تأملات في العاطفة والتعاطف في المسرح (1-2)

تأملات في العاطفة والتعاطف في المسرح (1-2)

العدد 692 صدر بتاريخ 30نوفمبر2020

 صحيح أنني من المبشرين بالعمل الذي يُجرى عند التقاطع بين العلوم الإدراكية والعلوم الإنسانية: ويمكنك أن تجدني في الحرم الجامعي وأنا أحمل نسخة من كتاب «الطريقة التي نفكر بها (The Way We Think 2002) أو كتاب “كيف يشكل الجسم العقل” (How The Body Shapes Mind 2006)، وأنشر كلاما طيبا عن أهمية نشر الأبحاث عبر العلوم الإدراكية عن المعتقدات السابقة حول اللغة والجسم علي خشبة المسرح. فأهدافي ليست بسيطة وآرائي ليست متواضعة. إذ أن هناك أسئلة عن الأثر الكبير الذي تحدثه اللغة والأداء علي الجمهور والتي مازلت لا أملك إجابة عليها ومع ذلك أجد أن البحث في الإدراكية هو الأكثر إثارة. فالعمل في هذا التقاطع يتطلب درجة من الحذر.
 أعرف شيئا أفضل من ترك هذه الاستعارة بدون جدال: لا ضرورة أن يكون الاستفسار متعدد المجالات، لا ضرورة لأن يكون عملا، ولا ضرورة لأن يكون محفوفا بالمخاطر. وبدلا من ذلك، إذا وصفت مشروعي هنا بأنه لعب علي شاطئ دراسات المسرح والأداء، حيث أشاهد كيف تصل أمواج البحث من العلوم الإدراكية وتغيير شريط الشاطئ، فربما أفتح مجال اللعب، بدلا من تقديم حجة لهذا العمل. وهذا يعني أن التخصص كسول وغير ملتزم، ان ما أسعى إليه بالأحرى وتخيل أنواع القلاع الرملية التي يمكن صناعتها علي هذا الشاطئ الآن. فمثلا، ماذا لو استطاع البحث في العواطف أن يوضح لنا كيف نتأمل بناء خندقنا المبني؟ وماذا لو غيّر علم التقمص كيفية فهمنا لخصائص الرمل؟ يطرح البحث في العواطف والتقمص، وهما مخزون المسرح وسلعته، أسئلة مثيرة حول نظرية المسرح وممارسته، وسوف يشكلا كيفية فهمنا لما يُقدم علي خشبة المسرح.
 يفجر الممثل عقل هاملت لأنه يستطيع أن يبكي ويشعر بالعواطف تجاه شخص لا يعرفه شخص ليس هو بذاته :
        أي نذل .. وأي عبد قروي أنا
        أليس من العار أن هذا الممثل
        في رواية خيالية، وفي حلم عاطفي
        يجبر روحه علي تقمص وهمه
        فتحتدم عواطفه، يصفر وجهه
        وتنهمر الدموع من عينيه، وتهيج قسماته
       ويتكسر صوته، وتتهدج كل وظيفة في جسمه
       ويتلبسه ذلك الوهم .. من أجل لاشيء
       من أجل هيكوبا !
       فما  لهيكوبا وله، أو ما له ولهيكوبا
       فيبكي هكذا من أجلها.
