إيزيس .. تجسد روح الأسطورة المصرية القديمة

 إيزيس .. تجسد روح الأسطورة المصرية القديمة

العدد 688 صدر بتاريخ 2نوفمبر2020

“قم لخبزك هذا الذي لا يمكن أن يجف، وجَعتك التي لا يمكن أن تصير فاسدة إذ بها تصبح روحا» تلك مقولة للكاهن يتلوها علي المتوفي لحظة تقديم القربان والذي هو عين حورس، وذلك لتٌبعث فيه الروح من جديد في حياة ما بعد الموت، هذه بعض من الأفكار في الحضارة المصرية القديمة، والتي يتجلى الكثير منها علي خشبة مسرح الجمهورية في عرض ايزيس تصميم وإخراج كريمة بدير، أداء فرقة فرسان الشرق وأشعار محمد زناتي، العرض يتخذ من أسطورة ايزيس واوزريس أساسا له، ويستعرض قصة الحب الأولي والتي جمعت بين الإثنين ثم غدر ست بأخيه أوزوريس وقطعه الي أربعة عشر جزء بعثرها في أقاليم مصر آن ذاك. 
 يقدم العرض مجموعة من الدلالات منها “عين حورس” والتي تقدم للمتوفي وذلك حتي يحدث له البعث كما حدث لأوزريس حينما استرد عينه بعد موته، والتي كان قد سلبها منه “ست” في المعركة، وحين استردها بعد موته تحول الي روح وتلك العين ترمز لحالة البعث، وقد استخدمها حورس الابن لاستعادة حياة أبيه أوزوريس وقد حظيت تلك العين بشعبية كبيرة لدي المصريين القدماء واعتبرت تعويذة في يد أصحاب النفوذ القوية، عين حورس تستخدمها المخرجة بشكل واضح في العرض ويكون لها الأثر الأكبر في خاتمة العرض، تلك اللوحة التي تجتمع فيها عدة دلالات منها عين حورس، والتي تعد دلالة للبعث والخلود والقوة من جديد وهي مثل الطلسم ترمز الي الصحة والرخاء وعدم فناء الجسد، والقدرة علي احياء الموتى «عين حورس هي حاميتك وأوزوريس هو حارسك، سيهزم كل أعدائك وكل أعدائك هم جزء منك» تلك العين يمسك بها المؤديين علي خشبة المسرح وهم في تكوين يحيطون بالإله إيزيس خلفها قرص الشمس وعلي رأسها تاج لقرص الشمس أيضا وقرنا بقرة، فهي الالهة الأم في الديانة المصرية القديمة، يتصدر تلك اللوحة في مقدمة خشبة المسرح ميزان “ماعت” أي ميزان العدالة والذي يضع قلب الانسان في مقابل ريشة، لتكتمل اللوحة وينتهي العرض معبرا عن المرأة وعن مصر» جنة الخلد الواقعة في الجزء السفلي من وادي النيل «كما قال عنها هنري برستد. 
عرض ايزيس يخوض غمار الأسطورة ويجعل منها خطاً أساسيا يبني عليه العرض الحركي الراقص، والذي يعتمد في رقصاته علي الرقص الحديث وإظهار الابعاد الدرامية الجديدة والتي تعتمد علي الحركات الجديدة والابتكار، ومن اللافت للنظر أن العرض يقدم مجموعة من اللوحات لرقصات مختلفة علي مستوي الحركة وبها العنصر الشعبي واضح ومؤثر، ويعبر عن الطبيعة البيئية التي جاء منها، ثمة لوحات تقدم الصعيد ويتجلى ذلك في التحطيب وهو فن من الفنون القتالية المصرية المستمدة من الأصول الفرعونية القديمة يستخدم فيها العصي الخشبية والنبوت للمبارزة، والتحطيب هنا يستخدم كنوع من الرقص لإضفاء الخصوصية علي البيئة المشار اليها في العرض المسرحي، وثمة