المهرجان القومى للمسرح لم يكن لينجح لولا وجود منظمين محترفين وفنانين مؤمنين بما يفعلونه ومخلصين له

 المهرجان القومى للمسرح لم يكن لينجح لولا وجود منظمين محترفين وفنانين مؤمنين بما يفعلونه ومخلصين له

العدد 700 صدر بتاريخ 25يناير2021

بدأت وزيرة الثقافة المصرية، الأستاذة الدكتورة الفنانة، إيناس عبدالدايم بتقديم كل الشكر للسادة القائمين على المهرجان القومى للمسرح المصرى، فى دورته الثالثة عشرة «دروة الآباء»، حيث قالت: أتقدم بالشكر للفنان القدير أ. يوسف إسماعيل، رئيس المهرجان والفنان الأستاذ إسماعيل مختار، مدير المهرجان، وجميع القائمين على المهرجان فى ظل هذه الظروف الاستثنائية، وشرحت «د. عبدالدايم» كيف كان الوقت قليلًا جدًا فى ظل الظرف الصحى الراهن، وتأرجح القرار بين تنفيذ المهرجان، وإلغائه فى ظل هذه الظروف، وأكدت قائلة: لكن الحقيقة، أن الأسلوب الذى اتبع من القائمين على المهرجان أسلوب محترف، ونحن عادةً حينما يتم التعامل باحتراف نكون مستعدين للعمل بمجرد أن نقرر، وهذا ما حدث تمامًا فيما يخص المهرجان، فقد قررنا - قبل بداية المهرجان بوقت قليل - أننا سنقيمه، وحدث ذلك تحديدًا حينما تمت الموافقات، وأنا سعيدة جدًا جدًا بما تم فى هذا المهرجان.

 كيف ترى وزيرة الثقافة المصرية هذا الشعار؟
أرى أنه مميز، وبالفعل أنا فخورة للغاية بما يقدم فى المهرجان، وقد أسعدنى المسمى جدًا، وأراه جميلًا، فنحن حينما نلقى نظرة على آباء المسرح المصرى، وما أنجزوه وما تركوه لنا من موروث رائع نشعر بالفخر، فقد تركنا لنا الآباء والأجداد موروثًا ضخمًا، وحقيقةً أنا أقدر هذا الشعار وأراه أكثر من رائع، وبه قدر كبير من الذكاء.
 - هل ستعود الأنشطة الثقافية بعد التوقف فى ظل «كوفيد - 19» إلى العمل من خلال وسائل التواصل الاجتماعى والمنصات الإلكترونية «أون لاين»؟
نحن مستمرون ولم نوقف التعامل من خلال «الأون لاين»، مع ملاحظة أننا لم نصل - حتى الآن - إلى مرحلة الغلق، ويوجد فارق كبير بين توقف المهرجانات والاحتفالات الكبرى والمعارض الكبرى تمامًا، وبين الأنشطة الاعتيادية، حتى الآن لا يوجد غلق كامل، وعلى ذلك فالأنشطة الاعتيادية مستمرة، نعم أوقفنا الأنشطة الاحتفالية برأس السنة، لكن تلك الأنشطة توقفت على مستوى الدولة كلها، أما المسارح؛ فمستمرون باستخدام الإجراءات الاحترازية الكاملة المطلوبة، كارتداء الكمامة، والتطهير ونسبة 50% حضور، والمسافات، وجميع المسارح ملتزمة بكل الإجراءات الاحترازية إلى جوار المواقع الثقافية الأخرى.