من نحن إذا تغيرت أجسامنا وعقولنا وعواطفنا، مثل بروتس بسهولة؟ ومن ثم من هذا الذي يشعر ولمن يشعر؟. تخلق صياغة هاملت شبه الكاريزمية (“ما لهيكوبا عنده، وما له عندها”) هذه الحلقة العلائقية  - هيكوبا للممثل والعكس مرة أخرى- يبدو أن هاملت ليس لديه مصدرا للعاطفة. ولكن المتفرج علي مسرحية شكسبير – وهاملت نفسه – اندهش من أداء العاطفة في المسرحية. يواصل هاملت التعليق علي مظهر الآخرين، مع ممثل يبدو هو الأكثر حرفية، مما يلفت انتباه المتفرج إلى أداء هاملت المركب للعاطفة في المسرحية. وتعتمد الحبكة في الواقع علي فهم العاطفة ليست هي سبب الفعل وسبب تأجيله في المسرحية. فهناك دائما علاقة ثلاثية سارية المفعول في الأداء: الشخصية والممثل والمتفرج. فمن يشعر لمن؟ من الواضح لهاملت أن الممثل يشعر بشيء نيابة عن الممثل. ومثلما يسأل هاملت عن الممثل، أريد أن أسأل كيف يشعر الممثل الذي يلعب هاملت تجاه هاملت ؟ ماذا يعني له هاملت أو ماذا يعني هو لهاملت يجعله يبكي من أجله ؟ ولكن بعد ذلك، ماذا عني ؟ ولماذا أتأثر بمشاهدة الممثلين وهم يشعرون نيابة عن الشخصيات التي تشعر بشخصيات في مسرحية أعرفها جيدا وأردد كلماتها ؟ فهم المسرحية يعني الشعور بالعواطف التي تستدعيها – ولا تفكير مع العواطف . ولكن هذا يوحي بأن العواطف موضوعات، وأشياء يضعها الكاتب المسرحي علي خشبة المسرح من أجلنا لكي نصل إليها ونفهم الطريقة التي نشعر من خلالها بنسيج الملابس، إذا اقترب الممثل بالقدر الكافي. وقبل أن يستطيع أن يفهم الصلة بين الممثل وهيكوبا – الصلة التي تسمح بنقل العاطفة – يحتاج هاملت إلى تثبيت معنى العاطفة. فإذا كانت العاطفة ليست ما يعتقد، فان النقل عندئذ كلمة خاطئة: وإذا لم تكن العاطفة موضوع، بل عملية أو فعل بالأحرى، عندئذ يحتاج التقمص – شعور الممثل تجاه هيكوبا، وشعور هاملت تجاه الممثل، وشعورنا تجاه هاملت  - يحتاج الي التأمل أيضا.
 وقلق هاملت لأن الممثل يبكي من أجل هيكوبا، بينما هو بالدافع والإشارة للعاطفة، لا يشير إلى وجود علاقة مثيرة للاهتمام بين العاطفة والخيال. فهاملت يرى أن واقعه أكثر ميلا لاثارة مشاعر حقيقية (يفترض أنها أفعال) ويغضب لأنه لا يغرق المسرح بالدموع. وبينما يغضب هاملت من أنه ممل ولا يحمل مبرراتي، يحشر شكسبير الخطاب بمقاطع إضافية وسطور تقاطعه متناقضا مع ادعاء هاملت بأنه لاشيء:
 Who Calls me Villain، breaks my pat across
 من ذا يصمني بالوغد، ويشق رأسي من عل
 Plucks off my Head and blows it in my face،  
 وينتف لحيتي ويقذفها في وجهي
 Tweaks me by the nose، gives me the lie i’ th’ throat
 ويجدع أنفي، ويرد الأكذوبة الي حلقي
 As deep as to the Lungs – who does me this   
 لتستقر في أعماق صدري – من ذا يفعل بي  ؟
تبدأ السطور الثلاثة الأولي بتفعيلة من مقطعين وحركة من مقطع طويل منطوق يليه آخر قصير فينتقل الإيقاع المعتاد للحركة خماسية التفعيلة التي تؤكد علي المقطع الثاني بإيقاع يؤكد المقطع الأول. تهدئ النبضات خماسية التفعيلة المتحدث والمستمع وتنظمهما، وبالتالي يشير عدم الانتظام إلى المحتوى العاطفي في حد ذاته. يقاطع السطر الثالث الإيقاع الخماسي بشكل أكبر، ويدفع المقاطع الإضافية غير المنطوقة في السطر بمقطع طويل منطوق وآخر قصير غير منطوق في الحركات الأولى والثالثة والرابعة. إذ يجب أن تدمج آذاننا المدربة علي سماع المقاطع الخماسية المنطوقة في كل سطر معلومات إضافية ويجب أن يسرع الممثل في كلامه لحشد المعلومات المضافة بدون الإخلال بموسيقى اللغة تماما. فمناجاة هاملت تعبر عن مشاعره وتوضحها – فلديه هنا أكثر من إشارة إلى العاطفة. علاوة علي ذلك، عندما يجد نفسه متأثرا بأداء الممثل للعاطفة، يحول اللاشيء في استجابته إلى خطة. فيقرر أن الخيال في المسرح هو سبيله لفهم ذنب الملك. فالعاطفة، مثل الشيء المباشر الذي يُكتشف بشكل أفضل من خلال المراوغة، ن الأفضل تقييمها من خلال أداء العاطفة.
