بمناسبة مرور ربع قرن على رحيل الأب: عمرو دوارة: ابتعدت عن النقد كثيرا حتى «لا أعيش في جلباب أبي»

بمناسبة مرور ربع قرن على رحيل الأب:   عمرو دوارة: ابتعدت عن النقد كثيرا  حتى «لا أعيش في جلباب أبي»

العدد 706 صدر بتاريخ 8مارس2021

- ربع قرن على رحيل فارس النقد المسرحي المصري فؤاد دواره، عرفه المسرحيون بجديته ورصانته وأمانته، كان له رأيه الخاص ونظريته، اهتم بتوثيق المسرح المصري من خلال إصدارته عن كل موسم مسرحي كل عام. عرفناه ناقدا مسرحيا كبيرا، و بعد مرور ربع قرن على رحيله، فكرنا أن نتعرف عليه من خلال ابنه الناقد د.عمرو دواره ، لنتعرف عن قرب على ما لم نكن نعرفه من سيرته، ولننقل أيضا صورة للمسرح المصري بين جيلين من النقاد.

- شغل الناقد الكبير فؤاد دوارة بعض المناصب القيادية بوزارة الثقافة، ما أهم تلك المناصب؟
- قبل الحديث عن مناصبه القيادية بوزارة الثقافة لابد من التنويه عن دوره المهم كأستاذ أكاديمي ساهم بدور مهم في نشر الثقافة المتخصصة وصقل موهبة عدد من شباب المبدعين من خلال عمله سواء بمصر» المعهد العالي للسينما»، أو بدولة الكويت الشقيق» المعهد العالي للفنون المسرحية»، أما بالنسبة للوظائف القيادية فقد أدى دوره الوظيفي على أكمل وجه والذي اختتم بعمله كمستشار لوزير الثقافة خلال فترة د.أحمد هيكل، وإن تميزت فترة قيادته أيضا كعميد لمعهد الرواد الثقافيين أثناء فترة عمله بجهاز الثقافة الجماهيرية، الهيئة العامة لقصور الثقافة حاليا، وكذلك فترة رئاسته للمركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية.
- حصل فؤاد دوارة على بعض مظاهر التكريم والجوائز خلال مسيرته الأدبية فما أهمها من وجهة نظرك؟
أرى أن جائزة النقد المسرحي في أول مسابقة نظمتها وزارة الثقافة عام 1960 هي الأهم؛ لأنه حصل عليها في فترة مبكرة جدا من حياته، ويأتي بعد ذلك الجائزة الأولى للقصة السينمائية» عبد الله النديم» عام 1964، ثم جائزة وزارة الإعلام «بمهرجان الإذاعة والتليفزيون» عن مسلسل «العبور»، أما بالنسبة للتكريم فيمكن أن أذكر تكريمه بكل من يوم المسرح المصري في دورته الأولى عام 1990مع اسم الرائد جورج أبيض والناقد الكبير علي الراعي، ومهرجان «القاهرة الدولي للمسرح التجريبي» عام 1994 الدورة السادسة مع سيدة المسرح العربي سميحة أيوب.
- أثرى الناقد الكبير فؤاد دوارة المكتبة العربية بكثير من الإصدارات القيمة، حدثنا عنها وما الأقرب إليك منها؟
يصعب جدا محاولة التفضيل بين هذا العدد الكبير من مؤلفاته القيمة؛ حيث أثرى المكتبة العربية بأكثر من ثلاثين كتابا وعشرة ترجمات، وإن كان والدي – رحمه الله – يميل إلى كتابيه عن الرائد توفيق الحكيم «المسرحيات المجهولة، والمسرحيات السياسية» والذي حصل علي درجة الماجستير بامتياز عنه، في حين أميل أنا إلى مجموعة كتبه المتخصصة بالمجالات الأدبية المختلفة التي تكشف عن عمق ثقافته الموسوعية ومثال لها:  في النقد المسرحي، في القصة القصيرة، في الرواية المصرية، شعر وشعراء، السينما والأدب، ذلك بالإضافة إلى إبداعاته كمؤلف مسرحي خاصة مسرحيتي» العبور»، و «المتنبي».
