ناقدات متألقات

ناقدات متألقات

العدد 710 صدر بتاريخ 5أبريل2021

كنت طالبة في أكاديمية الفنون حين استمعت لحوار في البرنامج الشهير «زيارة لمكتبة فلان« حين سألت المذيعة نادية صالح ضيفها الدكتور على الراعي حول دور الناقد الأدبي والمسرحي في الحياة الثقافية وما استعداده لأداء هذا الدور؟
أفاض الاستاذ في حديثه حول مشاق مهنة النقد فيما يخص جانب التحصيل والدرس والقراءة والإطلاع على أحدث مايدور في بلادنا وفي بلاد العالم ليواكب أهم التطورات في تخصصه.كما توقف عند فكرة هامة وضرورية في عمل الناقد وهى موسوعية الاطلاع، فالنقد  المسرحي مرتبط بالفلسفة والعلم والتكنولوجيا والفنون كلها مثل الموسيقى والتشكيل والرقص  إلخ. وحين أسعدني الوقت والتقيت به ذكرته بحديثه هذا وسألته: وكيف يصل الناقد لكل هذا وما العائد؟ إبتسم وقال: لو كنت تقصدين العائد المادي فهو لم ولن يقدر هذا الجهد المطلوب من الناقد الحقيقي، كل مايمكن أن يجنيه العائد الأدبي بالتقدير من القراء والفنانيين وطلاب الفنون.
  وتلك أمام حقيقة أعرفها منذ استمعت للراعي وغيره من أساتذة المهنة وهي  أن العائد الأدبي شئ والعائد المادي شئ أخر. ووجدت إجابتي الشخصية عن استمراري بالعمل بمهنة النقد بكل مجالاتها الكتابة والتدريس والسفر أي أنني سرت على درب اساتذتي وتحملت كل مشاق هذا الدرب مثل كل جيلي  لماذا ؟
  توقفت أمام السؤال ووصلت لإجابة ترضيني شخصيا واتصورها كذلك عند كل من عمل بمهنة النقد بكل صوره ، وهي أن الشغف بالفن والأدب المكون الأساسي في حضارة مصر ساكن في وجدان شعبها الذي نحن منه، هذا الشغف والا حترام يتجدد في نفوسنا وربما يبلغ حد الغيرة حين يتجاوز أحد في منجز الحضارة المصرية القديمة والحديثة، هذا ماحرك ويحرك أجيال من المبدعين ويستثير أجيال من النقاد للكتابة عنه وإلقاء الضوء عليه. حقيقة يؤكدها كل يوم بزوغ نجموم من  النقاد ينشطون روح الحركة النقدية في الفنون والأدب وأقرأ لهم بدقة ويفرحون قلبي لأنهم ولأنهن يسيرون في طريق صعب متعب بنفس الشغف الذي قادني من قبل
أحب أن اقرأ على سبيل المثال لا الحصر لأقلام عز بدوي ومحمد مسعد وياسر علام ومحمد سمير الخطيب وباسم صادق ورنا عبد القوي وأميرة الوكيل وليليت فهمي وضحى الورداني ورنا رأفت ومنار خالد ولمياء أنور وغيرهم  والحقيقة التي يجب ذكرها أنهم جيل ترعرع عبر دورية منتظمة هي جريدة « مسرحنا« كما حدث معنا حين كانت مجلة «المسرح« محل تواجدنا وكيان هام احتوانا بنشر مقالاتنا وطرح أفكارنا .
ودعوني أوقف عند أقلام الناقدات الشابات تحية ودفعة لهن كنت أحظى بمثلها من أساتذتي  شفاهيا  وكانت تصعد بمعنوياتي لعنان السماء وتدفعني لمزيد من الاجتهاد والمثابرة .
أقرأ لهن وأجد لديهن قواسم مشتركة أولا نفس الشغف والنشاط في متابعة العروض المسرحية أي النقد التطبيقي ، ثانيا كتابة الدراسات والأبحاث العلمية، ثالثا تتمتع كتابتهن برشاقة الإسلوب وسلاسة اللغة حتى لو لجأن للمصطلحات المتخصصة .
