مسرح سعيد حجاج حوار مع الذات أم حوار مع العالم

مسرح سعيد حجاج حوار مع الذات أم حوار مع العالم

العدد 524 صدر بتاريخ 11سبتمبر2017

تمهيد
 المسرح المصري سريع الإيقاع في التحول من تجربة إلى أخرى، وسريع المعرفة بمجتمعه، وسريع الاندماج والانفصال عن أحوال ناسه، فهو يدرك مسؤوليته في هذا التحول، ويعرف أن كل إضافة يقدمها للمتلقي ستكون ممارسة متحولة بتحول الظروف القاسية في مجتمع يريد الإبقاء على هويته موجودة بتاريخها، وقيمها، وأصالتها، ومعاصرتها، حتى تخاطب ما يريد المتلقي أن يراه في طقوسية العرض المسرحي.
 هذا الإيقاع السريع قد يحمل معه دلالات هذه الهوية بعد أن تكون قد انتقلت إلى فضاء الكتابة المسرحية، بلغة، وصور، وحالات تحولات قد تكون مقبولة لأنها تحمل جرأة التحول الإيجابي من أجل بلورة واضحة لدور المسرح في التوعية، كما أنه قد يقدم نتاجا مسرحيا بعيدا عن هذا التحول لأنه أفرغ خطابات النص المسرحي من بنياته العميقة التي يمكنها أن تكون مساهمة في هذا التحول.
 وإذا كان المسرح المصري من بداياته إلى الآن يعيش دوما على هذا الإيقاع التحوّلي في إنتاجيته المسرحية مدّا وجزرا، تقليدا وتجديدا، سؤالا وجوابا، تنظيرا وممارسة، فهذا هو اذي الذي يعطيه دوما تميّزه في الحضور النوعي، وبالمقابل يجعل الحضور الكمي يفرز ما به يمكن أن ينتمي إلى الصيرورة المسرحية في كل أبعادها العربية والعالمية.
 يمكن أن نتحدّث عن هذا التحول حين يكون الإنتاج المسرحي المصري ناطقا بمعنى التحول، ويكون متكلما بالإضافة النوعية حين يستعرض تاريخه المسرحي، ويكون وثيقة الصلة بظهور تجارب كتابية في كتابة النص المسرحي الجديد، موازاة مع ظهور وسائط فنية جديدة تساعد على قلب المفاهيم الرائجة حول الإخراج المسرحي كما يمكن -أيضا- الحديث عن دور التلقي المسرحي المبدع المواكب لحركية هذا التحول.
 أكيد أنَّ هناك ترابطا بين مكونات العمليات المسرحية بدءًا من نص المؤلف، إلى نص المخرج، إلى زمن التلقي، وهذا يعكس بشكل مباشر العلاقة التفاعلية بين هذه المكونات، ويرسم مستويات القبول أو الرفض السائدة في هذه المنظومة المعقدة بين كل هذه المكونات.
 والسؤال الذي يمكن استخراجه من هذه العلاقة التفاعلية هو كيف يمكن استخراج الحالات الاستثنائية الموسومة التجديد؟ بل وكيف يتم تسويغ قبول هذا التجديد في ضوء ما يقدمه من جديد؟
 تمظهرات الجديد في سياق النتاج المسرحي هي التي تدفع بالنقاد إلى قراءة ما يقدمه الإبداع الجديد من جديد يريد به تجاوز حالات الركوض التي تعرفها بعض التجارب المسرحية، ويريد مدّ قنوات الحوار مع مختلف التوجهات والتيارات التي تعمل في الوطن العربي، أو في الغرب للدفع بالتجديد كي يبلغ أقاصي عالم جديد في التجريب المسرحي.
 إن تحديد دوافع هذا التجديد نابعة من الواقع الاجتماعي والسياسي المعيش بحثا عن خطابات بديلة عن السائد تتحدّث عن صدمة هذا الواقع وتأثيراته على الذهنيات والإبداع والتأمل والرفض والاحتجاج، كما يمكن أن يكون هذا التجديد نتيجة البحث عن النص المسرحي الجديد الذي يجد مساحات التحرك متاحة في الفضاء الفارغ حتى يؤثثه المخرج بتصوراته الجديدة التي تجد في النص الجديد عالمها المشتهى الذي يقوي فيها نزعة هذا التجديد.
 هذا ما تبلور بشكل فريد في تجربة المسرح المصري تنظيرا وممارسة مع الموجة الجديدة التي فتحت باب السؤال على مصراعيه ليكون معنى تأسيس الجديد قائما على بلورة حساسية جديدة في التجربة المسرحية الجديدة تكون الغاية منها الانطلاق الواعي مما تحقق في الماضي القريب، والالتفات إلى أبعاد نظرية يتم بها تحقيق الإضافات الممكنة في هذا التحول المأمول للتجربة المسرحية المصرية.
 من هنا تولدت من قراءتنا لبعض النماذج الكتابية للكاتب سعيد حجاج الرؤية النقدية لهذه الحساسية الجديدة التي راكم بها عمره الإبداعي مجربا الكتابة التي تتضمن ملامح الواقع وقد تدثّر بخصوصيات العبث، كما تتضمن ملامح العبث وقد رسم نفسيات الشخوص، وكتب الأحداث التي تمر بها مصر دون مباشرة، ودون ضجيج، ودون تقليد لما سبق من الكتابات والمسرحيات، لأن وعيه بالكتابة كان تجربة مكتوبة بشعرية اللحظات، ومرسومة بجدل اللغة مع الحالات التي ستُكتَب في النص المتخيّل.
 هنا نقول إن ما أنجزه سعيد حجاج من إبداع مسرحي يندرج في هذا التحول الذي كان مشاركا في الدفع به كي يتحقق ويروج ويُقرأ، ويُعرض على الأركاح، لأن إيقاع الإنتاج عنده هو الذي كان يساير أولا ما يحدث في الواقع، ويساير -أيضا- ما يختاره المخرجون لتحقيق عالم الفرجة.
 لقد وجدنا في هذا التحول الذي حققه سعيد حجاج ما يمكنه أن يكون علامة فارقة في تجربة المسرح المصري بعد الثمانينيات من القرن الماضي، فهو الذي استطاع أن يكتب بتكثيف وظيفي في الحوار المسرحية القصيرة بمعاني التحول، وهو الذي مسْرح العديد من الروايات والقصص فحولها إلى كتابة درامية مقبولة لتكون أساس الفرجة، وهو الذي سعى بما كتب إلى تطويع اللغة العربية الفصيحة، والعامية المصرية إلى الدلالات المطلوبة لبناء النص المسرحي، وهو في كل هذا يبقى في كل نتاجه حاملا لرؤية تاريخية تنتقد الخلل المستشري في العالم، وتكشف عن خواء العالم من إنسانيته التي يتحدث عنها العديد من السياسويين، وهو الذي ينتقد الوظائف التي تعمق من أزمة الإنسان المعاصر في الواقع المصري، وهو الذي يحلم بالتوازن في العلاقات بين الإنسان والإنسان، وهو الذي أعطى للمرأة حضورا قويا كانت تتحرك بمعاناتها في الأماكن المغلقة وهي تحمل أعمارها الكليلة، بعد غياب الرجل، وهو الذي راهن على موضوع التسامح بين الأديان، وتحدّث عن الإرهاب، وهو الذي وافق مضامين كل النصوص السردية التي نقلها إلى عالم المسرح.
 الكتابة عند سعيد حجاج عالم يموج بالتناقض الذي هو التناقض الموجود في أرحام مجتمعه، والأسلوب الذي يكتب به حوارات نصوصه المسرحية تتضمن حالات مستمدة من عتمات النفس، والضيق، والسقطة التراجيدية للعلامات التي يصوغ إشكالاتها في إشكالات كل شخصية، وهو حين يهندس مشاهد كل مسرحية فهو في الحقيقة يحيل على التوتر النفسي لشخوصه، وكما أن يضع المجتمع واللغة الشاعرة في مختبر تحليل الحالات لبناء الكتابة المشهدية في مشاهد، وفي لقطات سينمائية تتابع فيها الأحداث دون تضييع جوهر الصراع.
 ومن النماذج التي اتخذنا منها موضوعا للقراءة حتى نظهر ما وصلنا إليه من خلاصات كانت المسرحيات المنتقاة موضوع التحليل والفهم والتفسير
• الكما هو ومسرحيات أخرى.
• (ثلاث) مسرحيات من زماننا وتضم (ألم الوقت)، و(القفص)، و(نبض التماثيل).
• عيش السرايا ونصوص أخرى.
وهي بين النماذج التي اشتغلنا عليها واستخرجنا منها هذه الخاصيات:
• أنها تقدّم ملامح تراجيدية مستمدة من الحالات الإنسانية.
• أنها تتبع مظاهر التجديد، والمغامرة الإبداعية التي كان يفتح بها الكاتب صفحات من المسكوت عنه في العلاقات بين الزوج وزوجه، أو العلاقة بين المرأة والمرأة.
• أنها كانت ترصد صفات الحاكم المتسلط القابض على رقاب الناس بيد من حديد حتى يسحب منهم صفات المواطنة الحقة.
• أنها تسعى للتعرف إلى ما قدمه الكاتب دراميا بحساسية جديدة كان يراهن بها على التميز بين باقي الكتاب المصريين.
طبعا، وبعد قراءة شكل ومضمون بعض المسرحيات الواردة في هذه النماذج، وقفنا وقفة خاصة على العلاقة التفاعلية بين سعيد حجاج والمتون الروائية والقصصية التي قام بتحويلهما من نوعهما السردي ليوضَعَا في البنية الدرامية المحكومة بسردها الخاص.
