هدى وصفي: مهمة المجلس الأعلى وضع استراتيجية .. وليس إقامة أنشطة

 هدى وصفي: مهمة المجلس الأعلى وضع استراتيجية .. وليس إقامة أنشطة

العدد 565 صدر بتاريخ 25يونيو2018

دكتورة هدى وصفي واحدة من الشخصيات المعروفة في المسرح المصري، تولت إدارة المسرح القومي ومسرح الهناجر، وهي الآن مقررة لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة.. حول دور هذه اللجنة وبعض القضايا المسرحية الأخرى دار معها هذا الحوار...
 ما هو الدور المنوط بلجنة المسرح؟
فكرة المجلس الأعلى للثقافة حين أنشئ كانت على أساس أن يكون مكونا من مجموعة لجان، كل لجنة تقوم بدور معين وهو وضع خطة ونقدر أنه كان من المفترض أن يكون المجلس هو العقل المفكر للثقافة ويقوم بعمل خطط ثقافية وعلى بقية الأجهزة المكونة لوزارة الثقافة تنفيذها، إنما لم ينفذ ذلك وعادت وزارة الثقافة إلى ما كانت عليه وتدخلت في دور اللجان، فالآن اللجان لا تقوم بالتخطيط إنما تقوم بأنشطة متعددة، وكل لجنة لها مسئول هذا المسئول يقوم باختيار مجموعة من العناصر لتنفيذ الأنشطة التي تم الاتفاق عليها، الحقيقة هذا العام تأخرنا جدا في عمل هذه الأنشطة نظرا لتأخر إعلان تشكيل اللجان، ووفقنا في عمل نشاطين: الأول كان عن المسرح النسائي أو مسرح المرأة، وقد أحدث رد فعل وحضورا إيجابيا، وجاءت بعض المداخلات معبرة عن أنشطة بعينها عن مسرح المرأة، وبعضها الآخر كانت علمية من خلال مشاركة بعض أساتذة الجامعة في هذه التظاهرة الفكرية.
الفعالية الثانية ملتقى فنون المسرح الشعبي وقد لقى صدى إيجابيا وخرج بتوصيات هامة أعتقد أننا نستطيع أن ننفذ بعضها، كما أنني أتمنى تنفيذ تجربة معينة شاهدتها خلال فترة عملي باللجنة، حيث كنت في زيارة لليابان، فالبلاد الآسيوية نجحت في الحفاظ على تراثها بجانب الاستفادة من تكنولوجيا الغرب، ففي اليابان نجد المسرح الكابوكي الذي ما زال يحتفظ بالريبورتوار ويقدم عروضه وأنشطته إلى الآن، ولم يتوقف لأنه قديم، مع وجود المسرح المعاصر وقد شاهدت المسرحيين خلال زيارتي لليابان، هذه الفكرة قد وضعناها ضمن توصيات ملتقى المسرح الشعبي حيث يعاد التخطيط لمسرح السامر ويقدم من خلاله فنون الفرجة الشعبية كما كانت تقدم أيام الفراعنة، وقد قيل إننا لم نكن نعرف المسرح إلا من خلال الحملة الفرنسية، لكن الحقيقة أن اليونان أخذت من مصر القديمة المسرح والمهرجانات وشخصية الممثل الواحد الذي كان يقف في السوق ويقدم على منضدة كبيرة فنون المسرح وهي شخصية تسمى «إمبو» اليونان أخذت هذه الشخصية والفكرة وكذلك المهرجانات، كما أكدت بعض الدراسات التي قام بها أساتذتنا منهم: مندور، محمد يوسف نجم في لبنان، د. لويس عوض وطبعا د. علي الراعي الذي اهتم بالمسرح الشعبي، وقد جاء في كتاب الجبرتي «عجائب الآثار» أن المصريين كانوا يجتمعون كل عشر ليالٍ ويقدمون تشخيصا وكان الدخول بهذه الأماكن بورقة – وطبعا يقصد التذكرة - وكان المتفرجون يتحلون حول هؤلاء الذين يقومون بالتشخيص على خشبة ويتحلق حولهم المتفرجون، وكان هذا شكلا من أشكال الفنون الأوروبي، لكن في الواقع عندما نرجع لأيام محمد علي نجد مثلا الرحالة (بيرزوني) الرحالة الإيطالي الذي دعاه محمد علي لحضور حفل طهور أحفاده، وقد تضمن الحفل نوعا من أنواع فنون الشارع وهو المحبظاتية، وقد كتب عنه هذا الرحالة أن هذا النوع من الفن لم يرقَ له بما يحويه من ألفاظ لا تليق، بصرف النظر عن رأيه، لكنه يؤكد أنه كان لدينا هذا الفن بالإضافة للحكواتي والأراجوز، ويؤكد ذلك أيضا مبادئ ابن دانيال التي حققها الدكتور الراحل إبراهيم حمادة وكتب عنها كل هذه الفنون التي لم نستفد منها كما يجب فلدينا فنون شعبية، كما يوجد في إيطاليا كوميديا الشارع التي استخدموها في فنونهم واستخدمها أغلب كتاب الكوميديا في أوروبا، وبالتالي لا بد أن نعرف تاريخنا الحقيقي ولا نردد ما يقال إننا عرفنا المسرح من الغرب.