لوحات اخري تعبر عن بلاد النوبة الي جوار لوحات تقدم النواح والعديد من تلك اللوحات المتعددة تعرض ضمن سياق عام وهو أسطورة ايزيس علي اعتبار أن كل ما يعرض يعبر عن المجتمع المصرى بكل تنوعاته، وتسري اسطورة ايزيس علي مر العصور وقد تتحقق بصورة او بأخري لكونها تحكي عن خيانة الأخ لأخيه وقتله عبر حيلة التابوت” وهي عبارة عن تسابق في حفلة سمر بأن من ينام في التابوت ويكون بمقياس جسده يفوز به كهدية» هكذا نجحت الحيلة ليقتل اوزوريس، يمكن أن نري في هذه الاسطورة قصة الخلق الأولي قابيل وهابيل، فهي دائمة التكرار مادامت الحياة، يشير العرض أنه دائما الانتصار للعدالة لذلك يظهر ميزان العدالة في النهاية، علي مدار العرض تتجسد رحلة بحث ايزيس عن أجزاء اوزوريس في المحافظات المصرية المختلفة لذلك دائما تجدها في خلفية العديد من اللوحات الأدائية الراقصة في العرض وكأن انعكاسها دائما يتجلي علي المرأة المصرية وسلوكها في جميع العصور . . 
ساهمت أشعار محمد زناتي في تدعيم الأفكار المطروحة في العرض الحركي الراقص، وقامت بأداء الاشعار صوتيا فاطمة محمد علي. 
الديكور ل “أنيس اسماعيل” وهو ديكور يميل الي التجريد ويتخذ من اللون الأبيض لونا أساسيا لميله الي الحياد بحيث يكون مناسب لكل اللوحات الراقصة، الي جوار مستوي أعلي في عمق خشبة المسرح تصعد عليه دائما الالهة الفرعونية اما الجانبين في مقدمة خشبة المسرح فتكوينهما اشبه بتكوين المركب وكأنها دلالة تشير الي مراكب الشمس ورحلة ايزيس للبحث عن أشلاء زوجها اوزوريس. .
الإضاءة تصميم “رضا إبراهيم” وقد كانت معبرة عن اللحظات الدرامية الراقصة بشكل جعلها أكثر تأثيرا، فقد استطاعت الإضاءة إضفاء الجو العام علي العرض، ذلك بالإضافة الي الملابس وهي من تصميم “أنيس إسماعيل” والتي بدت متوافقة مع طبيعة العرض سواء في اللوحات المختلفة المعبرة عن المحافظات المختلفة او الفرعونية التي تعبر عن روح الأسطورة. 
تؤكد مخرجة العرض من خلال كلماتها في بمفلت العرض علي أن الحب هو درب الخلاص، وهو ما تبدي في رحلة بحث ايزيس عن أجزاء حبيبها، تلك الرحلة المجسدة في العرض. .
المؤديون إيزيس: ياسمين سمير بدوي - أوزوريس : محمد هلال – جب: باسم مجدي- نوت: دنيا محمد – ست:عبد الرحمن دسوقي نفتيس»حبيبة إبراهيم» أنوبيس» نادر جمال- التحطيب:أشرف حمادة، هاني حسن،وليد عبد الله -العفو: حسين رشاد-العدادة: نوران محمد- النداهه:فاطمة الشبراوى- خيال المآتة: نور الدين عمر-العروسة:دنيا محمد-العريس:ياسر الليثي. 
-فارسات الشرق:زينب حسن -لميس جمال-مي رزيق-هنا مصطفي-ماهيتاب محمد. 
فرسان الشرق: رضا إبراهيم - أمجد إبراهيم- اسلام محمد -احمد عاطف -إبراهيم خالد-محمد امين -احمد موسي -عبد الرحمن مجدي-مصطفي سعد – محمد مصطفي(كامبا).
وجميع المؤديين حقق أدائهم الراقص حالة من التوافق مع العناصر الأخرى، فبدي العرض في انسجام معبرا عن أفكاره. 


داليا همام