أكيد أن الغاية من هذه القراءة النقدية لهذه المسرحيات إنما هي تقديم صورة من صور الكتابة المسرحية الجديدة في مصر، والسعي إلى ملامسة قوة هذه التجربة المتميزة في عمر المسرح المصري، وهو ما دفع بنا لوضع عنوان لهذه القراءة كالتالي:
 مسرح سعيد حجاج
حوار مع الذات أم حوار مع العالم
هذا ما استخلصناه كخاصيات وعنوان من هذه القراءة التي وجدت أن المحور الذي تدور حوله العديد من المسرحيات هو وجود أو عدم وجود الحوار بين الذات وسياقاتها. وهو ما تتبعنا خطاه قي بنية كل نص على حدة لنصل إلى الخاتمة التالية وهي أن سعيد حجاج ظل وفيا لالتزامه بالخط الذي اختاره لتجريبه المسرحي وهو كتابة المسرحية القصيرة، وتكثيف الحوارات، والانتقال بها إلى العوالم الملتبسة للوصول بكلامه إلى مستويات الوضوح الممكن بعد أن يكون قد تخلص من الزوائد والاستطرادات التي لا فائدة منها لكونه يكتب الشعر والقصة والمسرحية بالاقتصاد في العبارة وهذه ميزة تجربته في الكتابة.
المبحث الأول
دراما الكتابة بأحوال الذات
تبقى الكتابة الدرامية في أبهى صورها، وأعمق دلالاتها، وأنصعها في أغمض صورها وأجلاها، وأبلجها في مكنونها، تجربة خاصة يخوض غمارها الكاتب سعيد حجاج وهو ينطلق من وعي الذات بالكتابة عن الذات حاملا أتعاب السفر، والمفارقات، والوعي بإخفاق المشروع السياسي في الوطن وكأنه بحلمه يريد أن يبني وطنا دون التفريط في قيمه وماضيه وحاضره ومستقبله.
في هذه الكتابة عن أحوال الذات ينتقل الكاتب من المجتمع المغلق الموحش إلى رحابة العالم المحكوم بكل تناقضاته وعنفه، وصراعاته الظاهرة والخفية ليكتب موضوعاته في بنية تراجيدية، أو كوميدية يأخذ بها صفة الانتماء إلى النوع الذي تتحصن به كتابته وهي تعطيه من صفاتها ما يبقيه كاتبا يمتلك صورة شفيفة للذات وقد صيغت بصورة الواقع في خطابات لا تراوح زمان التناقض في كل نص مكتوب لأنه يظل بمواقفه المهموسة موزعا بين هذه الذات وبين العالم الذي تراه كتابته قبل عملية الكتابة بعيدا غير مفهوم لأنه بعيد، أما بعد الكتابة فتراه قريبا حين تحوله إلى تراجيديا، أو كوميديا، أو هما معا حين يتم إلغاء الحدود بينهما.
 ومقاربة هذه الكتابة ذات المنطلقات والحالات العبثية المتعددة تجعلنا نروم تحليل منظوماتها الدلالية، وإحالة معانيها على سياقاتها الداخلية والخارجية وذلك بالعمل على فهم سياقتها التاريخية، واستغوار دلالاتها الخفية لمعرفة اختلاف استراتيجية الكاتب في كتابة معانيها وتركيباتها، وحواراتها المُقطّرة من عذاب الذات المصطدمة بكل السياقات والأحداث، والنفسيات نتيجة خلل المجتمع الذي تتفاعل معه هذه الكتابة بشعور، ولا شعور الكاتب نفسه.
 بمعنى أن هذه المقاربة النقدية لا تتحقق في فعل القراءة إلا إذا كانت ما تجليه مضامين النص مفصحة على دلالة هذه الذات في علاقتها بالذات، وفي علاقتها بالعالم، وهي المتفاعلة -دوما- مع تجربة الوعي الشقي بتراجيديته عند الكاتب وهو يسعى إلى أن يبلور وعيه في الكتابة للقبض على اللحظات الهاربة من هذا الوعي ليحولها إلى موقف من ذات هي ضحية سياقاتها المحمّلة بأعباء التناقض والانكسار والتيه، وضحية ما تركه هذا العالم من آثار سلبية على التفكير في التفكير، والتعبير في التعبير عن موقف الكتابة من الكتابة نفسها، وموقفها من حالة الوقوف على عتبة الإبداع، وتفعيل القدرة على تخطي هذه العتبة حتى يتمكن الكاتب من تخطي المغلق المهيمن على محاولات فهمه وإدراكه ليتمكّن -بعد ذلك- من تجاوز كل ما يحول دون إدراك صخب الحالات، وقلقها الداخلي إدراكا حقيقيا لا يتناقض واستراتيجية الكتابة الدرامية.
 قد تكون الذات المحدّدة لوعي الكاتب سعيد حجاج هي محور هذه الكتابة لأنه يبقى المتكلم المختفي وراء بعض الشخوص التي تنطق باسمه بعد أن يتوارى عن أنظار المعاني ليبقى هو الفاعل في الأحداث، ويبقى موجهها، ويبقى القابض على الجمر أثناء كتابة معنى الحياة في ذاته وهو يرى إلى عالمها وما ترسب فيها من أسئلة، وما تجمّع لديه من معرفة، وما تراكم لديه من هواجس يجعلها تتفاعل فيما بينها لتكتب رؤيتها لعالمها فتختار -بوعيه وبكفايته في التجريب المسرحي- صور الواقع، ليحولها وفق رغبته، ووفق نظرته إلى وجود ومعاناة وضياع، يكتب بهم سيرة الذات بعنوان المحن واللامعقول.
 يبقى موضوع الكتابة المسرحية عند سعيد حجاج موجودا -دائما- في سكون، وفي غياهب الذات مُتحصنا في جوانيتها بالهدوء الوظيفي، أو يتحمل المخاض الوظيفي في انتظار زمن البوح، محتميا أيضا -في كل هذا- بهواجسه التي تبقى صمام أمان يحافظ به على حدّة المكابدة وكأنه يتهيّأ نفسيا لزمن الإفصاح.
 كلّما تناقضت هذه الذات مع موضوعها زادت من حدّة التضارب بين المسكوت عنه، وما سيتم الإفصاح عنه بأسلوب رمزي ينقل الكتابة -بهدوء- من عالم المجهول ليضعها في عوالم المعلوم دون الإخلال بقواعد الكتابة التي ستُكتب في الرؤية التراجيدية الجديدة للنص الجديدة باللغة الجديدة والتراكيب الجديدة للمتن الجديد الذي سينتظم فيه كل ما تشتت وضاع، وتفرق من حالات عبثية.
 هذا المتن هو الذي يوحّد فيه الكاتب ما بين المتباعد من الأفكار، وبين الشخوص، وبين الأماكن ساعيا إلى تقريبها من الأسئلة الوجودية ليضعها في مواجهة حقيقة المجتمع الذي انسدت أمامه أبوب المستقبل، ويحول لحظات الانكسار إلى بنية درامية متماسكة الأفعال على الرغم من تناقضاتها في الحياة، وهذا ما تنطق به العديد من شخوص مسرحياته في (ليلة عرس سوداء)، و(يوتوبيا)، (بيت العزلة بيت الريح)، (مقامات الرحيل)، و(احتفال خاص على شرف عائلة)، و(سوناتا)، (السرابة الخضرا)، حيث تنطق عملية الكتابة وإعادة الكتابة بعمليات إنجاز نصوص تبقى علامة لذات تحضر فيها الهواجس المدفونة في الخوف، وفي حالات الترقب والانتظار وخيبة الأمل.
 فعل الكتابة المسرحية في كل ما كتبه سعيد حجاج يبقى فعلا مُفكّرا فيه بالعقل والإحساس لأنه فعل يسير وفق استراتيجية واضحة في نظم الرؤية المكتوبة بتجارب الذات، والحياة، والكتابة ذاتها وهي ترسم لتجربته كل المساحات الدالة على فعل التفكير في البناء الدرامي فتجعله يجدّ في تحريك هذه الذات الضائعة كي لا تصير ضائعة لأنها ستتهرهر، وستتحرّك باللغة التي ستدثرها قوة الحالات حتى لا تسقط في النسيان، وسيكون المتن الذي سينجزه الكاتب وهو يفكر في طريقة إنجازه هو العمل على تكليم الحالات لصياغة ذاكرتها في النص الدرامي حتى يساعد المعاني المنفلتة من معناها على تذكر حالات القرف، واليأس إعلانا على الوصول إلى الباب المسدود.
 يمكن أن نتناول بالتحليل مجموعة من النماذج المسرحية للشاعر والقاص والكاتب المسرحي سعيد حجاج الذي كتب فيها تجربته المسرحية بعد أن وقف على معنى الذات في حالاتها الفردية والجمعية، فاندمج واختلف مع معنى الوجود المقبول منه والمرفوض، ليمثل بذلك تجربة الكتابة المسرحية الجديدة في مصر مع الموجة الجديدة للمسرح المصري في معانيه وتوجهاته الجديدة، وفي هذه المقاربة النقدية يمكن استخلاص ما تقوله كل تجربة على حدة، لأن ما كتبه جعله يمتلك موقع قدم في التجربة الكتابية المصرية، وجعله ينتمي إلى تجريب مسرحي أراد بكل تنوعه الدلالي أن يخلق تميزا خاصا يتجاوز به الموجود بحثا عن عالمه المشتهى في الكتابة المسرحية.
 تمثل هذه النصوص نهوضا دلاليا حقيقيا للمعنى الساكت تحت ضغط السياقات التي ينتمي الكاتب إليها، وتعد ّ إفصاحا عن عمقها الدلالي دون التقيد بالوصفة الجاهزة للكتابة، لأن إنتاج الدلالة وتكوينها تتحرك بالإيحاء، وتعي معنى ضيق العبارة، فتعمل على توسيع مساحات التأويل لمساعدة المتلقي على نفض كل غبار يحافظ على غموض الحالات، وإزالته تعني إجلاء كلامها الذي لا يفارق رؤية الكتابة وهو يريد فهم سياقاته المختلة أثناء التعبير بالرؤية العبثية عن عالم واقعي مختل.