 منذ اليوم الأول لتغير نمط الحياة الثقافية بفعل الجائحة، بدأنا فى تفعيل المنصات الإلكترونية، وقد اجتمعتُ بجميع قيادات وزارة الثقافة، لأننا لدينا أكثر من خطة بديلة، وبالفعل لدينا خطة واضحة للأنشطة الثقافية، ذات البرنامج الواضح، على مدار الموسم فى كل القطاعات، لكن بجانب ذلك نضع خطة أخرى نفعلها بالتوازى مع الأنشطة الثقافية المعتادة، وأتمنى ألا يكون هناك غلق كامل، لكننا مستعدون فى جميع الحالات، والمبادرة العظيمة للمنصات الإلكترونية والتى قمنا بتدشينها فى ظل أزمة «كوفيد - 19»، أخذنا خلالها قرارات حاسمة جدًا، أهمها أنه أصبح لدينا محتوى جديد على مدار العام الماضى بأكمله، ولأننا اعتمدنا فى العرض عبر المنصات على المحتوى السابق القديم، وقد فوجئنا ونحن نبحث فى كل الاتجاهات، بوجود بعض المراحل الفنية غير موثقة، أو غير موجودة أصلاً، وقد اتخذنا قرارًا أنه من الضرورى أن يكون كل نشاط ثقافى فى مصر مُصورًا ومُسجلًا، وأى حدث قُدِّم فى تلك الفترة التى بدأنا فيها التوثيق والتسجيل، وُثِّق بالضرورة، وبذلك أصبح لدينا محتوى جديد ومادة عظيمة جدًا وثرية جدًا الآن، إلى جوار الكنوز السابقة وسنستطيع أن نقدم نشاطات «أون لاين» بقوة خلال الفترة المقبلة.
- تصاعدت بعض الأصوات فى الدول العربية بعد 25 يناير محاولة أن تتبوأ المكانة التى تتمتع بها مصر ثقافيًا وفنيًا.. مع ملاحظة أن مصر دائمًا هى البوصلة لجميع الدول المجاورة.. فما الخطوات والمراحل التى تمت لإعادة الثقة والدور الريادى المصرى بقوة وإلى الصدارة فى الخريطة الثقافية الحالية؟
أنا شخصيًا أنظر إلى الأمور بشكل مختلف دائمًا، وأرى مصر سبّاقة وفى الريادة، ولا شك أن الأحداث التى مر بها الوطن العربى بأكمله، وليست مصر فقط، بل أيضًا العالم كله، أثرت بشكلٍ ما، لكن تلك المرحلة التى مر بها الوطن العربى من اضطرابات أثرت بشكل كبير جدًا على المنطقة، ونتج عن ذلك أن بدأت دول أخرى يحدث بها نوع من التطوير فى الثقافة والفنون، فمن حقها أن تتطلع لمستقبل، وهذا شىء أسعدنا جميعًا لأننا كنا نحتاج إلى قوى حولنا تتبوأ مكانة أكبر، لأن ذلك سيسمح لنا بالتفاعل والمشاركات، خاصةً أنه لأجل أن تحدث هذه النهضة فى بعض الدول كان لا بد أن تعتمد على الفن والثقافة المصرية بالأساس.
- مثقفونا داخل مصر ليسوا كتلة واحدة أو اتجاهًا واحدًا.. بل لهم وجهات نظر مختلفة ودائمًا ما يتمنون الأفضل لهم ولثقافتهم المصرية وهم غالبًا غير مقتنعين بما يحدث أو يحتاجون إلى الزيادة طوال الوقت.. فما رأى وزيرة الثقافة المصرية فى ذلك؟
أرى أن ذلك مناخ صحى جدًا، وقد يكون ذلك هو سر قوة مصر الناعمة، أن لدينا هذه المساحة وهذا التنوع من المفكرين والمثقفين ومتطلباتهم، وأرى أن ذلك شىء عظيم جدًا، لكن إرضاء الجميع شبه مستحيل، لكننا فى المراحل الأخيرة بدأنا فى التحرك بشكل إيجابى، وسريع أكثر وقد استطعنا أن نستعيد من جديد قوتنا فى هذه المرحلة، لأنه فى الحقيقة القوة موجودة، لكن مع تواتر الأحداث السابقة، والتخبط الذى حدث فى المجتمعات بشكل عام فى المرحلة السابقة فوجئنا بفكر مُغاير، ومختلف، ونتجت عن ذلك بعض التصرفات الثقافية التى لم نكن نعتاد عليها، ولكن نحمد الله أنه أصبحت لدينا بوصلة فى الثقافة المصرية والدولة عمومًا.
