مهرجان البانتوميم كلاكيت 13 مرة

مهرجان البانتوميم كلاكيت 13 مرة

العدد 522 صدر بتاريخ 28أغسطس2017

مهرجان ساقية الصاوى للبانتومايم، هو المهرجان الوحيد المتخصص في فن البانتوميم في مصر حيث بدأ المهرجان دورته الأولى عام 2005 وقدم من خلال دوراته عروضا عديدة قاربت في بعض الأحيان أن تكون أكثر من عشرين عرضا قادرين على التنافس بتميزهم وتنوعهم وجراءة العديد من المخرجين، ولكني سوف أعرض في مقالي لعروض الدورة الثانية عشرة 2016  و قراءة مبسطة لمدارس الميم الأساسية حيث كانت المفاجأة لي قبل مشاهدة العروض وأثناء قراءة جدول العروض وهي أن عدد العروض قليل مقارنة بالدورات السابقة ولا سيما أن المتوقع هو الزيادة وليس العكس وتوقعت أن ذلك الأمر ربما يكون لحرص لجنة المشاهدة على اختيار العروض المشاركة أن تقوم بتصفية متميزة واختيار النخبة، إلا أنه جاء ما يزيد الدهشة بعد مشاهدة العروض بالفعل فلم تكن العروض كلها على قدر من الجودة فمنها من كان دون المستوى الفني وجعلني أتساءل ماذا يعلم هؤلاء الشباب و المخرجين عن الميم ؟
البانتوميم  - الميم
تعددت التعريفات و كثرت المناهج حتى قيل إن مدارس الميم تتعدد بتعدد مبدعيها، فلكل مبدع طريقته.
بدون كلمات هكذا يراه البعض إلا أننا نشاهد عروضا هامة للميم بها كلمات، وهناك من يرى أنه لا وجود للإكسسوار أو الديكور في عروض الميم، وبرغم ذلك نستمتع بعروض تمتعنا، بها استخدامات عديدة للإكسسوارت ويلعب الديكور دورا هاما في الرؤية البصرية.
 إن أغلب المهتمين بفن الميم يذهبون إلى أن المدرسة الفرنسية للميم هي الأكثر قربا لفكرة الميم التقليدية التي تهتم بتفاصيل الحركة الدقيقة، بينما لا يعني ذلك عدم استمتاع الجمهور بمشاهدة عرض الميم الإيطالي، حيث تعتمد المدرسة الإيطالية على تبسيط الحركة والإشارة لها دون اللجوء إلى التفاصيل ذلك الأمر في مقابل الكوميديا الناتجة عن المقالب المتبادلة بين المؤدين، كذلك  تتمتع عروض الميم التي تنتمي إلى المدرسة الشرقية القادمة من بلاد الشرق الأقصى تتمتع بخصوصية شديدة تجعلها عند التلقي أقرب لمشاهدة طقوس الكابوكي والزن، بل ويقترب إحساس الحركة إلى البطء الشديد محدثا جمالية في الصوة البصرية، ذلك مع الحرص على استخدام الإكسسوارات التقليدية والملابس بصورة مؤثرة درامية فعالة في الحدث مما يجعل المشاهد يدرك منذ اللحظة الأولى أنه بصدد مشاهدة عرض للميم من بلاد الشرق الأقصى.
على الرغم من تلك الاختلافات فإن جميع العروض تتفق على أهمية الفكرة ودورها الأساسي في صنع الشرارة الأولى عند مبدع الميم فإن الفكرة سواء أكانت معتمدة كل القصة التقليدي أو كانت دافعا فلسفيا  حتى لو في قالب فنتازي تدعو المبدع إلى البحث عن حلول تقنية قد يستخدم بها جسد الممثل بإيماءاته فقط، أو يلجأ مستفيدا من العديد من العناصر الفنية كالموسيقى، الملابس، الإضاءة، الإكسسوار،  وصولا إلى استخدامه للتقنيات التكنولوجية الرقمية الحديثة في تجهيزات المسارح.
إذن فلماذا أقدم فكرتي بالميم أو بالموسيقى أو بالرقص أو بالكلمة أو بالرسم ؟ سؤال يطرحه الكثيرون من المبدعين كلٌّ في مجاله، فلماذا يقدم الموسيقي فكرته من خلال مؤلف موسيقي؟ هل يكفي فقط محبته للموسيقى أم أنه يلجأ إلى الدراسة والخبرة وبالتالي الوعي بما تستطيع الآلات الموسيقية أن تنسجه من خلال النظريات الموسيقية دون التقليل من قيمة الخيال والإبداع ولكن الأساس مهم، و هذا الأمر كان من الواضح في عروض المهرجان أن هناك من سعى خلف المعرفة والتدريب والخبرة وهناك من تعامل مع الميم على أنه الفن الذي لا يستخدم الكلمات !