 وتحليل هذا المعنى لا يتم إلا بمعرفة ما يحمله من دلالات الوجود التراجيدي للشخوص وقد انتقلت رمزيا إلى عالم الكتابة، وهذا يستوجب القراءة الهادئة التي تعيد القراءة تلو القراءة للوصول إلى ما يريد الكاتب الإفصاح عنه وهو يبني كل تراجيديا حسب لحظة الإبداع، وحسب المعاناة، وحسب التعبير عن قضاياه، وهو يراعي البنيات الدرامية التي تنتج المواقف، وتصوغ الحالات، وتبني الصراع الجامع لرؤيته في الكتابة، أو الجامع لخصوصيات الكتابة القادرة على لملمة الذات المبعثرة للكاتب لوضعها في متونها الخاصة بنرجسية فقدت بريقها مع توالي الضربات الموجهة لجمالية التعبير.
نرجسية الذات المكسّرة التي أجهض المجتمع كل أحلامها، وطموحاتها إنما هي حالات ناتجة عن فعل واقع عنيد يوقف إيقاع الحياة السوية لشخوص سوية ليجعلها تتحول إلى حالات غير سوية تقدم حياتها كل مسرحيات سعيد حجاج لأنها حالات تخاف أن تقول ما بها، وتتردّد في اقتحام موضوعها إلا بعد أن تتأكّد من أن الاحتماء بالترميز للحالات وخللها هو المنقذ من كل متابعة قد تؤدي بالكلام إلى الصمت الذي سيفرض على كل دلالة.
من التقارب الدلالي لمسرحيات سعيد حجاج، ومن تنويع تناول هذا التقارب دراميا باختيار الشخوص التي ستصبح حاملة لمعنى هذا التقارب في كل اختلاف ظاهر، يكون التوجه لبناء عوالم المسرحيات محكوما بتدبير حالات العزلة، والضياع والفشل والانكسار والأعمار والخوف والموت، والسير بكل إيحاءات هذا التقارب نحو الإقناع بالاختلاف الظاهر، لكنه الاختلاف الذي يبقى ميزة توحد رؤية الكاتب في جامع مسرحياته.
نتساءل عن معنى تدبير هذه العزلة أثناء كتابة المواقف والحالات في الاحتفال بالشخوص الهلامية الورقية التي لا تحيل في الظاهر إلا على ذاتها ومعاناتها وعزلتها، لكن الظاهر يبقى ظاهرا في شكله البراني، لكن عندما يتكلم باطنه فهذا ما يعطي المكونات الأولى للبناء الدرامي معناه التراجيدي بأقنعة كوميديا سوداء تشجب ظلم مجتمع جائر.
ويبقى ردّ فعل الذات ووصفها وهي تواجه المراكز المهيمنة في المجتمع والعالم ضروريا ضدّا على كل تهديد يمكن أن يمس جوهر هذه الذات ويمحو هويتها وذاكرتها، ويزيل ما تبقى فيها من أمل، لكن هذا غير ممكن مادام الكاتب يظل معنيا بتدبير حالة العزلة عند شخوصه بردود أفعالهم، وما دامت لغته هي الوسيط الرابط بينه وبين حالات باقي الشخوص لهذا نلفيه يسعى إلى اختيار الصعب في حالة شخوصه ليضعها في مواجهة خواء عالمها من كل معنى. وأمام هذا الضياع يبقى تدبير عزلة هذه الشخوص أمرا مُلحّا ما دامت رؤية النص تبحث عن رؤيتها في الأحداث والأفعال، والصراع الذي لا يبني تحولا بقدر ما يبني رتابة في الأفعال. هنا نتساءل كيف يتم تدبير حالات هذه العزلة؟
يتبع
باقى الجزء التانى

المبحث الثاني
في معنى تدبير حالات العزلة
في التناقض المستشري في أعمار شخوص كل مسرحيات كتبها سعيد حجاج تبرز بعض التيمات المحورية التي تدور في فلكها كل الحالات التي تؤرق الكتابة، وتقبض على انسيابية التفكير فيها، فتدفع بالكاتب كي يضع حدّا لتردده حتى يبني معاني ما سيقوله بعد فهم كل التناقض بين الشخوص، ويفهم المسافات الموجودة بين الحلم والواقع، وبين الموجود والمفقود، وهذا يبرز إلى أي حدّ كان التفكير في شكل بناء الحالات أمرا ضروريا يحفّز الكاتب على محاولة إرضاء رغبته في التقريب بين بنية النص وبين لغته وحالاته ومواضيعه.
يظهر الاحتفاء ببنية كتابة النص الدرامي في شكل بناء مسرحية (الكما هو) التي أخرجها المخرج الدكتور محمد عبد المعطي سنة 1995 وعرضت على مسرح الشباب، حيث فيها ينتج سعيد حجاج كلام شخصيتين اثنتين هما الزوج والزوجة فيقدم حالاتيهما الإنسانية أثناء تصوير ملامح أحلامهما المجهضة في هذا البناء القائم على مفارقتين اثنتين تكونان بنية المسرحية اعتمادا على مونودراما لا يتحدث فيها إلا الزوج بحضور زوجه في (الكما هو) ، ثم في مونودراما مكملة لا تتحدث فيها إلا الزوجة في (الكما هو 2)، ويبقى الرابط بينهما هي الإرشادات المسرحية التي ترسم مسافة التقارب والتباعد بينهما.
بهذا الاحتفاء يتحوّل حوار الزوج مع زوجه أو حوار الزوجة مع زوجها إلى أداة تواصل بين الأزمنة الغائبة في العلاقة بينهما، أو العلاقة الموجودة بينهما وبين العالم الخارجي، أو العلاقة بين ذاكرتيهما ودورها في تنشيط الذاكرة المشتركة بينهما كي تعيش على ما بقي فيها حيّا في رتابة لحظات العمر البئيس.
( الزوج : هل تذكرين قديما...كل شيء كما هو
لأن الكما هو لا يطرأ عليه شيء
أنت كما أنت.
أنا كما أنا.
هو كما هو
والكما هو لا ينتهي
ويظل هكذا أبدا.. كما هو.) 1
لكن عندما يسيطر المتكلمان الزوج وزوجه على الكلام المنفلت من زمن التباعد بحثا عن طريق التواصل والتفاهم، ويقرب البعيد بالقريب، ويوجهانه بشوق ذابل في اتجاه الحالات المعبر عنها في ثنايا الكلام، فهذا يعني أن كل طرف يريد أن يتحكم في موضوع حكيه، ويريد أن ينفض الغبار على الذكريات الخاصة والمشتركة، حتى يكشف عن الأفعال التي يقومان بها، لكن مساحة الكلام لا تتحدد في الأخير إلا بالحالات التي تجمع الزوج بزوجه، أو تجمع الفعل بنقيضه لأن الحالات تبقى المشترك الذي لا يُلغى ولا يرتفع لأنه ما من حالة إلا وتتداخل في تراجيديتها الفردية مع التراجيديا الجمعية، وهذا ما يصنع لحظات التناوب على الكلام في نص (الكما هو) لبعث الكلام من مرقده بحثا عن الأموات قبل البحث عن الأحياء، فيكون السؤال (إلى أين نذهب؟)، ثم (إلى أين يستطيع المرء أن يذهب ما دامت جميع ارتباطات العالم قد فضت علاقتها به)، وضياع الجواب عن كل الأسئلة المطروحة في الكلام بعد ضياع العالم يُبقي الرتابة في رمزية تصليح الجوارب مدار الكلام.
(الزوج : افرغي من الحياكة إذن
 ودعينا نبحث في الذاكرة عن أحباء
نكون قد نسيناهم
أو ذهبوا بعيدا ثم ماتوا في الغربة
الغربة ؟ أية غربة؟
اسمعي... هل يعتبر البلد المجاور غربة
لمجرد أن هناك بعض الأسلاك الشائكة والحرس.)2
وفي الحديث عن الموت، وعن الغائبين والمحاصرين والمنفيين، يكون الانتقال من واقعية هذه الحالات الظاهرة إلى صور أخرى مُغلّفة بمسحة عبثية يقدمها الزوجان كحالات لا معقولة مركزها الحديث عن المواضيع التي لا معنى لها حتى يقبضا على عمق التناقض بينهما وهما يتعلقان بهوامش الاستمتاع إلى الخطابات برتابة الحالات التي لها تأثيرها على سيرورة الأفعال عندهم، وهذا الحديث متولّد من التأثير المباشر وغير المباشر على توجيههما كي يلملما الحركات الصغيرة المشلولة لتحويلها إلى رؤية مكبّرة في نص اكتوت معانيه بمواعيد فارغة لحياة فارغة لزوجين كانا ينتجان كل تذكّر لتقديم موضوعه حول مواضيع فكرية، وحالات نفسية، وقضايا لغوية مطروحة في زمن عبثي يريد به الكاتب الوصول إلى بعض القضايا الوجودية مثل تيمة الموت التي تبقى أما مشكوكا في حقيقته.
