البخيل.. السعي حق لمن سعي

البخيل.. السعي حق لمن سعي

العدد 647 صدر بتاريخ 20يناير2020

علي خشبة مسرح أوبرا ملك قدم المخرج  خالد حسونة عرضه المسرحي البخيل النص الأشهر لموليير من انتاج مسرح الشباب واستعان المخرج بقلمه وصاغ اعدادا للنص حاول فيه تخفيف ثقل الترجمة والتعريب فكانت النسخة المعروضة علي خشبة مسرح أوبرا ملك بالعامية المصرية القاهرية علي وجه التحديد في محاولة منه لاستنطاق شخصيات موليير ( افهات) تقترب من الذائقة المصرية الآنية وهي مخاطرة كانت محفوفة بالمخاطر وعاونه بطبيعة الحال ممثلين امتلكوا روح الدعابة فاقترب منهم الجمهور  قد اقترابهم منه ونجحوا في تقريب العرض الفرنسي الي الجمهور المصري فلم يكتسب العرض علي ذلك من بيئته الا زمان ومكان الاحداث واسماء الشخصيات أما المحتوي فقد كان مجردا الي حد كبير وانساني بشكل كامل فاحتفظ المخرج/ المعد بالمزاج العام للنص المسرحي ل موليير محافظا علي السياق والاطار الخارجي للاحداث وتسلسلها بشكل كبير فكان زمان ومكان الأحداث مطابق للنص الاصلي واعتمدت الصورة المسرحية التشكيلية  اعتمادا كبيرا علي الفخامة والتفاصيل بعنصرين هامين أولهما الملابس التاريخية التي صممتها ناردين عماد والتي بدأ الاهتمام الكامل بتفاصيلها والوانها وتفصيلها المقتربة بشكل أساسي من الشخصية التي أداها الممثلين شكلا بعد ان نجح الممثلين الشبان في اضافة مضمونا وابعاد للشخصية كلا علي حدا يوازي السعي الطامح الي التميز وجاء العنصر الثاني في الصورة التشكيلية المسرحية خاص بالديكور الذي صممته رانيا الدخاخني والذي وان بدا ثابتا واستاتيكيا الا انه امتاز بالتفاصيل المبهرة والمحاكاة الواقعية لمنزل ثري فرنسي
واحتفظ الديكور بوظيفته الأساسية في وصف المكان والإشارة إلي زمن الأحداث بشكل لا شك فيه فاكتسب العرض من ثم عنصر الابهار البصري والذي يعد في أحيان عدة الجسر الواصل بين الجمهور وصناع الفن خاصة مع سعي الجمهور الي الاستغراق في حياة موازية للحياة الحقيقية  وحاول المخرج في اوقات عديدة كسر الاستاتيكة التي فُرضت بالالتزام بمكان واحد لاحداث المسرحية وهي صالة في منزل الثري العجوز فاقتطع اماكن افتراضية ببؤر الاضاءة ليفصل البؤرة الضيقة عن باقي المنزل وعمد الي اقتطاع يمين المسرح ويساره ب ( بوف ) يفصل زمانا ومكانا عن وسط المسرح وعمقه في بعض اللحظات كما اقتطع مقدمة ( الافانسيه ) منفصلا عن عمق المسرح ويمينه ويساره في بعض الاوقات فضلا عن الاستخدام البسيط والغير معقد لدرجات السلم يمينا ويسار واستخدام صالة جمهور النظارة لموتيف استكمالي لفراغ خشبة المسرح فعد في بعض الاوقات مكانا لدخول الاب الثري البخيل والمحقق
البخيل هو اب يكنز الأموال ويري في ذلك متعة لا تضاهيها متعة واحتل المال في عقله وقلبه مكانة تزيد علي مكانة ابنه وابنته ويري في ذلك حق وحقيقة فالولد يذهب والمال هو السند والباقي طالما احتفظ به دون اسراف أو حتي صرف في بنود ليست ذات جدوي فالجدوي الأساسية هي الاحتفاظ بالمال امام العين ولما كانت الابنه وكان الابن في ريعان شبابهما فقد احتفظوا بحقهم في الحياة والحق الأصيل في السعي نحو الاستمتاع بالحياة فالحياة حق لمن سعي وكان ان وقعت الفتاة في حب شاب بادلها الحب وارتضي ان يعمل خادما عند الاب بغية ان يصبح بجانبها اطول فترة ممكنه وهو الساعي الي البحث عن والده وثروته التي فقدهما في صدر حياته كذلك الابن أحب الجارة وحاول أن يستقطع من الاب البخيل حقه في ميراث الام دون جدوي وفوجئ بسعي الاب الزواج من الجارة وهي الشابة التي تصغره بعشرات السنين فضلا عن اصرار البخيل علي زواج الابنه من ثري عجوز حتي لا يدفع أموال في هذا الزواج ومع إصرار المحبين علي الاحتفاظ بحقهم في الحياة والسعي الدؤوب الي ذلك الحق انتصر الأحباب حتي وان كان النصر ميلودراميا بان اكتشف العريس العجوز انه والد الشاب /الخادم / الحبيب وكذلك والد الجارة / الحبيبة / العروس  ولما كانت هذه صفقة مربحة وافق البخيل علي زواج الاحبة وفي هذا انتصار الرومانسية والعواطف أمام المادية
ولم يخسر البخيل العجوز ذلك انه استرد امواله التي كان الابن قد استولي عليها بغته ووافق علي ان يتزوج المحبين بعضهم من بعض شريطة الا يدفع في الزواج اي اموال ووافق المحبين وسعدوا ووافق الاب وسعد
عدت اغاني العرض المسرحي البخيل  لكاتب الكوميديا الأشهر موليير والتي كتبها حامد السحرتي ولحنها دكتور محمد حسني وصمم استعراضاتها شيرلي أحمد
نصا موازي للنص الاصلي وتقاطعت معه في أحيان عدة وحلت محل الجوقة كمتفرج مثالي فقدمت للاحداث الخاصة بالمسرحية ككل تارة ولكل مشهد تارة أخري فضلا عن أنها علقت علي الاحداث أحيانا ومهدت لها أحيان أخري وصاغت الأفكار الأهم من العرض المسرحي في نهاية الأحداث فتداخلت الاشعار علي ذلك مع الحبكة الاساسية لموليير والاعداد الخاص بالعرض لخالد حسونة سواء بسواء مما اضفي علي العرض بهجة وبهاء نجح في تخفيف وطأة الايقاع الذي لم يخلو من الرتابة في بعض الاوقات حتي اذا تداخلت الاغاني والاستعراضات عاد التدفق للايقاع بشكل كبير وخلقت حالة من التواصل المحمود بين منصة التمثيل وجمهور النظارة خاصة وان الراقصين في العرض كانوا هم الممثلين مما اضاف للعرض كونه عبر عن امكانيات الممثل في الاداء والتعبير الجسدي بشكل مميز


محمد النجار

mae_nagar@yahoo.com‏