 الأمر الذي يحد من قيمة الميم الذي يعتمد في أساسه على لغة الإيماءة المشحونة بالتعبير المعتمد على كل تكوينات الجسد وتفاعلها مع الإطار الخارجي، وذلك كما ذكرنا من قبل وفقا للفكرة المحركة، ولا يعني ذلك الأمر أن جودة العمل مرتبطة فقط  بضخامة الإنتاج، بل في تناسق وجودة المجهود الذي يبذله المخرج المبدع لخروج عمله إلى النور، حيث عليه التفكير مليًّا في السؤال الأهم: لماذا الميم ؟
إن  ما شاهدته خلال تلك الدورة للمهرجان من العروض كان دليلا واضحا على التفاوت الكبير بين المخرجين الذين قدموا عروضهم بالمهرجان، منهم من اجتهد بشدة لخروج عمله بصورة جيدة متماسكة مترابطة بين تفاصيلها كافة، وآخرون لم يوفقوا في صناعة ذلك التماسك بين عناصر عملهم فظهرت بعض العناصر منفردة تحمل تميزا تلاشى أمام عدم تماسك العمل في مجمله.
بل قد غلبت سمة الإطالة على تلك العروض، فالتكرار في الحركة والإعداد الموسيقي غير المتناسق مع الحركة أو ملائم للأحداث وعدم وجود رابط عام بن عناصر تلك العروض كان سمة تلك العروض، أن نقول أن الصمت له إيقاعه إذا كان مشحونا ولكن تلك العروض قدمت صمتا صامتاً.
تقدم للمهرجان تسعة عروض قام فريق عمل التجهيزات الفنية من إضاءة وصوت بمجهود متميز لتقديم العون التقني والفني لكل العروض بصورة دعت إلى تقديره، و قامت لجنة الحكم التي ضمت كل من الفنان حسين العزبي و الفنان هشام جمعة والفنانة سماء إبراهيم، قررت تلك اللجنة بعد أول يوم من المهرجان ومشاهدة العروض جميعها بتقديم قائمة تضم خمسة عروض للترشيح على جوائز المهرجان حيث ارتأت وجود تميز بها وكانت تلك العروض وفقا لترتيب عرضها هي
عرض “ الجزمة “ لفرقة صدفة
فكرة وإخراج أدهم البرنس وتمثيله مع محسن السادات، حيث اعتمد على إحدى القصص المتداولة على المواقع الاجتماعية بين احتياج أحد الفقراء لحذاء جديد وأحد الأشخاص يتعرض لسقوط فردة حذاء من قدمه أثناء ركوبه للقطار حيث يراها الفقير ويحاول أن يجري جاهدا كي يعيدها إلى صاحبها هذا الآخر الذي يقرر في النهاية بعد العديد من المحاولات أن يتخلى عن فردة الحذاء الأخرى ويلقيها بيده للفقير كي يلتقطها، وإلى هنا يتنهي العرض بالسعادة على وجه الاثنين.
لم يكن أداء الممثلين على القدر الكافي من الوعي بحلول الحركة المسرحية بشكل عام ولا بأدوات وتقنيات الميم بمختلف اتجاهاته، ففي البداية كانت محاولات الإحساس بالمكان وتوصيل الحالة المعنوية للشخصية الفقيرة للجمهور، كانت تلك المحاولات ممتعة من قبل الممثل أدهم البرنس إلا أنه وبدخول الشخصية الثانية تاهت حدود المكان، و لم تعد الحركة ملائمة لما يقدم، بل أصبحت مثل الإشارة ففقدت العمق وكأن كلا الممثلين لم يتدرب بشكل كاف، ولم يختبروا حلولهم الممكنة للوصول إلى أفضل الطرق للتعامل مع المكان فإن عملية ترسيخ تفاصيل المكان المتخيل عند المتلقي من الأمور الهامة للميم ولا يعني ذلك استخدام كامل مساحة المسرح، بل ما يريده المخرج بحيث يفيد العمل.
عرض “ بوز “ لفرقة فكرة
 العمل إخراج جماعي للفرقة، وفكرة سيد عامر، وقام بالتمثيل كل من  نجلاء الزهار وأحمد وحيد اللذان كانا بسمة تحمل مؤشرا بممثلين كوميديَّيْن يمتلكان حضورا وقدرة على الارتجال، الأمر الذي أضفى على العمل متعة لم تكتمل لعدم نضوج فكرته العامة، فلقد قدم العرض مقارنة ساخرة حول علاقة الرجل والمرأة في الحاضر وفي الماضي فقدا نموذجين سريعين لتفصيلة كيفية يتم اللقاء الأول بين الرفض والقبول والإغواء ثم الحمل والانجاب وذلك عبر الإنترنت في النموذج الأول، ويبدأ النموذج الثاني بنفس الترتيب في العصر الحجري، وينتهي العرض ولا يدرك المشاهد إلا بخروج الممثلين وإعلان التحية إذا كان قد انتهى أم أن هناك تتمة للأمر.