تيمة الموت -هاته- كما يتناولها نص (الكما هو) كانت وعاء متخيّلا سكب فيه الكاتب حيرة الزوجين في سؤال وجودي بنى حديثة عن موت الأقارب، في انتظار موت كلام الزوجين:
( الزوج : أبي قد مات منذ زمن سحيق
 ولم يكن حبيبا
كما أن أمي كانت معه
معه أيضا... هو إذن ليس وحيدا
ولم يمت قط هذه الميتة العبثية
جميعهم ماتوا دون أن يتركوا أي ميراث
يستطيع الانسان الإنسان اعتباره حبيبا
لا أخًا ولا أختًا ولا ميراثًا عينيا
من إذن؟
هه.... من؟
إذن من يكون؟
من أحبائك أنت؟
لا .. ولا بالطبع
الأمر لا يخصك بتاتا
لأنه ليس برجك أنت)3
 هكذا فالزوجان العاجزان عن الحركة يهربان من الممكن؛ بحثا عن المستحيل في زمن غدّار طاوعا به مرارة الاستسلام مقتنعين بعجزهما، وبفشلهما في مواجهة المجهول بكلام يقول كلاما ولكنه في الحقيقة يبقى كلاما بعيدا عن الفعل، وهنا تكمن عبثية الرغبة، وعدم القدرة على إشباعها وتحقيقها وهما يعيشان مع نفوس شريرة، ومجتمع قاس، وهذا ما برر به الزوج هذا الكلام الذي لا فعل بعده، ولا إنجاز لما يحلمان به، فيوجه السؤال إلى زوجه بكون الحديث عن الموت، والعجز يبقى آخر ما تبقى لديه في الزمن الإضافي لحياته:
( الزوج : هل تظنين أنه بإمكاني أن أمد يدي للطعام بعد الآن؟
 نفسي قد عافت الأشياء جميعها... لا فائدة
إذن لا فائدة لأي شيئ.. ما دمنا مشبوحين على صليب عجزنا
ما دمنا قانعين بهذا الموات المستحيل
ما دمنا نقول شيئا ونفعل شيئا آخر
ما دمنا غير قادرين على المواجهة العنيفة
التي تحرك هذا الركود العنيف
ومادام العالم غارقا في العفن القاتل للغد
والناس بهذه الأنفس الشريرة)4
 بالفشل في الحركة، وبالنظرة السوداوية للحياة، يزاول الزوجان متعتهما المرّة في تمني الموت، و يصران على الحزن وهما يعيشان في الهم والغم، يعشقان شقاءهما بأمل أن يتحول هذا الشقاء إلى فرح ممكن، لكنه يبقى تحقيق ذلك مستحيلا بعد أن لم يفضل لهما سوى تذكر ذكرياتهما الأليمة بعد أن تحولت العلاقة بينهما وبين العالم الخارجي إلى زمن محصور في الجريدة، وله علاقة بالقفة التي تنزل لبائع الخضراوات والفواكه كي يملأها بما طلباه من حاجيات لتبقى هذه الرتابة مدعاة لهما كي يجربا الموت، والموت البطيء على الأقل.
 (الزوج : أتريد حقا أن تموت؟
 أن تجرب هذا؟
 هل تريد أن......؟
(تضحك ساخرة)
 أنا أيضا لا أستطيع شيئا كهذا
 هذه الحياة نحن نكرهها فقط لأننا نخشاها
 لأننا نفكر في الموت أكثر مما ينبغي
 أكثر من الحياة نفسها والمستقبل
 كأجدادنا تماما .... تماما كأجدادنا)5
 و في مسرحية (الكما هو) يكون الحديث عن الجرائد موضوعا مثيرا للنقاش بحكم رمزية الجريدة وما تكتبه من خطابات لا علاقة بينها بين المجتمع والعالم، وشرف المهنة، وبحكم معرفة الزوج بالمستوى الواطئ لخطاب هذه الجريدة فإنه يقوم بتوجيه نقده لما يُكتب ويُنشر على أعمدتها، لأنه يرى في كل ما يُكتب إسفافا، وضحالة فكرية وإعلامية لا ترقى إلى ما كان يريده من نقاء يتصف به الخبر، والتعليق عليه الحرّ احتراما لحرية الرأي، وإبداع الرأي في العمل الصحافي، وهذا ما يبرز أنه كان يعرف أين يسكن خلل الصحافة، ومن صانع الخلل؟ ومن المستفيد من لعبة التلاعب بالعمل الصحافي؟ ولماذا فقد الثقة بالعمل الصحافي؟ وكيف يعتبر كلام الجرائد سفاسف -فقط-؟ يقول:
 ( الزوج : لا بد من معاملة هذا الركن من الجريدة
 على أنه كلام جرائد
 ما دام لا يخلو من السخف
لا يخلو من الإسفاف والسخف والابتذال المحض
لمذا يجب عليهم أن يزرعوا في قلوبنا التوجس؟
والتوجس على هذا النحو
يزرع في قلوبنا البغضاء
أشعر بالقرف تجاه من يكتب)6
هكذا يعيش الزوج ضحية البغضاء والقرف على رتابة الكلام المعاد في الجرائد، ليعيش العزلة والعجز عن الحركة، وتصبح له حرية قرار وحيد لمواجهة الحرائق التي تشعلها أي جريدة، وهو الحل الوحيد الذي سينقذه من تفاهات كل كلام تخربشه الجريدة وتفسد بهاءه بجهل على صفحاتها، يقول:
( الزوج : لا يجب أن نشتري من الآن فصاعدا
 أي جرائد أخرى جديدة
 نمتنع عن تعاطيها تماما.. تماما
 لماذا نقرأ الأخبار
ما دمنا عاجزين عن الخروج؟
نعم... ما دمنا عاجزين عن إرادة الخروج
وبالتالي عن التأثير في مجرى الأمور هنا أو هناك
 ما جدوى المعرفة المهترئة البغيضة
والتي لا تمنحنا قدرا من الهدوء والسكينة
نستطيع معه مواصلة الـ......)7
في النص المسرحي (الكما هو) تسود خيبة الأمل في نفسية الزوج وزوجه، ليصبح المشترك بينهما قلباهما اللذان شاخا في العزلة وهما يراقبان تداعي عالم تسوده الحرب والإعاقة، لتكون عبثية الصور بذلك مرتبطة بكل فعل رتيب يقوم به الزوجان.
الزوج له علاقة جنونية بقراءة الجرائد، والزوجة تعيد رتق تمزقات الجوارب الخاصة دائما بالأرجل كرمز على رتق المسافات التي قطعتها الأقدام بدون فائدة. حيث أن الإصلاح يعني ضم البعض إلى البعض الآخر، ورتق الجوارب تعني -أيضا- إصلاح رتقها، وهذه الرتابة المملة هي منتجة كل خرف وتوجس، وقلق لا ينتهي فعلا. لتبقى عملية رتق الجوارب تكرارا لا يشغل بالا، ولا يرحم حالا لأن كل حالة يعيشها الزوجان تبقى سخفا في سخف يذكرنا بكل ما كتبه كتاب العبث في مسرحيات بلا معنى.
(الزوج : بهذه اللعبة السخيفة الماجنة
أنت تمزقين كل الجوارب كل يوم
 كي تعيدي حياكتها مرة أخرى كل يوم
 تعيدين حياكتها دائما دون أن ....)8
 وعدم التفاهم بين الزوجين قادهما إلى الخوف من مواجهة الزمن في انتظار خاتمة الحياة التي يرون أن (النهاية المأساوية ليست حلا للمأساة) ليبقى سؤال الحرية بلا جواب، وحالة الانتظار بلا أفق ممكن، ليكون عمراهما تاريخا لزمن يشيخ بلا معنى، وتذبل لحظاته بلا معنى، وتُطوى صفحاته بلا معنى مما ينتج عنه بالضرورة تداعيات حقيقة عن عمر الزوجين الذي سيبقى بلا معنى.
لقد حكم المكان المغلق كل حوارات النصوص المسرحية التي كتبها سعيد حجاج، كما حكم طبيعة الحالة التي اشتغل عليها الكاتب ( الحجرة... فضاء المسرح.. صحراء قاحلة محاطة بأسوار -إذاعة- القصر)
ويبقى سعيد حجاج كاتبا مسرحيا لا يكتب مواضيعه في المسرح إلا بأهداف نفسية يكسّر بها أوهام الواقع، لبناء حقيقة ما استتر واختفى من هذا الواقع كما ترسبت صوره في الذات المهمومة بواقعها، وآعتماد الذات محور الكلام الذي لا يغادر الحكي إلا حين تنسدُّ الأبواب أمام القدرة على تكليم اللحظات المكتوبة بمأساوية الزمن الذي يعيش فيه الكاتب.
كل المواضيع المكتوبة رمزا، أو حلما، أو تشاؤما، أو نقدا سياسيا بمعاني الانكسار والتحول من زمن الشباب إلى لحظات الشيخوخة كان أصل ما كتبه وأنجزه في جل مسرحياته، فهو لا يرتاح إلا بعد البوح الباكي عن أسباب المرارة حول ما يحدث في العالم، وعما يحدث في غربته القاتلة في الشيخوخة الظالمة التي تجعل معاناته سؤالا وجوديا عن الحياة والموت، البقاء والفناء، الفقر والغنى، تلبية الحاجة والحرمان من إشباعها، التوقف والحركة.
تتوحد هذه الحالات وهذه المواضيع في كل ما كتبه من مسرحيات لنجد لاشتغالاتها مبررا في السياق الذي تحيا فيه، وتتفاعل معه لتبقى الذات الكاتبة الأكثر حضورا في الكلام المكتوب، وأكثر تأثيرا في الأحداث، والأكثر بقاء في الرؤية المستقبلية السوداء التي تجعل هذه الذات ضحية ما تبقى من تاريخ سيظلّ كالوشم المرسوم على دلالات كل النصوص المسرحية التي كتبها سعيد حجاج حيث تتم إحالتها على السياقات الخارجية التي استمد منها مواضيع حالاته التي هي ذاتيته على الرغم من أنها في الأصل ذاتية ذات أبعاد اجتماعية ونفسية يشترك في صياغتها المثقفون المصريون ضحايا العمر الذي أفنوه في العمل فأفناهم هذا العمل بضغطه القاتل.
