أحتفظ بنص إسكتش مسرحى تحت رقم «687» قُدم إلى الرقابة بتاريخ 17/12/1967 مكتوب على الصفحة الأولى الآتى: إسكتش «معبد أبوسمبل» (نوبى – عربي)، إعداد محمد حسن سليمان أحمد الشهير بـ«محمد حداد»، أعضاء فرقة التمثيل بدار أبوسمبل، 40 شارع قصر النيل – القاهرة. وفى الصفحة الثانية مكتوب أسماء الممثلين وأدوارهم، كالآتى: على عبده روس – فى دور «السائح». محمد حسن حداد فى دور «السائحة». عبد الرحمن صالح صفاوى فى دور «حارس المعبد». صالح محمد عباس فى دور «المطرب النوبي». والنص مكتوب بالآلة الكاتبة فى إحدى عشرة صفحة من القطع المتوسط. وعلى الصفحة الأخيرة مكتوب التصريح الرقابى هكذا: “لا مانع من الترخيص بتمثيل هذا الإسكتش، على أن تُخطر الرقابة بموعدى التجربة النهائية والعرض الأول”. ثم توقيعات مسئولى الرقابة، وخاتم الرقابة وبه رقم الترخيص «256» بتاريخ 19/12/1967.قيمة هذا النص الصغير تتمثل فى أربعة أمور، الأول القيمة التاريخية كونه نصًا مجهولًا لا نعرف شيئًا عن كاتبه أو الممثلين أو الجهة التى أنتجته، وهل تم تمثيله أم لا، ومن هنا تبرز القيمة التاريخية لهذا النص كونه وثيقة رسمية تثبت تاريخيًا وجود نص مسرحى بعنوان «معبد أبوسمبل»! ولو أمعنا النظر فى تاريخ التصريح الرقابى سنجده قبل عدة شهور من افتتاح معبد أبوسمبل بعد نقله وإنقاذه من الغرق بسبب بناء السد العالى، وأيضًا جاء النص بعد تهجير أهالى النوبة إلى كوم إمبو، ما يعنى احتمالية أن النص كُتب لغرض من ثلاثة: الأول الاحتفال بافتتاح معبد أبوسمبل، والثانى تمجيد مشروع بناء السد العالى، والثالث الإقرار بأن تهجير أهالى النوبة كان القرار الأصوب وجاء فى مصلحتهم، والاحتمال الثالث هو الأرجح بناء على موضوع النص.أما الأهمية الثانية، فتتمثل فى أن النص عبارة عن نص تمثيلى تسجيلى لواقعة تاريخية وهى إنقاذ آثار النوبة! وهذا التسجل تم توثيقة فى النص هكذا:« يُفتح الستار رويدًا رويدًا وتظهر واجهة المعبد وعلى أربعة تماثيل تمثل رمسيس الثانى جالسًا على عرشه.. ويكون الضوء خافتًا على المسرح.. ومع ابتداء فتح الستار تصدر من المسرح صورة صوتية لتقديم عرض موجز عن النوبة وآثارها والمجهودات التى تبذل لإنقاذ هذه الآثار وبالأخص معبد أبوسمبل”.وتحت عنوان «نص النبذة التاريخية عن معبد أبوسمبل ومشروع إنقاذه»، جاء الآتى: “من منا لا يتفاخر بأمه.. ومن منا لا يفخر بتراث أجداده ويعتز بأقوالهم ويجعل منها حكمًا يترنم بمغزاها ومعانيها.. فمنذ أن فكرت حكومتنا الرشيدة فى إنشاء السد العالى.. وهو المشروع الذى سيظل رمزًا خالدًا لعزيمتنا الجبارة وإرادتنا الثورية التى لا تقهر ولا تلين.. اشتد الاهتمام بالتماس الوسائل الكفيلة بإنقاذ آثار النوبة والمحافظة عليها.. والنوبة التى تمتد من شمال وادى حلفا إلى أسوان وهو جزء من الوطن المصرى.. منطقة فريدة بما تحويها من آثار عظيمة الأهمية يبلغ عددها حوالى ستة عشر معبدًا ومن بينها ذلك المعبد الضخم الرائع ألا وهو: «معبد أبوسمبل». والواقع أن هناك معبدين فى أبوسمبل وكلاهما نقر فى