  وقد لا يكون أداء العاطفة بالضرورة مثل العاطفة نفسها . فالممثل يؤدي العواطف كرد فعل لقصة رد الفعلي العاطفي لامرأة تجاه موت زوجها: فبينما يظهر بوضوح الانسياب البيولوجي للعاطفة – يبكي ويصرخ ويصبح شاحبا .. الخ – لا نعرف ما إذا كان يعبر عن المشاعر التي يعبر عنها من عدمه. وبالمثل بينما يعبر شكسبير عن عواطف هاملت بالشعر ويؤدي الممثل عواطف هاملت في الأداء: لا يعرف مشاهدو المسرحية ما إذا كان الممثل الذي يؤدي دور هاملت يشعر فعلا بالعواطف التي ينقلها. وكما يقول دينيس ديدرو في كتابه «مفارقة التمثيل The Paradox of Acting”، وكما يوضح علماء الأعصاب، ان الأداء لا يحتاج مؤشرا للتحفيز:
ولكن ماذا عن اللهجات المؤثرة والحزينة التي تنبع من أعماق قلب الأم فتهز كيانها كله؟ أليسـت هـذه هي نفسها إلهاما لليأس؟ كلا بالتأكيد. والدليل أنهم جميعا مجهزون: إنهم جزء من نظام الخطابة .... وأنه للوصول إلى العلامة الصحيحة مرة واحدة ، فقد تمت ممارستها مائة مرة ... في نفـس اللحظـة التي يلمس فيها قلبك، فانه يستمع إلى صوته: إذ لا تعتمد موهبته، كما نعتقد، علي الشعور، فنقـع في الفخ .. وكــل هذه المشــاعر التي أعطاها لنـا.
والممثل متعب، ونحن لسنا سعداء: فقد بذل جهدا                  دون أن يشعر . وأنت تشعر دون مجهود.
يوضح كونستانين ستانسلافسكي، من خلال صفة الأستاذ، كما يشرح تورتسوف، بأنه من خلال وصول الممثل الي مشاعره  الخاصة يمكنه أن يصور مشاعر الشخصية: «ينقل الممل بحرص أفضل خصائصه علي خشبة المسرح«. وسوف يختلف الشكل والإعداد وفقا للمسرحية، ولكن المشاعر الإنسانية للممثل، والتي تسير بالتوازي مع الدور الذي يلعبه، يجب أن تظل حية. فلا يجب تزييفها، أو استبدالها بشيء آخر، وبعضها خدعة ممثل ملتوية. فمثل هذه الخدع تلطخ مصداقية أداء الممثل في رأي ستانسلافسكي. فعندما يصرخ الممثل علي خشبة المسرح، فربما يلاحظ الجمهور أو لا يلاحظ البراعة الظاهرية للممثل القادر علي البكاء من أجل عاطفة شخصيته (رغم أنه تمكن من القيام بذلك). وقد تلفت بعض الاستجابات البيولوجية – مثل البكاء – انتباهنا إلى جسم الممثل بدرجة أقل من استجابات أخرى – مثل الانتصاب . وكما هو الحال في احمرار خدود الممثلة «ديوز”، فليس من المتوقع أن يكون تدفق الدم تحت سيطرتنا الواعية، وبالتالي فهو خارج صندوق أدوات الممثل. وان لم يكن بالإمكان الوصول إليه بالإرادة، فمن المفترض أن الممثل يجب أن يختبر المشاعر اللازمة لاستحضار الاستجابة البيولوجية المصاحبة. وهذا هو أساس أنساق التمثيل الداخلي : تطابق الإحساس الداخلي للشخصية وسوف يعبر خارج الممثل عن الشخصية. ولكن كما يوضح جوزيف روش، يتغير علم التمثيل لكي يعكس التفكير العلمي المعاصر، ولذلك ربما حان الوقت أن نستفسر عن أفكارنا حول العواطف في ضوء في ضوء التفكير العلمي الحالي عن العواطف.