 معروف أن قرارات لجان المجلس غير ملزمة.. فكيف تتعاملون مع الحقيقة؟
الآن توجد فكرة معروضة على الدكتورة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة هي الفكرة عرضها دكتور سعيد المصري رئيس المجلس الأعلى للثقافة، وهي أنه ليس من الأهمية أن يقوم المجلس بعمل أنشطة ولكن الأهمية أن يقوم بوضع استراتيجيات، على أن تقوم المواقع المختلفة بتنفيذ هذه الاستراتيجيات، وقد قمنا بعمل توأمة مع لجنة التربية على أن يكون لنا دور بالمدارس المختلفة لتنشيط المسرح المدرسي، وقد اتفقنا مع الدكتور شبل بدران مقرر لجنة التربية، كما أن هناك توجها عاما من الدولة بالاهتمام بالعلاقات الأفريقية، وبالتالي فنحن نهتم بالمسرح الأفريقي، وفي هذا السياق.
 ما هي المعايير التي يتم على أساسها اختيار العروض التي تمثل مصر في الخارج؟
هذا الموضوع يمثل مشكلة كبيرة جدا، دكتور هشام مراد الذي كان مسئولا عن العلاقات الثقافية الخارجية قبل أن يترك منصبه بأسبوع واحد، أرسل إلينا المعايير التي بناء عليها نوافق على سفر عرض مسرحي، قبل ذلك كان لدينا مشكلات مع العروض دون المستوى قبل ذلك عانينا كثيرا من العروض دون المستوى وكان علينا ضغوط كبيرة، فكانت معظم الفرق إمكانياتها محدودة والسيرة الذاتية التي تقدم مع العرض لا تتسم بالفنية والتقنية المطلوبة، وبالتالي كان يوجد بعض التجاوزات، وكان الموضوع عبارة عن مجموعة شباب مسافرة وفي رأيي كان لا بد أن نتعامل بصرامة أكثر من الممارسة التي قمنا بها هذا العام، فقمنا على سفر عروض تحت ضغوط وقد فوجئت بهذا العدد الكبير من العروض، إلى أن تنبه أخيرا المسئول عن العلاقات الثقافية الخارجية، فقبل ذلك كان يأتينا العرض قبل موعد السفر بثلاثة أيام فقط، من الضغوط أيضا أن هذه الفرق على اتصال بالمهرجانات الخارجية، وهذه المهرجانات هي التي ترسل في طلب عرض بعينه، في هذه الحالة نقع في حرج، فكيف نرفض طلبا من إدارة مهرجان تقول شاهدنا العرض وحاز إعجابنا ونريد مشاركته، مع تقديم الإقامة والإعاشة والانتقالات الداخلية، وطبعا هذه الخدمات هي الأقل تكلفة فالأعلى هو تمن تذاكر الطيران ومصروف الجيب.
 هذا الكلام في منتهى الخطورة إذا كان العرض لا يليق بمصر.. فكيف يسافر؟
لم يكن بإمكاني عمل مذبحة في بداية تولي مسئولية اللجنة، وكانت مفاجأة كبيرة أجد السفر بهذه البساطة لهذا العدد الكبير من الفرق، كما أنه لا يمكن أن نقول لدولة تطلب عرضا معينا أن هذا العرض سيء ونرفض أن نرسله إليكم.
