سجن اختياري.. أن تكون سيد الكون أو أن يكون هو سيدك

سجن اختياري.. أن تكون سيد الكون أو أن يكون هو سيدك

العدد 571 صدر بتاريخ 6أغسطس2018

على غرار سلاسل الأفلام الأجنبية مثل «saw» أو الأفلام الرعب بشكل عام، يذهب مجموعة أشخاص إلى منزل ما، من ثم يجدون أنفسهم بداخل لعبة ما، وجب عليهم استكمالها للنهاية، ليموت الجميع ويتبقى البطل ليعلن نهاية الفيلم أو يعلن عن جزء جديد للعنة.
هذا ما يحدث مع أبطال “سجن اختياري”، حيث يجمع «رفيق» أصدقاءه ليستعيدوا ذكريات صداقتهم في فترة الجامعة، ويقضوا يوما ممتعا، لكن الجميع يتفاجأون بعرض «رفيق» عليهم لعبة يفوز فيها آخر من يغادر منزله بجائزة قيمتها عشرون مليون جنيه، فيقبل الجميع الدخول في اللعبة عن طريق استمرارهم في البقاء لمدة عشرين ساعة، ليعود رفيق ويضع عليهم رقيبا يرسل له التقارير اليومية ويتركهم مغادرا منزله لتبدأ اللعبة، من ثم تحدث تحولات في الشخصيات ينجو منها المغادر الأول الذي يرى أن حياته رغم بساطتها تعجبه، أما الباقون فيستمرون في المنافسة حتى يخسر أحدهم والده ثم ابنه ولا يتحرك، والآخر يخسر زوجته، وغيره يخسر حريته وأحلامه وحياته التي رغم عيوبها يعيشها حرا صاحب إرادة.
كان اختيار العنوان (سجن اختياري) موفقا حيث إن كل من في المنزل يختارون البقاء طواعية حيث يفقدون حريتهم بكامل رضاهم، على عكس رفيق الذي ترشدنا بداية الأحداث عن فقره المدقع وقت الدراسة، ليكشف في النهاية أنه حاز تلك الثروة بقبوله دخول السجن بدلا عن مديره في العمل، لكنه كان سجنا إجباريا مما جعل من قراره لا رجعة فيه، ولكي يشعر بالرضا تجاه ما فعله في نفسه أدخل أصدقاءه في تلك اللعبة ليتأكد أن أي إنسان يمكن أن يقبل انتزاع حريته مقابل المال.
إن الرعب هنا مختلف، فالرعب هنا يتشكل من خيارات الشخصيات، من توحشها مقابل المصلحة، فأفراد اللعبة لم يتم إقحامهم داخل اللعبة رغما عن إرادتهم بل بكامل قواهم العقلية.
عرضت المسرحية مصائر متفردة، شوهتها الحاجة إلى الحياه مثالية متكاملة، على الرغم من افتقاد كل شخص ما هو لدى الآخر، فلا أحد يرضى بما لديه، يعيش الإنسان يكد ويكدح لكي يعيش في مستوى مادي ما، أو أن ينجب أطفالا مثل غيره، أو أن يصبح ما يريد أن يكونه في يوم وليلة، فما من أحد قانع بأسباب سعادته وراضٍ عنها حتى وإن كانت بسيطة، مما يشوه النفوس يجعل الأصدقاء ينقلبون على بعضهم البعض ويحاولون قتل بعض البعض أو الوقوع في الأفخاخ لكي يخرج أحدهم خارج المنافسة، فتلك هي الحياة، التي يمثل فيها الرقيب عليهم عنصر التذكرة فهو يذكرهم بمميزاتهم، أحلامهم أو أحبابهم ليكون بمثابة «نصف الكوب المملوء»، فاللعبة هنا وعلى عكس الأفلام «رعب نفسي» يصور الانفصام الداخلي للإنسان، بين حبه لأصدقائه وبين إقصائه لهم في سياق المنافسة، بداية من رفيق الذي يذكر فضل أصدقائه عليه إلا أنه يضعهم في تلك المتاهة ليتصالح مع نفسه.