- بعد ربع قرن من رحيله هل هناك أوراق أو دراسات ما زالت بالأدراج ولم تنشر حتى الآن؟
للأسف، برغم نجاحي بتوفيق الله في إصدار ثلاث كتب في ذكرى الأربعين لرحيله عام 1996 وهم «إطلالات على المسرح العربي، محمد مندور، الطبعة الثالثة لكتاب عشرة أدباء يتحدثون» ، وإعادة طبع أربع مسرحيات مترجمة وهي «ثورة الموتى، الحضيض، ثلاث سنوات، الإنسان والسلاح»، وكتاب توفيق الحكيم «المسرحيات المجهولة والمسرحيات السياسية» إلا أن هناك كتاب هام من ترجمته وهو «الفنان في عصر العلم»، وأيضا مسرحية مترجمة اسمها «أمير الأحلام» وهي آخر مسرحية شارك ببطولتها النجم عمر الشريف بلندن لم يطبعا بعد.
- ما أهم السمات المشتركة التي تراها بينك و بين الوالد؟
أرى بصدق إن زملائي من النقاد هم الأجدر بالإجابة على هذا السؤال بالنسبة للإسهامات الأدبية، وإن كنت استطيع الحديث عن بعض الصفات الشخصية المشتركة بيننا وفي مقدمتها عشق الوطن والجدية والإخلاص في العمل، والدأب واحترام الذات دون غرور أو تعال، وأرى ضرورة أن أشير في هذا الصدد إلى كتاب هام صدر مع بداية هذا العام للناقد المغربي الكبير د.عبد الرحمن بن زيدان بعنوان «صورة المسرح المصري من فؤاد دوارة إلى د.عمرو دوارة»، وأيضا إلى مقال مهم للأديب القدير محمد أبو العلا السلاموني بمجلة المسرح العدد الخامس عشر، يناير 2021 بعنوان « فؤاد دوارة جبرتي المسرح المصري» وأكد خلاله أنني الوريث الشرعي لهذا اللقب بإسهاماتي المهمة في مجال توثيق المسرح المصري والعربي، واستحقاقي لهذا اللقب مع لقب «حارس ذاكرة المسرح المصري» الذي أطلقه علي منذ سنوات الناقد الكبير عبد الغني داود.
- اختلاف ظروف النشأة والخلفيات العلمية والثقافية قد يتسبب في وجود اختلافات في وجهات النظر، فما هي أهم نقاط الاختلاف بينك وبين والدك؟
الاختلاف في وجهات النظر ظاهرة صحية،  خاصة مع والد مثقف يؤمن بحرية الرأي وبتعدد الآراء، والحقيقة وبرغم اقتناعي الشديد بكثير من آرائه الأدبية إلا أنني قد اختلفت معه جدا في قضيتين أساسيتين ، الأولى إصراره الشديد أن «المسرح» قالب وشكل من القوالب والأشكال الأدبية، بينما أقتنع  أنا برأي أستاذي الثاني كرم مطاوع أنه ينتمي بالدرجة الأولى إلى عالم الفن والفرجة، أما القضية الثانية فهي تقييمه لمجلة «المسرح» التي أسسها وتحمل مسئولية رئاسة تحريرها د. رشاد رشدي خلال الفترة 1964 إلي 1968؛ حيث يرى أنها ذات قيمة متوسطة وأنه تم إصدارها على عجالة حتى يضيعوا فرصة وزارة الثقافة في إصدار مجلة قيمة متخصصة في فنون المسرح كان يقوم بالإعداد لها مع نخبة من النقاد بقيادة د.علي الراعي، في حين رأيت أنا أن مجلة «المسرح» كان لها فضل كبير في نشر الثقافة المسرحية وفي التوثيق لعدد كبير من الفعاليات والعروض المسرحية، وبما أنها قد صدرت عن وزارة أخرى «وزارة الإعلام» كان يمكنهم الاستمرار في محاولتهم وإصدار مجلتهم المنشودة، والتي كان يمكنها تحقيق تنافسا قويا مع مجلة «المسرح»، فالمهم هو المحتوى والقيمة بالإضافة للاستمرارية، وكما يقال دائما «البقاء للأقوى».