قد قدمت نجلاء بحضورها بهجة للعرض، إلا أنها وكأنها عرفت المفتاح السحري لدى الجمهور فأخذت تكرر بعض الحركات التي تضفي قدرا من الفكاهة على العمل، ولم يكن ذلك الأمر مفيدا في مجمل العمل حتى أنه وفي ليلة العرض الثانية فقدت تلك الحركات تأثيرها لمعرفة أغلب الحضور بها من المتابعين في اليوم السابق، مما جعل الممثلين يتأثرون سلبيا بعدم تجاوب الجمهور، وهذا يجعلنا نشير إلى أهمية وجود تدريب دقيق على كل تفاصيل العرض وأهمية إحكام الفكرة كما أشرنا من قبل.
عرض “ ظرف “ لفرقة حكاية قناع
 من إخراج عمر عادل عز الذي قام بوضع فكرة العرض وتصميم الإضاءة والموسيقى بالاضافة إلى تمثيله مع ريم عصام اللذَيْن تميزا وأبدعا في أدائهما بصورة استحقا عنها جائزة المهرجان لأفضل ممثل وأفضل ممثلة، حيث استخدما مزيجا بين أداء المدرسة الفرنسية وبين تصورهما الخاص لفن الميم الذي اجتهد المخرج عمر عادل فيه بصورة ظهرت لنا ممتعة شديدة الإتقان بداية من محاولة خلق حالة معنوية إنسانية بين الجمهور وبين الشخصيتين اللتين تظهران بشكل منفصل على المسرح؛ فهو -الفتى– له عالمه المتفائل الفني المليء بالطاقة، وهي –الفتاة– لها عالمها الحالم الراقص المحب للجمال فنشاهد استخداما للأدوات الجسدية كافة للتعبير عن ذلك الأمر وبدون مبالغة فبدت سلسة ممتعة، ذلك الأمر الذي يحدث بالتدريج عند الممثل بتكرار التدريب مما يكسبه الخبرة ويعمل على إظهار الحركات بشكل طبيعي، ويكتشف كل منهما أنه في عالم منفصل مغلق موصد فيحاولان في حركة متقنة في نفس الوقت أن يفتح كلاهما الباب إلى أن يلتقيا ويتعارفا في لوحة تجريدية، حيث يهديها الفتى بعد زراعته وردة معطرة وتهديه مظلة عند البرد، فيمد يده فتبعدهما الأقدار حيث لم يعلن المخرج المؤلف عن ماهية تلك الأقدار التي أبعدتهما تاركا الأمر لخيال وفكر المتلقي قادرا على إضفاء متعة عامة بسرعة الإيقاع حيث انتهى العرض في لحظة بمشهد البداية للفتى والفتاة ولكن بجوار كل منهما شريكه الآخر ليعلن للجمهور أنهما لم يوفقا في التواصل وهذا هو حال العديد.
استحق العرض المنافسة بشدة على جوائز المهرجان وحصد الجائزة الثانية للمهرجان.
عرض “الروبوت” لفرقة مشكلة
 من إخراج تامر جرجس الذي قام بوضع فكرة العرض وتصميم الإضاءة والموسيقى بالإضافة إلى تمثيله مع محمد محمود وأحمد عبد الرحمن، عرض الروبوت حالة تمرد للسيطرة والتحكم من قبل الآخر فقد لجأ المخرج لتقديم نموذجين للروبوت يتحكم فيهما آخر دون تحديد هويته، أحدهما خانع والآخر حر يتمرد على فكرة التحكم ويسعى لتحرير صديقه و يحاول أن ينبهه أن هناك سعادة في الحرية تشبه انطلاقة الطير في الهواء محلقا بأجنحته، ولكنهما في النهاية ودفاعا عن حريتهما يقومان بوضع جهاز التحكم بصورة تمكنهم من التحكم في الشخص الثالث الذي كان هو المتحكم فيهما. تميز تامر جرجس  بشكل أداء معبر له إيقاع راقص مع قدرته على التعبير عن الشحنة الداخلية، ولعب دورا هاما في تحقيق توازن في الصورة البصرية لمكان العرض المتخيل، وكان اختياره للمقطوعات الموسيقية المستخدمة عاملا إيجابيا في تحقيق حالات العرض المختلفة وقد استحق العرض المركز الثالث في سباق الجوائز بالمهرجان.