  رنا عبد القوي وهي حاصلة على الماجستير في النقد المسرحي وتشارك في لجان مشاهدة وتحكيم لمسرح الثقافة الجماهيرية والهواة وشاركت في اللجنة العليا للمهرجان القومي للمسرح تتسم كتابات رنا برؤية كلية للعرض المسرحي بمعنى ربطه بالمجتمع وأثره الجمالي على الناس
في حين تناقش دائما أميرة الوكيل  وهي مدرس بقسم المسرح بجامعة  حلوان العروض المسرحية التي تكتب عنها عن طريق اثارة الأسئلة حول مضمون العرض واتجاهه الفني ومدى توافق هذا كله مع ماعرض بالفعل فوق خشبة المسرح . تبحث أميرة دائما عن الوحدة الكلية للعرض وهي تركز على مسرحيات الشباب من جيلها وتحلل المنطلق الفكري والجمالي عندهم وتجدها تخرج عبر تساؤلاتها النقدية إلى توضيح مايمكن أن يجمل تلك المسرحيات ويفيد الفنانيين ممن قدموها ، إنه نقد يقرأ ويشرح الطريق للقارئ أيضا . كتبت أميرة مقالا حول عرض (1980وانت طالع .. الفن سلعة استهلاكية تبحثُ عن الموضة) ناقشت فيه المنطلق الفكري للنص وعلاقته بالواقع وجدوى هذا النوع المسرحي المعتمد على المشاهد المتتابعة كوحدة درامية منتهية لتبدأ وحدة اخرى بمشهد أخر وموضوع جديد وحللت الأثر الجمالي له، وهو ماتجادل مع فكرتي حول نفس النوع المسرحي وهذا جمال النقد. تتسم مقالات  ليليت فهمي بالجرأة في النقد والتحليل  لما تشاهد من عروض مسرحية وتحاول أن تتوقف أمام الهدف الفني لأي تحربة ومدى ارتباط هذا بالحركة المسرحية عامة.
ففي مقال لها بعنوان (نخاف من الجمهور فنتهمه) تسائل شباب من صناع المسرح حول علاقة مايقدمون بمن يتفرجون على هذا المسرح وما يريدون أن يوصلوه لهم، فتضع يدها على جوهر المسرح وهو التواصل بين المؤدي والمشاهد حول كل المشتركات بينهم وهو أمر ربما غاب  عنهم في بسبب  حماس الشباب.
وتتسم كتابات ليليت بالجرأة في تحليل العروض المسرحية وفحص جمالياتها والإشارة الواضحة لنواقصها وهذه الطريقة ربما بدت قاسية لكنها صادقة متفاعلة تهدف لتطور تجربة المسرح عند أصحاب الطموح ممن ينتظرون ذلك .
تجمع ضحى الورداني بين النقد المسرحي والسينمائي فتكتب عن ماتشاهد من أفلام ومسرحيات وهذا جميل في تقديري ، فعين الناقد الواعي قادرة على تلك النظرة الكلية للفنون المرئية وبالتدريب تنضج الكتابة عندها فكل الفنون هي من منبع واحد . وتتميز كتابات ضحي بتحليل الصورة المرئية في الفنيين وتعي الفروق الجمالية لكل فن . وهذا ماتعلمته شخصيا من استاذ قدير من قبل وهو  رفيق الصبان حين درس لي النقد المسرحي والسينمائي في مرحلتي البكالوريوس والدبلوما وكان إضافة هامة لكل من درس عليه في مقاعد الدرس وما ينشر له من مقالات وكتب. ولاننسي أن ناقدا قديرا أخر هو سمير فريد درس النقد المسرحي مثلنا ثم تألق كناقد سينمائي كبير ، وهذا ماتمنى للناقدة الواعد ة ضحى الورداني .
أتصور أن جهد أولائك الزميلات الشابات سوف يتألق ويتواصل مع الأيام بفضل جهدهن العلمي الذي يقوده طموحهن الشخصي والمهني وهذا مايسعدني شخصيا. فعليهن الاستفادة من التطور العلمي عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة ثم تطوير للغات الأجنبية للتواصل مع مايحدث في العالم حولنا وهناك أمر مضمون الإفادة وهو السفر وراء المسرح بحضور المهرجانات والمؤتمرات الدولية  كلما استطعن لذلك سبيلا .


سامية حبيب