 وقد بدأت روندا بلير هذا المشروع الفكري والعملي. ففي كتابها «الممثل والصورة والفعلThe Actor، Image، and Action “ (2008)، لم تهاجم بلير نظرية التمثيل في القرن العشرين – التي تقوم أساسا علي ستانسلافسكي – ولكنها لم تستعير العلم أيضا لإثبات أن القوى الإبداعية في المسرح كانت علي حق. إذ تم تطبيق البحث في منهج وتخصص واحد علي عمل الممثل لاثراء ما يفعله الممثل وتعزيزه:
 بما أن التمثيل ينشأ من وجودنا البيولوجي، فان ما نتعلمه  مـن الـذاكـرة والخيـال، والطـريقـة التي لا تنفصـل فيهـــا   العاطفة والعقل والجسم في نهاية المطاف، في بنية ووظيفة  المـخ، له آثـار كبيرة علي طـريقة فهمـنا لما يحـدث عندمـا  نمثل.
تسمح العلوم الإدراكية لبلير أن تتأمل شروط التمثيل، بإضفاء المتعة علي الافتراضات والأساليب التي لا تتوافق مع البحث الحالي وتعديل المفردات أو الاستراتيجيات للاستفادة مما نعرفه عن كيفية التذكر وكيفية الشعور وكيفية التخيل . وعلي الرغم من أن علم العاطفة قد خضع إلى عمل مهم و مثير في الخمسة وعشرين سنة الأخيرة، فلا يوجد اتفاق عام حول الكيفية التي يعمل بها بالضبط، أو حتى ما هو هذا العلم .
     وفي كتابه « خطأ ديكارت Descartes Error “ (1994) يعرّف أنطونيو داماسيو العواطف بأنها مجموعة من التغيرات في حالة الجسم  التي يتم تحفيزها في عدد لا حصر له من الأعضاء عن طريق الخلايا العصبية الطرفية، تحت سيطرة نظام المخ المكرس، والذي يستجيب لمحتوى الأفكار المتعلقة بكيان أو حدث معين. تُرسل المدخلات الحسية إلى مركز الإدراك الحسي، وهو المسئول عن أي معلومات مزعجة محتملة إلى اللوزة، وهي آلية الإنذار في الجسم . ويشير هذا المسار السفلي والقذر للعاطفة – من خلال الجزء العلوي من مركز الإدراك – إلى أنه يمكن الوصول الي المنبه دون أن يراه النظام البصري أو يتم تقييمه بواسطة القشرة الدماغية . وبمجرد أن تقوم القشرة الحسية بتقييم المنبه، فترسل معلومات مثبطة أو مثيرة إلى منطقة ما تحت مركز الإدراك، المسئول عن إرسال واستقبال الرسائل من والي باقي الجسم . وتتضمن الرسائل الناقلات العصبية والهرمونات لتغيير حالة الجسم كرد فعل للمنبه . وتتضمن هذه التغيرات أو الأعراض العاطفية تعرق اليدين وجفاف الحلق وتغير معدل نبضات القلب، احمرار أو شحوب، وانقباض في المعدة أو توتر في العضلات . تحدث هذه الاستجابات لكي تحمي، لأن التغير في معدل نبضات القلب مثلا يكون ضروريا إذا كان الكائن يريد أن يهرب من مؤثر استدعاء هذه الاستجابة . يراقب ما تحت مركز الإدراك تأثير التغيرات المادية علي الجسم وينقل ذلك إلى القشرة المخية، التي تستمر في تحديد المعلومات وتثير أو تثبط رد فعل الجسم عن طريق ما تحت مركز الإدراك .