في هذه المقاربة النقدية لبعض النماذج الكتابية لما كتبه سعيد حجاج نجد شخوصا مفزوعين يمثلون أبطالا سلبيين يكون احتجاجهم مبحوحا غارقا في رتابة اللحظات المتشابهة العقيمة المتراكمة بسب الأزمنة الفائتة التي لم تنتبه إلى الإنسان كإنسان لتجعل منه إنسانا وهو ما أضفى على كلام كل النصوص، وعلى الحوارات، وعلى معانيها صفات المسرح العبثي لكنه العبث الذي يبقى واقعيا، ويبقى تاريخا مكتوبا بأقنعة العبث ليكون الضياع والعزلة والغربة المزروعة في العروق، ويكون الخرف والشقاء، والقرف حالات إنسانية لامس بها الكاتب عالمه في مصر، دون إقصاء أو إهمال علاقة هذا العالم بكل ما يفيد البعد العبثي المكتوب بتجربته الحياتية، وبمقروءاته التى استفاد منها في توسيع معرفته بخبايا مسرح العبث، ولعل تبئير الكلام على حالات إنسانية أخرى هو ما يقنعنا بأن الكاتب كان على بيّنة بالجدوى من الالتزام بهذا النوع من الكتابة في تجربته الكتابية أثناء التركيز على عالم المرأة كما في مسرحية (ألم الوقت) و(القفص)، أو التركيز على التشخيص الأسود لعالم السياسة كما في مسرحية (نبض التماثيل).
المبحث الثالث
الحالة النفسية للمرأة في زمن العزلة.
 أن تسبر نفسية المرأة العربية للتعرف على أحوالها ومعاناتها، فهذا يعني أنك تقوم بعملية كتابية صعبة ستؤثث بعوالمها تراجيديا خاصة تنكتب على صفحة بيضاء لا بد أن تكون ببياضها مستعدة لقبول هذه النفسية، والتعامل معها برأفة حتى تفتح كل الحالات على المواجع والمعاناة، والأزمنة التي تشكل حياة السعادة أو البؤس، أو النجاح والإخفاق في التجارب الحياتية لهذه المرأة.
 يستدعي الربط بين موضوع المرأة، وبين بنية الكتابة الدرامية معرفة مستويات تكليم غياب الرجل بنفس القدر الذي يتم فيه تكليم حضوره في حياة هذه المرأة، لكن عندما يصير الغياب سببا من أسباب أفول السعادة، ويكون سببا من أسباب محو علامات الفرح من الفرح، هنا يتشكل مخاض الكتابة للكتابة عن هذه المرأة بوصفها كائنا بشريا لا يمكنه أن يعيش إلا على التوازن النفسي، والفرح المشترك مع الرجل داخل مجتمع لا يحرمهما من قيمتهما ووظيفتهما، ولا يبعدهما عن كل تواد يجعلهما يعيشان ضمن شبكة الأقارب والأحباب، لكن عندما تختل معادلة العلاقة مع المحيط، ويغيب أحدهما عن الآخر حين يموت الرجل، أو تموت المرأة، هنا يصبح فعل الكتابة معادلة صعبة تلح بعسرها على المبدع أن يكتب عن المرأة.
 وفي أضمومته المسرحية التي تضم ثلاث مسرحيات هي: (ألم الوقت)، و(القفص)، و(نبض التماثيل) تبرز بعض العلامات، والإشارات القوية، والإيحاءات الجارحة عن المرأة حيث يتم تقديم شعورها المنكسر جراء وحدتها في عزلتها، ونتيجة ما آل إليه جمالها من ذبول آذن بأن عمرها وإيقاع حياتها في طريق تبدل حقيقي بعد أن تغيّرت صورتها وأحاسيسها وملامحها، ومستويات إدراكها لما يحيط بها.
 وفي مسرحية (ألم الوقت) تكون مفاتيح فهم نفسية (أمينة) مشروطا أولا بفهم رغباتها المُجهضة بعد غياب زوجها، ثم عرض أنوار وحالات وظلمات التذكر في هذيانها الذي يُحيي الذاكرة وهي تتذكّر متعة الطفولة، وتشجب تنكر بنتها لها وعقوقها، وتتحدّث عن العلاقة الوثيقة بينها وبين مكتسبات البورجوازية المترفة التي أوصلتها إلى عاهات، وهي في هذا التذكر تعيش العديد من النواقص متمثلة في عدم القدرة على الحركة، علاوة على أن عينيها قد أصابهما وهن صار يحجب رؤيتها الواضحة للعالم حتى صارت أعشى، لكن وبرغم مرارة اللحظات إلا (أمينة) بكل حالات التشاؤم التي أرخت بكلكلها على ما تبقى من أمل في الحياة لديها فإنها لا تزال تعيش على أمل متجدد في الحياة يعيدها إلى بهاء المتعة حتى تصبح فتاة تغنم من رغد العيش ما يريحها وهي تحلق بحرية في دنيا الجمال، أما المرأة المناقضة لها والمكمّلة لحياتها فهي (حكمت) التي لها عالمها الخاص، ولها العديد من اللحظات المشتركة مع (أمينة)، فهي المرأة المتقاعسة التي تحب العزلة، وتهوى اللعب الطفولي.
 وبرغم التقارب والتباعد بين (أمينة) و(حكمت)، فإن الذي كان يخيط العلاقة بينهما هو الحب المتبادل الذي ظلّ مؤشرا على تشاركهما في تقاسم الزمن الجميل بجماله ومتعته، وتحملهما تبعات الزمن الغشوم العامر بالضيم الذي أغرقهما في ظلمات متمثلة في عدم تفاهم جعلهما يعيشان قلقا وجوديا حوّلهما من النعيم إلى الشقاء ليكون هذا التحول سببا من أسباب سقوطهما التراجيدي.
(أمينة : إنني ألعب فقط ألا تريدينني أن ألعب؟ هل كبرت على اللعب حتى أكف عن الترويح عن نفسي؟ إنني أفكر ماذا يمكنني أن أرتدي حين أعود فتاة صغيرة بوسعها أن تمرح تماما وأن تلعب دون أن تخشى شيئا على الإطلاق)9
بهذا الهذيان الذي يقبض على خطاب (أمينة) فإن التفكير عندها لا يبقى محصورا في ما تعيشه في الدنيا، ولكن غرابة حلمها في هذا الهذيان ينقلها إلى عالم الماورائيات، وإلى العالم الآخر، إلى الجنة، وإلى ما يروج حول كيف سيكون حال الشيوخ العجزة هناك:
(أمينة : في الجنةـ ألم يخبرونا في الجنة سنعود صغارا تماما؟ إذن من المحتم أن نفكر ماذا يجب علينا أن نرتدي حين نكون هناك. أم تريديننا أن نجلس دون ملابس على الإطلاق... إن وجهي يحمر خجلا حين أفكر في هذا... لهذا السبب فقط يا حكمت أُعد العدة حتى يمكنني الجلوس هناك دون أن أخجل من الله )10
وتبرز (حكمت) براءتها من كل ما يمكن أن يلوث كتابها، لأنها عفيفة وطاهرة، عاشت دائما منسجمة مع العادات والتقاليد وقيم مجتمعها، لأن إيمانها كان يبعدها عن الشبهات، لأنها لا تريد أن تدخل النار.