 فمذ ثلاث - أو أربع - سنوات، ونحن نسير على هذا النهج، وهو ما أعطى لنا قوة فى استعادة فاعليتنا الثقافية والفكرية والفنية من جديد وتقويتها، وقد فتحت لنا مساحة جديدة، وهذا الاختلاف يعد من قوة مصر، وأن لدينا كل هؤلاء المفكرين وكل هذه الثقافة، فنحن نتمتع فى مصر بثقافة متنوعة، وهذا شىء إيجابى، وينتج عنه جدل أو نقاش ثقافى مهم جًدا وثراء، ويجب علينا الانتباه لذلك، ففى المراحل الأخيرة، كم الندوات التى تمت فى المجلس الأعلى للثقافة، وكم الصالونات الأدبية، والفكرية، التى تمت على مستوى الجهات جميعها كانت ثرية جدًا، والجديد فيها  - وهو المتماشى مع استراتيجية وزارة الثقافة التى هى بالضرورة استراتيجية الدولة - أن الموضوعات التى تطرح أصبحت هى موضوعات المجتمع، بمعنى أن المناقشات والندوات لم تعد منفصلة عن الواقع، نحن نعلم أنه فى فترةٍ ما كنا منفصلين عن الواقع فيما يطرح فى هذه الندوات، وكنا نتحدث فى فكر وثقافة وأشياء مهمة، لكنها كانت منعزلة عن ما يحدث فى المجتمع، فنتج ما قابلناه من عثرات وأفكار متطرفة، لكن اليوم أصبحنا قادرين على مخاطبة الشباب وجذبهم، عليك أن تعرف ما الذى يشغل الشباب، لن ننفصل عما فى المجتمع، نحن لدينا نسبة شباب فى المجتمع المصرى كبيرة جدًا، وله فكر مختلف، وله رؤية مختلفة وسُبل اطلاعه ومعرفته مختلفة جدًا، فمن الضرورى أن تكون هناك مواكبة لهذه الجزئية، وأرى أنه لم يعد ثمة انفصال عن الواقع، وعن المثقفين والمفكرين وما يحدث فى الثقافة ذلك جانب مهم جدًا.
كيف تتعامل وزارة الثقافة مع البعض ممن يرون التاريخ المصرى الثقافى بشكل مغلوط فى محاولة منهم للتقليل من شأنه؟
أرى أن الإصرار على ما هو جيد وأصيل وموثق هو الأهم، لكن لا مجال لصراعات، ومصر لا يمكن تحديد تاريخها من خلال البعض القليل، نحن دولة عريقة لها تاريخ عظيم، وفى النهاية توجد وجهات نظر وآراء، ونحن لا نملك سوى أن نستمع إلى جميع الآراء وعلينا كمسئولين تقديم الحقيقة، وذلك يحدث من خلال العمل والتوثيق والتفعيل، لأننى أرى أهمية كبرى للتفعيل، بما يعنى أن تكون هناك مشاركة من الجميع الشباب والمفكرين.
نحن نتحدث كوزارة ثقافة، لكن حقيقة الأمر أن الثقافة عمومًا تشعبت فى مجالات كثيرة جدًا، مثلًا ثقافة التكنولوجيا التى أصبحت هى الأداة الرئيسية، التى يمكن منها معرفة جميع المعلومات والأخبار، ولقد أصبح هناك تنوع على مستوى العالم وثراء مختلف، فقديمًا كانت المعلومة يصعب الحصول عليها، ونظل نبحث عن المعلومة فى المراجع والكتب، لكن اليوم، وفى وقت قليل جدًا، يمكن الحصول على أى معلومة، لذا فمواكبة كل ذلك غاية فى الأهمية، ولقد تطورت وزارة الثقافة بشكل كبير، وواكبت ذلك بشكل واضح، سواء على مستوى التكنولوجيا الرقمية، أو عن طريق المحتوى والبوابة الإلكترونية للوزارة على مستوى جميع القطاعات، كل ذلك أصبح مهمًا جدًا لأنه لم يعد هناك مجال للعزلة، وهذا يجعلنا نواكب ما يحدث فى الدول حولنا.