 ومع ذلك، فان تسارع ضربات القلب يمكن أن يعني الذعر أو الغضب أو الحب . وعلي الرغم من أنه ربما توجد فروق طفيفة بين الذعر والحب في التغيرات الكيميائية في الجسم عموما، فان داماسيو يجادل بأن الفرق الأساسي يمكن في تقدير حالة الجسم بواسطة القشرة المخية . والتقدير، الذي يسميه الشعور يتميز بأنه تجربة العاطفة في الجسم جنبا إلى جنب مع صورنا، وذكرياتنا ومعلوماتنا عن الخبرة والمحفز الذي بدأها. فرد الفعل المادي للجسم ليس محددا للمشاعر: لأن المشاعر: فمن أجل الشعور بالتسجيل عند الشخص، يجب تقييم المزيج المحدد من التغيرات الجسدية في ضوء المعلومات الأخرى. إذ يتم تحديد تسارع ضربات القلب وانقباض المعدة مثل الحب بسبب ضوء الشمعة واتساع حدقة عين الإنسان عبر الطاولة. وفي موقف آخر، تبدو نفس التجربة مثل الطعام المسموم. وفي حين أن العواطف يمكن أن تُفهم بواسطة المتفرج عموما، فان داماسيو يرى أن المشاعر هي حالات عقلية داخلية وخاصة من خلال رد الفعل الجسدي للعاطفة.
 وقد نختبر مشاعرنا كشيء يحدث لنا – يغمرنا الفرح، ويغلبنا الغضب .. الخ- ولكن هذا لا يعني أن الأمر كذلك . وتوضح ليزا فيلدمان باريت أن لا يوجد دليل تجريبي بأن العاطفة هي شيء يوجد في مكان ما . وتجادل في مقابل داماسيو، وجوزيف لودوكس وآخرين من الذين يرون أن « أنواع العواطف لها جوهر عصبي محدد « وتوضح بأن مختلف الدراسات فشلت في إيجاد روابط عصبية للعواطف الرئيسية . وربما توجد دراسات تعبر فيها الذات عن العواطف، والجوهر وما اليها، ولكن ربما يكون هذا مجرد تصنيف. وعلي الرغم من أن تجربتنا مع العاطفة ربما تتطابق مع نموذج جالينيك في الفكاهة التي تسير في الجسم، وتغير تصوراتنا وأفعالنا وحالاتنا المزاجية وما إلى ذلك، فقد حددت دراسة متأنية أننا نادرا ما نختبر الأشياء كما هي في الواقع. وهذا لا يعني أن نقول ان المنبه المستقل يتم بناءه، ولكن معنى المنبه – فيما يتعلق بقراءة سياقه – هو دائما فعل إبداعي بواسطة المُدرك.
     العواطف، بالنسبة لباريت، ليست الكيانات التي تسبب تجربة العواطف، فهي ادراكات لتأثيرنا الأساسي الذي تعرفه باريت بأنه «استمرارية الحالة العصبية الفيسيولوجية التي تنتج من تقييم البيئة (الداخلية والخارجية). علي الرغم من أن التأثيرات الأساسية حاضرة طوال الوقت، فان قراءة معينة للتأثير الأساسي يمكن أن تنشئ تجربة لحلقة عاطفية منفصلة:
علي الرغم من أن العاطفة تُختبر كعمل منفصل إلا أن التأثير الأساس في التدفق المتواصل والتغــير. ويكـون النــاس فـي حالة تأثـير جوهري معينة باستمرار، حيث يحركون وجوههم وأجسادهم . الاحتمال المتبع هو أن مد وجزر التأثير الأساسي  يتم تحليله إلى أحــداث منفصـلة أثناء عمليــة الإدراك ويصبح الإدراك، مرتبطــا إدراكيـا بالموضوع الذي يعتقد ( كذا) أنـه أن تسبب في الشعور في المقام الأول . ونتيجة لذلك نغضـب من شخص، ونخاف من شخص، ونحزن علي شيء .