(حكمت: أمينة. الله وحده يعلم. أنا لم أتصور أنني فعلت شيئا طيلة عمري يستدعي أن أدخل من أجله النار)11
وبين الإيمان المطلق للبطلة، وبين رتابة حياتها، وعيشها موزعة بين اختيار اللباس لتصنع فرحها، تعود لتؤكد أن اللباس لا يصنع الفرح، ولا يصنع المتعة ما دام العجز الجسدي عاملا معيقا يحول دون تحقيق هذا الفرح ما دام الفراغ سيد الوقت، وسيد القرار الأخير في صناعة الرتابة التي تصنع إيقاع العيش في القرف بشكل عبثي:
(أمينة: لقد تعبت ياحكمت تماما... تعبت جدا... جسدي يضمحل وعقلي أصبح حائرا تماما...حتى أنني لم يعد بوسعي أن أـفكر ماذا يمكنني أن أفعل طوال هذه الساعات، أنا تعبانة يا حكمت قولي لي أنت ماذا يمكنني أن أفعل؟
حكمت: فلنتحدث في أي شيء وفي كل شيء.. ودون حتى أن نقول شيئا مهما على الإطلاق)12
 ويدخل في تشكيل هذا القرف، والشعور بالعزلة ما تعانيه (أمينة) نتيجة القطيعة بينها وبين ابنتها شادية، وشعورها أن الأمومة لم تعد لها قيمة عاطفية في هذا الزمن، وفي سؤال جارح أرادت إثارة ظاهرة عقوق الأبناء لآبائهم حين بدؤوا يخدجون علاقتهم بآبائهم، ويقطعون علاقاتهم بهم، ويشقون عصا الطاعة ليتركوا الإحسان إليهم، تقول في سؤالها:
(أمينة: “صمت طويل” أرأيت ما يفعله الأولاد بي؟ حتى الآن أريد كيلو مشمش... لكنها لم تحضر شيئا... كيلو مشمش تصوري؟ كيلو واحد)13
حين يترك الأبناء آباءهم يعيشون في دوامة عزلة قاتلة تلتهم ما تبقى من أنفاس في حياتهم، ويهملونهم دون اكتراث بالعلاقة التي تجمع بينهم، فإن كل هذا جعل أمينة تكتب بكلامها حالاتها البئيسة بعد أن لم تعد تجد من يسأل عنها وهي كلول ضعيفة، بصرها كلّ، وقوتها كلّت في انتظار من يتصل بها، خصوصا أقرب الناس إليها، وهي في هذه الحالة لم يبق لديها سوى الكلام الذي ينقذها من الضياع:
(أمينة: على رأيك.. أنا مريضة دائما.. “صمت” إنها لا تسأل عني حتى في التليفون
حكمت: أين هو هذا التلفون؟ لقد عطب من زمن بعيد
أمينة : عند حمزة المكوجي.. أعرف أن الرقم معها منذ زمن
حكمت : يبدو أنها نسيته تماما
أمينة : وهل هناك من تتنسى أمها يا حكمت إلى هذا الحد؟
حكمت : نسيت النمرة
أمينة : لا لم تنسها أبدا. جاحدة لا تفكر إلا في نفسها وأبنائها وزوجها فقط أما أمها فقد أصبحت مثل خيل الحكومة. لا بد من قتلها بالرصاص.. لكي يرتاحوا جميعا.)14
بهذا التوتر النفسي للبطلة، كان الكاتب سعيد حجاج يوجّه كتابة هذا النص نحو التوترات النفسية التي تصنع الحالات كي يصل بها إلى أقاصي حالات التذكّر، وجعل كل شخصية تكشف عن حالاتها، وتجس نبض قوتها ووهنها، لتصدر في النهاية أنها صارت بلا إنسانية لأنها تعيش في زمن قاتم قالت عنه (حكمت):
(حكمت: تظنين أنك وحدك المريضة هنا. منذ مات الرجلان أصبحت الحياة لا تطاق، صعبة كما هي صعبة عليك أيضا. أحيانا أفكر في رحلاتنا المشتركة معا إلى الإسكندرية في الصيف... هل تتذكرين يا أمينة؟)15
 هنا يبقى التذكر هو المتعة المُتخيّلة التي تملأ حياة (أمينة) و(حكمت)، ويبقى تناول ما يملأ النفس من سواد وعتمة هو الحلم بالشفاء الذي لا يشفي، ولا يقدّم أي حل، فيدفع (حكمت) إلى القول إنّها فقدت الشعور بكل شيء:
 (حكمت: أنا لم أعد أشعر بإنسانيتي)16
 وتأكيد الحالة بنفي الحالة لا يعني سوى التصوير الدقيق لما تقوله الحالة النفسية والجسدية لـ (أمينة)، وما لحق بها من عجز ألمّ بها، وتكون (حكمت) هي خلاصها من هذه الحالة، وتكون هي التي تواسيها، وتؤازرها في محنتها، وتبعث فيها الأمل بالحياة، وتخفف من قساوة غضبها على حالتها النفسية الهشّة، وحين تنفي (أمينة) هذا الغضب، فإنها تنقل الحديث من الذاتي إلى سياق ما هو عالمي:
أمينة: لم أغضب.. لم أغضب على الإطلاق.. لقد تعبت تماما. ولم أعد أطيق أحدا، حتى نفسي صارت ثقيلة علىّ.. أذناي صماوتان وأحشائي تأكل بعضها.. وعيناي صارتا كليلتين لا أبصر بهما شيئا سوى الذل اليومي... هل تشعرين بشيء من هذا كله؟
حكمت: كل ما ترينه محض تهيؤات... الحياة ما زالت جميلة إلى حد ما... إلى حدّ بعيد) 17
حين تتجمّع حالات (أمينة) ومعاناة (حكمت) في حالة تراجيدية واحدة لتكوين رؤية واحدة حول العالم تكون النتيجة التي صاغها الكاتب هو الإقرار بوجود كل أبطاله التراجيديين في عالم دموي قائم على الاقتتال والقتل الجماعي وتجويع الشعوب، لأنه عالم محكوم بالضجيج، واللغط السياسي والزور والبهتان، ويمكن أن نعدّ هذا الإقرار الدلالي بمنزلة رؤية مركزية موجودة بتعابير وصيغ مختلفة في كل الأعمال المسرحية التي كتبها سعيد حجاج.
ترتدي هذه الحالة دلالاتها المستمدة من كلام الشخصيات لتلائم بين المواقف وهي تجمع بينها حتى لا يبقى موضوع الكتابة مرتكزا على الحالة العبثية لحياة الشخصيتين الأساسيتين في الكتابة الدرامية، وهذا يظهر في السؤال عن الخبر وما يحمله في حديثه عن الوضعية في الألم.
(حكمت: اسمعي الأخبار.
أمينة: أية أخبار هذه التي تريدين أن أسمعها؟ فلان يحارب علان... وعلان يقتل ترتان.. لم يعد سوى الدم يغطي كل شيء.. ولم تعد سوى أخبار عن اللصوص والدجالين الذين يعدون الناس بكشف المستور. لم يعد سوى الشيوخ الذين لا يفعلون شيئا سوى أن يعدونا بالفردوس المفقود... أما هذه الحياة وما يجب أن نفعله فيها لكي تكون حياتنا لها أية قيمة.. فإنهم لا يجدون معها أية حلول. أية أخبار تريدين أن أسمعها يا عزيزتي؟)18
ومن هذا النقد لكل الظواهر المنتشرة في العالم العربي تبقى تيمة أخرى أو حالة اخرى لها حضورها الرمزي في كتابات سعيد حجاج وهي تيمة الموت التي يستعرض فيها تجربة الموت عند شخوصه وهي في نزعها الأخير تفكر في انتهاء حياتها.
(أمينة: “صمت” زوجي كان محقا تماما حين سألني عن رأيي في أن يقتلني وهو في النزع الأخير أو أقتله أنا حين تقترب روحي من الخروج. بهذا لا يستطيع أيٌّ منا أن يموت دون الآخر أو يذهب وحده إلى هناك ليترك الآخر معذبا هنا.. لكنه خانني كعادته ومات دون أن يفعل ذلك معي. لقد تركني وحيدة مهجورة.. حتى أنني لم أعد أعرف كيف ومتى سأموت.
حكمت: عقلنا صغير يا عزيزتي حتى أننا لا نستطيع به التكهن عن موعد ذهابنا إلى الله... إنها أشياء أكبر من عقولنا على من أظن)19
وفي هذا العالم الموحش لا يحافظ الزمن على سيره الطبيعي بعد أن تحول منزل (حكمت) إلى مكان تسكنه أشباح الماضي لا ترى فيه إلا أحباء على الجدران يرثون لحالها فيخرج الزوج من البرواز ليخاطبها، وهذا فيه إشارة إلى هذيانها أوصلها إلى أن ترى عقارب الساعة لم تعد تتحرك يمينا بل تتحرك لليسار، عطب الساعة المصنوعة في القرون الوسطى كطقوس الزواج، والأعراف والتقاليد، واختيار الزوج صدفة، وبناء السعادة صدفة، والألفة صدفة، ما من علاقة إلا وهي مبنية على الصدف، والخيبة تصبح ضرورة ونتيجة. والجنس لحظة.
ولم يقف الكاتب سعيد حجاج على عتبات المرأة وهو يعرض هذه الحالات في علاقتها بالزمن الموحش والغربة والكآبة والعزلة، بل دخل إلى مخدعها وتركها تتكلم على علاقتها الحميمية بزوجها:
(حكمت: حين كان يجمعنا فراش واحد لم يكن يبقى معي أكثر من دقيقتين... وحين يفرغ من مأربه يستدير إلى الناحية الأخرى محتضنا وسادته الأثيرة معطيا لي ظهره ويستغرق في نومه حتى صبيحة اليوم الثاني. لم يكن بعدها ينظر في وجهي ليشعرني أني امرأة لا بد لها من مكافأة النظر إلى وجهها بعد وجبته.
لا تظني أني لم أحدثه في هذا الأمر. لقد حدثته بالفعل فصرخ في وجهي ناعتا إياي بالبرود وقال لي صارخا لم أعد أحبك يا امرأة فلماذا يكون عليَّ أن أحتضنك أو حتى أهمس لك بكلمة ما... قال لي لم أعد أحبك يا أمينة)20
 وفي صخب الصمت العنيد المطبق على (أمينة) و(حكمت)، وفي يمّ التفكير العميق في اتخاذ قرار الانتحار، أوالعدول عنه، يُنبت الكاتب في رحم الحالة النفسية لأمينة وحكمت قصة العنف والخيانة، والسكين كأداة للقتل.. لكن يبقى تنفيذ هذا الانتحار خروجا عن الإيمان الذي يعمّر قلبيهما:
 (أمينة: ماذا تريدين يا حكمت؟
 حكمت: أريدك أن تكرهيني
 أمينة : لا ... أنا أحبك...)21
 لقد أرادت (حكمت) أن تستولد حقد (أمينة) من قصة مفتعلة تدور حول خيانتها لها كصديقة حتى تدفع بها إلى الانتقام لتصفيتها جسديا حتى تتحرر من عذابات الأيام ومن الأذى الذي تعيش فيه في عالم أشد ظلما وقسوة، ليبقى التحريض على ارتكاب هذه الجريمة لا يعني إلا التطهير من حالات القرف، والغثيان التي تلازمها وهي تتكلم وتوجه الاتهامات والنعوت لأمينة مثل اللؤم والخيانة وقلة حيائه حيائها، وأنها حية رقطاء، وحمالة أوجه دون وجه حب، وكل هذا من أجل دفعها إلى ارتكاب الفعل.
