة بمواقع ثقافية حكومية.. وكلها تقدم خدمات مدفوعة الثمن لراغبي التعلم، والعمل في المجال الفني «بحيث لا يصبح التعليم هو الدور الأساسي لتلك المؤسسات الصغيرة، بل أيضا يصبح عليها المشاركة في عملية تسويق طلابها في سوق الإنتاج الفني..»
ويوجد حاليا بمركز الإبداع الفني بالأوبرا «استوديو مسرح مركز الإبداع» والذي يشرف عليه المخرج خالد جلال، ومن خلاله أعطى صندوق التنمية الثقافية التابع له المركز الفرصة للدراسة العلمية لأصحاب المواهب الذين لم تتح لهم فرصة التعليم الأكاديمي، وبدأت الدراسة في هذه الورشة في مايو 2003، وقدم استديو مسرح مركز الإبداع العديد من العروض الناجحة والتي أفرزتها ورشه المختلفة ومنها عرض «حلم ليلة صيف» و»هبوط إضطراري» و»أيامنا الحلوة» و»قهوة سادة» والذي حقق نجاحا كبيرا، وشاركت عروض مركز الإبداع في الدورات المختلفة لمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي والمهرجانات الدولية وحققت عدة جوائز، كما أن عددكبيرا من خريجي «استديو مركز الإبداع» أصبحوا نجوما في الدراما التلفزيونية السينمائية مثل بيومي فؤاد وأحمد أمين وهشام إسماعيل ومحمد سلام وحمدي الميرغني وغيرهم.
ويوجد بمدينة القدس «استديو الممثل» والذي يقوم بإعداد الشباب من هواة المسرح لتطوير مواهبهم  من خلال برنامج تدريبي محترف يعتمد أساسا على عدة مسارات في عالم المسرح وفنونه المختلفة، وهذا المشروع غير خاضع للتمويل، يستوعب عشرات الطلاب، ويمدهم بالدراسة النظرية لعلم المسرح، بالإضافة إلى دورات تدريبية، بداية من تدريبات اللياقة البدنية وتمارين الصوت والاتنفس، والتي تعتبر أدوات الأداء عند الممثل، وبعد انتهاء مدة التدريبات يقوم الطلاب بتقديم نتاج تجاربهم من خلال تقديمهم لمسرحية تعكس الخبرات التي حصلوها في فترة التدريبات، وقد تم تقديم عدة عروض منها «مجلس العدل» من تأليف توفيق الحكيم، والتي تم تقديمها في الموسم الأول للاستديو عام 2009م.
وفي تونس يوجد حاليا «استديو التياترو» والذي أسسه عام 2003 الفنان توفيق الجبالي، ويعمل على تدريب هواة المسرح من خلال مجموعة من الفنانين أصحاب الخبرات في المجالات المسرحية المختلفة ومنهم:عبد المنعم شويات ونوفل عزازة وفاطمة الفالحي وتوفيق العايب وزينب الفرشيشي وعاصم بالهامي وجان لوك غارسيا، ويمنح الأستديو شهادة في الفن الدرامي، وتقوم الدراسة العملية فيه على التدريب المكثف لمهارات الأداء المسرحي من تنظيم التنفس والإصغاء واستعمال الفضاء المسرحي وتنمية المهارات الابتكارية والخيالية لدى الممثل.
ونتيجة التدريبات تم تقديم عدة عروض منها «قرية المحبة» و»يوم في المعهد» و»ياسمين» و»يحكى أن» و»تقاطعات في متحف». وغيرها.


عيد عبد الحليم