عرض “بسكاليا” لفرقة سلويت من إخراج عبد الرحمن القاضي الذي قام بوضع الفكرة والتمثيل مع عبد الله وليد سلطان اللذَيْن قدما متعة فنية في صورة عرض مسرحي، مستخدمين مزيجا من الميم بصورته التقليدية للمحاكاة والشكل التعبيري، فقد كان أداء عبد الرحمن أشبه في حضوره بأداء العظيم مارسيل مارسو حيث استطاع بخلق حالة إنسانية من خلال تعبيرات الوجه وتفصيلات بسطية مؤثرة أن يشغل الفراغ المسرحي بمواقف إنسانية متخيلة، حيث قدم شخصية فنان متجول يحمل البهجة ويهديها إلى من يقابله في أي مكان إلى أن يقابل شخصا جافا متجهما والذي لعب دوره عبد الله وليد الذي استطاع أن ينقل لنا حالة التناقض بينه وبين الآخر المتعاون المتباسط فهو لم يكن سوى المتعجرف غير المحبوب، وهنا نشاهد ونحن نستمع إلى إحدى مؤلفات راجح داود حيث وقع اختيار المخرج على عمل موسيقي يتمتع بروح مصرية في صياغة أوركسترالية أضفت متعة وقيمة وخاصة لانها كانت ملائمة للتعبير عن العمل ككل، حيث تأثر المتعجرف بالفنان الذي كان يحمل قبعته ويحاورها ويخرج منها أزهارا وطيورا تأثرًا جعله يسمح للفنان أن يجلي له قلبه ويزيح عنه الغبار الأسود ويطلب منه أن يتعلم معه فنون الأداء ويتواعدا ولكن لم يعد الفنان المتجول، فهو متجول غير مسموح له، فتم القبض عليه ولم تتبق سوى قبعته على الأرض ليلتقطها من كان متعجرفا ليعلن للجمهور أنه سوف يكمل المسيرة، قد تبدو القصة بسيطة ولكن مشاهدة العمل والاستمتاع بتفاصيله وجودة ومهارة الأداء تجعلنا نتوقف عند هذا العرض الذي استحق بجدارة المركز الأول كأفضل عرض بالمهرجان، فقد قدم العرض وجبة متكاملة ممتعة فكل خطوة وحركة كانت لها قيمتها، كان صمتا مشحونا وحركة مبهرة وأداءً صادقا أدخل البهجة واستطاع نزع تصفيق مليء بالحماس من الجمهور.
عرض “هنا مقص وهنا مقص” لفرقة الزرقاني
 من إخراج وليد الزرقاني الذي قام بوضع الفكرة وتصميم الإضاءة والموسيقى بالاضافة إلى التمثيل مع كل من ياسر ابراهيم وعبد الرحمن سنوسي، قدم لنا العرض في قالب كوميدي ساخر وأداء أشبه بعروض الميم الإيطالي المعتمد على تبسيط الحركة وعدم الاهتمام بدقة المحاكاة في مقابل اهتمامه بالمبالغة أحيانا بشكل ساخر من حركة ما تحمل إيحاء مضحكا، أو صنع مقالب بين المؤدين، ذلك الأمر الذي شاهدناه في عرض هنا مقص وهنا مقص في علاقة الحلاق بجاره في المحل المجاور الخياط، حيث يصل العريس ليعلن أنه يريد بذلة الفرح وكذلك حلاقة شعره للفرح، وتبدأ من هنا المواقف الكوميديا التي اجتهد فيها كل من الممثلين الثلاثة، إلا أنَّ الموسيقى كان إعدادها من أهم العوامل التي أثرت سلبا على جودة العمل وصنعت حاجزا بين المتلقي وبين العرض، فقد كانت البدايات والنهايات للمقطوعات المستخدمة حادة، وكما يقال: القطعات سيئة، فلم تمكن العرض من صنع حالة متصلة، إلا أنه يحسب للمخرج مغامرته، بل ويحسب لكل من ياسر وعبد الرحمن أداؤهما المرن الذي نسج مواقفَ كوميدية بصورة ممتعة بتكنيك اعتمد على حركات الجسد بمهارة.
إن تلك العروض الخمسة تنوعت وأمتعت الجمهور وأضافت في تاريخ الميم-غير الموثق- في مصر خمس محاولات جديرة بالتقدير كما كان من العروض الأولى في الدورات الاثني عشرة السابقة،  كنت أتمنى وما زلت أدعو إلى رابطة لفناني الميم تعمل على إثراء التجارب والبحث عن مساحات تواصل أكثر لتلتقي بجمهور متعدد، فإن فن البانتوميم يحمل داخله طاقة إبداعية مؤثرة في المتلقي، طاقة تمدنا بالأمل وتجعل فناني الميم في حالة مقاومة دائما، وآمُلُ كل التوفيق للعروض المقدمة في الدورة الجديدة.


سماء إبراهيم