 حكمت تريد من أمينة أن تغرس السكين في صدرها حتى تموت لتنهي عذاباتها، لكن أمينة تؤكد لها حبها ووفاءها لأن لا حياة لإحداهما دون الأخرى، ويفلسف الكاتب سعيد حجاج قضية الموت، ويؤكد على لسان أمينة : (ليس لنا أن نموت وقت ما أريد أو وقتما تريدين)22
لكن القتل يبقى هو الاختيار الذي سيضع خاتمة لعذاب (حكمت) الذي طال وآستطال واستطال:
(حكمت: لكنني أريدك أن تقتليني دون أن يكون في قلبك ذرة حب لي، ولِكَي تستطيعي الإقدام على هذه الخطوة يجب أن تعبئي قلبك بكراهية لا حدّ لها، ويجب أن تعرفي أنني لا أحمل أية ذرة من كراهية لأحد... ولو حتى لزوجي الذي كان محشوا بكراهية معتادة ... فقط كنت أقول هذا لمن حولي لأننا كان علينا أن نملأ أوقاتنا بكلام ما... حتى ولو كان غير حقيقي على الإطلاق. افعلي أرجوك... أرجوك أن تفعلي.. فأنا لا أستطيع الانتحار وأنا أحمل في قلبي كل هذا الإيمان بالله.
 تتحرك شفتاها وهي ناظرة للمطلق بينما أمينة تهذي بكلام غير مفهوم في همس) 23
 في مسرحية (ألم الوقت) تتعدّد الآلام نتيجة انكسار شعور (أمينة)، و(حكمت)، ويلجأ الكاتب سعيد حجاج إلى الالتفاف على مصيرهما المجهول ليكتب حكايات صغرى هي سيرة خاصة بهما جمّعها من أزمنة مختلفة، ووضعها في حوارات لا تربط بين عناصرها سوى صدمة الحنين، وصدمة الفشل، وصدمة الرتابة، وصدمة الرغبة في الانتحار، وهي الصدمات التي كانت تدفع بالبطلتين كي تواجها اليأس بالأمل.
 ومن الصدمة، ومن حالات العبث في هذا النص تبقى البنية العميقة في هذه المسرحية تصويرا لقضايا وجودية عند المرأة تنقسم بين الوجود والعدم، بين حب الحياة، والبحث عن معنى الموت، ومعنى الحياة، ولعل السمة الأبرز في حيوية الكتابة تكمن في قدرة الكاتب على استجلاء نفسيات البطلتين، وتطويع لغته كي تقوم بمهامها في بلورة الحالات والصراع، وهذا ما يمكن تصنيفه كمظاهر من مظاهر الحساسية الجديدة في المسرح المصري الذي صار في كل تجاربه الكتابية يُلح على التخلص من العالم المغلق بعد جعل البديل الموضوعي لهذا الانغلاق الانفتاح على الذات، وعلى العالم.
وفي تجريب التعامل مع حساسيات إبداعية أخرى تنتمي إلى نصوص سردية أخرى لها علاقة بعالم الرواية والقصة يتولى الكاتب سعيد حجاج نقل كل دلالات هذه النصوص لعالم المسرح الذي يريد إنجازه مستفيدا من كل الطروحات الفكرية، والسياسية التي تتضمنها هذه النصوص متوخيا تشغيلها في تركيب عناصر الفرجة بهذه الحساسية وذلك بمسرحة هذه النصوص التي تعتبر تجربة مُميّزة للكاتب تضاف إلى تجربته في الكتابة المسرحية.
المبحث الرابع
مسرحة النصوص السردية في تجربة سعيد حجاج
يمثل عالم السرد بكل أنواعه وتوجهاته وجغرافياته الثقافية، مرجعا محوريا يرجع إليه العديد من المبدعين المسرحيين في الوطن العربي كي ينجزوا نصوصا تتوفر على بلاغات السرود العالمية التي يتفاعلون معها ومع كل غرابة تستهويهم بما تقدمه من أشكال ودلالات، وتميزات تحفزهم على النهل منها لكتابة غرابة ما يكتبون.
بكل تأكيد فإن عالم السرد هذا كما يتجلى نوعه في الرواية، أو النص المسرحي، أو السرد القصصي يبقى مثيرا لفضول كل قراءة تريد الكشف عن أسرار بلاغة البناء فيه، و الاستمتاع بأسرار صياغة المتخيل بالواقع في أحداثه، أو صياغة الحالات بغير الواقع حتى تصل إلى إثارة الرغبة في المتلقي كي يتتبع بلهفة ممتعة ما تقدمه من خطابات جمالياتها تكمن في شكل صياغاتها، وبلاغتها تكمن في البنيات التي تحتضن الموضوع بخصوصيات بناء النوع.
لقد وجدت تجربة المسرح العربي بعامة، والمصري بخاصة عالما جديدا في عالم السرد المسرحي والروائي والقصصي كونهما يقدمان النماذج والتجارب التي أثثت تاريخ كل تجربة، وكتبت تاريخ كل مبدع كان له تأثيره في المسرح، أو الرواية، أو القصة، فجاء الاهتمام بهذا العالم بسبب الموضوع والطروحات الاجتماعية التي كانت قريبة مما كان يعيشه الوطن العربي من قضايا اجتماعية وفكرية وتوجهات كانت تريد أن تنفتح على تجارب أخرى لتكتب بعض ملامح وإشكالات الواقع العربي أثناء نقل النص الآخر من سياقه الدلالي ليصبح منتميا إلى الواقع الجديد دون الإخلال بجوهر الموضوع الأصلي.
لكن التعامل مع هذا العالم بكل ما يتوفر عليه من تراث ثقافي مختلف نجده قد أعطى لتجربة المسرح العربي أشكال اختلافها وهي تنتج قراءتها للمتون الأخرى لتبني نصوصا ذات ملامح خاصة تنتمي إلى السياق الجديد الذي هو هويتها التي تنتقل إلى هوية النص الجديد، و كان من طبيعة هذا الجديد أن يكشف عن رؤية الكاتب وهو ينقل واقعا إلى واقع آخر، ويُوطّن هذا الجديد في الاختيارات الفنية، والاجتماعية والدرامية التي تكون جامع الخاصيات التي تميز هذه العملية التفاعلية مع تجارب أخرى.
لقد كانت المصادر والمراجع التي يتعامل معها المسرحيون العرب أثناء إعادة كتابة مفردات التراث السردي محصورة في التراث العربي، والمسرح الغربي، وهذا ما كان يخفي حقيقة تحويل ما تقوله هذه المصادر والمراجع في النص الجديد بعد أن يكون هذا الفعل الكتابي قد أنجز تحويلا دلاليا كان يراعي ـ أول ما يراعي ـ -أول ما يراعي- السياقات الجديدة التي ستستقبل الظاهرة الكتابية الجديدة بكل ما تحمله من عناصر الفرجة وهي تجمع بين كل عناصر ومقومات العرض المسرحي، وهو ما انخرط فيه الكاتب سعيد حجاج في تجريب كتابي يجمع ما بين استراتيجية التجربة وغاياتها لتنويع التجارب الكتابية المسرحية في المسرح المصري.
هذا النوع من الكتابة التجريبية لم يكن اختيارا معزولا عن باقي الاختيارات الأخرى التي كانت تراهن على تأسيس حساسيات جديدة في تجربة المسرح المصري، ولم تكن بمنأى عن محاولة إدماج التجربة الجديدة في العلاقة الجدلية بين شكل كتابة النص المسرحي، وبين تجارب الإخراج المسرحي الجديد الذي عرف طفرة ملحوظة في التعامل مع النص المكتوب، ويمكن اعتبار الثمانينيات من القرن العشرين مخاضا قويا كان يحفر بقوة زمن تشكل مدّ تجديدي في الإخراج المسرحي بحثا عن بلاغة جديدة تتأسس على بلاغة الصورة، وبلاغة الجسد، وبلاغة العلامات التي تكتب معاني النص اللغوي سواء كان مكتوبا أصلا للعرض، أو كان مأخوذا من نصوص سردية أخرى، وهو في هذا التوجه التجديدي كان يقدم نصوصا ستتحول إلى عرض يمتلك أنفاسا حيويته تحرّك جماليات هذه الحساسية الجديدة في الإخراج المسرحي مع كل من انتصار عبد الفتاح، والدكتور محمد عبد المعطي، وشريف صبحي، وناصر عبد المنعم، وحسن عبده، وخالد جلال، وإميل شوقي، وأكرم مصطفى، ومحسن حلمي، وعبد الرحمن الشافعي....
عندما قدم الكاتب سعيد حجاج مجموعة من المسرحيات التي استمد مقوماتها الدلالية من نصوص سردية أخرى مصرية وغربية فهذا يدل على أن تجربته كانت قائمة على العديد من الأسس التي كانت تبني بناء كل نص حسب مرجعه تمشيا مع أشكال تحويله من منظومة سردية إلى سيرورة سردية أخرى تراعي الكتابة الدرامية، وكأنه كان يقوم بهذه العمليات ليهيئ النص المكتوب إلى زمن العرض ليكون مع المخرج المسرحي مشاركا في رسم زمن بناء الفرجة.
هنا يمكن أن نتساءل:
• ماذا يعني الاحتفاء بمسْرحة نصوص سردية أخرى تنتمي إلى سياقات سردية أخرى؟
• هل يعني هذا أن الكاتب سعيد حجاج كان يقوم بهذه العمليات التمسرحية لتلبية حاجة فنية يريد بها توسيع مجالات اشتغال تجربته في الكتابة ضمن هذه الحساسية الجديدة؟
• وهل يحمل هذا التحويل معنى تجريب مسرحي يراد به إعادة كتابة نصوص أخرى من أجل امتلاك خبرات أخرى تساعد على تجويد مستويات الكتابة الدرامية المأمولة للتجربة المسرحية المصرية الجديدة.
تبقى كل هذه الأسئلة واردة أثناء الحديث عن مسرحة التراث السردي في تجربة سعيد حجاج وهي تلحّ على معنى هذا النوع من التجريب الكتابي التحويلي لنصوص سردية تنتمي إلى تجارب كتابية مغايرة لا علاقة -في الغالب- بالنص المسرحي، وتبقى الإجابة عنها ذات صلة وطيدة بالتراكم الذي حققه سعيد حجاج حين أصدر جامع هذه التجربة في كتاب موسوم بـ: (عيش السرايا).