- يرى بعض النقاد أنه برغم حصولك على درجة الماجستير في «المعهد العالي للنقد الفني» وممارستك للنقد التطبيقي في حياة والدك إلا انك لم تحقق تميزك وتألقك إلا بعد رحيله .. فما تعليقك؟
هذا حقيقي لأنني انجذبت لعالم المسرح في فترة مبكرة من خلال السياسة، حيث بدأت هوايتي للفنون المسرحية من خلال الكتابة وممارسة التأليف في محاولة للتعبير عن الواقع والطموحات بنظرة شاب يبغي الإصلاح، وكان من المنطقي ألا أجد مخرجا يتحمس لتقديم أول مؤلفاتي فاقتحمت عالم الإخراج لأقدم أفكاري للجمهور، والطريف أنني مع نجاح أول عروضي عشقت الإخراج أكثر، خاصة وأنني من خلال دراستي للإخراج واكتسابي للخبرات اكتشفت أن جميع الأفكار التي أود كتابتها قد سبق وأن تناولها عدد من كبار المؤلفين المحليين والعالميين، والحقيقة أنني فضلت لفترة طويلة الابتعاد عن عالم النقد حتى لا أعيش في جلباب أبي، ولكن شاءت الظروف أن يقوم أساتذتي وبالتحديد د.عبد العزيز حمودة، د.نهاد صليحة، ود.نبيل راغب بتشجيعي على ممارسته، ثم تحمس لنشر مقالاتي بدءا من بداية الثمانينات الأساتذة د.عبد الرحمن فهمي»مجلة القاهرة»، د.محمد عناني»مجلة المسرح»، فتفرغت للكتابة النقدية بصورة منتظمة بعد ذلك وبالتحديد من منتصف التسعينيات بفضل الأستاذين رجاء النقاش»الكواكب»، سامي خشبة»الثقافة الجديدة» وهو الاتجاه الذي حبذه الوالد الذي تابع بدأب مقالاتي خلال الشهور الأخيرة قبل رحيله وأثنى عليها.
- دائما ما تتم المقارنات بين الأجيال وخاصة بين إسهامات الأب والابن، فما تقييمك للمسيرة النقدية والإسهامات الخاصة بكل منكما؟
أرى أن المقارنة مستحيلة ومجحفة جدا لي ولجيلي لاختلاف المناخ العام والظروف، فوالدي ينتمي إلى جيل الوسط وبالتحديد نقاد الستينيات حيث الشعور بالانتماء القومي والعصر الذهبي لنهضة المسرح، وانتمي أنا إلى جيل الثمانينات المعاصر للانفتاح الاقتصادي والمسرح الاستثماري وجمهور السياحة العربية، والدي كان يكتب وبجواره أقلام الأساتذة د. محمد مندور، د. علي الراعي، د. محمود أمين العالم، د.عبد القادر القط، د.رشاد رشدي، ود.إبراهيم حمادة، ورجاء النقاش وجلال العشري وفاروق عبد القادر، وعلى خشبات المسارح إنتاج الستينيات بكتابها ومخرجيها ونجومها المبدعين، وأنا أكتب في جيل بدأ بظاهرة التجريب المسرحي وتغييب مسرح الكلمة لتسييد مسرح الجسد والرقص، ومن ناحية أخرى انتشار الفرق العشوائية وظواهر التهريج والارتجالات والخروج عن نصوص شيوع المسرحيات المعلبة التي تنتج للتصوير التليفزيوني فقط، ثم وصلنا مع الألفية الجديدة إلى مسرحيات الأون لاين والبث على القنوات الخاصة!! وبالتالي فقد اقتصرت الحركة النقدية حاليا للأسف – بعيدا عن الدراسات الأكاديمية أو الكتابات الصحفية السريعة - على إسهامات ما يقل عن عشرة نقاد !!!