أطلقت وزارة الثقافة قناة على «يوتيوب».. لماذا لا تستغل وزارة الثقافة هذه القناة «بما تملكه من تراث سينمائى ومسرحى وثقافى» فى إنشاء قناة تستطيع أن تدر دخلًا لوزارة الثقافة، نحن لا نقصد قناة خبرية بل قناة بها محتوى؟
نحن نعمل على ذلك بالفعل، وهذا التفكير وضح بعد أن قدمنا القناة ونجحت وحققت مشاهدات، لكن الحقيقة، أنه فى السابق، وفى ظل أزمة «كوفيد - 19» كان كل التفكير اللحظى للأمر أنه كيف تعوض تلك المنصة الثقافية المصريين عن الحالة التى كنا نعيش فيها جميعًا؟ فقد كان ذلك أقرب للخيال، فمنذ مارس الماضى حاصرنا الوباء، ونحن كأجيال لم نقابل مثل هذا النوع من الوباء، فبالتالى كان كل التفكير فى كيفية ممارسة الثقافة والفن وتوصيلها للمصريين، ولمن هم خارج مصر، سواء مصريين أو غير مصريين، وهذا مُثبت من المشاهدات التى حدثت على القناة، حيث لم يكن الهدف الدخل أو الربح، بل المكسب الثقافى أكثر من أى شىء، لكن بعد ذلك بدأنا نستقبل مراسلات من وسائل التواصل الاجتماعى وغيرها بالمطالبة بقناة تستمر، ولأننا جهة حكومية لا بد أن نرى الشق القانونى لذلك، ونعرف كيفية تحقيقه بشكل واضح.
من وقت لآخر تعلو أصوات العنف الدينى.. سواء فى الداخل أو فى الخارج.. كيف تواجه وزارة الثقافة المصرية كل الأفكار المغلوطة فى هذه الفترة؟
قمنا بعمل الكثير من المبادرات، وبدأنا نُفَعِّل - بشكل كبير جدًا وملحوظ - دور قصور الثقافة، علاوة على مبادرات أخرى مع وزارة الأوقاف، وتنظيم ندوات قيمة جدًا، وإصدار مطبوعات لهيئة الكتاب مهمتها توضيح هذا الدور ودحض المغالطات، وأنا أرى هذه الجزئية تتطلب تفعيل دور الشباب فى المجتمع، مثلًا فى مبادرة «ابدأ حلمك» تجمع عدد من الشباب لمدة ثلاثة أشهر، وكونوا منهم فرقًا فنية، وقد استطعنا - بهذه المبادرة - الدخول إلى المحافظات، فنحن نستهدف تصحيح أى أفكار مغلوطة، ونحن بالأساس لا نستهدف الشباب المشاركين فقط، وإنما جميع من حولهم من أسر وغيرهم، وقد حددنا مواقع معينة، ولم نكتفِ بالعمل فى المحافظات القريبة، بل حددنا محافظات أخرى بعيدة عن المركز «العاصمة»، كهدف مبدئى لنا، وقد نجحت التجربة، بدأنا من الفيوم وأسيوط والشرقية، وهكذا يحدث التفعيل لهذا الجيل، ويكمن هنا السؤال: كيف يستمر هذا التفعيل دائما؟ حيث لا يجوز أن تتركه بعد ذلك، وإذا خرجت من كل دفعة فرقة نوعية، تستمر فى المكان التى هى فيه، لتبدأ هى نفسها كفرقة تعمل وتدرب الآخرين، فقد حققنا الهدف المنشود، اليوم أنت لا تعطى لهذا الشاب أى فرصة لتكون أفكاره تحت تأثير أى فكر متطرف، بل أنت تحتضنه فى مرحلة تكوينه الفكرى والأيديولوجى، وتعطيه الفرصة فى أن يعبر عن نفسه وعن رأيه، كل ذلك يتم مع جميع الأنشطة الأخرى، فنحن نقدم مبادرة لمكافحة التطرف الفكرى، وهى مبادرة نعمل فيها بالتعاون مع أكثر من وزارة، نحن نحاول، لكن لا يمكن أن ننكر أن التطرف هو آفة كل المجتمعات.