الصخر فى عصر الملك رمسيس الثانى.. أما المعبد الأول فللملك والثانى للملكة.. وهما متقاربان لا يفصلهما إلا واد صغير تتكدس فيه الرمال التى تجلبها الرياح. ويعتبر معبد أبوسمبل من أضخم وأهم المعابد التى شيدت فى عصر الدولة الحديثة.. بل ويعتبر الوحيد من نوعه فى العمارة البشرية.. ونكاد نعتقد أن رمسيس الثانى قد ميز منطقة أبوسمبل على غيرها من المناطق الأخرى التى شيد بها معابده، نظرًا لأنها كانت من الأماكن التى قدسها المصريون من أقدم العصور.. ولدينا من الأدلة ما يثبت أن «خوفو» مشيد الهرم الأكبر قد أقام معبدًا هناك.. كما أن هذه المنطقة كانت تحوى معبدًا من عصر الدولة الوسطى. ويطالعنا المعبد الكبير بواجهته الضخمة التى تعتبر أروع ما نفذه المهندس المصرى القديم.. وذلك بالنسبة إلى التناسق الفنى بين عناصرها والانسجام الرائع بين الأثر نفسه والبيئة الجبلية التى حفر فيها.. وهذه الواجهة نحتت على هيئة صرح ارتفاعه ثلاثين مترًا وعرضه أربعين مترًا.. ويعلو هذا الصرح أكثر من عشرين تمثالًا لقردة واقفة على أقدامها رافعة أيديها إلى أعلى محيية الشمس عند شروقها من بين قمم التلال العالية الممتدة على الشاطئ الشرقى.. وغير هذا فقد نحت أربعة تماثيل ضخمة تمثل رمسيس الثانى جالسًا على عرشه.. وهى تعتبر من أضخم التماثيل التى نحتها المصرى.. إذ يبلغ ارتفاع الواحد منها أكثر من عشرين مترًا. وليس من شك أن معضلة إنقاذ معبدى أبوسمبل المنقورين فى التل الحجرى، تعتبر أكثر معضلات إنقاذ آثار بلاد النوبة تعقيدًا.. فهذان المعبدان هما أجمل وأروع معابد النوبة.. وليس من السهل علينا.. بل وعلى العالم المتحضر أن يدع هذا الأثر يضيع.. فهما لا يخصان من شيدهما فقط – بل يخصان التراث الثقافى للإنسانية جمعاء.. فعلى مجتمعنا الحاضر أن يحفظ هذا الأثر لأنه رمز خالد لحضارة عظيمة.. وفى 20 يونيو سنة 1961 صدر تصريح الرئيس جمال عبدالناصر الذى جاء فيه: (لقد عهدت الجمهورية العربية المتحدة إلى اللجان الفنية بدراسة أكفل السبل لضمان سلامة المعبدين.. وتضافرت جهود منظمة اليونسكو مع جهود الجمهورية العربية المتحدة فى هذا السبيل.. وجاءت نتائج دراسة اللجان الفنية تؤيد مشروع الرفع.. وتقرر أن تنفيذه يبعث على الاطمئنان إلى سلامة المعبدين.. ولهذا قررت الجمهورية العربية المتحدة الأخذ بمشروع الرفع حتى تكفل المحافظة على المعبدين على أكمل وجه ترجوه ويتطلع إليه العالم. فإن مشروع إنقاذ آثار بلاد النوبة هو مشروع فذ وكبير.. ليس فقط لأن من بين آثارها معبدى أبوسمبل.. بل لأن هذا المشروع شمل بحث منطقة ممتدة إلى ما يقرب من 350 كيلو مترًا على ضفتى نهر النيل بحثًا دقيقًا شاملًا.. ولكن هل نقف نحن مكتوفى الأيدى نطلب إلى العالم أجمع أن يشاركنا ولا نحرك نحن أفراد الشعب ساكنًا نحو تراثنا القديم؟ والذى يخصنا نحن بالذات لأن هذه الآثار نتيجة لوضع حضارى قام به وأخرجه إلى حيز الوجود أولئك الأجداد الذين عاشوا على أرضنا وشربوا من ماء نيلنا.. ولا شك فى أن أبناء النيل.. بعد أن لمسوا هذه الجهود الجبارة التى قامت بها الجمهورية العربية المتحدة والهيئات الأجنبية الأخرى.. مبادرون فى الإسهام فى إنقاذ هذا الأثر الحضارى الخالد. وبعد انتهاء العرض التاريخى.. ظهر على المسرح وأمام تماثيل المعبد رجل نوبى فى زيّه الوطنى وهو حارس المعبد ويقوم بعمل الترجمان ويشرح للسواح القادمين من أنحاء العالم كل ما يتعلق بالمعبد والمنطقة.. ويكون دائمًا فى انتظار الباخرة التى تقلهم من أسوان لاستقبالهم.. ويدور الحوار التالى بين حارس المعبد والسواح «سائح وسائحة»!هنا نأتى إلى الأهمية الثالثة لهذا النص، وتتمثل فى «الحوار»! فالأول مرة أجد النص مكتوبًا على عامودين من أعمدة الصحافة، بحيث إن الحوار فى العامود الأيمن هو الحوار نفسه فى العامود الأيسر ولكن بصورة مختلفة! فالعمود الأيمن أعلاه مكتوب عنوان «لغة التمثيل»، وأعلى العامود الأيسر مكتوب عنوان «المعنى المقصود»! وبقراءة النص وجدت أن الحوار فى العامود الأيمن مكتوب باللهجة النوبية، وفى العامود الأيسر الحوار نفسه مكتوب بالعربية الفصحى! وهذا أمر غير معمول به، رغم أن الفكرة قديمة قام بها «محمود تيمور» عندما نشر بعض مسرحياته بالعامية والفصحى فى مجلد واحد! أما هنا فالأمر مختلف حيث كانت العربية الفصحى مقابل (اللهجة النوبية) وليست العامية القاهرية!أما الأهمية الرابعة، فتتمثل أن النص به معلومات عن معبد أبوسمبل، ومقارنات دقيقة بين حياة النوبيين قبل وبعد التهجير من النوبة إلى كوم إمبو! وهذا جزء من نص الإسكتش:حارس المعبد: (يمين) أهلًا.. أهلًا.. أهلا.. هلو.. هلو. (يسار) أهلًا بكم فى بلدكم./ السواح: (يمين) هلو.. هلو.. اسم بتاع أنت إيه من فضلك. (يسار) أهلًا.. أهلًا.. ما اسمك من فضلك؟/ حارس المعبد: (يمين) اسم بتاعى بشير.. كمان أنتو عرفتو كلمتو عربى. (يسار) اسمى بشير.. ولكن أراكم تتكلمون اللغة العربية/ السواح: (يمين) أيوه.. أيوه.. عشان عملت إحنا كثر فسحة فى البلاد بتاع العرب. (يسار) نعم.. نعم.. نعرف أن نتكلم العربية.. لأننا تجولنا فى كثير من البلاد العربية./ حارس المعبد: (يمين) دى كويس خالص.. مدام حتفهموا ولو عربى مكسر أحسن من بلاش. (يسار) أنها فرصة لكى نستطيع أن نتفاهم معكم./ السواح: (يمين) من فضلك بشير.. مين عملتو رمسيس. (يسار) من فضلك يا بشير من الذى بنى رمسيس./ حارس المعبد: (يمين) رمسيس.. عملتو رمسيس. (يسار) رمسيس هو الذى بنى رمسيس./ السواح: (يمين) أوه.. ماليش.. أنا عاوز قولو.. معبد بتاع أبوسمبل. (يسار) عفوًا.. أقصد أن أقول المعبد./ حارس المعبد: (يمين) أيوه.. رمسيس الثانى هو اللى عمل.. المعبد بتاع أبوسمبل. (يسار) رمسيس الثانى هو الذى بنى معبد أبوسمبل./ السواح: (يمين) قد إيه عملتو كبير المعبد بتاع أبوسمبل. (يسار) كم يبلغ ارتفاع هذا المعبد/ حارس المعبد: (يمين) التمثال دى فى أكثر من عشرين مترًا.. والطول دى بتاع أربعين متر. (يسار) طول التمثال حوالى 20 مترًا وعرض المعبد 40 مترًا/ السواح: (يمين) وإيه دى كمان فى حاجة صغيرة.. صغيرة.. فوق بتاع رمسيس. (يسار) وما هذه التماثيل الصغيرة التى تعلو تماثيل رمسيس؟