«عجيب وعجيبة» عودة التراث الشعبي

«عجيب وعجيبة»  عودة التراث الشعبي

العدد 851 صدر بتاريخ 18ديسمبر2023

إن التراث يمكن أن يكون حدثًا تاريخيًّا، أو إبداعًا في مجال الأدب أو لوحة فنية أو اختراعًا علميًّا أو نحتًا أو بناءً معماريًّا أو أمثالًا شعبية أو تقليدًا معيّنًا، وهذه الآثار هي التي تشكل هوية المجتمعات وتميّزها عن غيرها. 
تعدد مصادر التراث لكننا نركز على الموروث الشعبي الذي يتكون من الحكايات الشعبية، كالأشعار والقصائد المغنّاة والقصص الشعبية، وخصوصًا القصص البطولية والأساطير والحكاية الخيالية، كما يضمّ هذا النوع من التراث أيضًا مختلف أنواع الفنون والرقص وأنواع الحرف المختلفة، ويعد اللعب والأغاني والأمثال المتداولة والألغاز وقصص الأطفال والمفاهيم الخرافية أيضًا التي لا تمّت للحقيقة بصلة موروثات شعبية من القدم، أيضًا الاحتفالات والأعياد الدينية التي تتميّز في كل حضارة عن غيرها من الحضارات والثقافات الأخرى. 
هذا ما يتوافق مع طبيعة العرض المسرحي عجيب وعجيبة، من إخراج محمد الصغير، وتأليف سعيد حجاج، تقدم على خشبة مسرح السلام من إنتاج فرقة المسرح الحديث - وزارة الثقافة، يستلهم النص حكايات ألف ليلة وليلة رابطا بين الحكايات الأربعة المختارة بشخصيتين هما عجيب وعجيبة الزوجان النصابان، فالحكايات التي بنى عليها العرض فكرته تدمج في طياتها فكرة الطمع لدى البشر، وأن الشخص النصاب لا يمكن أن يخدع شخصا قنوعا. 
فالمسرحية التي تدور أحداثها المستوحاة من التراث الشعبي حول عجيب وعجيبة الزوجين النصابين اللذين يبيعان حيواناتهما الأليفة على أنها تملك قدرات استثنائية، فبداية مع الحمار الذي اشترياه من أحد التجار وأذاعا خبر أنه يخرج الذهب من فمه عند شعوره بالسعادة، جعل التاجر يطمع في استرداد حماره وعند لجوئه إلى الشهبندر طمع الشهبندر في الحصول على الحمار، وتجاهل وجوده كحكم بين عجيب وعجيبة والتاجر، وتتكرر فكرة اللجوء إلى شخص ليحكم بين عجيب وعجيبة أكثر من مرة، وفي كل مرة يلجأ عجيب وعجيبة لبراعتهما في الكلام في أن يبيعا حيوانا مختلفا لمن تقدم للفصل في نزاعهما مع من باعهما الحيوان، فقد باعا الكلب الذي يملك القدرة على القيام بالأعمال المنزلية للمحتسب، ومن بعده المزمار الذي يقوّم سلوك الزوجة لحامي الديار، وأخيرا تمكن عجيب من النجاة من محاولة التخلص منه بوضعه في شوال وإلقائه في البحر بإقناع تاجر غنم بأن أهله يجبرونه على الزواج من فتاة غير حبيبته، وأنها على الرغم من غناها إلا أنه لا يريد ذلك، ليدفع طمع راعي الغنم لاستبدال مكانه مع عجيب، ويحصل عجيب على الأغنام، ويصل الخبر إلى حاكم الديار الذي يكون هو حلقة الخداع الأخيرة في سلسلة عجيب، حيث يقوم بسؤال عجيب عن طريقة نجاته ليختلق عجيب حكاية الجنية التي ساعدته على النجاة، وأعطته هذه الأغنام، وأن بإماكنها تحقيق الأمنيات، ليحاول حاكم الديار أن يستغل الجنية لحل أزمة مادية عنده، ليقع في فخ عجيب ويموت في البحر، وينتشر الخبر ليلقي كل أهل الديار بأنفسهم في البحر.
قام مخرج العرض بالتركيز على الطمع البشري الذي يقود صاحبه إلى التهلكة، مستخدماً تقنيات المسرح الشعبي من الراوي والأراجوز وخيال الظل، وإن كان خيال الظل مستخدما في شغل أكثر تطورا، معتمدا على تقنية الفيديو التي جسدت جزءًا من الحكاية على الشاشة فيما يشبه خيال الظل، ونلاحظ أن المخرج الذي قام بدور الراوي يتواجد على يسار خشبة المسرح طيلة العرض بجواره صندوق الأراجوز الذي يظهر في عدد كبير من المشاهد وعلى يمين المسرح تتواجد الفرقة الموسيقية طيلة العرض هي الأخرى؛ لتكتمل جوانب العرض الشعبي. 
 قام المخرج بكسر الإيهام منذ بداية العرض جاعلا من الممثلين يدخلون من الصالة وسط الجمهور، وقام الممثلون بالتواصل مع الجمهور في شكل بسيط يدخل طابعا من المرح على الجمهور، وهذا يتناسب مع تقنيات المسرح الشعبي الذي كان يتواصل مع الجمهور ويشركهم في الحوار. 
قد كانت الملابس والإضاءة والديكور مناسبة لطبيعة وفكرة العرض، إلى جانب الموسيقى الشرقية التي كانت تعزف على خشبة المسرح بشكل مباشر، وهذا كله جعل الجمهور يتفاعل مع العرض والاستعراضات والأغاني المغناة والمؤداة من قبل الممثلين.
إن عودة المسرحيات المستلهمة من التراث أمر في غاية الأهمية حتى يتعرف الجيل الجديد على تراثهم، فالتقدم والتطور لا يعني التخلي عن الأصل والماضي. وجعل العرض بسيطا مناسبا للفئات العمرية المختلفة من الأطفال للكبار هو أمر جيد، فالعرض يعرض ما قدم كثيرا في الماضي في شكل جديد وربط منضبط بين الحكايات، مستخدما صورة مناسبة تجذب الكبير والصغير.
العرض بطولة سيد الرومي، ودعاء رمضان (دودا اليوسف)، وإيهاب بكير، ووليد أبو ستيت، ورضا طلبة، ومحمد الصغير. وأشعار محمد علي هاشم، موسيقى وألحان محمود وحيد، استعراضات أحمد سمير، صممت ديكورات العرض سارة شكري، والأزياء سماح نبيل، والإضاءة أبو بكر الشريف، وأراجوز إسلام أحمد، وخيال ظل ومخرج منفذ نور سمير.


محمد أحمد كامل