تنكشف في جامع ما قدمه سعيد حجاج في هذا المصنف مجموعة من التوجهات التي حدّد بها منهجه في انتقاء النص الذي سيتعامل به أثناء مسرحة النصوص السردية الأخرى ونقلها إلى تجربته الخاصة، وأهم مكونات هذه المنهجية التي أوجد لها مبررات دمجها في عملية بناء النص الجديد هو ما يظهر في المشترك والمختلف بين هذه النصوص.
المشترك في المسْرحة، والمختلف في التحويل، لا يظهران كعمليات إجرائية إلا بعد إنجاز كل نص على حدة بعد أن يكون هذا النص قد استوفى شروط هذه المسْرحة أثناء تشكله، وبعد أن تكشف بنية كل نص على أنه موجود بما وجد به اعتمادا على مرجعه، واعتمادا على جوهره، واعتمادا على شخوصه التي تبقى حاضرة بملامحها، وهويتها، وأفعالها التي يمكن أن تتغير جزئيا تمشيا مع متطلبات السياق المصري وما يفرضه الكاتب نفسه على عملية التناسج الجزئي بين رؤيته ورؤية النص الأصلي.
هذا التناسج يظهر بجلاء في مستوى بناء النصوص المُمسرحة التي تحافظ في أكثر من تجربة على العنوان الأصلي للنص، و تحافظ على شخوص النص الأصلي -أيضا- فلا تغادر الجوهر إلا لحاجة في نفس الكاتب الذي ينقل السرد من بعده الوصفي، والسردي للأحداث لبناء الحوار الدرامي المتماسك بتماسك الأحداث.
بهذا التناسج كانت بنيات كل النصوص المُمسرحة مبنية في بنية واحدة أساسها البناء المشهدي للمشاهد في فصول موزعة بين مشاهد، وأساسها بناء اللوحات الموزعة على فضاء اللعب المسرحي لتبقى أهمية هذا البناء يعني نشدان الكتابة المختصرة للأحداث سواء في المشاهد أو اللوحات وهذا ما يميز هذه الحساسية الجديدة التي يراهن عليها الكاتب برؤيته وبلغته، وبشكل بنائه لنصوصه الممسرحة في المسرحيات التالية:
• السرايا الخضراء : من تأليفِ ماشادو دي أسيس، عن رواية (السراية الخضراء) والاسم الأصلي (طبيب الأمراض العصرية) ترجمها خليل كلفت سنة 1991. وهي نص مكتوب بالفصول والمشاهد.
• خالتي صفية والدير : عن رواية بهاء طاهر. وهي نص مكتوب
• ليلة عرس : عن رواية (ليلة عرس) ليوسف أبورية. وهي نص مكتوب في شكل لوحات.
• الرجل الصلصال : عن قصة عدلي عزة عدلي منظر
• أشياء مفقودة : عن قصة منى ماهر.
تعتبر هذه التجربة تطبيقا لما راكمه سعيد حجاج من مهارات، وكفايات في الكتابة المسرحية، كما تعتبر كتابة على كتابة لأنه لا يكتفي بمسرحة النص الروائي الأصلي بل إنه يضيف من عندياته بعض الأحداث والحوارات، دون الإخلال بالنص الأصلي حتى يكون منسجما مع خطه الفكري، واختياراته الفنية التي لا يراها كاملة إلا بعد أن يرى النص المُمسرح كاملا تاما على مستوى اللغة والرؤية، والزمن والتفاعل بين الشخوص.
عندما نقرأ هذه النصوص المُمسرحة فإننا لا نجد أنفاس السرد إلا في أنفاس الحوارات بعد أن يكون سعيد حجاج قد خفّف من هيمنة الوصف والحكي وكل غاياته هو الفعل في ما تمّت مسرحته، وغالبا ما كان يستعين بالراوي بدمج كلامه بكلام الحوارات.
إن تجميع كل المسرحيات التي تشكل تجربة سعيد حجاج في المسرحة، وتقديمها في أضمومة (عيش السرايا) ستبقى ذخيرة مسرحية تجريبية لا يمكن فصلها عن تجربته ككاتب استطاع أن يوحّد ما بين ما يريد، وبين ما تريده مرجعيات ونصوص أخرى يريدها أن تتزاوج مع ما يريد بخطابات مسرحية سبّاحة في عمق التجارب العربية والغربية بحثا عن إمكانات تواصل حقيقي مع مجتمع مصري يريده أن يرى صورته في صورة أدبه وشعره ومسرحه وهذا ما راهن عليه الكاتب سعيد حجاج في تجربته الإبداعية.
خلاصات
الناظم الدلالي الجامع لكتابات سعيد حجاج المسرحية هو تعدد المواضيع التي كتبها، أو عبّر من خلالها عن مجموعة من القناعات التي لا تمثل رأيه الخاص، ولا تقدم اختيارا بعيدا عن مرجعه الاجتماعي والسياسي، بل أنه يقدم خلاصات تفاعله مع النظريات وممارسات المسرح في مصر، ويقدم رؤية طبقة اجتماعية، ونخبة المثقفين الذين حملوا مثله نفس الهواجس، وعانوا نفس المعاناة، وعايشوا آلام مجتمع كان ينهار من الداخل، وتتآكل قيمه رويدا رويدا.
هذا الناظم الدلالي بكل وضوحه وبكل بيان موقفه من قضايا عصره، ظل موسوما بوعي الكاتب وهو يصوغ موضوع المرأة والعدالة والجحود والحروب، والهيمنة السياسية المختلة على مجتمع يريد أن يتحرر من خللها.
بهذا نقول إن كل نص مسرحي من النصوص التي كتبها سعيد حجاج تبقى كشفا عن زمن كان يخبئ تاريخه بالمغالطات أو الادعاء أو التمويه، وتبقى نصوصه المسرحية ترويضا للرمز الذي يكتب إيحاءه حتى يعبر بالعبث عن القضايا العصية على الفهم أو الكتابة أو التفكيك، وإعادة تركيب ما تمّ تفكيكه.
 ومن الخلاصات التي أوصلتنا إليها قراءة النماذج المختارة، وبعد فهم دلالاتها في علاقتها بالأنساق التي كانت تنتج رؤيتها للعالم، و كونت بنية النصوص المسرحية المبنية على الاختلاف الوظيقي في الكتابة من نص إلى آخر، نقول إن تعلق الكاتب سعيد حجاج بالكتابة الرمزية، والاستعانة بالنصوص السردية هي التي جعلته يختار منها موضوعه المناسب لرؤيته لعالمه وذلك أثناء مسرحة الواقع بالأدوات التي تساعد فعل الكتابة على أن يصبح دراميا.
 يظهر هذا التميز في المستويات والدلالات التالية:
• اختيار استراتيجية الاقتصاد في العبارة في كتابة حوار الشخصية.
• وضع الأحداث في الأماكن المغلقة ليكون لذلك تأثيره على نفسية شخوص المسرحية.
• نقد ما تقوم به الجرائد من نشر التفاهات حتى يبقى القارئ بعيدا عن الحقائق والأحداث الحقيقية لمدينته ووطنه وهويته وذاته.
• أن كل نص مسرحي يكتبه الكاتب يبقى مكتفيا بعالمه، وقضاياه.
• اعتماد الكتابة المشهدية على التوثيق للحظات التراجيدية التي تعيش فيه كل الشخوص.
• عدم اعتماد صورة البطل بمفهومه الكلاسيكي لكتابة المسرحية.
وعندما تجتمع كل هذه الخاصيات في المشروع الكتابي المسرحي عند سعيد حجاج فإنها لا تفيد إلا في القول إنها كانت أساس تجاوز الأنماط المسرحية المعروفة لتأسيس حساسية الكتابة الجديدة، وتحقيق طفرة هامة في التجريب المسرحي، وفي الأخير تبقى كتابة سعيد حجاج إضافة نوعية للمسرح المصري.
هوامش
• سعيد حجاج :
• المرجع نفسه : ص15 .
• المرجع نفسه : ص11
• المرجع نفسه : ص26 .
• المرجع نفسه : ص 39 .
• المرجع نفسه : ص 13 .
• المرجع نفسه : ص 23.
• المرجع نفسه : ص 17 .
• سعيد حجاج 3 مسرحيات من زماننا ـ
• ألم الوقت الهيئة العربية للمسرح ـ
• نصوص ـ 14 سنة الطبع : 1453 ه ـ 2014 م ـ ص 24 .
• المرجع نفسه : ص 24 .
• المرجع نفسه : ص 25 .
• المرجع نفسه : ص 25 .
• المرجع نفسه : ص 26.
• المرجع نفسه : ص 27 ـ 28 .
• المرجع نفسه : ص 29 .
• المرجع نفسه : ص 31 .
• المرجع نفسه : ص 31 .
• المرجع نفسه : ص 33 .
• المرجع نفسه : ص 34 .
• المرجع نفسه : ص 37 .
• المرجع نفسه : ص 45 .
• المرجع نفسه : ص 46 .
• المرجع نفسه : ص 46 ـ 47
• المرجع نفسه : ص (؟؟؟؟)
المحتويات
تمهيد
المبحث الأول
• دراماالكتابة بأحوال الذات
المبحث الثاني
• في معنى تدبير حالات العزلة
المبحث الثالث
• الحالة النفسية للمرأة في زمن العزلة.
المبحث الرابع
• مسرحة النصوص السردية في تجربة سعيد حجاج
خلاصات
عبد الرحمن بن زيدان
 


إبراهيم جلال

Ibrahim@gmeil.com