ما أهمية المهرجانات الفنية والثقافية عمومًا لمصر؟ ولوزارة الثقافة المصرية بشكل خاص؟
حينما توليت المسئولية، كانت هناك مهرجانات قائمة بالفعل، وأنا أرى أن هناك مهرجانات مهمة جدًا، لأن هذه ريادة مصر، ثم إننا نمتلك ثروة، فقد تقام مهرجانات فى دول أخرى بتكلفة كبيرة جدًا، لكننا يجب أن نفرق بين شيئين: الأول أننا نقيم مهرجانات قومية، بصفتنا كدولة، ونكون قائمين عليها، مثل المهرجان القومى للسينما، والمهرجان القومى للمسرح، وغيرهما، نحن الدولة الوحيدة فى المنطقة التى تملك فعل ذلك، لأن لدينا ثروة غير عادية من البشر، ومن الفنون، ومن الثقافة، لكن أى دولة أخرى ستتكلف جدًا على المستوى المادى، وذلك شىء عظيم، لكن من أين ستأتى بما لدينا من فنانين ومثقفين، نعم لدينا ثروة بشرية، لكن الذكاء هنا هو كيفية تقديم صورة قيّمة تتوافق مع هذه الثروة البشرية، لدينا إرث ضخم من الحضارة، ونريد أن نقدم صورة حقيقية عن هذه الحضارة العظيمة، وهذا الحاضر الثرى بمثقفيه وفنانينه، فى الفترة السابقة توقف كل شىء على مستوى العالم، بينما نحن فى مصر أقمنا مهرجانًا فريدًا فى المنطقة، وهو مهرجان الموسيقى العربية، على سبيل المثال، مع ملاحظة أنه يعتمد على المطربين فى مصر بالمشاركة مع مطربين من الوطن العربى، إذن، ومع كل التحديات، أقمنا المهرجان، واخترنا إقامة مسرح مبهر ومفتوح فى دار الأوبرا المصرية فى الساحة، وكانت الخلفية الرائعة قبة الأوبرا، كان الحدث ذا أثر بالغ الأهمية على مستوى مصر والوطن العربى، أين ستجد فى العالم مكانًا مثل ذلك وخلفيته دار الأوبرا المصرية؟! وقد تولدت صورة رائعة ومبهرة، وهذا أيضًا ما حدث فى مهرجان القاهرة السينمائى، وأيضا جاء فنانون من الخارج، فنحن الدولة الوحيدة التى قدمت هذه النشاطات على مستوى العالم فى ظل الظروف الصحية الراهنة.
أما المهرجان القومى للمسرح المصرى فكان من شروط نجاحه أن تكون فعالياته وعروضه داخل قاعات ومسارح مغلقة، وهذا تحدٍّ آخر، استطاعت مصر أن تنجح فيه، رغم ظروف الجائحة، بل كان النجاح باهرًا، أين الدولة التى تستطيع أن تقدم كل ذلك فى ظل هذا الظرف الراهن، حتى على مستوى عدد المسارح؟! فمصر زاخرة جدًا بمسارحها، ولدينا قوة كبيرة جدًا من البشر، وهم قوة مصر الثقافية الناعمة، فلدينا عقول تستطيع أن تفكر وتعمل تحت أى ضغوط، وأن تبدع حتى فى ظل الأزمات الطاحنة.
مصر من أهم وأكثر الدول التى ترعى فيها الحكومة الثقافة والفن، ففى دول أخرى يمكن أن تدعم الدولة جزءًا، لكن كل اعتماد الفنون والثقافة على شركات ورجال أعمال على مستوى العالم، لكن فى مصر لدينا فرق فنية تابعة للدولة، وهى مسئولة عنها، ورغم الإمكانيات نحن نستطيع أن نقدم المهم والجديد، أنا لدى طموح كبير، وأرغب فى رؤية كل ما هو جميل، لكن من غير المنصف أن أكلف الآن جهة واحدة بإقامة شىء ضخم يفوق إمكانياتها، ولا بد من التعاون معًا، فلم يعد العمل داخل وزارة الثقافة يتم فى جزر منعزلة، ولذلك أشكر جدًا دار الأوبرا، وصندوق التنمية الثقافية، والهيئة المصرية العامة الكتاب، والثقافة الجماهيرية، وأكاديمية الفنون والبيت الفنى للمسرح، ومركز الهناجر للفنون، والجميع، إن هذه المشاركة حينما تُقسم على أكثر من جهة، يمكن أن تثمر فاعلية مشرفة، لكن جهة واحدة فى ظل الظروف الآنية؟! بالطبع سيكون هذا شيئًا صعبًا، ما لم يكن مستحيلًا، خاصة أن هذه ظروف استثنائية.