على الرغم من وحدة الفضاء المسرحي وهو منزل رفيق، الذي لا يوجد فيه رفيق على المستوى المادي طوال الأحداث، فإنه ظل مسيطرا على الفضاء الدرامي عن طريق الكاميرات في أنحاء الفيلا كما يشاهد في فيلم «saw» منفذ الألعاب ضحاياه، وعن طريق سعي الأبطال للفوز بلعبته، إلا أن النص المسرحي قدم تطورا كبيرا، يشبه الدراما السينمائية في تتابع الأحداث وتناسقها وجذبها للمتلقي، كتب النص وأخرجه «محمود جمال الحديني» وذلك لفريق تمثيل كلية هندسة جامعة القاهرة ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح.
قدمت مصمم الديكور «هبة الكومي» منزل ذو نوافذ متعددة، وشرفات على جوانب الخشبة، كما وضعت باب الخروج في منتصف عمق المسرح ليكون رمز النجاة لكل من يختار الخروج، وعلى الرغم من محاولة الديكور التعبير عن مكان واحد، فإن توزيع الكراسي وتقسيم المسرح إلى مستويين وشرفات خلق حالة من التشتت، فأحدهم يجلس في الخلف يتحدث وبجانبه من يرسل التقارير، وفي الأسفل آخرون يتحدثون أو يتشاجرون، وفي الشرفات غيرهم.. إلخ، كل ذلك جعل من الصعب التركيز على جميع الأحداث أو الإيماءات في وقت واحد.
على مستوى الملابس «لأميرة صابر» نجد أنها اتسمت بالعصرية لتعلمنا أن زمن العرض هو وقتنا الحالي كما عبرت عن شخصية الفرد، فنجد رفيق مثلا يرتدي ملابس رسمية تعبيرا عن حالته المادية الحالية، أما البقية ملابسهم يومية عادية.
اتسمت الإضاءة بالتباين حيث استخدم المصمم لونين وهما الأزرق والأحمر، وهما لونان متضادان حيث قمة الحرارة في الأحمر، وقمة الهدوء والبرودة في الأزرق، مما عبر أحيانا عن شرور العالم الداخلي أو سلامته أحيانا أخرى، كما اتسمت الإضاءة خلف باب الخروج في الغالب بالأزرق لتعلمنا أن مهما اتسم الخارج بالشر إلا أنه الواقع المفروض فيه ما نحب وما نكره، بالمقابل فإن موسيقى العرض جاءت تقليدية ومتوافقة مع العرض.
وجاء التمثيل كأضعف عناصر العرض، فبداية العرض تتسم بالأداء المبالغ فيه، كما أخذ الكثير من الممثلين وقتا طويلا ليدخلوا في حالة العرض مثل شخصية «زياد» و«عمرو» الذين بدأوا في استغلال إمكانياتهم بعد البداية ليتفاعل معهم المتلقي، أما على مستوى الإلقاء ونبرات الصوت فكانت هناك مشكلة واضحة تحديدا لدى العناصر النسائية.
وإن كان للعرض بطلا فيمكننا اعتباره النص المسرحي حيث عبر عن سيطرة الثقافة السينمائية على مؤلفي الوقت الحالي، كما أنه لم يترك مجالا للتوقعات، فمن الصعب توقع الفائز بالجائزة، أو هناك جائزة من الأساس أم لا، فجعلنا ننتظر النهاية لنكتشف ما لم نقدر على توقعه، على عكس الأفلام التي ذكرنا بها الفيلم فهي تعين بطلا ما يعيش للنهاية نعلمه منذ البداية، لكن العرض لم يحدد شخصا بعينه يمكننا توقعه للفوز الذي لا يعد فوزا بقدر ما هو خسارة.

 


أماني الشناوي