 حتى لو كان هذا العرض يسيء لمصر، فهناك يقال العرض المصري؟
لا يوجد عرض مسيء، لكنه ضعيف، وللأسف هذا المهرجان تكون مصرة على العرض الذي تطلبه، وتقول في طلبها إننا شاهدنا العرض، وقمنا باختياره من ستمائة عرض تقدموا للمشاركة ونريد أن يشارك في المهرجان، وفي رأيي أن هذا العرض لا يستحق لكنني لا أستطيع أن أقول لهم لا، وبالتالي جاءت فكرة الدكتور هشام مراد الذي استيقظ قبل رحيله أن العرض لا بد من توافر شروط معينة به كي نوافق على سفره، وهذا ما كنا نفعله زمان، وبالتالي بإذن الله هذه الضوابط تلزمنا بتطبيق سلوك أكثر صرامة في التعامل مع العروض، مع التأكيد أننا لن نسمح بالإساءة لمصر.
 هناك مصطلح متداول على النت (مهرجني أمهرجك) كيف ترينه؟
برافو عليك. وصلت إلى ما كنت أقصده فهذا منتشر في كل الدول العربية وليس عندنا فقط، فهو مناخ عام ولذلك فالمنطقة العربية فقط بين العالم كله تفعل ما تريد، وتخضع للمجاملات في أعمالها.
 ما رأيك في المهرجانات المسرحية المصرية؟
أصبح يؤسس مهرجان بسهولة وكثير من الشباب الذين أعرفهم أو تخرجوا على يدي عرضوا عليّ أن أكون رئيسا شرفيا لمهرجانات، وأصبح ذلك مزعجا جدا، فكل فترة واحد يفكر في فكرة مهرجان ثم يستعين بشخصية معروفة اسم معروف وللأسف هناك فنانين كبار يقبلون أن يكونوا ضيوف شريف أو رؤساء، وبالتالي لا يستطيع أحد أن يعترض بسبب وجود ضيف شرف معروف. ليس سيئا وجود أنشطة أو مهرجانات مسرحية، لكن «أن كل واحد يضع في جيبه مهرجانا ويمشي به»، كما أن ظهور الهيئة العربية للمسرح كان له تأثير كبير فهم يقومون بالإشراف على أنشطة كثيرة ودعم بعض المهرجانات، وطبعا نحن لدينا مشاكل كثيرة لا يمكن إنكارها، والميزانيات ضعيفة جدا، وبالتالي الهيئة العربية وجهات غيرها يقدمون إمكانيات أفضل والرغبة في تبني الكثير من المشاريع الشبابية الفنية، في الوقت الذي لا نقوم نحن بواجبنا كما ينبغي، فلدينا مسارح مغلقة منذ زمن ولا أعرف لماذا ولا توجد همة لفتحها وتشغيلها فلا نتهم الآخرين قبل أن نحاسب أنفسنا على تقصيرنا، وهذا التقصير أعطى الفرصة للتدخل من الخارج، فلدينا فرق مستقلة وشباب مسرحيون يحتاجون الرعاية ولا يجدونها بالداخل فيلجأون إلى من يتبناهم في الخارج، فلا نلوم عليهم أو على الجهات التي ترعاهم، فلدينا عدد كبير من طلبة وخريجي الجامعات ومن الفرق المستقلة أو الشباب المنتمين للمسرح عموما، ويوجد بالفعل نشاط مسرحي، فلو وجدوا المناخ المناسب والدعم داخل الوطن من المؤكد سيرحبون ويقدمون أفضل ما لديهم، لذلك لا نستطيع أن نرفض تبني هذه الجهات لأولادنا لأننا مقصرون، ولذلك تحول المسألة كما قلت (مهرجني أمهرجك)، بلا شك يوجد تراجع في مستوى الأعمال.
فحين كنت مديرا لمهرجان التجريبي حتى الدورة الرابعة كنت أسافر وأشاهد عروضا كثيرة في الدول الأوروبية وأطلع على التقنيات الحديثة، وأنتقي العروض على الأقل كنت أعرف جيدا المشاركين وشاهدت أعمالهم.