التأثير الأساسي، إذن، هو حالة دينامية ودائمة الوجود نعايشها كعاطفة في فعل تقييمها . وإذا كانت العاطفة هي فعل – التقييم وليس الشيء المقوم – عندئذ يجب أن نتأمل ما يفعله الممثل عندما يشعر بشيء علي خشبة المسرح . بالطبع ارتباك هاملت حول العلاقة بين العاطفة التي يفهمها في الممثل والسبب المعلن للعاطفة، لا معنى له في ظل نظرية التمثيل في القرن العشرين : قد يبكي الممثل أثناء الكلام عن هيكوبا، ولكن هذا لا يعني أنه يفكر أو يشعر بهيكوبا . ومع ذلك، فان الافتراض الذي توصل اليه الممثلون في طريقة الأسلوب اتباعا لستانسلافسكي عن طريق لي ستراسبورج هو أن العاطفة تحفز القصة : تخيل العمة بوللي وتكلم عن هيكوبا . ولكي نتخيل التأثير الأساسي الموجود فعلا ودائما والعاطفة كفعل لتحديدها هو أن نفتح إمكانية أننا نزيد من تعقيد العاطفة علي خشبة المسرح . فإذا كانت العاطفة – بدلا من كونها موضوع يقذف نفسه من شخص أو بيئة إلى اللوزة المخية، يتم اختبارها مع القصة السابقة والقصة التالية في المخ، ومن ثم تثير عرضا خارجيا – العاطفة هي في الواقع هلام بلا قصة تمنح أفعالنا وتشكلها، ثم سوف تكون هذه العاطفة شيئا تفعله علي خشبة المسرح، مثل الرقص، والأدوات .
 بينما يرى تفسير باريت أن العواطف تفسيرات مستقلة للحالات الداخلية، بالنسبة للآخرين، فان العواطف اجتماعية في المقام الأول . ويري بول جريفز وأندريا سكارانتينو العاطفة بأنها استراتيجيات بين شخصية ملائمة منغمسة دائما في علاقة مع البيئة أو مدعمة بها . فعواطفنا هنا دائما تكون في حلقة ردود الفعل الضيقة مع البيئة التي لا توضحها دائما . فالعاطفة بالنسبة لجريفز وسكارانتينو هو المشاهد الدينامية:
في النماذج التقليدية للتقييم العاطفي، يتلقى الكائن معلومات من البيئة ويستخدمها لتحديد الأهمية العاطفية للموقف الــذي يواجهـه. وعلي النقيـض، يتصـور المنظـور الواقـعي  أن الكائن الحـي يسّـير بيئته من خـلال الاستجـابات العاطفية، ويراقب استـجابات الكائنات الحيــة الأخــرى لتحديد كيفيــة تطور المشاعر.
هذا الأخذ والعطاء في المشاعر يفهم الفرد كما هو موجود دائما في نظام دينامي: المشاعر هنا تواصلية ويتم تنفيذها اجتماعيا: “لكي يعمل المجتمع بسلاسة، يجب أن يتمتع الأفراد بالعواطف الصحيحة في الأوقات المناسبة، لا يتركها للعمليات النفسية الفردية لضمان حدوث ذلك . فلدينا حفلات الزفاف والجنازات وعروض هاملت لأننا نحتاج أن نمارس لنتعلم كيف ننقل ردود الفعل العاطفية المطلوبة منا .
