الخادمتان وصناعة الأداء

الخادمتان وصناعة الأداء

العدد 606 صدر بتاريخ 8أبريل2019

قد لا نخطئ الصواب حين نقول، عند حضورنا لمشاهدة أي عرض مسرحي، نكون أمام اكتشاف لهيمنة حاضرة لزوايا العرض بتعدد مفاصلها منها الإخراج ومنها التمثيل ومنها السينوغرافي أو أي مفصل آخر نجده ظاهرا ومهيمنا.
وأمام مسرحية “الخادمتان” إعداد وإخراج المخرج جواد الأسدي وتأليف جان جينيه، التي عرضت على مسرح الرافدين في بغداد ضمن برنامج أيام مسرحية عراقية لمناسبة يوم المسرح العالمي، لفرقة (دوز تمسرح - مراكش) للاعبتين (رجاء خرماز وزينب النجم). نلاحظ أن العرض قد هيمن عليه عنصر مهم من عناصر فن المسرحية هي الصناعة التي كانت حاضرة بشكل لافت للمتلقي بشخصية الخادمة (رجاء) التي أبهرت الحاضرين بكشفها عن عمق الشخصية سيكولوجيا هذه الممثلة التي أبهرتني شخصيا بأدائها على العالم الافتراضي (الخشبة)، وهي تبدو لنا كعملاقة تمتلك كاريزما حضور لافت أكل خشبة المسرح وزادها جمالا بعكس شخصيتها على العالم الواقعي حين قابلتها وعرفت أن هذه الفتاة هي من أسميتها العملاقة شخصية بدت كطفلة صغيرة وأنا أحادثها بابتسامتها الخجلة ببنية عادية وقامة قصيرة ذهلتني غير مصدقة أن ما شاهدت من حضور على الخشبة بهذا الجسد.
هنا تكمن عملية الصناعة التي نوهت لها مسبقا وفي مرات عدة بآرائي السابقة أن الأسدي (صانع ممثل) أقولها وللمرة العاشرة وازيد إنه يشتغل بدقة علمية احترافية مع تبعات الجسد اللاعب على الخشبة من صوت وشعور وخلجات نفسية وحس أداء متكامل، فضلا عن أسلوبه الخاص بتجنيد الممثل لديه ضمن إخراج احترافي بالأداء، وهذا ما ظهر عليه العرض إذ اكتسب صفة الإبهار بالأداء ببصمة إخراجية أسدية بوجود شخصية موازية أخرى أدت بروعة وتكامل مبهر للممثلة (زينب النجم) وهي تتنقل بين شخصيتي الخادمة والسيدة بانتقالات مدروسة سريعا ما توهمنا أن شخصية ثالثة قد حضرت بأدائها ضمن حركة لولبية سردية تركيبية أن الأسدي وضع لنا النص على الخشبة كما هو بتحديه اللعب المغاير للشخصيتين بطريقة التمثيل السلوكي النفسي ضمن حدود العاطفة الحسي أو الحيوي الواقعي ودراما معقدة من الانفعالات السيكولوجية وإمكانية مناقلة اللعب بين الشخصيتين.. الذي يحيلنا للقول إن الأسدي قد تراوح بين دائرتي النفس السيكولوجي والحيوي الواقعي بترابط وتلاحم تشخيصي للأدوار كونهما يحملان من الملامح الداخلية المشتركة بإبراز احتدام الصراعات المتداخلة بينهما بواقعية كونية وتوظيف سردي ودرامي بحدود إيقاع قائم على التنويع في المكونات التركيبية النفسية، فضلا عن استخدام ثنائية الداخل والخارج بإيقاعية عالية خلقها الأداء العالي للشخصيتين بتكرار بنية التوازي داخل حدود العرض بأخذه حركات تكرارية حول المنضدة بعمق المسرح وتكرار التلاعب بالأزياء وتكرار حالة الخوف والهلع وحالة التردد وحالة التقمص لشخصية أخرى ضمن ضمير الغائب المعبر عن السيدة التي تكرر حضورها عددا من المرات بتأثيث جسدي مبهر.
اعتمد الأسدي وراهن في عرضه المسرحي لا على الرؤى الإخراجية بل على اللعب والتشخيص للممثل الذي يضعنا أمام عرض مسرحي يمتلك صفة صناعة الممثل وأمام درس أكاديمي بالتمثيل صنعه بامتياز المخرج الأسدي لتتكرر هذه الصناعة وتتوالى في أغلب عروضه.
تحية لجمالية اللعب المسرحي العالي للممثلتين شكرا لجمالية الدرس الأكاديمي للمخرج الأسدي وشكرا لجميع المشاركين في إظهار المسرحية بشكلها المتكامل ضمن أيام استثنائية كشفت أن لدينا جمهورا رائعا تابع وناقش مجريات الأيام المسرحية.. فطوبى لأهل المسرح ومحبيه.


منتهى طارق المهناوي