ما هو تقييم معالى الوزيرة إيناس عبدالدايم للمهرجان القومى للمسرح المصرى هذا العام؟
توجد تطورات كثيرة جدًا، وأقدر أيضًا استكماله لما كان من قبل، وأرى أن ما يحدث شىء عظيم، وأسجل إعجابى بالمشاركات فى الملتقى الفكرى، والكتابة التى قدمت فى المهرجان، وهى ثرية جدًا، وجميعها ذات محتوى فعال ومواكب لما يحدث فى المسرح، وفى صميم وجوهر الحراك المسرحى والثقافى بشكل عام، هذا إلى جوار كم العروض التى قدمت ضمن فعاليات المهرجان، والمشارَكات من جهات كثيرة جدًا، وكم الشباب المشارك وأنا فخورة للغاية بالمهرجان القومى للمسرح، ونجاحه الذى حققه على الرغم من كل هذه الظروف، وأحيى القائمين على المهرجان لالتزامهم الكامل بالإجراءات الاحترازية، ما ساعدنا على استكمال المهرجان، فالالتزام بالإجراءات الاحترازية فى الأوبرا والمسارح المتنوعة، هو ما مكننا بالفعل من الاستمرار، فعدم الالتزام يؤثر بالسلب، وقد يتسبب فى الغلق، ولذلك أنا أحيى القائمين على المهرجان لالتزامهم التام بالإجراءات الإحترازية.
هل النقد والكتابة مهمان بالنسبة لوزارة الثقافة؟
طبعا مهمان جدًا، وبالأخص فى مجال النقد حينما يكون موضوعيًا وبَنَّاءً ومفيدًا، فيفتح أبوابًا كثيرة، وأرى أن النقد شىء صحى، وإيجابى، فلا يوجد مجتمع يمكن أن ينمو أو يتطور بلا نقد، أرى ذلك مستحيلاً، وكثيرًا ما ألقَى النقد الضوء على أشياء يمكن تطويرها، وكثيرًا ما تكون للناقد رؤية خاصة ومهمة، لكن قد تكون لدى المسئول أشياء حاكمة (لا أقول معوّقة أو معرقلة) لا يمكن تجاوزها لتحقيق تلك الرؤى المهمة، وفى النهاية - كمسئولية - نحن فى إطار معين نعمل فى سياقه، صحيح أننا ضد البيروقراطية، لكن فى النهاية ثمة أشياء حاكمة، من الرائع أن يكون هناك طموح، وأنا أحترمه جدًا سواء للفنان أو الناقد، فأنا أيضًا فنانة قبل أن أكون مسئولة، وأقدر الطموح جدًا، وحينما أرى بعض المشاكل أرغب بالضرورة فى حلها على وجه السرعة، لكن ثمة أمور كثيرة يجب النظر إليها أولًا، لأننى إذا تصورت أنى أمتلك خيال الفنان، سأستطيع تحقيقها، وأعرف جيدًا أن الفنان لا يمكن أن تُقدَّم له قوانين جامدة ويُطلب منه أن يعمل تحت طائلتها، خاصة أن الفنان دائمًا يعشق الحرية ويتنفسها، فهى قرينة الإبداع المفطور على التحرر من أى قيود والتمرد عليها، وفى الوقت ذاته ورغم أننى بالأساس فنانة، وأمتلك الخيال، لكننى ارتضيت أن أكون مسئولة، إذن بالنسبة لى فالمسئولية لها شكل معين، بمعنى نحن موجودون ليس لخدمة الوزارة، وإنما لخدمة الدولة، مصر بشعبها ومثقفيها وفنانينها، ولحل الأزمات لا لخلقها.