 والمنظور الاجتماعي للعاطفة مشابه لنظريات العدوى العاطفية. إذ ترى الين هاتفيلد وجون كاتشيوبو وريتشارد رابسون العواطف بشكل علائقي، حيث يمكن اكتشافها وانتشارها أو يتم تحديدها بالتحفيز من الداخل أو من الخارج . ويجادلون بأن العدوى العاطفية، النتيجة المهمة  للعدوى العاطفية هي التزامن العاطفي والمتعمد والسلوكي الذي له نفس المنفعة التكيفية (والعيوب) للكيانات الاجتماعية (أفراد وجماعات) كما هو الحال بالنسبة للفرد . وما يقترحه هذا هو أننا لسنا أفراد منفصلين ومستوعبين؛ فنحن مساميون. وطبقا لنظرية العدوى العاطفية نقوم بمزامنة تعبيرات الوجهة، وأوضاع النطق، والحركات مع تعبيرا وجه وأوضاع نطق وحركات شخص آخر وبذلك نتلاقى عاطفيا . وبناء علي السرعة التي تظهر دراساتهم حدوث ذلك، فهذه ليست محاولة واعية للتعبير عن مشاعر الآخرين، أو مطابقتها، بل إنها انعكاس تلقائي . المشاعر هنا سلسلة من الإشارات العلائقية بين الأجسام وداخلها، لأننا لكي نختبر العاطفة ونفهمها (سواء كانت عاطفتنا أو عاطفة الآخر) فإنها تحتاج محاكاة مجسدة. فعلي الرغم من أن كتابهم في هذا المجال استمر، ونشر هذا الكتاب عام 1994، أي قبل عامين من اكتشاف مرآة الأعصاب عند القرود. فقد أوضح البحث منذ ذلك الحين أن الشر وأيضا القرود يملكون نظام انعكاس عصبي ربما يسهل الحالات العاطفية المشتركة. ويشير هذا التقليد التلقائي المتجسد (علي الأقل فيما يتعلق بعدد قليل من الخلايا) إلى أن معرفتنا بتجارب ونوايا الآخرين تأتي إلينا علي الفور، وأن الدافع للتعاون يأتي من أعماق خلايانا، والتزامن العاطفي الاجتماعي أو الفهم هو عملية من أسفل إلى أعلى  ومن أعلى الى أسفل. ورغم ذلك يستمر علم العاطفة في النمو والتغير. وربما أهم ما نلاحظه بالنسبة لمنظري المسرح هو المجاز المستخدم لفهم العواطف. فهل هي أشياء يمكن الإمساك بها؟ وحالات جسمية معينة؟ اضطراب في نظام اجتماعي دينامي؟ بالطبع تحدد كيفية تخلينا للموضوع كيف يمكننا أن نتخيل طرقا جديدة لدراستها. وأحد الأشياء الواضحة – علي الرغم من أنه يجب إعادة صياغتها باستمرار – هي أن العاطفة جزء أساسي وفوري من أي وكل التقييمات والتفسيرات المعرفية. ومرة أخرى، لا يوجد تفسير للحدث أو النص أو الصورة التي لا ترتبط بالعاطفة، والإحساس والذاكرة . فهم العواطف، اذن، ليس فقط مهما في محاولة فهم كيف ننقلها الي المشاهدين، بل هي مهمة أيضا لأنها جزء من الكيفية التي نعرف بها ما نعرفه .
.............................................
آمي كوك تعمل أستاذ بقسم المسرح والدراما في جامعة انديانا وهي متخصصة في التقاطع بين العلوم الإدراكية ونظريات الأداء والدراما الحديثة. ومن أبرز كتبها «المسرحية العصبية الشكسبيرية: تفعيل دراسات النصوص الدرامية والأداء من خلال العلوم الإدراكية Shakesperean Neuroplay: reinvigorating the study of dramatic texts and performance through cognitive science” 2010.
وقد سبق أن قدمت لها جريدة مسرحنا دراسة في أعدادها السابقة بعنوان «التفاعل: أسلوب وإمكانات التناول الإدراكي العلمي للمسرح«.
نشرت هذه المقالة في Journal of Dramatic Theory and Criticism – spring 2011


ترجمة أحمد عبد الفتاح