المهرجان الدولي للمسرح التجريبي علامة وازنة للدبلوماسية الثقافية الكونية

المهرجان الدولي للمسرح التجريبي  علامة وازنة للدبلوماسية الثقافية الكونية

العدد 786 صدر بتاريخ 19سبتمبر2022

عُمر المهرجان التجريبي يطفئ شمعته التاسعة والعشرين، ومعنى ذلك أنه تاريخ ممتد في الزمن، في بيئة ثقافية لها خصوصيتها الحضارية الضاربة في القدم، إنها مصر “ أم الدنيا”.
الجميل في مهرجان التجريبي الذي احتضنته القاهرة في الفترة الممتدة من فاتح شتنبر2022 إلى الثامن منه، أنه مناسبة يلتئم فيها صُناع المسرح من مختلف بقاع العالم، يتبادلون فيها أحدث المتغيرات التي طرأت على فن المسرح، بغاية ترسيخ هذه الثقافة والدفع بها إلى آفاق أوسع في ظل ما يدخل ضمن الكونية الثقافية؛ حيث تتقاطع الهويات، وتتداخل الهواجس، وتنمحي الحدود والثقافات بين الأمم والشعوب، انتصارا للقيم الجمالية والفنية والإنسانية.
إنها مناسبة عربية بأبعاد كونية تشكل قيمة مضافة لدولة مصر من جهة، وأيضا للإبداع المسرحي العربي من جهة أخرى. ولعلنا من خلال قيمة العروض المسرحية، والورشات، والمحاور الفكرية، وكل الأنشطة الفنية والجمالية التي عرفتها هذه الدورة، نتلمس –لا شك-طفرة أخرى شكلت وعيا أكبر بمعنى فلسفة التجريب المسرحي، مع ما يكتنف هذا المفهوم من لبس لدى العديد من المسرحيين، وهو ما أفضى إلى بعض الانتقادات التي وُجّهت للجنة مشاهدة العروض المسرحية بدعوى أن بعض الأعمال التي تم انتقاؤها تفتقد لفكر التجريب المسرحي، خاصة وأن عروضا مسرحية أخرى اعتذرت عن حضور هذه الدورة، ما يجعلنا نقرّ بأن النقد والنقد المضاد الذي يواكب أو يلي كل دورة من التجريبي إنما هو ظاهرة صحية محمودة، من شأنها الدفع بعجلة هذا المهرجان إلى مستويات أرقى، وهو ما ينسجم والرؤية الاستراتيجية لمهندسي المهرجان منذ بداية تأسيسه سنة 1988 إلى الامتداد.
هذا المهرجان هو فضاء للثقافة الكونية حين تتلاقح التجارب، وتتفاعل الخبرات، ويغدو المسرح بفرجاته المتعددة، وأساليبه المبتكرة، ذريعة لاقتحام اللغة، والفكر، والثقافة في تعددها وتباينها؛ حيث تصير الهويات كتعدد، منصهرة في بوثقة واحدة بصيغة المفرد. والأجمل في المهرجان هو أنه يشكل فرصة للدبلوماسية الثقافية العربية/العربية وهي تمتحن حضورها المسرحي في علاقتها بنظيرتها الغربية. ولعل الرابح الأكبر في هذا الرهان الثقافي الكبير، هو المسرح العربي في عمومه، الذي يخطو خطوات جبارة لتأسيس بصمات جديدة بفكر تجريبي مبتكر، على يد مسرحيين شباب، استطاعوا أن يتشبعوا بالثقافة المسرحية الأكاديمية تنظيرا وممارسة من جهة، وأيضا انطلاقا من إيمانهم القوي بمبدأ المغايرة الإبداعية التي تقوم على معطى الديمقراطية، والفكر الحر، والمغامرة الخلاقة، وهو ما اتضح جليا من خلال العروض التجريبية العربية التي عرفتها دورة المهرجان، حيث آلت جائزته الكبرى للعرض المسرحي المغربي شا طا را لمخرجه الفنان أمين ناسور؛ ذلك أن إجمالي العروض التي تقدمت أمام لجنة المشاهدة هو203 عرضا، 55 منها أجنبية، و90 عربية، في حين كان نصيب العروض المصرية 58.
إن القاهرة وهي تحتضن الدورة التاسعة والعشرين للمهرجان الدولي للمسرح التجريبي، تعزز بذلك حضورها الوازن ليس كقبلة سياحية بامتياز، ولكن أيضا كواجهة ثقافية كبرى تشكل منطقة جذب لعشاق المسرح التجريبي من مختلف بقاع العالم، ومعنى ذلك أنها علامة وازنة للدبلوماسية الثقافية الكونية، وجغرافيا مهمة تتمتع بكل أسباب الأمن والسلم والتعايش الإنساني.
 


نورالدين الخديري - المغرب