/ حارس المعبد: (يمين) أيوه.. يا ست دول قرود.. قرود.. بيحيو الشمس أو ما تطلع من الشرق. (يسار) أنها تماثيل قردة تحيى الشمس عند شروقها.. من الشرق./ السواح: (يمين) كما فى شمس رخت جوا.. جوا. (يسار) هل صحيح أن الشمس تدخل داخل المعبد؟/ حارس المعبد: (يمين) أمال.. الشمس فى الصبح بدرى خالص.. تدخل عند قدس الأقداس قبل ما ينور الدنيا.. ودى الميزة الموجودة فى معبد أبوسمبل دونًا عن المعابد الثانية. (يسار) نعم.. إن الشمس فى الصباح الباكر تدخل عند قوس الأقواس من قبل أن تنير وتملأ أرجاء الأرض.. وهذه ميزة تنفرد بها معبد أبوسمبل.. دون المعابد الأخرى/ السواح: فى كم متر دخلتو الشمس جوا.. بشير. (يسار) إلى كم متر تدخل الشمس داخل المعبد؟/ حارس المعبد: من هنا لجوا فى 60 مترًا. (يسار) إلى 60 مترًا من بداية الباب الخارجى./ السواح: فى اتنين معبد عملتو رمسيس.. دى واخد.. وفين التاني؟ (يسار) لقد بنى رمسيس معبدين.. هذا واحد منهم وأين الثاني؟/ حارس المعبد: (يمين) نعم.. أوكى.. رمسيس عملتوا اتنين معبد.. الكبير دى عشانه هو.. والصغير اللى هناك دى.. بتاع الملكة نفرتارى. (يسار) نعم رمسيس بنى معبدين الكبير لنفسه والثانى.. أى المعبد الصغير للملكة نفرتارى........../ السواح: (يمين) أوه.. بشير من فضلك فين الناس بتاع هنا.. بتا نوبيا. (يسار) من فضلك يا بشير أين سكان هذه المنطقة أى النوبيون/ حارس المعبد: راحو ورا السد العالى.. عشان هنا الميّة غرقت البلاد.. وهم هناك فى كوم إمبو غارقون فى الخير. (يسار): إنهم ذهبوا وراء السد العالى لأن أراضيهم ستغمرها المياه.. وفى كوم إمبو تغمرهم الخيرات........./ السواح: (يمين) البيوت بتا هنا كان أحسن ولا فى كوم إمبو. (يسار) المساكن التى بنيت فى النوبة الجديدة أحسن أم المساكن القديمة فى المنطقة./ حارس المعبد: (يمين) هنا كان كويس وهناك كمان زيادة كويس عشان فى نور وكهربة بتاع السد العالى. (يسار) المساكن أيضًا هنا كانت جميلة.. ولكن المساكن الجديدة أفضل لأنها تضاء بكهرباء السد العالى.وهكذا يستمر الحوار فى المقارنة بين النوبة وكوم إمبو الجديدة، أو بين حياة النوبيين قبل وبعد التهجير بسبب بناء السد العالى.. ومن هذه المقارنات أن أهالى النوبة كانوا يستخدمون المراكب فى التنقل، أما عندما انتقلوا إلى كوم إمبو بدأوا يستخدمون السيارات والأتوبيسات. كما كانت السيدة النوبية ترتدى فستانًا يُسمى (الجرجار) فى النوبة، ثم أصبحت ترتدى ما يُسمى (الترتا) فى كوم إمبو! ثم جاءت المقارنة فى التعليم، حيث كان فى النوبة مدرسة ابتدائية ولكن فى كوم إمبو فتوجد مدارس ابتدائية وإعدادية.ومما سبق يستطيع الباحث مستقبلًا دراسة هذا النص لغويًا وأسلوبيًا ودراميًا من خلال الحوار النوبى ومقارنته بالحوار الفصيح، ناهيك عن دراسته تاريخيًا وتسجيليًا كونه يتعلق بأحداث تاريخية واجتماعية تتعلق بالنوبة وأهاليها. وحتى تكتمل الدراسة مستقبلًا، يستطيع الباحث دراسة نص آخر مشابه لهذا النص فى استخدام الحوار النوبى، وهو تحت رقم «688».