وحين كنت مديرا لمسرح الهناجر كنت أستعين للورش المسرحية بفنانين معروفين ومعترف بهم في بلادهم وفي الوطن العربي كله فكلهم مشاهير بلادهم وقدموا لها قبل أن يقدموا لي، وكانت الورشة مدتها تصل إلى أربعة أشهر أو أكثر، وكل ذلك كان يحتاج لمجهود ولشخص يعي جيدا إلى أين يذهب ومن سيحضره، كما أن الثقافة الجماهيرية من المفترض أن تكون شعلة وأن يكون لها مسرح في كل منطقة، خصوصا أن لدينا شبابا موهوبا ينقصهم الرعاية والمكان الذي يقدمون فيه فنهم، في تقصير من الدولة تجاه الفن عموما وليس المسرح فقط، فطوال الوقت نردد مصطلح القوة الناعمة، أين هي القوة الناعمة وأين دورها فنحن الآن في وقت تحرص فيه الدولة على إنشاء مشاريع جديدة ومصانع، أين نصيب الفنون من هذه المشاريع ولماذا لم يتم إنشاء مسارح جديدة أو على الأقل فتح المسارح المغلقة الذي لا يوجد مبرر لإغلاقها، فعبارات تجديد الخطاب الديني والقوة الناعمة ما هي إلا مجرد كلام يتم ترديده.
 حضرتك تناولتِ ما يحتاجه المسرح ككيان، ماذا ينقص المُنتج المسرحي.. مؤلف أم مخرج أم ممثل؟
نحن نمتلك ثروة إنسانية من شباب المبدعين الذين يستطيعون تقديم أعمال جيدة، هذا لا يوجد شك فيه، لدينا قماشة جيدة لكن هذه القماشة لم تتلقَ التعليم الأساسي (ألف باء مسرح) لتقديم مسرح قوي، فمسرح الجامعة يقوم على مجموعة شباب موهوبين فقط ولم يتم تدريبهم ولا تعليمهم أي شيء ولم يتبناهم أحد لإخراج أفضل ما لديهم، ولم يجدوا من يدرس لهم، ففرق الهناجر كانت كلها هواة ولم يتلقوا دراسة أكاديمية لكن تم إخضاعهم لورش تدريب وتعليم وقد استعنت بعدد من الأسماء الكبيرة في هذه الورش، منهم: قاسم محمد الذي كان يتقاضى عن عمله بالشارقة مائة ألف درهم غير تكلفة الإنتاج، ورغم ذلك كان يأخذ عندنا عشرين ألف جنيه فقط يسكن ويعيش منها، ومع ذلك كان يفضل العمل بورش الهناجر، وفي أول تعامل له قدمنا مسرحية رسالة الطير، وفي العام التالي أشرف على هاني المتناوي الذي حصل على الجائزة الأولى بالتجريب عن مسرحية (أقمشة. أقنعة. مصائر)، ثم طلب أن يأتي للمرة الثالثة فاعتذرت له حتى لا يقال لي «ألا يوجد غيره» فغضب مني، وكذلك روجيه عساف الذي قدم ورشة عن كيفية تحويل الوثيقة إلى دراما، وقدمنا خلالها (حكايات عن 1882) وكانت عن دخول الإنجليز مصر وخيانة بعض المصريين لعرابي.
 الأمثلة التي تذكريها تدل على أننا ليس لدينا كفاءات مصرية؟
كرم مطاوع ونور الشريف وسمير العصفوري قدموا ورشا بالهناجر، لكن هذه الأمثلة عن شخصيات كبيرة تتقاضى مبالغ كثيرة في بلادها وبلاد أخرى، وفضلت أن تعمل في مصر لأن لدينا هدفا وهما مسرحيا نسعى إليه.
وكانت مسرحية (ديوان البقر) لأبو العلا السلاموني وإخراج كرم مطاوع من أهم الأعمال التي كانت تواجه التطرف الديني وقتها، كذلك (محاكمة الكاهن) التي قدمها نور الشريف عن نص لبهاء طاهر، وكانت تجربة غربية جدا، فكونها نور الشريف من فريقين كل فريق يعرض ليلة، حتى يشارك بالعمل كل طلبة الورشة.


نور الهدى عبد المنعم