فى كل مكان توجد بيروقراطية بالهيكل الإدارى، لكن المحاولة الدائمة قد تنجز الأعمال، وأيضًا بالعلاقات الطيبة يحدث التواصل مع الوزارات الأخرى، وإذا كانت هناك معوقات، يتم شرح الأمر والعمل على حله، فقد تكون هناك وجهة نظر فى موازنة معينة، أو أمر معين أو أعمال معينة، ذلك أن الثقافة (بفروعها) مهمة جدًا، توجد حالة تواصل رائعة جدًا بين الوزارات تساعد فعلاً.
ما هى أمنيات سيادتك للثقافة المصرية عمومًا؟
أتمنى أن تنتهى هذه الجائحة، على مستوى العالم قريبًا، لأن الكثير من طموحاتنا مؤجل بسببها، فالطموح مرتبط بأشياء كثيرة، منها الإمكانيات، والتواصل مع دول العالم بشكل فاعل، ومصر مميزة جدًا فى هذه الجزئية، وقد حُرِمنا من ذلك فى ظل الجائحة، ولكن بالطبع هذا ينطبق على العالم كله، ولذلك نقدم مجهودًا أكبر فى البحث عن منافذ بديلة للتواصل الحى والمباشر، مثلاً نحن كدولة قوية جدًا جدًا فى العلاقات الثقافية، دولة لا ترتضى بالسكون، فالقطاع قدم مبادرة أطلق عليها «سفراؤنا»، وهى عبارة عن اللقاء مع السفراء الأجانب فى مصر، وننظم لهم ندوات، ليتحدثوا بأنفسهم عن تأثرهم بالثقافة المصرية، وتأثير الثقافة المصرية فى دولهم، وفى مثل هذه الندوات لا بد من وجود سفير مصرى، كان فى الدولة التى منها السفير الضيف، إلى جوار مفكرين حاضرين تعاملوا مع هذه الدولة، وهو ما تنتج عنه حالة مدهشة ورائعة من الثراء الثقافى والتفاعل الإيجابى.
أيضا قدمنا مبادرة «اليوم العالمى للغة العربية»، وقد جمعنا السفراء الأجانب المتحدثين باللغة العربية، وكان ذلك شيئًا رائعًا وكانت الندوات مهمة جدًا.
نحن نحاول أن نقدم البدائل لحالة الركود التى تسود العالم.. ففى النشرة اليومية للمهرجان حاولنا الجمع بين الصحافة والجزء المتخصص (الأكاديمى والتوثيقى).. فما رأى وزيرة الثقافة فى النشرة اليومية للمهرجان؟
أرى أنها ثرية جدًا ومتنوعة، وكانت نافذة رائعة من خلال المهرجان، ولأننا ملتزمون بالإجراءات الاحترازية، فبالتالى نحن ملتزمون بالأعداد المسموح بها، أعرف أن أعداد الجمهور ليست هى الأعداد الطبيعية، ولو كنا فى ظروف عادية؛ لكان هناك تزاحم وإقبال جماهيرى أكبر، وهنا  تتضح أهمية الدور الكبير الذى لعبته النشرة خلال فترة فعاليات المهرجان القومى للمسرح المصرى، فعبر صفحاتها الغنية بموضوعاتها المتنوعة كما ذكرتِ، عاش المجتمع المسرحى فى مصر، وتفاعل ما يحدث فى المهرجان، أشكر الجميع فيها.
 وفى ختام الحوار الثرى، أعربت وزيرة الثقافة المصرية، الدكتورة والفنانة إيناس عبدالدايم عن سعادتها البالغة وتمنت الخير فى ما هو قادم، وأكدت أنها متفائلة بالسنة الجديدة، وقدمت كل التحية والتقدير مرة أخرى لكل من عملوا فى المهرجان القومى للمسرح المصرى، فى دورته الثالثة عشرة (دورة الآباء)، فى ظل هذه الظروف الاستثنائية، وأشادت بهذا الكرنفال الثقافى قائلة: فى الحقيقة، من النادر أن يكون هناك حدث ثقافى مهم وكبير ويتعرض لنقد سلبى قليل، أو لا يذكر حتى، وهذا ينم عن ذكاء وحرفية منظمى المهرجان وفنانيه وكل من شارك فيه، ويدل على حبهم لما يفعلونه وإيمانهم الشديد به، وإخلاصهم الحقيقى له.


داليا همام