- ارتبط اسم فؤاد دوارة بالتوثيق المسرحي وقدم عدة إصدارات مهمة في هذا المجال وأكملت أنت الطريق فهل هي جينات ؟
بدأ الوالد رحمه الله حياته العملية بالتعيين بمكتبة جامعة الإسكندرية مع الرائدين د.محمود الشنيطي ود. زكي العشماوي، وخلال مسيرته الأدبية قدم عدة إصدارات مهمة في مجال التوثيق ولعل أهمها إعداده وإشرافه على تقديم الأعمال الكاملة للأديب الكبير يحيى حقي، وكذلك كتبه التوثيقية الستة الخاصة بالمسرح المصري من عام 1985 إلى عام 1990، ومما لا شك فيه أن له الفضل الأول في تنبيهي لأهمية التوثيق وضرورة العودة للماضي لتقييم الماضي ولاستشراف آفاق المستقبل، وقد أسعدني الحظ بدراسة الهندسة وحصولي على أعلى الدرجات الأكاديمية في مجال نظم المعلومات والبرمجة الإلكترونية ثم اجتيازي لدورات في التصنيف والفهرسة والتوثيق ببعض المراكز العلمية المتخصصة بمصر والمملكة المتحدة مما أهلني لإنجاز هذا المشروع التوثيقي الكبير «موسوعة المسرح المصري المصورة» بأجزائها السبعة عشر.
- صورة الناقد الجاد صاحب القلم النزيه والآراء الجريئة وراعي المواهب والأجيال الجديدة جميعها صفات عرف بها فؤاد دوارة ولكن ما هي صورته التي تستطيع رسمها له كوالد؟
أولا الحسم الشديد والجدية التامة وعدم السماح بممارسة أي شكل من أشكال العبث والاستهتار، ثانيا إيمانه الكبير بالتخصص وبأن البيت هو مملكة المرأة خاصة بعدما اختار شريكة حياته بدقة وذكاء، حيث تزوج من زميلته المثقفة خريجة كلية الآداب، وبالتالي فقد اتفقا معا على عدم عملها وتفرغها الكامل للمنزل لتتحمل مسئولية متابعة الأبناء وليتفرغ هو لأعماله الأدبية، ثالثا الإصرار على غرس كثير من الصفات الحميدة في أولاده وأهمها التفوق الدراسي والاعتماد على النفس، وأخيرا التشجيع على تذوق مختلف الفنون والآداب ولكن مع عدم الاحتراف ولذلك أعد حالة استثنائية بين أشقائي.
- تعرض الناقد القدير فؤاد دوارة لظلم كبير طوال مسيرته الإبداعية فقد كان يستحق مكانة أكبر وقد استمر الحال بعد رحيله فهل هناك اقتراحات ترى ضرورة تنفيذها لتخليد ذكراه ؟
الحقيقة إن أغلبية النقاد قد تعرضوا للظلم في حياتهم وللجحود ونكران الجميل بعد رحيلهم، فجميعهم يدفعون ضريبة المهنة والجدية والصدق والصراحة في تعاملهم مع وسط فني يعشق المجاملات والرياء والنفاق والتزييف ويخشى الصراحة والمواجهة، وأحمد الله أن والدي ورغم اختلافه مع بعض الوزراء وكبار المسئولين وحرمانه من جوائز الدولة إلا أنه قد حاز على بعض الجوائز ومظاهر التكريم سواء بمصر أو بعض الدول العربية الشقيقة، كما حظيت كتابته النقدية جادة «نقد النقد» قدمها الباحث الجاد أيمن عبد العظيم وحصل بها على درجة الدكتوراه بامتياز، كما كرم أيضا من قبل وزارة الثقافة والجهاز القومي للتنسيق الحضاري عام 2020 بوضع لافتة «عاش هنا» على مدخل المنزل الذي أقام به بجوار مقر الزعيم سعد زغلول ما يقرب من أربعين عاما 1958 – 1996، و بها مجموعة كبيرة من الصور وقائمة أعماله، ولكنني بالطبع أطمح إلى تخليد ذكراه بصورة أكبر وذلك بإعادة نشر أعماله الكاملة لخدمة الباحثين والمتخصصين وكذلك تخصيص جائزة كبرى سنويا في النقد المسرحي باسمه، كما أقوم حاليا أنا وأشقائي الثلاث بالبحث عن أفضل الهيئات والمؤسسات الثقافية التي يمكننا إهدائها مكتبته القيمة كاملة.


روفيدة خليفة