«+22» انتفاضة شبابية غير صالحة لجميع الفئات العمرية

«+22» انتفاضة شبابية غير صالحة لجميع الفئات العمرية

العدد 573 صدر بتاريخ 20أغسطس2018

دائما ما تمتلك الفرق الشبابية المستقلة تصورا حادا يقومون بطرحه من قضايا، مستخدمين ذلك الشكل الاتصالي المباشر لاستعراض مشكلاتهم وهمومهم الاجتماعية. وبالفعل تسلك أكثر من فرقة شبابية هذا المسلك المربح في جذب الشباب لعروضهم من جهة وعرض معاناتهم المشتركة فيما بينهم من جهه أخرى.
بالطبع هو مسلك مشروع لا خطأ فيه، ولكن قد يكون في بعض الأحيان جرس إنذار للمجتمع أو تنبيها لعقول خامله فقدت الحقيقة أو ضلت طريقها بين كثرة الأفكار.
لم تبتعد فرقة «روانا الهوسابير» التي تشارك بعرض «+22 لجميع الفئات العمرية» - للمخرج «محمد جبر» في المهرجان القومي للمسرح لدورته الحادية عشرة - عن ذلك القالب.
ففي وسط ديكور بسيط في الخلفية حاملا معه ذكريات الطفولة وصفاء الذهن والبراءة من ألعاب مختلفة وملابس أطفال يبدأ العرض بدراما حركية لمجموعة من الشباب، تحمل تلك الدراما الحركية دلالات مباشرة من ملابس سوداء وحركات الأيدي التي تحاول بلوغ أشياء مبهمة ويبدو عليها الاختلاف وفقا لكل شخصية، لكنهم يعجزون عن الوصول ومن ثم يجلسون غير قادرين على المقاومة متكتلين جميعا في وسط المسرح ككتلة سوداء واحدة تبدو وكأنها صعبة التفكيك.
ليبدأ العرض بعد ذلك في شكل «استكتشات»/ لوحات، نتاج فرضيات ارتجالية من قبل الفريق، كل لوحة تقدم مشكلة من مشكلات المجتمع ككل وانعكاسها على الشباب كالإرهاب وأزمة السكن والانعزال في العوالم التكنولوجية الافتراضية.. إلخ، وذلك بهدف كشف حالة العبث والفوضى التي يعاني منها المجتمع ورصد علاقة الفرد بالمجتمع ومحاولة إقامة مساحة للجدل فيما بينهم لخلق حالة من الشد والجذب ليست صراعا دراميا معقدا، بل إنه في شكل كوميدي حاملا بداخله عوامل الأسي والتراجيديا، حيث استخدمت مونولوجات لكل شخصية تتحدث فيها عن معاتبها وعلاقتها بالمجتمع المتأزمة ومحاولات الهروب والبعد عن الواقع أو تناسي النفس من أجل مطاردة مطالب الحياة اليومية، تقدم تلك المونولوجات بعد المشاهد الكوميدية بنبرة جنائزية قادرة على كسر حالة الكوميديا تماما والغوص داخل الشخصيات ثم الخروج منها كحالة عابرة والرجوع إلى الكوميديا مرة أخرى.
لتكون التنقلات بين الكوميديا والتراجيديا هي تنقلات بين الظواهر والبواطن، فكلما بدت المشاهد مضحكة أدركنا أن العرض يرصد الحال الخارجي للشخصيات، وكلما ساد الحزن يزيد الإدراك بأن العرض بدأ في التفتيش داخل كل شخصية وإبراز دواخلها بشكل واضح.
ليتقابل الداخل والخارج أمام أعين المتلقي فيما بينهما من حالة تضاد كاملة، داخل مؤلم مستتر خلف قناع ضاحك.
وللأداء التمثيلي دور في ذلك من حيث الدقة والإقناع، فشباب الفريق على قدر واع بزمام الشخصيات، فهي ليست شخصيات مركبة ولا مضطربة نفسيا، بل هي شخصيات واقعية وهذا ما يولد صعوبة من حيث التجسيد والإقناع، فإذا تسلل للمتفرج إحساس الغربة بينه والممثل سينتج عنه نفور من العرض ككل، فكل شاب يجلس في الصالة يريد أن يرى نفسه بشكل واقعي وحقيقي دون المزايدة أو النقصان، ولتحقيق تلك الحالة الحميمية الصعبة ظل الممثلون ينادون بعضهم البعض بأسمهائهم الحقيقية أثناء التمثيل.
وعلى الرغم من عموم تلك القضايا المطروحة وسعي الفريق لرصد أشهر القضايا وأكثرها انتشارا بين الشباب، فإن العرض حامل دلالات وإفيهات لا يفهمها سوى فئة عمرية بعينها وهي فئة ذوات الأعمار ما بين الـ22 وحتى الـ30 تقريبا، في ماعدا ذلك قبل أو بعد تلك الفئة سيتعصى عليهم ترجمة تلك الإشارات بصورة أسرع، لذا فالعرض لو كان بالفعل لجميع الفئات العمرية مثلما يصرح عنوانه، لكان عليه بإمعان النظر أكثر في المحتوى المطروح والجمل الحوارية حتى يسهل على جميع الفئات العمرية مواكبة قضيته.
ولكنه بالطبع محاولة شبابية ناجحة حاملة لمواهب حقيقية قادرة على التنوع والمزج بين أكثر من حالة في آنٍ واحد، وتجربة مبشرة ومربحة لحركة المسرح في الوقت الحالي.


منار خالد